رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الليالى تضيئها الأقمار .. مملكة «الشعر الأبيض»

بوابة الوفد الإلكترونية

ملف اعدته: رحمة محمود .. اشراف : نادية صبحي

 

6 ملايين مصرى يستقبلون الشيخوخة بالأمل والعمل والزواج

 

«بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عينى، فلم يُغنِ البُكاءُ ولا النّحيب.. ويا لَيتَ الشّبابَ يَعُودُ يَوْماً فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ»، بهذه الأشعار الحزينة، تباكى الشاعر أبوالعتاهية -أعظم شعراء العصر العباسى- على مرحلة الشباب، وتمنى ألا تنتهى أبداً، لترد عليه «بيتى فريدان» منظرة وزعيمة حركة المرأة أو حركة تحرير المرأة فى الولايات المتحدة الأمريكية، بتفاخر شديد بعمرها وما حققته، وتقول إن «الشيخوخة ليست فقدان الشباب، وإنما مرحلة جديدة للفرصة والقوة».

بين البكاء على أطلال الماضى والتحسر على الشعر الأبيض وانتهاء فترة الشباب، والسعادة التى لا تفارق البعض الذين يعيشون الحياة كما هى ولا يحتسبون العمر بعدد السنوات، وإنما بعدد اللحظات والأوقات الممتعة التى عاشوها أو سيعيشونها فى المستقبل، تتشكل مرحلة الشيوخة ويفترق أصحابها إلى طريقين مختلفين.

شهر أكتوبر، حددت الأمم المتحدة الأول منه ليكون اليوم العالمى للمسنين أو اليوم العالمى لكبار السن، بهدف دعم المسنين وإبراز دورهم فى التنمية الشاملة من خلال تسليط الضوء على أهم القضايا التى تتعلق برعايتهم والخدمات المقدمة لهم وتأهيلهم.

والمسنون فى مصر يمثلون شريحة غير قليلة من المصريين، ويصل عددهم حالياً 6.410 مليون مسن (3.418 مليون ذكر، 2.992 مليون أنثى) بنسبة 6.7%، (6.9% ذكوراً، 6.4% إناثاً) من إجمالى السكان ومن المتوقع ارتفاع هذه النسبة إلى 11.5% عام 2031.

بينما بلغ عدد الأسر التى ينفق عليها مسن 4.542 مليون أسرة بنسبة 19.4% من إجمالى الأسر المصرية، وعدد المشتغلين 1.256 مليون مسن منهم: 54.1% يعملون فى الزراعة والصيد، و15.4% يعملون فى تجارة الجملة والتجزئة، و55% يعملون فى نشاط النقل والتخزين.

هذا الملف يستعرض آمال وآلام كبار السن.

 

العريس 74 سنة والعروس 63  .. زغرودة حلوة فى «دار المسنين»

 

كان مشهداً جميلاً فى دار المسنين.. تعانق الحياة ظهوراً محنية وتلف أطواق ورد الربيع رؤوساً اشتعلت شيباً، لكن ما زال القلب قادراً على دق طبول الفرح وعزف أنشودة البهجة.

عرائس وعرسان فوق السبعين.. هل يبحث المتزوجون المسنون عن فرصة «إعادة البدايات»؟.. نعم.. ويحصلون عليها بكل تأكيد، فما حدث بين الحاج عبداللطيف والحاجة زينب وثيقة تأييد للفرحة بعد طول الأحزان، فالرجل البالغ من العمر 74 عاماً وجد أخيراً فرصة للعيش عندما رأى جارته فى الدار التى تخطت 63 عاماً، نسى الاثنان خبرات الحياة السيئة.. التى انتهت بهما إلى دار رعاية مسنين بالمنوفية.. لا يتحدثان كثيراً عن الماضى.. ولا يجد كل منهما فى الحاضر إلا كل الخير بعدما أعلنا رغبتهما فى الزواج وبارك الجميع قرارهما الجرىء.

نفس الأمر فعله الحاج سليمان بزواجه من «الست نادية» كما تعود أن يناديها وكل ما يتمناه أن يجمعهما الله معاً فى الجنة كما جمعهما فى آخر أيام العمر فى الدنيا.

وحالات الزواج بين المسنين فى دور ينظر إليها المجتمع كونها دلالة جحود للأبناء ونهاية ظالمة لقطبى العطاء بلا مقابل «الآباء والأمهات»، هى فى مثل هذه الحالات ترسم صورة أخرى لدار «بدايات العمر» وليست نهاياته.. المدهش أن هناك بعض الحالات أصرت فيها «العرائس» على لبس الطرحة والفستان الأبيض كما فعلت الحاجة زينب وكأنها تقول لا داعى للخجل.. بل هناك ألف داعٍ لإعطاء الأمل للعديد من كبار السن ورسم ضحكة على وجوه رسم الزمن على ملامحها تجاعيد هى شهادة عبور لدنيا جديدة ممكنة دائماً.

 

يحتاجون الحنان مثل الأطفال .. الأمراض والخوف من الوحدة.. أبرز الآلام

 

فى كل مرحلة عمرية تطرأ على الإنسان مجموعة من التغيرات الفكرية والصحية والنفسية والاجتماعية وغيرها، ومرحلة ما بعد الستين يطلق عليها البعض الشيخوخة، حيث لا يستطيع الشخص بذل مجهود كبير أو تحمل المزيد من الضغوط كما كان من قبل، وآخرون يرونها مرحلة الوعى والحكمة وينصح الكثيرون بمرافقة من بلغ المشيب، حيث يجمع من الخبرة والحكمة والتجارب التى تجعل أى فرد يقف على أعتاب صاحبها طالباً المشورة.

فى هذا الشأن، يشرح لنا د. خالد أبوحطب أخصائى طب الأسرة، كافة التغييرات التى يمر بها المًسن، فيقول: «فى هذه المرحلة العمرية تطرأ بعض المشكلات الصحية عند البعض، فمن الناحية الجسدية، يعانى المُسن من مشكلات فى السمع والبصر، فضلاً عن ارتفاع فى ضغط الدم ومرض السكر وعدم قدرة على الرؤية الجيدة تجعله يخطئ فى استعمال دوائه فيأخذ أكثر مما يجب أو أقل، أما من الناحية النفسية، فالكثير منهم يفضلون العزلة وعدم الاختلاط بالمجتمع.

وتابع: «هناك العديد من الاضطرابات النفسية والعقلية تصاحب هذه المرحلة العمرية، حيث تزداد نسبة إصابة المسن من 20% إلى 30 – 37% عن غيرهم، فضلاً عن ظهور أعراض مرض ألزهايمر (التدهور التدريجى فى وظائف العقل) المتمثلة فى حالات فقدان الذاكرة والقلق والارتباك التى تصحب الاكتئاب.

وعن كيفية التعامل مع المُسن وعلاج مشكلات الشيوخة، قال «أبوحطب»: «إن توفير الرعاية الصحية بالفحص الطبى والدورى للكشف عن أى مشكلات صحية، ورعاية المسن والاهتمام به أولاً بأول فى حل المشكلات أو إشباع الحاجات، فضلاً عن الاهتمام بعمل برنامج نشاط حركى جسمى وذهنى عقلى له لمساعدته على روح التفاؤل ليعيش شيخوخته بسعادة.

وأشار إلى ضرورة التعامل الجيد مع المُسن، خاصةً فى مرحلة عمرية يحتاج للحنان والرعاية والعطف مثل الصغير تماماً، ويجب ألا نبخل عليه بذلك، فضلاً عن عدم الاصطدام مع المسن فى رأى معين، وعدم الإلحاح عليه ومطالبته بالإسراع فى أمر ما واستعجاله ويجب أن نعطيه الوقت الكافى لإنجاز ما يريد عمله.

 

خبراء تغذية: أكلات خاصة تجدد «ما أتلفه الزمن»

 

نصح أخصائيون فى مجال التغذية بضرورة حصول المسن على جميع احتياجاته الغذائية، وعلى رأسها الفتيامينات والمعادن، خاصة التى تحتوى على كالسيوم وفيتامين ب.

وتقول دكتورة علياء هاشم، خبير فى معهد التغذية: ينبغى أن يتبع المُسن نظاماً غذائياً متوازناً يضم كميات كافية من الأغذية الصحية والمغذية بشكل عام، يجب أن تحتوى خطة نظامهم الغذائى على الكربوهيدرات (من الحبوب، الأرز البنى، والمكرونة، والقمح، والبطاطا)، والبروتينات (الخضار والبيض والسمك واللحوم والفول والبقول، وغيرها، والفواكه الطازجة).

وأشارت إلى ضرورة تناول بعض المأكولات التى تحافظ على صحة كبار السن، منها التفاح لاحتوائه على ألياف غير قابلة للذوبان تساعد على تقليل نسبة الكوليسترول فى الدم، كما أنه غنى بمضادات الأكسدة التى تحمى الجسم من الأمراض، والتوت الذى يعمل على امتصاص الجلوكوز ببطء فى الدم مما يحسن مستوى السكر لدى المصابين بداء السكرى، والكمثرى، التى تحتوى على ألياف غير قابلة للذوبان تنظم مستويات السكر فى الدم، وتحمى من سرطان القولون.

ونصحت «علياء» كبار السن بتناول سمك السلمون لأنه يحمى من الإصابة بالأزمات القلبية ويقى من عدم انتظام ضربات القلب لما يحتويه من أحماض الأوميجا 3، التى تعمل أيضاً على خفض ضغط الدم وبناء أغشية الدماغ بشكل جيد، بالإضافة إلى اللفت خاصةً الأوراق الخضراء تحتوى على نسبة عالية من أحماض الأوميجا 3 المفيدة للمخ وتنشيط الذاكرة فتحمى من الإصابة بألزهايمر لدى كبار السن، وأخيراً من المكسرات كالجوز، الذى يفيد كثيراً لحماية العين من الإصابة بأمراض الشيخوخة مثل المياه البيضاء وضعف النظر.

 

الحاجة سعاد:ابتسامة أحفادى تعيد شبابى

 

يقولون إن السيدات بعد الستين، يختفى جمالهن، ويطرق الحزن أبوابهن، خاصة إن كنا فقيرات، فضلًا عن معاناتهن فى العيشة فى بعض الأحيان مع أولادها، ما يضطرهن إلى الإقامة فى دار المسنين حتى لا يشعرن أولادهن بأنهن أصبحن حملًا ثقيلًا يجعلهم يتأففون من خدمتهن.

ولكن «لكل قاعدة استثناء» فهناك الآلاف بل ملايين السيدات رغم فقرهن فإن حياتهن لا تزال تضىء وينبعث منها الأمل وكأن العمر لم يمض منه شىء، فالحاجة سعاد أحمد، تعيش فى مكان أشبه بالكهف لا خدمات ولا صرف صحى، مجرد عشة صغيرة من الطوب الأحمر وبخارجها دكان لا يحميها من أشعة الشمس غير الألواح الخشبية، والعشة عبارة عن حجرتين، الحجرة الواحدة 6 أمتار وحمام صغير للغاية، فضلًا عن الأثاث المكسور فسرير هزيل وكراسى محطمة والدواليب لا أبواب لها، هذه مكونات مسكنها البسيط.

أصاب زوجها مرض خطير وأطفالها لا يزالون صغاراً، فقررت فتح دكان بسيط للبقالة فى عشتها الموجودة منطقة عزبة النصر بالبساتين لتنفق منها على أولادها، ورغم أنهم أصبحوا الآن شباباً وكل فرد منهما متخصص فى حرفة معينة ويكسب من عمله إلا أنها رفضت إغلاق المحل، واستمرت فى البيع.

 مش هقفل المحل لأنه «رزق أحفادى»، هكذا تبدأ حديثها، فالمرأة المسنة التى تخطت الستين عاماً، لا تشعر بالتعب أبداً أثناء عملها، بل تجد فيه متعة طالما أحفادها من حولها.

 وتقول «سعاد»: «مع أننا أسرة فقيرة والرزق على قد الحال، ولكن «الحمد لله» عايشين أحسن من ناس كتير، «لا يوجد فى هذه الدنيا أهم من ابتسامة أحفادى وسعادتهم».

 وتضيف: «الدنيا ضاقت فى وجهى بعد مرض زوجى، وخاصة أنه عامل باليومية وبلا دخل ثابت أعتمد عليه، لذلك فكرت كثيرًا أن أعمل خادمة فى منزل أو أى وظيفة ولكن أطفالى كانت لا تتجاوز أعمارهم 3 أو 4 سنوات، فلمن أتركهم؟ فقررت عمل مشروع لحسابى الخاص وهو محل بقالة بسيط أسترزق منه وأنفق منه على أولادى، والحمد لله ربنا كان بيفرجها ومش بينسانا».

 

عم أمين:سأموت لو انقطعت عن العمل

 

لا يفرق معه كبر السن.. يقتنع تماماً بأنه مهما «بلغ العمر أرذله» لن يمرض الجسد إلا إذا انقطع عن العمل.

عم «أمين محمد» 61 عاماً، رغم وصوله لسن المعاش، وانتهاء فترة خدمته كموظف بإحدى شركات القطاع الخاص، إلا أنه رفض الجلوس فى المنزل والاكتفاء بمعاشه، واحترف مهنتين يشتغل بهما كل يوم، وعن تفاصيل يومه، قال «أمين» إنه يستيقظ فى السابعة صباحاً، ليتجول فى الشوارع حاملاً إبريقا ضخما من الزجاج أو النحاس مصنوعا خصيصا للمحافظة على برودة العرقسوس طوال اليوم، ويحمله بواسطة حزام جلدى عريض والذى يُحكم ربط الإبريق حول الوسط، ومشدود على الخصر حزام يتدلى منه إناء صغير به مجموعة من الأكواب.

وتابع: «مهنتى فى الصباح أبيع العرقسوس، وبعد العصر أفترش الأرض فى سيدنا الحسين بلعب أطفال»، مشيراً إلى أن والده كان يعمل باع عرقسوس، لذلك ورث هذه المهنة أباً عن جد.

وشرح طريقة تحضير العرقسوس قائلاً: «يتم نقع النبات فى إناء زجاجى ليلة كاملة ومن ثَمَّ تصفيته، بعدها تبدأ عمليات التحلية والتعبئة فى الإبريق الزجاجى أو النحاسى، أما الآن فقد أصبح التحضير أكثر سهولة ولا يستلزم النقع ولا الإعداد فيتم بيع العرقسوس على هيئة مسحوق سهل التحضير».

وتابع: «زبائنى من مختلف طوائف الشعب، منهم أطباء ومهندسون وموظفون، وكمان الغلابة، يعتبر العرقسوس مشروبهم المفضل وذلك لأن

أسعاره ليست مرتفعة مقارنة بالمشروبات الأخرى والتى ارتفع سعرها فى الفترة الأخيرة».

 وعن حياته، أكد أنه يسكن بمنطقة البراجيل، قرية بسيطة الحال والناس الغلابة فيها كثير، ولكنه يفضل أن يغادر كل يوم قريته ليجوب فى الشوارع بمنطقة الدقى والتحرير.

واختتم حديثه قائلا إن مهنتة رغم أن رزقها قليل، لكن «الحمد لله كويس، أفضل من مفيش، خاصةً أن تكاليف الحياة أصبحت باهظة، ويا دوب اللى جاى على قد اللى رايح».

وأضاف: أرفض القول إن الحياة تنتهى بعد الستين، فالشخص الذى يقضى حياته فى عمل أفضل من الذى يعيش فى دوامات العمر، مؤكدا أن العاطل يشيب قبل الذى يعمل، مشددا على أن الحياة تبدأ بعد الستين، ولكن بطعم ولون مختلفين.

 

الحاج سليمان:«الحياة زى الشطرنج.. كل حركة بحساب»

 

إذا كان الكتاب خير جليس لمحبى القراءة، فالمقاهى خير المجالس لكبار السن، فالبعض منهم لا يرى متعته إلا بتمضية بعض الأوقات فى لعب الشطرنج وتناول كوب من الشاى والدردشة فى ذكريات الماضى والحاصر مع حشد من أقرانه العجايز.

فلا تخلو قهوة فى مناطق وسط البلد من وجود اثنين أو أكثر من كبار السن يتجمعون وأمامهم أكواب من الشاى، فهذه تسليتهم الوحيدة بعد بلوغ معظمهم سن المعاش وانتهاء فترة عملهم.

وتعلق المصريين وخاصةً كبار السن بالقهاوى قديم الأزل كقدم تاريخ المقاهى فى مصر والتى انتشرت مع الحملة الفرنسية فى مطلع القرن العاشر الهجرى، وكان عددها بالقاهرة ١٢٠٠ مقهى منتشراً فى مصر القديمة، لم يكن بها أثاث وكانت عبارة عن دكك تحوط المكان على شكل دائرى ليتبادل فيه الناس المنافع ويتعرفون على أحوال البلاد وأخبارها.

الحياة عبارة عن لعبة شطرنج، بهذه الجملة يفتح الحاج سليمان 64 عاماً كلماته لنا أمام إحدى القهاوى بمنطقة وسط البلد، وأمامه لوحة الشطرنج مقسمة إلى شبكة من 64 مربعاً، 32 منها بيضاء و32 أسود تتخللها مع بعضها البعض.

وعن سر حبه لهذه اللعبة، يقول: «يومياً بعد صلاة العصر، أخرج من المنزل قاصداً هذه القهوة، أجلس عليها وأنتظر أحد أصدقائى ليلاعبنى دور شطرنج، مشيراً إلى أنه تعلم من هذه اللعبة أن النور والظلام، ليلاً ونهاراً، الخير والشر، جميعهما يتعارضان مع بعضهما البعض، ولكن أيضاً يكمل كل منهما الآخر، لأن الواحد لا وجود له من دون الآخر.

واستطرد فلسفته بخصوص الشطرنج، قائلاً: «كل تحرك من تحركات قطع الشطرنج تشبه تحركاتنا فى الحياة، فإذا كانت جيدة، ستكون النتيجة النجاح والصحة وطول العمر، والعكس صحيح، إذا كانت هذه التحركات غير محسوبة ولا يتم التفكير قبل نخطو خطوة للأمام ستكون النتيجة الفشل والمرض والموت.

 وتابع: «لعبة الشطرنج هو تمثيل معركة بين الجانبين (الأبيض والأسود)، يرمزان إلى النور والظلام، فهو يذكرنا بالمعركة الروحية بين الخير والشر الذى نخوضه جميعاً داخل أنفسنا، أما اللوحة فتجسد فكرة الوئام، النظام والتوازن، حيث كل قطعة لابد أن تكون فى مكانها وإلا سيختل النظام.

واختتم حديثه: «كل منا يواجه مشاكل لا تعد ولا تحصى، كل شخص يحتاج إلى معرفة كيفية حلها بذكاء. كل لاعب الشطرنج يعرف أن الحل هو فى المشكلة نفسها، شريطة أن يكون هناك الهدوء والتوازن المثالى بين العقل، والعاطفة.

 

بعد أن كانوا قدوة للشعوب الأخرى ..تراجع أخلاق المصريين فى التعامل مع كبار السن

 

«نعم يا عم الحج.. اتفضلى يا أمى».. «بقولك يا عمو».. كلها تعبيرات كان يتفوه بها ملايين المصريين يومياً فى الشوارع والنواصى والحوارى قديماً، ولا يزال أثرها موجوداً حتى الآن، يقولونها لأشخاص أحياناً لا تجمعهم بهم أى صلة قرابة أو معرفة، بل يرونها كلمات تعبر عن احترام الشخص الكبير وضرورة مراعاته.

فأخلاق المصريين خاصةً مع التعامل مع كبار السن من قديم الأزل تحدث عنها أشهر الكٌتاب، فقال عنها علماء الحملة الفرنسية قبل 220 عاماً أى ما بين الفترة (1798-1801)، فى كتاب وصف مصر: «إذا كان أهل المشرق قد أهملوا تعلم العلوم والآداب فقد استطاعوا على الأقل الاحتفاظ بالعادات والأخلاق الكريمة، ما يستوجب المديح وهو الاحترام العميق الذى يكنونه نحو كبار السن»؟!

وعن صفات المصريين واحترامهم بشكل خاص لكبار السن، تحدث الفرنسيون أنَّ الشبان ينظرون لآبائهم بنوع من التقديس، ولا يجرؤون على أن يدخنوا أمامهم على الإطلاق، ولا يسمحون لأنفسهم بتلك الميزة إلا بعد زواجهم، وهنا فقط يعتبرون أنفسهم رجالاً.

ولم يمض قرنان على هذا المدح، الذى ميز المصرى على وجه الخصوص بهذا الشعور النبيل، لدرجة أنَّ الشيخوخة فى بلدان أوروبا كانت لا تلقى من الاحترام نفس ما تلقاه فى مصر، بل إنها تكاد تكون فى معظم الأحيان نقيصة، إلا وانقلب الحال وأصبح الجميع يكتب ويحاول الوصول إلى تفسير لمعرفة سبب تدهور أخلاق المصريين.

فرغم أنه كما يقول المثل الشعبى «الدنيا لسه بخير»، لا تزال نسبة ليست بسيطة من المصريين متمسكين بعاداتهم وتقاليدهم التى كانت تميزهم عن غيرهم من الشعوب وبأخلاقهم وحسن تعاملهم مع الكافة وكبار السن بصفة خاصة، لكن فى السنوات الأخيرة طرأت تغيرات فى المجتمع.

وحسب استطلاع رأى لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، جاءت ضمن دراسة بعنوان «رأى المصريين فى بعض سلوكيات المجتمع المصرى»، والذى قارن بين رؤية المصريين لأخلاق وسلوكيات المجتمع حالياً، وبين رؤيتهم لما كان عليه الحال قبل ثورة 25 يناير 2011»، أوضح الاستطلاع أن المصريين يرون تراجعاً فى احترام كبار السن داخل المجتمع، حالياً؛ حيث كان 34% يرونها ظاهرة منتشرة بشكل كبير فى قبل عام 2011، مقارنة بـ21% فقط بعد الثورة، كما تراجع الحرص على وجود علاقات طيبة مع جيران السكن إلى 16%، مقارنة بـ20% سابقاً.

 وأشار «الاستطلاع» إلى رؤية المصريين تراجع إتقان المواطنين للعمل؛ حيث إن 15% فقط يرونها منتشرة بشكل كبير، مقارنة بـ25% بعد ثورة 2011، وكذلك وجود تراجع فى احترام آراء الآخرين؛ حيث يرى 16% فقط أن هذا الأمر منتشر بشكل كبير، مقارنة بـ26% خلال الاستطلاع السابق.

فهذا التراجع غير البسيط فى أخلاق المصريين حسب دار الافتاء المصرية، يعد انحرافاً فى الالتزام بتعاليم ديننا الحنيف، حيث أوجب الإسلام احترام وتوقير كبار السن، وجعل لكبير السن مكانته المتميزة فى المجتمع المسلم، قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم-: «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، وقال أيضاً: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِى الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ».

أشار دكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر إلى أن المجتمع يعانى تدنياً فى النواحى الأخلاقية زادت حدتها بعد ثورة 25 يناير 2011، لافتاً إلى أن سببها عدم الخوف من الله تعالى.

وأكد «كريمة»، أنَّ الرسول خير قدوة للمسلمين كافة؛ حيث قال: «إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت»، بمعنى أنك إن لم تخف من الله فافعل أى شىء دون تفكير، مشيراً إلى أن انشغال الأب عن أبنائه وتركهم دون تربية بحجة العمل، وكذلك الأم التى أصبح شغلها الشاغل متابعة المسلسلات التافهة يعد تقصيراً فى حق الأبناء، لذلك لا نتعجب من بعض الظواهر غير الأخلاقية المنتشرة فى مجتمعنا اليوم.