رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الوظيفة «فشنك».. والثمن «غالى»

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق - رحمة محمود:

منذ عام 1983، والمصريون لم يتوقفوا عن الضحك على عملية النصب التى تعرض لها «عنتر» (عادل إمام) الذى وعده «متولى» (أحمد بدير) بالسفر إلى إيطاليا، وقدم له عقد عمل للسفر إلى روما للعمل وأوهمه بأنه سيعمل «الساعة بـ5 جنيه والحسابة بتحسب»، فلما دفع «عنتر» كل ما يملكه وسافر اكتشف أنه مفيش عمل وأن العقد الذى معه مزور.

ضحك المصريون على «عنتر» فى الفيلم الشهير «عنتر شايل سيفه» وتصوروا أن الفيلم مجرد نكتة خيالية، ولكن الحقيقة أن الواقع أكثر مرارة مما حدث فى الفيلم السينمائى، فالنصب على الشباب يتواصل.. والضحايا بالآلاف.

فالهجرة إلى الخارج، حلم يراود كثيراً من الشباب، أملاً فى الفوز بوظيفة مناسبة والتحرر من القيود الاجتماعية.. البعض يرى أن الفرصة ستأتيه عن طريق المنح الدراسية، ومنها يكمل حياته فى الخارج ويعمل بأى وظيفة.

هذه الأحلام دفعت الشباب للمغامرة فى الكثير من الأحيان بحياتهم، ودفع كل ما يملكونه من أجل مستقبل مجهول.. البعض منهم قرر السير وراء سراب، ووجد فى طريق البحر الملجأ الوحيد لتغرق فيه آمالهم وأحلامهم، أو تصل إلى بر الأمان بعد المجازفة بالعمر كله.

نوع آخر من الشباب فضل الهروب الشائع حالياً، متمثلاً فى شركات توظيف بالخارج، ولأجل ذلك يضطرون لدفع «تحويشة عمرهم»، والكارثة أن أغلبهم يكتشفون بعد ذلك أنهم وقعوا ضحية خداع ونصب هذه الشركات عليهم.

وقد أعدت وزارة القوى العاملة خلال العام الجارى، حصراً بأسماء الشركات التى لا يجب على المواطنين التعامل معها لتجنب النصب عليهم، وشملت القائمة 61 شركة.

رغم أن مشكلة هجرة الشباب للخارج والنصب عليهم باسم التوظيف، ليست جديدة، ولكنها زادت فى الفترة الأخيرة، وكشفت إحصاءات الجهاز المركزى للإحصاء، زيادة أعداد المصريين المهاجرين حيث وصلت نحو 9.5 مليون مواطن، بينما يبلغ عددهم نحو 3.5 مليون وفقاً لإحصائيات منظمة الأمم المتحدة، حوالى 623 ألفاً و6 آلاف و50 مصرياً يعيشون فى المنطقة العربية، و124 ألفاً و9 آلاف و755 شخصاً يعيشون فى المنطقة الأوروبية، و14001 فى المنطقة الآسيوية، و158 ألفاً و4 آلاف و601 شخص يعيشون فى الأمريكتين.

وفى وقت سابق، حذر العديد من المسئولين من عمليات النصب التى تمارسها بعض شركات التوظيف، فقال رفعت مرعى رئيس مجلس إدارة شركة رفعت لتوظيف المصريين بالخارج: «إن العديد من الشباب يقعون ضحية النصب عن طريق السفر للخارج، نظراً لأن معظم الوظائف التى تعلن القوى العاملة، تشترط عادةً مؤهلاً دراسياً وسنوات خبرة»، وأكد أن معظم الشباب يفضلون التعامل مع الجهات غير الرسمية لتوظفيهم للخارج، وهذا الأمر يعرضهم بشكل مستمر للنصب، مشيراً إلى أن القوى العاملة هى الجهة الرسمية التى تشرف على كل الأمور الخاصة بالسفر وتعاقد العامل مع الشركة.

وأشار إلى أن معظم الشركات تطلب رسوماً من الشباب للتقديم للوظيفة تصل لآلاف الجنيهات، بالإضافة إلى تقديم امتيازات كبيرة لإغراء المتقدمين، وطلب مبالغ مالية من العقد الوهمى، بحجة استكمال عملية العقد، ومن ثم لا يحصل المتقدم على وظيفة.

وطالب رفعت، وزارة القوى العاملة، بإرسال طلبات لكافة شركات إلحاق العمالة فى الخارج، لمعرفة القائمة السوداء للعملاء، ومشاركتها معهم، وذلك لتشكيل قائمة موحدة كبيرة تضم كافة العملاء غير المرغوب فيهم حتى لا يتم تعامل الشباب معهم لتفادى عمليات النصب.

 

مقرات وهمية

تعمل فى مجال توظيف العمالة المصرية بالخارج حوالى 1175 شركة، حسب المستشار صلاح سعيد عطيان، مدير الإدارة العامة للتشغيل والتمثيل الخارجى بوزارة القوى العاملة والهجرة، وأصبح العدد فى الفترة الأخيرة حوالى 878 شركة، حيث استبعدت الوزارة 297 شركة.

ورغم ذلك، لا يزال هناك العديد من الشركات الوهمية غير خاضعة لإشراف وزارة القوى العاملة، تعطى مسكنات وهمية للشباب لخداعهم باسم وظيفة العمر، ونهب ما فى جيوبهم، فبالقرب من منطقة الهرم بالجيزة، كان مقر إحدى الشركات التى تفننت فى النصب على الشباب، ودفعت العديد إلى دفع رسوم للحجز تصل إلى 3 آلاف جنيه.

محمد محمد عليوة، من محافظة الشرقية، ترك بلده وأتى مسرعاً إلى القاهرة بعد معرفته بوجود شركة تسهل إجراءات تسفير الشباب وتوفر لهم فرص عمل مناسبة لظروفهم ومستوى قدراتهم، فدفع 3 آلاف جنيه رسوم الحجز لوظيفة الأحلام، ولكن فوجئ بعد فترة قليلة بأن الشركة أغلقت أبوابها وغادر أصحابها للخارج.

يقول «عليوة»: لا أريد السفر ولا الوظيفة، أنا عايز فلوسى ترجع تانى، مشيراً إلى أنه قدم فى هذه الشركة على وظيفة بعدما نصحه أحد أصدقائه بأن السفر للخارج، سيؤمن له ولأولاده مستقبلاً أفضل، ويستطيع إدخار أموال كثيرة، ولكن اكتشف فيما بعد أن حلمه تبدد، وكانت الحكاية (نصب فى نصب) للحصول على الأموال.

شاب ثان، من محافظة الشرقية، يدعى رضا عبدالله على، تعرض لنفس واقعة النصب، حيث دفع رسوماً تصل لـ3 آلاف جنيه، من أجل حجز وظيفة فى دولة خليجية، لم يمض شهر على تقديمه للوظيفة، حتى صعق من تعرضه للنصب هو وأخيه، وفقدانهما «تحويشة سنة».

يقول رضا: «الفقير فى البلد دى بيفرق معاه الجنيه، بالك بقى لما يكون نصب عليه فى 3 آلاف جنيه»، مشيراً إلى أنه تقدم للحجز على وظيفة سباك فى إحدى الدول الخليجية، وتقدم بكافة أوراقه وجواز سفره للشركة، من أجل الحجز على الوظيفة، كما شجع أخاه للتقديم.

وتابع: «دفعنا المبلغ للشركة، وأعطتنا وصل أمانة بالمبلغ، وقال لنا بعد شهر أو اثنين هنخلص ليكم الإجراءات وتقدروا تسافروا على طول، ويا دوب ملحقناش نفرح أهلنا ونحضر احتياجاتنا للسفر إلا وصلنا خبر أن الشركة أغلقت أبوابها، وعندما نزلنا القاهرة للاستفسار وجدنا المقر مغلقاً، وأصحابه غادروا البلاد».

وعن أسباب محاولته التقديم فى شركة وهمية، أجاب: «الفقير بيتشعبط فى قشاية، أى حاجة يسمع عنها بيحاول يمسك فيها يمكن ربنا يكرمه فيها»، مؤكداً أنهم لم يتوقعوا أن هذه الشركة ممكن تكون وهمية أو يتعرضون للنصب، خاصةً أن العديد من الشباب قدموا من قبل فى عدة شركات واستطاعوا السفر للخارج.

شاب ثالث، من محافظة الشرقية، يدعى عطية إبراهيم عوض، كان

رفيق نفس تعساء الحظ، وتم خداعه والنصب عليه باسم الوظيفة، حيث قدم كافة أوراقه للالتحاق بوظيفة ظناً منه أنه يستطيع العيش حياة أفضل ويوفر حياة كريمة لأسرته، خاصةً أن الحياة فى مصر حسب قوله أصبحت طاردة للفقير.

وأشار «عوض» إلى أنه لا يعرف شيئاً فى القاهرة، وجاء بعد سماعه عن شركة توظيف الشباب بالخارج ولا تحتاج الوظيفة لمؤهل دراسى، "فجمعت كل ما أملكه أنا وأخويا وقدمنا لهذه الوظيفة أملاً أن ترسى على أى منا"، مشيراً إلى أنهم دفعوا مبلغ 3 آلاف جنيه رسوم حجز، ووعدتهم الشركة بأنهم خلال شهر أو أكثر ستنهى إجراءات سفرهم للخارج، ولكن اكتشفوا بعد ذلك أنه نصب عليهم.

هذه الواقعة، لم تكن الأولى، فمحترفو صيد الشباب وسارقو أموالهم كثر، ففى الفترة الأخيرة تمكنت إدارة مباحث الأموال العامة من القبض على نصاب محترف عمره حوالى 60 عاماً، استطاع النصب على العديد من البسطاء والراغبين فى السفر للخارج بإنشاء شركة وهمية بدون ترخيص للسياحة والرحلات كائنة بالقاهرة، واتخذها وكراً للاحتيال على البسطاء من راغبى السفر للعمل بالخارج، لتحسين مستوى المعيشة بعد قيامه بالإعلان على «الإنترنت وبعض القنوات الفضائية»، عن توافر فرص عمل ببعض الدول العربية بمهن مختلفة ورواتب مجزية مستغلاً حاجتهم الشديدة فى تحسين مستوى المعيشة.

وبعد حصوله على مبالغ طائلة، وتقديم عدد من البلاغات فيه، استطاعت الشرطة القبض عليه وبحوزته كمية من تأشيرات مزورة لدول عربية بأسماء العديد من ضحاياه، فضلاً عن عقود العمل الوهمية لبعض الشركات والمؤسسات بدول عربية، ومجموعة من المستندات الخاصة براغبى السفر للعمل بالخارج، ومجموعة من الإعلانات الورقية تتضمن قيام الشركة بإلحاق العمالة بدول عربية بمهن مختلفة، واستمارات التقدم للشركة بطلب وظيفة مثبت بها أن رسوم التقديم مائة جنيه لا تسترد، و2 هاتف محمول من حصيلة نشاطه و500 دولار أمريكى، 4 آلاف جنيه مصرى.

 

تراخيص وقانون

تعد الإدارة العامة للتشغيل والتمثيل الخارجى بوزارة القوى العاملة والهجرة، الجهة المنوطة بمنح التراخيص للشركات العاملة فى إلحاق العمالة المصرية بالخارج، نظراً لأن لديهم الحرية فى عمل علاقات عامة مع رجال الأعمال واتحاد الغرف التجارية فى الخارج والمستثمرين، ولديهم حرية فى المفاوضة ولا يخضعون لإجراءات روتينية فى عملية إيجاد فرص العمل، لذلك الشركات التى لا تحصل على تصريح مزاولة مهنتها لا يعترف بها قانوناً.

ومن الناحية القانونية، قال الدكتور محمد على، الخبير القانونى، إن المادة رقم 12 لسنة 2003 نظمت عملية إلحاق العمالة بالخارج، مشيرًا إلى أن المادة رقم 20 من القانون ألزمت شركات إلحاق العمالة بتقديم نُسخ من الطلب الوارد إليها من الخارج بشأن توفير فرص العمل إلى الوزارة المختصة.

وتابع «على» إذا تورط صاحب الشركة فى النصب على المواطنين تغلق الشركة مع تقديم تعويض مالى والسجن لمدة تقدرها هيئة المحكمة وفقًا للواقعة المدرجة أمامها.

ومن جانبه، أكد حمدى إمام، رئيس شعبة التوظيف بالغرفة التجارية، أن أعداد تلك الشركات الوهمية تفوق عدد الشركات المرخصة، مشيراً إلى أن هذه الشركات تعتمد بشكل كبير على الإنترنت أو الموبايل للتواصل مع ضحاياها، وبعضها ليس لها مقرات أو لها مقرات مؤقتة.

وأشار إلى أن معظم الشباب يقعون فريسة هذه الشركات، طمعاً فى فرص عمل برواتب كبيرة، ولكن يتبخر حلمهم فور اكتشاف النصب عليهم. لافتاً إلى أن الشباب لابد أن يتأكدوا من أن الشركة مرخصة قبل التقديم فيها على وظيفة ودفع أموالهم للحجز من خلالها، مطالباً بضرورة التقديم للعمل فى الجهات الرسمية والتى عادةً تعلن بشكل مستمر عن فرص عمل.

وتابع: «العديد من الشركات الوهمية تستغل بعض العمال البسطاء وتخدعهم بإمكانياتها توفير فرص عمل لهم بمرتبات ضخمة، وفى النهاية يُفاجأ العمال أنهم ضحايا عملية نصب»، مؤكداً أن المواطن البسيط بكل أسف لا يستطيع التمييز بين النوعين من الشركات المرخصة والوهمية، ولذلك ننصحه بأن يتعامل مع الشركات المرخصة التى لديها سجل تجارى، وتعمل بموجب قانون العمل المصرى رقم 12 لسنة 2003.