رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

د. محمد سعيد رسلان...خيرات العشر الأواخر

د. محمد سعيد رسلان
د. محمد سعيد رسلان

عَشْرُ رَمَضَانَ الْأَخِيرَةُ فِيهَا الْخَيْرَاتُ وَالْأُجُورُ الْكَثِيرَةُ، وَفِيهَا الْفَضَائِلُ الْمَشْهُورَةُ وَالْخَصَائِصُ الْعَظِيمَةُ؛ وَمِنْهَا:

أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ، وَهَذَا شَامِلٌ لِلِاجْتِهَادِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ؛ مِنْ صَلَاةٍ وَتِلَاوَةٍ وَذِكْرٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِهَا.

وَمِنْ خَصَائِصِ الْعَشْرِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ لِلصَّلَاةِ.

«أَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ»؛ كَأَنَّ اللَّيْلَ كَانَ مَوَاتًا، بَلْ كَانَ، إِذْ لَا يُذْكَرُ فِيهِ اللهُ، فَإِذَا عُبِدَ فِيهِ اللهُ حَيِيَ.

«أَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ» لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ؛ حِرْصًا عَلَى اغْتِنَامِ هَذِهِ اللَّيَالِي الْمُبَارَكَةِ، لِأَنَّهَا فُرْصَةُ الْعُمُرِ، وَغَنِيمَةٌ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللهُ.

وَمِنَ الْخُسْرَانِ الْعَظِيمِ وَالْحِرْمَانِ الْكَبِيرِ أَنْ يُمْضِيَ الْمُسْلِمُونَ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّمِينَةَ فِي اللَّهْوِ الْبَاطِلِ، وَالْعَبَثِ الْفَاجِرِ، وَاللَّغْوِ الزَّائِلِ، وَهَذَا مِنْ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ بِهِمْ، وَمِنْ مَكْرِهِ بِهِمْ، وَصَدِّهِ إِيَّاهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ، وَمِنْ إِغْوَائِهِ لَهُمْ، وَقَدْ قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- لِلشَّيْطَانِ اللَّعِينِ: ?إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ? «الْحِجْر: 42».

فَمَنْ تَبِعَ الْغَاوِيَ فَهُوَ غَاوٍ، مَنِ اتَّبَعَ الْغَوِيَّ فَهُوَ غَوِيٌّ، وَمَنِ اتَّبَعَ الشَّيْطَانَ فَهُوَ مِنَ الْغَاوِينَ؛ كَمَا قَالَ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

فَمِنَ الْخُسْرَانِ الْمُبِينِ، مِنَ الْخَسَارَةِ الْفَادِحَةِ: أَنْ تُمَضَّى الْأَوْقَاتُ فِي لَيَالِ الْعَشْرِ فِي اللَّهْوِ الْبَاطِلِ.

وَقَدْ تَكَالبَ الْمُنْحَرِفُونَ وَالْمُنْحَرِفَاتُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي مَخَادِعِهِمْ؛ لِيَشْغَلُوهُمْ عَنِ الْعِبَادَةِ وَالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ، وَلِيُغْرُوهُمْ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِمَاعِ إِلَى كُلِّ مَا حَرَّمَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- مِمَّا هُوَ فُسُوقٌ مَحْضٌ، وَزَيْفٌ صِرْفٌ، وَمَعْصِيَةٌ بَحْتٌ!

مِنْ خَصَائِصِ الْعَشْرِ: الِاعْتِكَافُ فِيهَا، وَالِاعْتِكَافُ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ.

وَقَدِ اعْتَكَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاعْتَكَفَ مَعَهُ أَصْحَابُهُ وَبَعْدَهُ؛ فَاعْتَكَفُوا مَعَهُ، وَاعْتَكَفُوا بَعْدَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَرَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.

أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي «صَحِيحِهِ» بِسَنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، يَلْتَمِسُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَبْلَ أَنْ تُبَانَ لَهُ»؛ أَيْ: قَبْلَ أَنْ تُظْهَرَ لَهُ، «فَلَمَّا انْقَضَيْنَ»؛ يَعْنِي: الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ، «أَمَرَ بِالْبِنَاءِ فَقُوِّضَ»؛ أَيْ: أُزِيلَ، يَعْنِي: الْخِبَاءَ الَّذِي كَانَ يَعْتَكِفُ فِيهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُضْرَبُ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ، «ثُمَّ أُبِينَتْ لَهُ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَأَمَرَ بِالْبِنَاءِ» أَيِ: الْخِبَاءِ «فَأُعِيدَ، ثُمَّ خَرَجَ

عَلَىَ النَّاسِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّهَا كَانَتْ أُبِينَتْ لِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَإِنِّي خَرَجْتُ لَأُخْبِرَكُمْ بِهَا، فَجَاءَ رَجُلَانِ يَحْتَقَّانِ»؛ أَيْ: كُلٌّ يَدَّعِي أَنَّ الْحَقَّ لَهُ. فِي رِوَايَةٍ: «يَتَلَاحَيَانِ»؛ كُلٌّ قَدْ أَمْسَكَ بِلِحْيَةِ صَاحِبِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: «يَسْتَبَّانِ»، «مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ، فَنُسِّيتُهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، الْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالْسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ».

«فَجَاءَ رَجُلَانِ يَحْتَقَّانِ مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ، فَنُسِّيتُهَا»، أَوْ: «فَأُنْسِيتُهَا»؛ أَيْ: نُسِّيَ تَحْدِيدَ عِلْمِهَا بِقَطْعٍ وَيَقِينٍ، لَا أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ!

وَهَذَا مِنْ شُؤْمِ الْخِصَامِ وَالْخِلَافِ وَالْجِدَالِ؛ «فَجَاءَ رَجُلَانِ يَحْتَقَّانِ... «يَسْتَبَّانِ... يَتَلَاحَيَانِ» مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ؛ فَأُنْسِيتُهَا».

فَكَمْ مِنَ الْخَيْرِ يُرْفَعُ لِوُقُوعِ الْخِصَامِ وَالْخِلَافِ وَالْجِدَالِ، وَالْمُنَاقَرَةِ كَمُنَاقَرَةِ الدُّيُوكِ!!

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ».

بَيَّنَ أَبُو سَعِيدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ التَّاسِعَةَ هِيَ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ، وَالسَّابِعَةَ هِيَ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ، وَالْخَامِسَةَ هِيَ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ، فَفَهِمَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَدْ تَكُونُ فِي الْأَشْفَاعِ كَمَا تَكُونُ فِي الْأَوْتَارِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.

«فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَىَ، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَىَ، فِي ثَالِثَةٍ تَبْقَى»؛ إِذَا كَانَ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَإِذَا كَانَ الشَّهْرُ ثَلَاثِينَ، فَيَصْدُقُ أَنْ تَكُونَ فِي الْأَوْتَارِ، كَمَا يَصْدُقُ أَنْ تَكُونَ فِي الْأَشْفَاعِ.

وَعَلَيْهِ.. فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُصِيبَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ كُلِّهَا مِنْ غَيْرِ مَا تَمْيِيزٍ، وَإِنْ خَصَّ الْأَوْتَارَ بِمَزِيدِ عِنَايَةٍ فَلَا بَأْسَ؛ لِدَلَالَةِ النُّصُوصِ عَلَى ذَلِكَ.