عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تحف معمارية.. فى يد الإهمال

قصور تراثية
قصور تراثية

قصور تراثية شُيدت على مر العصور وشهد لها التاريخ بعظمة البناء، إلا أن ملامحها التى تفننت يد العامل المصرى فى إبداعها اختفت، وتحولت إلى جواهر منسية لا يعرف أحد قيمتها الحقيقية. وبدلا من أن تصبح هذه الكنوز التراثية مزارات سياحية تحولت إلى قصور مهجورة تسكنها الأشباح، وتبدلت من أيقونات مضيئة يتحدث عنها القاصى والدانى، إلى مأوى للكلاب الضالة ومرتعًا للبلطجية والمتسولين، يغطيها ركام الإهمال واللامبالاة وتحتلها تلال القمامة.

«الوفد» ترصد فى هذا الملف أحوال هذه الكنوز التى كانت تمثل أبرز معالم التحف المعمارية فى مصر قبل أن تصبح فى طى النسيان.

 

 

«شامبليون» ينتظر «إكسير الحياة»

 

تحفة معمارية قابعة على مساحة 4781 مترا مربعا فى شارع -مويار سابقاً- شامبليون حالياً، القصر مشهور باسم قصر شامبليون، ولكنه فى الحقيقة قصر سعيد حليم باشا الذى تحول إلى أطلال بسبب الإهمال الذى ينهش فى جدرانه حتى أصبح كمن ينتظر إعلان وفاته.

القصر أنشأه الأمير سعيد حليم باشا حفيد محمد على لزوجته، وصممه المعمارى الإيطالى الشهير«أنطونيو لاشياك» –مصمم العديد من القصور الملكية وأشرف على بنائه لمدة ستة أعوام كاملة بداية من عام 1895 حتى عام 1901، وهو مبنى على طراز الباروك، ويتكون القصر من مبنى رئيسى من طابقين وبدروم وجناحين، والطابق الأول من القصر عبارة عن بهو كبير يمتد بطول القصر وينتهى بسلم مزدوج له فرعان يؤديان إلى الطابق العلوى، وللطابق الأول 6 أبواب تفتح على حجرات واسعة، ويماثل الطابق الثانى الأول تماما، أما البدروم فيحتوى على غرف للخادمات، ومطبخ وحجرات للتخزين، ودورات مياه، والجناحان عبارة عن عنابر ذات حجرات كبيرة، يحتويان على ملحقات للقصر يتصلان من خلال ممر ذي أعمدة على الجانبين.

وللقصر 4 واجهات، الواجهة الرئيسية تتميز بنمط معمارى رائع التصميم تزينه تماثيل فخمة وعمودين يعلوهما عقد على هيئة نصف دائرة مزين بتماثيل صغيرة لرأس سيدة، والواجهة مزخرة برسومات نباتات طبيعية وحيوانات وأشكال هندسية، أما نوافذ القصر الخشبية فتحتوى على عقود نباتية ذات أزهار، وأشكال لدروع وفيونكات للتزيين، إضافة إلى أنه يتميز بإضاءة مميزة جدا، حيث يحتوى على مصابيح للإضاءة الليلية أسفل التماثيل تجعل القصر تحفة معمارية.

يقال إنه كان يوجد بالقصر نافورة ضخمة تتصدر البهو الرئيسى، ولكن الإهمال طمس معالمها حتى اختفت تمامًا، وبرغم كل هذا الجمال إلا أن زوجة سعيد باشا رفضت الإقامة فى القصر، ووقتها كان البرنس سعيد حليم قد تولى منصب الصدر الأعظم فى إسطنبول ثم اغتيل فى روما سنة 1921، وفى سنة 1914 أعلنت الحرب العالمية الأولى، وصادرت الحكومة أملاك الأمير باعتباره من رعايا دولة معادية، وفى عام 1934 أصدر الملك فؤاد الأول مرسوما بتحويل قصر الأمير سعيد حليم إلى مدرسة تابعة لوزارة المعارف، وأُطلق عليها المدرسة الناصرية، ثم تحول القصر لمعسكر تدريب للضباط وقت ثورة يوليو 1952، وبعد ذلك أخلَت المدرسة القصر وظل مغلقا ومهجورا لا تتم الاستفادة منه.

أثناء جولتنا فى المنطقة التقينا مع شريف جمال، الذى ذكر أنه كان طالبا فى مدرسة «الناصرية» التى كانت تشغل القصر، وأكد لنا أن القصر تسلمته الآثار لمدة 8 سنوات بعد إخلاء المدرسة منه، ولكنها لم تقم بأى أعمال ترميم فيه وظلت يد الإهمال تنهشه حتى قيام ثورة يناير 2011، وبعدها فجأة ظهر ورثة رجل أعمال راحل وقالوا إنهم اشتروا القصر من ورثة الأمير سعيد حليم فى إيطاليا وقدموا أوراقا تفيد ذلك، مشيرا إلى أنهم يحضرون كل أسبوعين لزيارة القصر ويمكثون حوالى ساعة، ثم يرحلون تاركين وراءهم اثنين من الخفراء لحراسة القصر.

وأشار «جمال» إلى أنه يوجد مندوب من وزارة الاثار عادة ما يأتى لمدة لا تتعدى الدقيقتين ويرحل، مشيرًا إلى أن وزارة الاثار فى غياب تام عما يحدث فى هذا القصر، رغم أنها كانت قد أعلنت من قبل عن تحويل القصر إلى متحف ومعرض لمقتنيات أسرة محمد علي.

وأضاف قائلا: «هناك معلومات عن أن الأمير سعيد حليم مالك القصر قد تنازل عنه للدولة المصرية، إلا اننا فوجئنا بورثة رجل الأعمال يعلنون امتلاكهم للقصر.

وبالتجول قليلًا فى شارع شامبليون، قابلت العديد من اصحاب المحلات القدامى، الذين علقوا على ما آل إليه حال القصر قائلين: «إن هذا القصر تم استخدامه فى بعض الفترات كمخزن توضع فيه الدعاية الانتخابية لأعضاء الحزب الوطنى قبل 2011، وهناك آخرون أكدوا أنه فى عام 2002 تم تسجيل القصر كأثر بقرار وزارى، ووقتها قالت الدكتورة جليلة القاضى مديرة الأبحاث بالمعهد الفرنسى للبحوث من أجل التنمية، بأن القصرسيصبح أول متحف لمدينة القاهرة على غرار المتحف البريطانى بلندن، وذلك بعد اجتماعها مع الدكتور زاهى حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار فى ذلك الوقت، إلا أن المشروع توقف بسبب كثرة المتنازعين على القصر، حيث فوجئ الجميع بأن القصر اشتراه رجل الأعمال بموجب عقد مسجل عام 2000 من الورثة وعددهم تسعة أشخاص، فيما قررت وزارة الثقافة توجيه خطاب للمجلس الأعلى للآثار حتى يتم اتخاذ اللازم لترميم القصر وصيانته لاستخدامه ثقافيًا، إلا أن مالك القصر أقام دعوى قضائية وكسبها عام 2009 لتسليمه القصر بناء على حكم محكمة القضاء الإدارى، وقد قيمت لجنة القصر قيمته وقتها بحوالى 60 مليون جنيه مصرى، ولهذا لا تملك وزارة الآثار الآن أى حقوق فى القصر ولكن يبقى أنه ما زال مسجلًا كأثر ويمكن حل المشكلة إما بشراء القصر من مالكه أو ترميمه لأنه يعد عملًا معماريًا فريدًا.

 

 

 «قازدوغلى» مأوى للصوص والبلطجية

 

تحفة معمارية شامخة تلتف حوله أشجار حديقته التى تحيط به من كل مكان، يحميه سور حديدى خارجى، يجذب المارة بجماله الخلاب وببراعة تصميمه، حيث يقف القصر مزهوًا بجمال زخارفه المنقوشة على بوابته ونوافذه الزجاجية، هذا هو قصر التاجر الشامى إيمانويل قازدوغلى والمعروف بقصر«قازدوغلي» بميدان سيمون بوليفار بمنطقة جاردن سيتى.

لهذا القصر حكايات يحفظها جيرانه عن ظهر قلب، وما بقى من أطلاله شاهد على فترة مهمة من تاريخ مصر، فقد أكد سكان المنطقة أن القصر التراثى انهار خلال أحداث ميدان التحرير2011، وما بقى منه تُرك نهباً للبلطجية الذين سرقوا تحفاً نادرة من محتوياته، وشوهوا جمالاً لن يتكرر مرة أخرى، ففى فترة الثورة انتزع المخربون كل نوافذ القصر المصنوعة من خشب البندق المُطرز بالصدف، وبوابته الداخلية وكسروا زجاج النوافذ المزخرف، واندلعت حرائق عديدة داخله أتت على زخارف الجدران الرائعة، كما أن الأبواب والنوافذ نُهبت والسقوف والجدران تم تشويهها، والمدافئ والمرايا والزخارف النحاسية انتزعت والأعمدة الخشبية المطرزة دُمرت، ولم يبق من المبنى إلا جدران يكسوها غبار أدخنة الحرائق وجزء من السور الخارجى.

من المعروف أن القصر كانت تشغله مدرسة على عبداللطيف الإعدادية وأوضح فيصل عيد أحد طلاب المدرسة خلال الفترة من 1956 – 1960 أن مساحة القصر تبلغ نحو 2000 متر مربع، تم تجديده بواسطة أنطون كريجر عام 1917، وصنع الأثاث بختم مؤسسة بباريسمغ، ويتكون القصر من طابقين بالإضافة إلى قبو يؤدى إلى المدخل الذى يضم مجموعة من السلالم الرخامية، وكانت فصول الدراسة هى حجرات القصر التى كانت تضم مقتنيات أثرية تذهل العقول، وكانت مشاهدتها والتأمل فيها متعة لكل من يراها.

المعلومات التاريخية تؤكد أن القصر كان غاية فى الجمال والروعة فقد كان الأثاث الداخلى من الرخام، والمرايا بلجيكية، كما أن الديكورات الداخلية لم يكن لها مثيل فى مصر، حيث تزينت غرف القصر بأعمال زخرفة من النحاس وتجاليد من خشب البندق المطعمة بالصدف وسن الفيل، وأعمدة خشب مطرزة بأشكال طيور ونباتات، وإطارات من الجص الملتف حول الأبواب والنوافذ، وعدد من اللوحات الزيتية النادرة التى كانت تزين الحوائط.

وتضيف «فتحية أنور» ذات الستين عامًا والتى تسكن بالقرب من القصر أن والديها كانا يقصان عليها روايات حوله منها أن ورثة «قازدوغلى» قاموا ببيعه لأحد المصريين، ثم سكنه لعدة سنوات قنصل بريطانيا فى مصر.

ومن المعروف أن هذا القصر كان مقرا للسفارة الأمريكية ومكانا لإقامة السفير الأميركى فى مصر حتى عام 1947، ثم تم بيعه لعدة عائلات منها عائلة ابو العلا وعائلة الفرا ثم عاد للحكومة التى حولته إلى مدرسة قصر الدوبارة الثانوية ثم حملت المدرسة اسم الضابط «على عبداللطيف» الذى خدم فى الجيش السودانى وكافح لاستقلاله ومات بالقاهرة سنة 1948، وفى عام 2008 فوجئ الوسط الاثرى بأن القصر اصبح ملكا لرجل الأعمال إبراهيم كامل أبو العيون الذى عرض بيعه لوزارة الآثار بـ30 مليون جنيه سنة 2010، وتعرض القصر للحريق ثلاث مرات فى أواخر 2012 واوائل 2013.

وذكر عدد من المؤرخين أن القصر تم إنشاؤه فى عهد الخديوى إسماعيل حينما أتى إلى مصر تاجر شامى يدعى إيمانويل قازدوغلى، والذى كون ثروة ضخمة من تجارة المنسوجات، وبُنى القصر فى أوائل القرن العشرين بواسطة المعمارى النمساوى إدوارد ماناسيك على الطراز البيزنطى ليخرج القصر بعدها كأحد أفخم القصور بحى جاردن سيتى بوسط القاهرة، وفى عصر ثورة يوليو تم تحويل القصر إلى مدرسة الأمر الذى ساهم فى تدهور حالته بشكل كبير.

وفى عام 2013 أكد الدكتور محمد إبراهيم وزير الآثار آنذاك، أن القصر ملكية خاصة لرجل الأعمال إبراهيم كامل أبوالعيون، وشركة «كاتو» للاستثمار، وكان مستغلاً من قبل وزارة التربية والتعليم كمقر لمدرسة على عبداللطيف الإعدادية، والتى أخلت القصر قبل أحداث ثورة 25 يناير مباشرة، تمهيداً لترميمه إلا أن أحداث الثورة حالت دون ذلك، مؤكدًا أن القصر لم يتم تسليمه حتى الآن إلى الوزارة، ولم يتم نزع ملكيته لصالح المجلس الأعلى للآثار.

فى 2015، اجتمع جلال مصطفى سعيد محافظ القاهرة مع ممدوح الدماطى وزير الآثار، لوضع رؤية مشتركة بين المحافظة والوزارة للتعامل مع عدد من القصور التراثية والتى تستخدم كمدارس، وأكدا على وضع الأسلوب الأمثل للحفاظ عليها مع إمكانية إخلاء بعضها وإعادة استغلالها الاستغلال الأمثل بعد ترميمها بمعرفة خبراء وزارة الآثار، والمسجل بعضها كآثار طبقاً للقانون رقم 1147 لسنة 82 وكذلك المسجلة بقوائم المبانى ذات الطراز المعمارى المتميز طبقاً للقانون رقم 144 لسنة 2006، وحددا 5 قصور تراثية على أن يتم تحويلها لملكية الدولة فى حالة حيازتها لآخرين، وهي: قصر قازدوغلى وقصر سعيد حليم بشامبليون وقصر الأمير طوسون والمستغل كمدرسة شبرا الثانوية، وقصر محمد الفلكى المستخدم حالياً بمدرسة الفلكى، ولكن أنقاض القصر ما زالت شاهدة على أن القرارات مازالت مجرد حبر على ورق.

 

 

 «عمر طوسون» يتحول إلى أطلال

 

بقايا تئن متألمة فى صمت، وتاريخ يمحوه الإهمال، بعد سرقة مقتنياته واحتراق الباقى منها، أطلال قصر مازال شامخا فى منطقة شبرا، محاولًا الوقوف ضد عوامل الدهر والإهمال البشرى، أملًا فى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تاريخ هذا القصر العريق الذى يقبع فى نهاية شارع طوسون سابقًا، ابن فضل الله العمرى حاليًا، ويبدو أن تغيير اسم الشارع الذى كان يحمل اسم صاحب القصر «عمر طوسون» أدى إلى نسيان القصر نفسه.

منذ أن تخطو قدماك بداية الشارع تلمح الأشجار الكثيفة التى تظلل المنازل بينما يظهر باب القصر من بعيد كأنه باب مخزن أو جراج مهجور لكن حين تقترب أكثر منه تجد لافتة مكتوبة بخط اليد «قصر طوسون باشا» وفى سور القصر يوجد باب

آخر أكله الصدأ مكتوب عليه «شياخة طوسون»، أما حديقة القصر فقد تحولت إلى مأوى للكلاب الضالة، بينما شبابيك القصر محترقة وزجاجها متصدع، والمبنى من الداخل يلفه الظلام الدامس وتنبعث منه روائح كريهة وحالته كلها يرثى لها.

الباحثة سهير عبدالحميد قالت إن القصر بناه الأمير عمر باشا طوسون حفيد الخديوى سعيد عام 1892، وكان من أجمل القصور الملكية وله مدخلان رئيسيان، أحدهما بالواجهة الشرقية، والآخر بالواجهة الغربية، إلى جانب عدة مداخل فرعية، ويغلق على كل مدخل من هذه المداخل باب خشبى ذو مصراعين تعلوهما شراعة نصف دائرية يغشاها حجاب معدنى مشغول،  القصر يتكون من طابقين وبدروم والطابق الأرضى يتكون من صالة البهو الرئيسى، ومجموعة من الغرف والحمامات ذات مساحات متفاوتة، والأرضية معظمها مبلط بترابيع رخام حرارى أبيض والبعض الآخر مبلط بألواح خشبية، أما البهو فكان مزهوًا بأعمدة على الطراز الأيوبى مصنوعة من الحديد الزهر.

وعن طريق سلم صاعد ذى قوالب من الرخام الأبيض له درابزين تزينه برامق رخامية تأخذ شكل القلة، الذى اندثر تمامًا الآن ولم يبق منه سوى درجات بالية، نصعد إلى الدور العلوى، لنرى ارتفاعًا شاهقًا لهذا الطابق، وبه عدة غرف مختلفة المساحات تحصر فيما بينها بهوًا كبيرًا، ومن بين هذه الغرف غرفة بالركن الشمالى الشرقى تزين سقفها زخارف نباتية مورقة، وملحق بها حمام؛ مما يشير إلى أنها كانت غرفة نوم خاصة بالأمير، كما يوجد بالقرب منها سلم حلزونى من الخشب ذو درابزين تتخلله زخارف نباتية مفرغة، وبمرور الزمن تحول القصر إلى مدرسة «شبرا الأميرية» 1927، وبعد إخلائه من المدرسة اندلع فيه حريق كبير أتى على غرفتين منه وأصابته أضرار هائلة، وعاد إلى أيدى وزارة الآثار كجثة متفحمة ينهشها البلطجية والكلاب الضالة.

وقالت الباحثة الأثرية سهير عبدالحميد إن تلك القصور لم يتم استغلالها بل ينظر إليها كأنها محتلة لمساحة من الأرض خاصة لوجودها فى أماكن حيوية، ولكن تلك النظرية خاطئة لأن تلك القصور لا يمكن تعويضها، ومن الممكن استغلالها اقتصاديًا واستثماريًا، من خلال تحويلها لمركز ثقافى لأهالى المنطقة وللسياح بدلًا من تركها مرتعًا للبلطجية.

وأشارت إلى أن هذا القصر شهد عدة اجتماعات لرجال الوفد أثناء ثورة 1919 نظمها الأمير بنفسه، ولذلك يمكن تحويل القصر إلى متحف يعبر عن الثورات المصرية على سبيل المثال، مؤكدة أن الدول الأجنبية تحافظ على تاريخها، وهناك من يحاول إنشاء تاريخ لنفسه، أما نحن فنقوم بطمس التاريخ بدلا من الاستفادة منه لتنشيط السياحة.

 

 

«بيت الفقراء» يصارع الزمن

 

مبنى معمارى مميز يختلف عن باقى العمارات السكنية الكائنة بالشارع المتفرع من شارع على مبارك المتفرع من شارع مصطفى سرى بمنطقة الحلمية، قصر يحاول البقاء على قيد الحياة يختفى وسط الأشجار ولكنه علامة مميزة فى الشارع، هذا هو قصر رفاعة الطهطاوى المعروف باسم «بيت الفقراء الروحية».

يعتقد من يمر بجانبه أنه منزل مهجور، ولكنه ما زال معمورا بأحفاد صاحبه، ألوانه الزاهية تجذب عشاق الفن، وتخطيطه الهندسى الفريد جعله تحفة فنية شامخة رغم مرور الزمن.

وسبب تسمية القصر بـ «بيت الفقراء الروحية»، كان هو الفكر الصوفى لأصحابه، فالفقراء تعنى طلاب العون والمدد من الله دوما اى المفتقر إلى الله حالا وواقعا وليس كلاما وترديدا فقط، أما عن كلمة الروحية فهى اشارة إلى الاتجاه الروحى والصوفي.

حينما تقترب من القصر تجد المدخل الرئيسى على قدر من الجمال والروعة، ونشاهد على جانبى المدخل لوحتين بهما رسوم رومانية بارزة إحداهما لسيدة توجه شعلة نارية إلى طفل، وفى اللوحة الأخرى يوجه الطفل شعلة نارية إلى السيدة، ويتكون القصر من طابقين ويحيطه سور ببوابة على يمين ويسار الداخل من البوابة، وملحق بالبيت من الخلف قاعة صلاة «مسجد صغير»، وعلى يمين ويسار الداخل من هذه البوابة يوجد مبنيان مربعان متماثلان، أحدهما كان مكتبة. 

«بيت الفقراء الروحية» بناه إبراهيم لطيف باشا فى أوائل القرن العشرين وتحديدا عام 1908، حين هدمت سراى الخديوى عباس حلمى الأول وبدأ تخطيط المنطقة، إلا أنه فى أواخر الأربعينيات آلت ملكيته لرافع محمد رافع أحد أحفاد رفاعة الطهطاوى أحد رواد التنوير فى مصر، وأسماه بـ«بيت الفقراء» أى الفقراء إلى الله، وهو الاسم الذى مازال موجودا على القصر حتى الآن، وهناك عدة لافتات مازالت موجودة لتعلن عن انتماء البيت للطرق الصوفية كـ«الروحية إسلام ومحبة»، و«طريقة السادة الشاذلية»، حتى تم تسجيله كأثر يتبع وزارة الاثار ولكنه ملك لأحفاد رافع، هذا الشخص الذى ولد لعائلة ميسورة فى صعيد مصر يرجع نسبها للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك بحسب كلام ابنته عائشة رافع فى أحد اللقاءات التليفزيونية، مضيفة أن والدتها وهى قريبته السيدة حزام رفاعة، وهى أيضا حفيدة للشيخ رفاعة رافع الطهطاوى، كما أن والدها فى شبابه عاصر ثورة 1919 وتأثر بالشعارات التى كانت ترفعها مما شجعه على الانخراط فى العمل السياسى من خلال النشاط الحزبى. ثم هجر العمل السياسى، وبدأ رحلة أخرى للبحث عن معنى وهدف أسمى للحياة ووجد ضالته فى تراث التصوف الإسلامى الذى وجد فيه تناغمًا مع نزوعه الطبيعى للنقاء والرقى الإنسانى، وحبه الفطرى لله ورسوله، فالتقى بالشيخ محمد عبد الواحد الذى كان يتبع الطريقة الشاذلية.

هذا البيت الأثرى الروحانى تحيط به العديد من عربات بيع الخضراوات والأشجار ذات الفروع الطويلة، التى تحجب ملامحه عن الناظرين، بعد أن كان كما روى بعض أهالى المنطقة تقام به حلقات ذكر، مضيفين أنه أصبح ملتقى الأسرة من الأبناء والأحفاد فى الأعياد والمناسبات بصفة مستمرة، إلا أن الأحفاد أغلقوا البيت أمام عامة الشعب، فى حين يطالب الأهالى بفتحه كمزار أثرى بدلًا من إغلاقه.

 

 

«الأمير قوصون» أثر مع إيقاف التنفيذ

 

فى منطقة القلعة توجد العديد من التحف الأثرية التى دمرها الإهمال، منها قصر قوصون الذى تحول إلى أطلال، وهو ما نخشى أن يؤول مصير باقى القصور الأثرية إلى ما آل إليه حال هذا القصر.

على بعد أمتار قليلة من منطقة القلعة وبجوار مقابر سيدى جلال السيوطى، تظهر أطلال قصر قديم هو «قصر الأمير قوصون» الساقى فى عهد السلطان ناصر محمد بن قلاوون، يقاوم الزمن والإهمال معا، منظره تسيل له الدموع، فلم يتبق منه سوى الباب الشمالى والعديد من الشبابيك والزخارف والكتابات التى تسجل تاريخ بنائه واسم المنشئ، وبعد أن كان يسكنه الأمراء أصبح مأوى للحيوانات الضالة، ويحيط بالقصر العديد من العشش التى يحتمى بداخلها «المعدمين».

كان هذا القصر فى يوم من الأيام ملكا لواحد من أهم مماليك السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وهو الأمير قوصون الذى جاء إلى مصر وعمره 18 سنة، ورأى فيه السلطان الناصر قوة وإقدامًا، فجعله السلطان قلاوون قائدًا على مائة من الجنود، ثم تدرج لأعلى المناصب فى القصر السلطانى، وزوجه ابنته وعزز مركزه، فأحضر إخوانه وأقاربه من بلاد البخارى، ثم بدأ فى إقامة هذا المكان ليخلد ذكره لأجيال، وبنى القصر علم الدين سنجر الحمكدار وطوره قوصون، حيث أدخل فيه الأسطبلات والنقوش المعمارية، ولكن بمرور الزمن نهب القصر وتلاشى أمره وتحول إلى خراب.

بسؤال أهالى المنطقة عن أسباب تدهور هذا القصر أكدوا أنه مسجل كأثر برقم 266 ولكنه يحتاج إلى ترميم ما تبقى منه قبل ضياعه بالكامل، لافتين إلى أن أثرًا بهذه القيمة يستوجب تدخلا من وزارة الآثار لاتخاذ الإجراءات اللازمة لسرعة إنقاذه، خاصة أن تركه هكذا عامًا تلو الآخر، يجعله عرضة للدمار أكثر وأكثر.