رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الوفد ينفرد بأول حوار مع (الملك رمسيس الثاني) قبل موكبه الأخير ويكشف حقيقة لعنة الفراعنة

الملك رمسيس الثاني: نشأتي العسكرية أهلتني للوصول لقمة مجد الحضارة المصرية

عدد أبنائي تخطى المائة نظرًا لكثرة زيجاتي وعمري المديد

المعابد الصخرية لم تكن فكرة حديثة على عهدي.. وقررت نحت معبدي أبوسمبل بالجبل للاستفادة من طبوغرافية بلاد النوبة

زواج الأشقاء غير مقبول عند المصري القديم.. واقتصاره على القصر الملكي حفاظًا على شرعية تداول السلطة ليس إلا

الملك رمسيس الثاني ينكر تهمة زواجه من بناته ويوضح سبب حملهم لقب زوجة الملك العظيمة

الملك رمسيس الثاني يكشف سبب تدوين اسمه على آثار الملوك السابقين.. ويؤكد: أرفض تهمة "لص الآثار"

الملك رمسيس الثاني يقدم دليل براءته من قضية فرعون الخروج

الملك رمسيس الثاني يكشف حقيقة لعنة الفراعنة

مصر تعرضت لأمراض وأوبئة أشد قسوة من فيروس كورونا

الملك رمسيس الثاني يكشف سبب ارتفاع ذراعه عن موضعه الصحيح بعد تحنيطه

سعيد بانتقالي لمتحف الحضارة.. وأتوقع أن أعيش حياة أفضل بموضعي الجديد

الملك رمسيس الثاني يوصي أحفاده بشركاء وادي النيل.. وينصحهم: بالعلم تسودوا العالم

 

ملك عظيم حكم مصر حوالي 67 عامًا، تمكن خلالهم من بناء حضارة عظيمة خلدت اسمه حتى يومنا هذا، وجعلت العالم كله يقف احترامًا وتقديرًا لتاريخه الحافل بالإنجازات، اتسمت حياته ببعض الجدل والغموض الذي يُثير الفضول دائمًا حوله، على سبيل المثال هل هو حقًا الذي عذب بني إسرائيل وطردهم من مصر؟، سؤال دائمًا يُثير الجدل بين العلماء ولم يتمكن أحد من التوصل للحقيقة، كما كان له من المغامرات نصيب الأسد، حيث كان صاحب أول مومياء تحصل على جواز سفر، وتسافر على متن طائرة في رحلة استشفائية للعلاج بفرنسا.

بالتأكيد علمتم عن من أتحدث، نعم أتحدث عن الملك رمسيس الثاني، أحد أهم وأعظم ملوك الفراعنة الذين مروا على التاريخ المصري القديم، والذي يستعد الآن لرحلته الأخيرة من المتحف المصري بالتحرير الذي عاش به منذ بداية القرن الماضي، إلى المتحف القومي للحضارة المصرية حيث موضعه الجديد.

اقرأ أيضًا:- أسرار جديدة| مسئول ترميم (المومياوات الملكية) يكشف كواليس تجهيز ملوك مصر لرحلتهم الأخيرة

وبعد حوالي 3234 عامًا من وفاة ملك مصر المعظم، خاض "الوفد" تجربة فريدة من نوعها ربما تصل إلى حد الجنون، وهي الانفراد بإجراء أول حوار صحفي مع الملك رمسيس الثاني؛ لتسليط الضوء على حياته منذ نشأته وحتى رحلته بعد الموت، وللرد على القضايا الجدلية التي تدور حوله وحل لغزها.

وإليكم نص الحوار: 

مومياء الملك رمسيس الثاني

دعني في البداية أرحب بسيادتكم فخامة الملك المعظم وأعبر لك عن سعادتي وسروري بلقاء فخامتك.

سعيد بأن ألتقي بأحد أحفادي بعد عمر طويل من أبناء وادي النيل وأبناء هذه الحضارة العظيمة، أهلًا وسهلًا بكِ.

كيف كانت نشأتك؟ وما هي الأسس التي تربيت عليها؟

منذ عصر الدولة الوسطى بدأ نظام الحكم المصري يعتمد على فكرة الاشتراك في الحكم وهي عملية إعداد ولي العهد خلال فترة حكم والده حتى يكون جاهز لتولي السلطة بعد ذلك، ومن هذا المنطلق كانت نشأتي عسكرية منذ صغري، حيث تربيت في بيت عسكري، إضافة إلى العديد من العلوم الدنيوية والدينية التي تلقيتها في بر عنخ (بيت الحياة)، وهو ما يوازي في مفهومكم المعاصر الجامعة، ومن حسن حظي جدي كان الملك رمسيس الأول مؤسس الأسرة التاسعة عشر، وأبي هو الملك سيتي الأول صاحب أشهر المعارك الحربية في تاريخ العسكرية المصري.

تلقيت التعليم الذي يؤهل ولي العهد لممارسة السلطة السياسية وحكم البلاد، ومارست بعض المهام العسكرية بأسم والدي العظيم، حتى إني حملت اللقب الشرفي وهو "القائد العام للقوات المسلحة" وكنت وقتها في عمر الرابعة عشر، وتمكنت من خوض أولي معاركي الحربية لتأمين حدود مصر الغربية وعمري 15 عامًا، ثم ذهبت مع أبي في إحدي معاركه بالجانب السوري.

كنت أيضًا حريص على مراقبة حسن سير الأعمال الإنشائية الخاصة بوالدي، منذ أن عُينت وليًا للعهد ونائبًا له، وبالتالي كانت كل الأمور مُيسرة لي، حتى أصل لقمة مجد الحضارة المصرية.

حدثنا عن عائلتك.. وكم عدد زوجاتك وأبنائك؟

دائمًا يتهموني بأني مزواج، ولكن لابد من فهم نظام الحياة الاجتماعي في مصر القديمة، فالمصري يُقدس الحياة الزوجية وبالتالي كان لابد أن يكون لي بيت وأسرة، فتزوجت من الملكة نفرتاري التي حصلت على لقب "حمت نسو ورت" الذي يُعني زوجة الملك العظيمة.

وتعد الملكة نفرتاري هي زوجتي الأولى والرئيسية التي أحببتها وعشقتها وأُكن لها كل التقدير، ولكن هذا لا يمنع أن يكون هناك زوجات ثانويات، نظرًا إلى أني ملك مصر العظيم، لذا تزوجت الكثير والكثير من السيدات حتى أني لا اتمكن من حصر عددهن، ولكن من ضمنهن زيجات لنسوة من أصول أجنبية تمت بغرض سياسي، ففي مرحلة الحرب ضد الحضارة الحيثية (وهي توازي حاليًا حضارة بلاد الأناضول) والتي انتهت بعقد معاهدة السلام كان من ضمن شروط تدعيم تلك المعاهدة الزواج من ابنة الملك الحيثي والتي منحتها الأسم المصري "نفرو ماعت رع"، ولأن المرأة طبعها الغيرة، اشترطت زوجتي الملكة نفرتاري أن تكون إقامة هذه الزوجة الأجنبية بعيدة عني ولم يكن لها نفس السلطة والتقدير والمحبة، وبالتالي تظل زوجتي المصرية هي الأولى في كل شيء.

أما عن أبنائي، فنظرًا لتعدد زيجاتي وعمري المديد أنجبت عدد كبير من الأبناء، وجاء عددهم في قائمة وادي السبوع حوالي 111 ذكر، 51 أبنة، ولكن لم يعد لهذه القائمة أثر الآن وتم تمزيقها.

اقرأ أيضًا:- موكب المومياوات الملكية | أبرز المعلومات عن الملك مرنبتاح أبن رمسيس الثاني

اسمحلي بهذا السؤال الذي يدور في أذهان الكثيرين في عصرنا هذا.. لماذا كان بعض ملوك مصر القديمة يتزوجون من أخواتهن؟ وهل كانت هذه العادة منتشرة بين جموع المصريين القدماء أم كانت فقط داخل القصر الملكي؟

أُنفي هذه التهمة تمامًا، لأن زواج المحارم غير مقبول في الفكر المصري القديم (الفرعوني) على الإطلاق، وكان يحدث في بعض الحالات حينما يكون الملك ابنًا لزوجة ثانوية وليست رئيسية بالتالي كان يتزوج شقيقته من الزوجة الرئيسية لأنها تجري بها الدماء الملكية الخالصة، حتى يُثبت شرعيته في الجلوس على العرش، ولم يكن زواج فعلي إلا في حالات نادرة.

ومن هنا كان هذا النوع من الزواج  الاستثنائي إن وجد داخل القصر الملكي فقط، بسبب انتقال الحكم من الأب لأبناءه، وظهرت هذه العادة بشدة في العصر البطلمي (الأسرة اليونانية) وجرت محاولات لربطها بالفكر الديني المصري، ولكن هذا خطأ ولم يحدث.

يُشاع أن سيادتكم تزوجت 3 من بناتك.. فهل هذه المعلومة صحيحة أم مجرد إشاعة؟

لا يوجد زواج بين الأب وابنته في الحضارة المصرية، ولقب "حمت نسو ورت" الذي يُعني زوجة الملك العظيمة، من الممكن أن تعطي الزوجة الملكة هذا اللقب الشرفي لإحدى بناتها لإعدادها للحكم، فلماذا تتهمونني بالظلم، فالمصري كان حريص على القيم والأخلاق، وهذه ليست طبيعة الشعب المصري العظيم الذي أمثله بصفتي ملك مصر، وبالتالي أنكر هذه التهمة تمامًا.

كيف توليت حكم البلاد؟ وكيف كانت خطتك للإعلاء من شأن مصر؟

شاركت أبي في الحكم عدة سنوات، ثم توليت السلطة منفردًا بعد وفاة والدي الملك سيتي الأول وكان عمري لم يتجاوز الثلاثين عامًا، حيث كنت في عز الشباب وقمة العطاء الجسدي.

أما عن خطتي للإعلاء من شأن مصر، تضمنت بناء عاصمة جديدة وهي "بر رعمسيس"،  واستكمال ما بدأه أبي من إنشاءات معمارية، وبناء المعابد التي تحمل اسمي، وكذلك القيام بمجموعة من التعديلات الإدارية والترقيات لبعض الموظفين، كما اتجهت لاستغلال مناجم النوبة بالإضافة لاستكمال حملات والدي العسكرية تجاه سوريا وتحديدًا ضد الحيثيين والمجموعات البشرية للحضارة المينوية (الميسينية) بمركزيها الرئيسيين في جزيرتي كريت وقبرص في حوض البحر المتوسط، حيث كانت أهم التحديات تأمين الحدود المصرية وتمكنت من النجاح في ذلك.

لماذا كان تركيز سيادتكم في بداية الحكم على الجانب المعماري من خلال بناء مدن ومعابد جديدة؟

أنا الملك رمسيس الثاني، هدفي هو إظهار عظمة الحضارة المصرية في الداخل من اقتصاد جيد واستثمار اقتصادي وتوفير الأمن، وفي الخارج تأمين حدود مصر من جهة والعمل علي توفير الموارد الخام المطلوبة من مناطق أجنبية من خلال البعثات التجارية السلمية .

وعلى الجانب المعماري، من حقي بناء قصر ملكي وبناء عاصمة جديدة تحمل أسمي لتخليد ذكراي، وإنشاء مكان للعبادة وتوفير كل ما يحتاجه إله الدولة من معبد ومآونة وخدمات الكهنة، فضلًا عن إنشاء مقبرة تليق بعظمتي، ومعبد جنائزي لتقديم الصلوات والقرابين لي بعد وفاتي.

كما أن المعابد الإلهية تُعد واجهة إعلامية للشعب؛ لعرض انتصارات الدولة العسكرية، حيث كانت تحمل صروح هذه المعابد نقوش ومناظر توضح الحملات العسكرية التي انتصرت فيها على الحيثيين والليبين وتمكنت فيها من حماية حدود مصر وأمنها.

وفي مفهوم الحكم المصري وظيفة الملك أن يؤسس مفهوم الـ"ماعت" بمعنى ترسيخ الحق والعدل والاستقرار والأمانة، بالتالي كان لابد عليّ توفير اقتصاد وأمن واستثمار محلي أو أجنبي، وأيضًا الإنشاءات المعمارية من خلال السدود لتوفير المياه، وحفر ترع وقنوات من أجل الزراعة، وبعثات التعدين، وبيت الحياة الأبدية وهو هدف كل إنسان.

معبد أبو سمبل

حدثنا عن فكرة نحت معبدي أبو سمبل في الصخر؟

إقامة المعابد الصخرية ليست بفكرة حديثة العهد، ولكن نجد هذا الطراز من المعابد والمزارات بداية من عصر الدولة الوسطى في جبانات بني حسن بالمنيا وأسيوط وكذلك في الدير البحري والكاب وجبل السلسلة، ولم يكن معبد أبو سمبل هو المعبد الصخري الوحيد الذي أنشأته في بلاد النوبة، لكنه هو أهمهم وأكبرهم.

ولجأت لفكرة النحت في الصخر للاستفادة من طبوغرافية المكان، فالقطع داخل الجبل هو إعجاز في النحت والتصميم والرسم والزخرفة وهو ما يؤكد قدرة المعماري والمهندس المصري، فكانا معبدي أبو سمبل نوع من إظهار عظمة الحضارة المصرية في امتداد جزء من الأرض المصرية وأقصد هنا الأرض النوبية.

لماذا يطلق البعض على سيادتكم "لص الآثار"؟ وما ردك على هذه التهمة؟

هذه عبارة أرفضها تمامًا.

أنا الملك رمسيس الثاني ابن الملك العظيم سيتي الأول، كنت حريص منذ صغر سني على مراقبة حُسن العمل في منشآت أبي، ولي باع طويل في المحافظة على آثار أجدادي من الملوك وتجديدها وترميمها، وبعد اعتلائي عرش مصر قومت بالكثير من الإنشاءات المعمارية العظيمة، فهل أنا في حاجة لسرقة آثار أجدادي؟

أما عن سبب نقش أسمي على بعض الآثار، يرجع إلى كون ابني العالم الشهير "خع ام واست" وهو أشهر مُرمم في تاريخ العالم القديم، قام بترمم أهرامات سقارة والعديد من تماثيل وآثار الأجداد، ونقش اسمي عليها بصفتي الملك الذي تمت في عهده هذه الترميمات والإصلاحات.

لماذا قُمت باختيار مدينة "بر رعمسيس" في دلتا النيل بأن تكون القاعدة الرئيسية للحملات العسكرية المتوجه إلى سوريا؟

في بداية عهدي كانت هناك أخطار تواجه مصر في الشمال الشرقي مع الحضارة الحيثية، وبالتالي كنت في حاجة لقاعدة عسكرية قريبة من الحدود الشمالية الشرقية لمصر حتى تكون نقطة انطلاق الجيوش ناحية سوريا، وبالتالي كان اختياري لهذه المنطقة هدفه عسكري في المقام الأول.

كان الجيش المصري في غاية قوته خلال فترة حكم سيادتكم لمصر.. فما هي الأسس التي كنت تعتمد عليها لدعم وتقوية الجيش؟

في عصر الدولة الحديثة نشأ جيش حربي دائم وظيفته الحرب، وعندما اعتليت عرش مصر استكملت جهود أسلافي من ملوك مصر في عصر الدولة الحديثة بدءًا من أحمس الأول، وبناء مؤسسات الجيش من مشاة وسلاح المركبات (الخيالة) والأسطول، حيث اعتمدت في تقوية الجيش على ما هو موجود، وأيضًا على الخبرات العسكرية للمقاتل المصري، فقومت بتقسيم الجيش لأربعة فرق حملت أسماء الآله العظمى "آمون، رع، بتاح، ست"، وكل وحدة كانت تحت قيادة مستقلة ولها كل الإمكانيات العسكرية، مما ساعدني في معركة قادش.

الجندي المصري هو خير أجناد الأرض، فكنا نختار الشباب السوي ذوي الصحة والقوة، وهذا ما مكّنا من بناء جيش من الأفراد الأقوياء القادرين على التدريب والممارسات العسكرية الفعلية، ومن أهم مميزات الجيش المصري أيضًا التي تمنحه القوة، هو أن الجندي المصري يتمتع بأخلاقيات الحرب لا يعتدي على مدني ولا يدمر مدينة أو يحرق شجر أو يعتدي على أفراد بقسوة وعنف ونوع من الانتقام، وهذا الذي يجعل الجيش المصري حتى الآن من أعظم جيوش العالم؛ لأنه مازال محافظ على هذه الأخلاقيات التي اتبعناها ونشأنا عليها.

ياسيادة الملك المعظم كنت أكثر ملك احتفل بعيد "سد".. فحدثنا عن هذا العيد وطقوسه وأهميته بالنسبة لملك مصر.

"الحب سد"، هو العيد الثلاثيني، حيث أنه يتم كل ثلاثين عامًا تمر على الملك في الحكم، ويتم من خلاله تجديد شباب الملك رمزيًا لتدعيم وتثبيت سلطته، حيث أنه بإعادة شباب الملك سيُعاد الشباب لأرض مصر وتتجدد الحياة والمحاصيل.

وكان من مراسم هذا العيد، إطلاق ثور في فناء مفتوح، وعلى الملك أن يتمكن من إيقاع هذا الثور الهائج ليثبت قوته وبالتالي أحقيته في الاستمرار في حكم مصر، لذا فهي عملية رمزية تؤكد أن الملك مازال قوي ويستطيع من الناحية الجسدية ممارسة سلطة الحكم.

وفي الأعوام الأخيرة من حكمي، أصبح هذا العيد يُقام كل عامين نظرًا لوفاة عدد من أبنائي وتقدمي في السن، فرأيت أن يُقام بصفة دورية لإثبات قوتي واستعراض إنشاءاتي واستعادة الحيوية للبلاد.

الحب سيد (العيد الثلاثيني)

يأتي كل عام الزوار من كل بقاع الأرض ليشاهدون ظاهرة تعامد الشمس على وجه تمثال سيادتكم.. فمن صاحب هذه الفكرة؟ وكيف تم تنفيذها على أرض الواقع؟

كانت فكرتي أنا ملك مصر العظيم، أحب الشهرة والدعاية والترويج لتاريخي وإنجازاتي، وتم تنفيذها لهدف ديني وسياسي أيضًا، فالتعامد على وجهي في شهر فبراير كان لتخليد ذكرى جلوسي على العرش حتى يتذكر الجميع، أما التعامد في شهر أكتوبر كان للإعلان عن موسم الزراعة (برت في اللغة المصرية القديمة) وانحسار مياه نهر النيل وهو بداية التقويم للعام الجديد في مصر القديمة.

ويرجع نجاح المصري القديم في تنفيذ ذلك الإعجاز،

إلى إبداع الحضارة المصرية في مجال الفلك، وفكرة الحساب للدورة الشمسية.

ظاهرة تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني

لماذا الإصرار على جعلكم فرعون الخروج؟ وما ردك على هؤلاء؟

ليس هناك دليل آثري واحد يُثبت أنني فرعون الخروج، غير أن فرعون الخروج لم ينجب أبناءًا، ومن هنا يأتي التناقض الذي ينفي عني هذه التهمة، وذلك لأني أنجبت أبناء كُثر تخطى عددهم المائة ابن وابنة، ثم أن عهدي لم يكن به استعباد وظلم لأحد، وأتوقع أن يكون هذا نوعًا من الدعاية السياسية الأجنبية ضدي.

وربما يكون فرعون الخروج في فترة تالية لعهدي، ولكن ليست سابقة لعهدي على الإطلاق، وذلك في ضوء ما كشفت عنه البقايا الآثرية والمصادر النصية واللاهوتية في ارتباط بذلك الحدث.

حدثنا عن فكرة "لعنة الفراعنة".. فهل هي حقيقة أم خيال؟

هذه أكذوبة، المصري القديم كان في غاية الذكاء المدعوم بالعلم، كنا نضع مهالك هندسية في المقابر، وأيضًا نستخدم بعض المواد في عملية التحنيط، ولكن مع التحلل العضوي والغلق التام للمقبرة بعد الدفن، ينتج تفاعل كيميائي يصيب كل من يخترق خصوصيتها، فعند دخول أحد مقبرة فرعونية وخاصة اللصوص دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة بالطبع كان يستنشق تلك الجراثيم والبكتيريا والمواد السامة، وأيضًا إذا ضل الطريق داخل المقبرة وقع في فخ المهالك الهندسية، وفي الحالتين الموت مصيره.

 وكانت هناك تعاويذ سحرية على مداخل المقابر الفرعونية تُحذر من يحاول الدخول عنوة لنهب محتوياتها من أن روح المتوفي سوف تطارده إلى الأبد، كنوع من الحماية السحرية ربما كانت أيضًا سببًا في انتشار الفكرة المرتبطة بلعنة الفراعنة.

تمر مصر والعالم بجائحة فيروس كورونا المستجد.. فهل شهدت مصر الفرعونية مثل هذه الأوبئة التي هددت حياة أهلها؟

بالفعل ضربت الأمراض والأوبئة مصر القديمة وكانت أكثر قسوة من فيروس كورونا الذي تواجهوه الآن، ففي عصر الانتقال الأول
(التالي لفترة مجد الدولة القديمة، أو عصر الأهرامات) جف النيل واجتاحت المجاعات البلاد، أدت إلى أن يأكل الإنسان الجيفة والقطط والحشرات؛ مما أدى لانتشار الأوبئة والأمراض، أيضًا تشير المصادر اللاهوتية إلى بعض ما أصاب أهل مصر من وباء ومصائب نتيجة عصيانهم العقائدي مثل الدم والقمل وغيرهم.

بعد وفاة سيادتكم تم دفن جسدك بمقبرة الملوك ثم نُقل بعد ذلك إلى خبيئة الملوك بالدير البحري.. والسؤال هنا: هل كنت تُفضل البقاء بمقبرة الملوك أم كان النقل أفضل بالنسبة لك؟

بالتأكيد كُنت أفضل البقاء في مقبرتي إلى أبد الآبدين، ولكن للأسف سرقات المقابر خلال فترات الضعف للسلطة المركزية للدولة، كانت السبب الرئيسي الذي أجبر كبار كهنة آمون في طيبة على إخفاء موميائي ومومياوات الملوك الآخرين في مقبرة آن حابي بالدير البحري (خبيئة الدير البحري).

اقرأ أيضًا:- قصة دفن واكتشاف المومياوات الملكية المقرر نقلها لمتحف الحضارة

مقبرة الملك رمسيس الثاني في وادي الملوك

ما تقيمك لإنشاء السد العالي؟ وهل سيادتك راضِ عن نقل معبدك؟

للضرورة أحكام كما تقولون، ففي الدولة الوسطى تم بناء سد في اللاهون بالفيوم لتوفير مياه فيضان نهر النيل، وبالتالي تفكير أحد أحفادي وهو الرئيس جمال عبد الناصر في إنشاء هذه المعجزة المعمارية "السد العالي" لتوفير مياه النيل شيء في غاية الإبداع وأنا سعيد بهذا الفكر الذي أنقذ مصر وشعبها من مخاطر عدم مجئ فيضان النهر أحيانًا وما قد يسببه من مخاطر اقتصادية للدولة.

أما عن نقل معبدي، فكان حل سحري للحفاظ على هذا الصرح العظيم الذي أنشأته وأنا راضِ عن نقل معبدي في سبيل مصر وأحفادي.

كنت أول فرعون مصري يحصل على جواز سفر ويسافر على متن طائرة إلى فرنسا.. حدثنا عن شعور سيادتكم باستقبالكم في فرنسا؟

كان استقبال جميل وفيه تقدير واحترام لمكانتي العظيمة، فأنا الملك رمسيس الثاني استحق التكريم من كل شعوب العالم، وفي الوقت ذاته سفري للخارج على متن طائرة كان تجربة جديدة بالنسبة لي سعيد بها.

وسعدت كثيرًا بالمعاملة الطيبة التي تلقيتها من الفرنسيين ورغبتهم في الحفاظ على جسدي وإجراء الفحوصات والتحاليل لموميائي لتقديم العلاج اللازم لي، لكن على الرغم من ذلك إلا إني شعرت بالغربة وافتقدت بلدي العظيم مصر خلال رحلتي لفرنسا.

في منتصف الخمسينيات تم نقل تمثال سيادتكم إلى ميدان باب الحديد بالقاهرة والذي حمل اسم سيادتكم بعد ذلك وظل يتوسط الميدان حتى عام 2006.. فهل كنت سعيد بوجود تمثالك في ذلك المكان؟ وكيف كان شعورك خلال رحلة نقل التمثال إلى موضعه الأخير بالمتحف المصري الكبير في الرماية؟

كُنت سعيد ومنزعج في آن واحد من وجود تمثالي وسط الميدان، سبب سعادتي هو أن تمثالي وسط أحفادي يذكرهم دائمًا بتاريخي العظيم، أما عن سبب حزني كان من شدة الزحام والضوضاء والتلوث البيئي بالميدان والذي بدأ يؤثر على تمثالي بالسلب.

وفكرة نقل التمثال إلى حرم مشروع المتحف المصري الكبير كانت تجربة صعبة وكنت في غاية القلق نظرًا لضخامة حجم التمثال والعبور المقترح له عبر كباري علي نهر النيل وغيره من مصاعب تقنية، ولكن أحمد الله على وصول تمثالي بسلامة وسعيد بموضعه الأخير حتى أرحب بكل الزوار القادمين.

تمثال الملك رمسيس الثاني بالمتحف المصري الكبير

بعد العثور على مومياء سيادتكم تم نقلها لعددة متاحف والآن تم تجهيز سيادتك للنقل والاستقرار أخيرًا بمتحف الحضارة بالفسطاط.. فهل سيادتكم سعيد بهذه الرحلة وموضعكم الجديد؟

انزعجت كثيرًا من انتقالي للعديد من المتاحف حتى استقراري آخيرًا بالمتحف المصري بالتحرير، والذي انتقلت بداخله مرات عديدة ما بين قاعة العرض والمخازن، ولكن الآن تم تجهيز موميائي للنقل إلى المتحف القومي للحضارة المصرية، ذلك الصرح العظيم الذي شيده أحفادي باستخدام كافة التقنيات التكنولوجية الحديثة.

وأتمنى حياة جميلة وأفضل بمتحف الحضارة، الذي سيتيح لي العيش في الغاز الخامل الذي يُحافظ على جسدي من التحلل، كما أنني في غاية السعادة بفكرة عرض الأثاث الجنائزي بجانب موميائي، مما يُخيل لي بأنني في مقبرتي بالأقصر مرة أخرى.

المتحف القومي للحضارة المصرية

من المفترض أن ذراع سيادتكم يكون موضوع على الصدر مباشرةً أثناء عملية التحنيط ولكن هذا لم يحدث.. فلماذا الذراع مرتفع عن موضعه؟

كنت أعاني من تصلب في شرايين القلب وبالتالي ممكن أن يكون ذلك أثر على جسدي بالسلب بعد وفاتي وتسبب في ارتفاع ذراعي عن موضوعه الصحيح، وهناك احتمال آخر وهو أن بعد وفاتي ربما يكون أبنائي تأخروا في تحنيط جثماني مما أدى لتعرضي لحالة تيبس وتوقف على إثرها ذراعي عند هذا المستوى.

كُلها احتمالات ولكن العلم هو السبيل الوحيد لمعرفة السبب الحقيقي، لذا أدعو أحفادي باستخدام كل ما توصلوا له من تطور علمي وتكنولوجي ومعرفة سبب ارتفاع ذراع جدهم الملك العظيم ذو السمعة والصيت الكبير، عن موضعه الصحيح وأنا أثق بهم وبقدرتهم على التوصل للسبب الحقيقي.

مومياء الملك رمسيس الثاني

كيف ترى عملية ترميم مومياء سيادتكم لتجهيزها للنقل إلى متحف الحضارة؟

سعيد بأحفادي أبناء وادي النيل لما توصلوا له من علم ومعرفة، حيث كانت موميائي تُعاني من بعض الشروخ والانفصال ولكن بعلم أحفادي تم إعادة التوازن لجسدي مرة أخرى وتغطيته بطبقة عزل للحفاظ عليه من التحلل.

وأود أن أتوجه لهم بجزيل الشكر والامتنان على رفقهم ولين قلبهم أثناء التعامل مع جدهم الملك العظيم، حيث شعرت بمدى احترامهم وتقديرهم لي ولتاريخي عندما لمست أناملهم الرقيقة جسدي.

كيف تتوقع أن يكون موكب المومياوات الملكية؟

أعتقد أنه سيكون موكب يليق بمجد وعظمة ملوك مصر القديمة ودورهم الكبير في بناء الحضارة المصرية، فلأول مرة اجتمع بأجدادي وأبي وأبنائي من الملوك في موكب واحد، حيث سأنقل بصحبة 22 مومياء لأعظم الملوك الذين حكموا مصر لأول مرة في التاريخ.

ما هي الفترات التي مرت بها مصر وتملك منك القلق والخوف على الحضارة المصرية القديمة؟

فترات الاحتلال بالتأكيد، فمع كل احتلال جاء إلى مصر كان قلبي يُنزع من جسدي قلقًا على هذه الأرض الطيبة وشعبها، حيث حاولت هذه الثقافات التغير من طبيعة الشعب ولكن لم يتمكنوا من ذلك ففي النهاية تسود مصر بثقافتها وحضارتها، حقيقة مصر هي أم الدنيا، ودولة بمفهوم الدولة السياسي منذ أقدم العصور لديها حدود سياسية ثابتة وشعب نسيجه البشري واحد لم تؤثر فيه العناصر الأجنبية الوافدة، ثقافة ممتدة وثابتة بجذورها عبر العصور.

في ختام حديثنا.. ما النصيحة التي يوجهها الجد إلى أحفاده؟

حافظوا على هذه الأرض الطيبة الخيرة، تمسكوا بالوطن والتزموا بكل التعاليم الصحيحة الحق والعدل والآمانة، والاجتهاد والمثابرة والعلم حتى تسودوا العالم.

وأرجو من أبناء مصر الحفاظ على قضية النيل والاهتمام بالبناء الخلفي لمصر وهو السودان، لأنهما دولة وحضارة وشعب واحد وجزء من التكوين والثقافة، لذا أتمنى الإبقاء على هذه العلاقة الجسدية الفكرية الحضارية التي كانت موجودة منذ العصر الفرعوني.

شكر واجب

بعد الانتهاء من إجراء ذلك الحوار الشيق، والغوص في حياة الجد والملك رمسيس الثاني، أود أن أتقدم بجزيل الشكر والامتنان للدكتور علاء شاهين، أستاذ تاريخ مصر والشرق الأدنى القديم، وعميد كلية الآثار الأسبق بجامعة القاهرة، على قيامه بدور الملك والرد على تساؤلاتي.

الدكتور علاء شاهين، أستاذ تاريخ مصر والشرق الأدنى القديم، وعميد كلية الآثار الأسبق بجامعة القاهرة

وعرفانً مني بالجميل أشكر مرمم مومياء الملك رمسيس الثاني مصطفى إسماعيل رئيس معمل صيانة المومياوات بالمتحف القومي للحضارة المصرية، وأيضًا الشكر موصول لـ الشيماء محمد عبد الجواد مدرس مساعد بقسم الآثار المصرية - كلية الآثار جامعة القاهرة، لما بذلوا من جهد لمساعدتي في إثراء الحوار بالمزيد من المعلومات والتأكد من صحتها تاريخيًا وعلميًا.

 مصطفى إسماعيل رئيس معمل صيانة المومياوات بالمتحف القومي للحضارة المصرية

الدكتورة الشيماء محمد عبد الجواد مدرس مساعد بقسم الآثار المصرية