رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

د. هانى سرى الدين يكتب: المواطنة.. ضمان العدالة وحائط صد فى وجه الإرهاب

د. هانى سرى الدين
د. هانى سرى الدين

ليس الهدف من هذه المقالات المسلسلة التذكرة بالماضى فحسب، ولكن التأكيد أيضاً على أن ثوابت حزب الوفد منذ أكثر من مائة عام لا تزال مستقرة، وراسخة، وصالحة للتطبيق برؤية معاصرة تتفق مع المستجدات المحيطة بنا.

حقوق المواطنة والوحدة الوطنية ظلت، ولا تزال ركناً ركيناً من ثوابت حزب الوفد لحماية الأمن القومى، فلا تغيب عن ذهن أى متابع لمشاهد ثورة 1919 فى الكتب والأفلام صور ولافتات مرفوعة تعانق فيها الهلال مع الصليب. والحقيقة أنه منذ اليوم الأول لتأسيس الوفد باعتباره أساساً مصرياً جامعاً لكل عناصر الأمة فقد سعى الأقباط إلى الانضمام إليه وسارع فخرى عبدالنور وويصا واصف وتوفيق اندراوس لمقابلة سعد زعلول. وقد سأل جورج خياط سعداً عن مركز الأقباط بعد انضمامهم للوفد فأجابه سعد بأن «الأقباط لهم ما لنا من حقوق وعليهم ما علينا من واجبات».

ولم يكن غريباً أن يوجه سفير بريطانيا فى باريس سؤالاً إلى واصف بطرس غالى بعد انضمامه: كيف تضع يدك فى يد من قتلوا أباك؟ فيرد واصف غالى: إن هذا خير لى من أن أضع يدى فى يد من قتلوا وطنى.

 وعندما تأسس الوفد كان من بين المؤسسين فخرى عبدالنور، وويصا واصف، وتوفيق اندراوس. وعندما صدر قرار نفى زعماء الوفد إلى سيشل كان اثنان من المنفيين الستة قبطيين، هما مكرم عبيد وسينوت حنا. ولما صدرت أحكام الإعدام على 7 من قادة الثورة كان بينهم 4 أقباط، هم واصف غالى، وويصا واصف، وجورج خياط، ومرقص حنا.

لذا قرر سعد زغلول عند تشكيل حكومة الشعب سنة 1924 أن يضم لوزارته اثنين من الوزراء الأقباط، ووقتها اعترض السلطان فؤاد، مؤكداً أن المتبع هو اختيار وزير واحد قبطى من بين عشرة وزراء، ورد سعد زغلول مصراً على اختياره، مؤكداً أنها وزارة ثورة لا وزارة تقاليد، فرصاص الاحتلال لم يفرق بين مسلم ومسيحى، ولم يضع حداً أقصى لضحايا المصريين من الأقباط.

وظلت الوحدة بين المسلمين والأقباط نهجاً للسياسة الوطنية للوفد حتى أن سينوت حنا ضحى بنفسه عندما حاول المتربصون بالوفد اغتيال الزعيم مصطفى النحاس.

ولم تقتصر الوحدة الوطنية التى أرساها الوفد كواحد من ثوابته على علاقة المسلمين بالأقباط، وإنما امتدت إلى كل الأصول الجغرافية للمصريين.

وعندما نفى سعد باشا للمرة الأولى إلى مالطة كان معه حمد الباسل ممثل البدو، ومحمد محمود باشا قطب أقطاب الصعيد.

وخلال الثورة كان من الواضح أن رصاص الاحتلال لا يفرق بين شمالى وجنوبى، أو بين فلاح وأفندى، وكانت كل المحافظات تقدم الشهداء.

كذلك اتسع مفهوم الوحدة الوطنية ليأخذ منحى اجتماعياً، ويشمل: الطالب، العامل، المزارع، المحامى، المعلم، الطبيب، الموظف، والتاجر، وكأنه يؤسس قبل مائة عام

المفهوم الحديث للمواطنة الذى يؤكد أن المصريين سواسية، لا فرق بين مسيحى ومسلم، وصعيدى وقاهرى، وعامل وصاحب عمل. لا فرق بين رجل وامرأة، فالجميع لهم الحقوق نفسها، وعليهم الالتزامات ذاتها، وهكذا انضم لحكومة الوفد أفندية ممن لا يحملون لقب باشا أو بك.

لقد امتزج المفهوم الذى رعاه الوفد وأطلقه إلى العلن، ورسخه كأحد ثوابته بجينات المصريين لدرجة جعلتهم يرفضون أى دعوى أو لافتة تفرق بين أبناء الشعب على أساس دينى أو جغرافى أو اجتماعى، وبدا ذلك واضحاً فى دستور 1923، كما بدا واضحاً فى معركة تشكيل حكومة الشعب برئاسة سعد زغلول، إذ قاوم رؤية الملك للوزارة فيما يخص عدد الأقباط بها وعدد الأفندية، محققاً المواطنة فى أبرع صورها.

بالطبع كان ذلك مثار إعجاب الزعيم الهندى العظيم المهاتما غاندى، ما جعله يصرح بأن أفضل ما نجح فيه سعد زغلول والوفد المصرى تمثل فى إذكاء فكرة الوحدة الوطنية بعمق حقيقى، بينما أخفق هو فى ذلك بين المسلمين والهندوس فى الهند.

لقد كانت وستظل المواطنة أساسا للحفاظ على النسيج الوطنى المصرى، ونجت مصر من محاولات الطائفية الممتزجة بفكر التطرف بفضل عمق الغرس، لتفلت من سيناريوهات أخرى جرت فى لبنان (التقسيم الطائفى) والسودان (انفصال الجنوب عن الشمال) وتسير على خطى الدول المتقدمة التى نبذت التمييز مثل جنوب إفريقيا.

وحسناً فعل القائمون على إعداد الدستور أن جعلوا مادته الأولى تنص على المواطنة، فهى السياج الحصين لقطع الطريق على أى استهداف أو محاولة للتفرقة بين المصريين، فالوفد يؤمن بالقضاء على التمييز بين أبناء الوطن، ويرفض الاغتراب داخل أحضانه.

إن حقوق المواطنة للجميع هى الضمان الأول للعدالة، فى ظل سيادة القانون، وهى حائط الصد المثالى فى وجه الإرهاب، وهى بعث للقيم العظيمة الخالدة.

وسلام على الأمة المصرية.