رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشار لبيب حليم لبيب يكتب: الدولة القانونية

بوابة الوفد الإلكترونية

سيادة حكم القانون تضمن التزام السلطة بأداء وظيفتها

القضاء الإدارى يمارس دوره الرقابى على تصرف الإدارة

السلطة التشريعية تلتزم بمبادئ الدستور فى ممارسة اختصاصاتها

مسئولية القضاة تستوجب الالتزام بنصوص النظام القانونى

 

تقوم الدولة على مبدأ المشروعية،الذى يمكننى أن ألخصه بأنه سيادة حكم القانون، ويقتضى هذا المبدأ أن تخضع الدولة فى تصرفاتها للقانون، وأن يمكن الأفراد بوسائل مشروعة من رقابة الدولة فى أدائها لوظيفتها، بحيث يمكن أن يردوها إلى جادة الصواب كلما عنّ لها أن تخرج على حدود القانون!!

والقانون هنا يؤخذ بمدلوله العام، أى جميع القواعد الملزمة فى الدولة أيا كان مصدرها شريطة مراعاة التدرج فى قوتها، ويترتب على مخالفة الإدارة لمبدأ المشروعية بطلان التصرف الذى خالفت به القانون، هذا البطلان يجب أن يثبت عن طريق سلطة يمنحها القانون هذا الحق، وقد حدد القانون طريقين رئيسيين فى هذا الصدد، الطريق الأول وهو الذى تتولاه الإدارة بنفسها، فهى التى تراقب مدى مطابقة تصرفها للقانون سواء فى صورة التظلم الولائى أو التظلم الرياسى أو التظلم إلى لجنة إدارية خاصة.

أما الطريق الثانى فهو الرقابة القضائية، ذلك لأن الرقابة الإدارية لا يمكن أن توفى بالغرض المرجو من ضمان سيادة مبدأ المشروعية، لأن مصدر القرار قد يرفض الاعتراف بالخطأ، وقد يجاريه رئيسه، أو تجامله اللجنة الإدارية التى أناط بها المشرع مراقبة تصرفه، وفوق كل هذا وذلك، فإن ترك النزاع بين الإدارة والأفراد لتفصل فيه الإدارة بنفسها لا يمكن أن يبث الثقة فى نفوس الأفراد، لأن من مقتضيات العدالة ألا يكون الحكم خصما فى النزاع، ومن ثم فإن القاعدة الغالبة فى معظم الدول أن يعهد إلى القضاء برقابة الإدارة فى كيفية ممارسة نشاطها.

مراقبة الإدارة

والقضاء الإدارى هو الذى أناط به القانون مراقبة الإدارة فى كيفية ممارسة نشاطه، فهو فى جوهره رقابة قيد على تصرف الإدارة، والإدارة بحكم ما تواجهه من تبعات جسام، تضيق ذرعا بهذه الرقابة، وهنا يجئ دور الفلسفة الاجتماعية التى تعتنقها الدولة لتقول كلمتها فى رغبة الإدارة فى التصرف بحرية مطلقة، ورغبة المواطنين فى وضع قيود تكبح جماح حرية الإدارة، وتردها إلى حظيرة قواعد قانونية صارمة.

فإذا سلمنا بحق الإدارة أن تبرم تصرفاتها دون مراعاة المبادئ القانونية السائدة، فحينئذ تصبح الرقابة القضائية غير ذات موضوع، أما إذا قامت الدولة على أساس مبدأ الشرعية، فإن الرقابة القضائية تغدو السبيل الفعال لبث الحياة فى هذا المبدأ.

ومبدأ الشرعية يفترض فى أبسط صورة ألا تصدر أداة دنيا من أية سلطة فى الدولة إلا فى حدود ما يعلوها من قواعد، والقضاء الإدارى يتقيد أيضاً بالأحكام التشريعية الصريحة شأنه فى ذلك شأن سائر جهات الإدارة، وإذا كان القانون الإدارى يفترق عن القوانين الأخرى فى أنه غير مقنن، وأنه مازال يكتنفه فراغ واسع من النصوص، وفيه أوضاع حائرة تبحث لها عن سند تارة فى مجال قانون المرافعات، وأخرى فى مجال قانون الإجراءات الجنائية، وتارة أخرى فى تقنين آخر، وإن طرق هذا القانون وعرة عسيرة المسالك فإن هذا القضاء مقيد بإعمال نصوص القانون الصريحة التى لا تحتاج إلى تفسير أو تأويل، وهو ملزم أيضاً بأعمال مبدأ نظام تدرج القاعدة التشريعية فإن خالف ذلك فإن القضاء الصادر منه يكون مشوبا بعيب مخالفة القانون.

لا يقدح فى ذلك ما يقال: إن القضاء الإدارى ليس مجرد قضاء تطبيق، إنما هو فى الأغلب الأعم قضاء تكوينى إنشائى خلاق، يبتدع الحلول المناسبة للروابط القانونية التى تنشأ بين جهات الإدارة لتسييرها للمرافق العامة من جهة، وبين الأفراد من جهة أخرى، وأنه يبتكر المخارج لما يعترض سبيله من مآزق أو مزالق تحقيقًا لمهمة المواءمة بين الصالح العام والمصلحة الخاصة ذلك أن وظيفة القاضى هى تنفيذ القانون، فطالما وجد النص فإن القاضى ملزم بتطبيقه.

ولا جدال أن وظيفة السلطة التنفيذية تنحصر فى مجرد تنفيذ القوانين التى تصدرها السلطة التشريعية، وذلك يستلزم أن تقوم وظيفة السلطة التنفيذية على مجرد التعبير تعبيرا صادقا عن إرادة المشرع بلا نقص أو زيادة، وبهذا المعنى تكون سلطات الإدارة مقيدة باستمرار، ولكن مقتضيات العمل، وضرورات الحياة الإدارية تحول دون الأخذ بهذا الأصل على إطلاقه.

فالإدارة تتكون من أفراد مبصرين، يواجهون ظروفا متغيرة، تقتضى فى كثير من الحالات تنوعا فى المعاملة، وللجماعة مصلحة فى أن تمكن الإدارة من مواجهة كل حالة وفقا لظروفها الخاصة، حتى يمكن تحقيق المصلحة العامة على أتم وجه، ومن هنا ولدت السلطة التقديرية، فعندما يمنح القانون الإدارة سلطة معينة، وحينما يزودها باختصاص ما، فإنه قد يفرض عليها بطريقة آمرة وعلى سبيل الإلزام الهدف المعين الذى يجب عليها أن تسعى إلى تحقيقه، وأن يحدد لها الأوضاع التى يجب عليها أن تخضع لها للوصول إلى هذا الهدف، فإن سلك المشرع هذا الطريق، فإنه يملى على جهة الإدارة فحوى القرار الذى يجب عليها اتخاذه، وتسمى سلطاتها محددة أو مقيدة.

ولكن إذا ترك المشرع للإدارة قدرًا من الحرية فى التصرف تستعمله وفقا للظروف، وتتخصص فى ذلك بحيث تكون لها الكلمة الأخيرة فإن سلطة الإدارة فى هذه الحالة تكون سلطة تقديرية.

البرلمان

وتتمتع السلطة التشريعية فى ممارسة اختصاصها بحرية واسعة، ولكنها ليست أيضاً مطلقة، فالمشرع يتقيد بما ورد فى الدستور من قواعد، ويتقيد بالمبادئ التى تستمد وجودها من وجود الإنسان وآدميته، فالأصل إذن هو حرية السلطة التشريعية، والاستثناء هو القيود التى يضعها الدستور، أما الإدارة فإن الأصل أن تقتصر وظيفتها على تنفيذ ما جاء بالقوانين، وفى حدود الشكل والاختصاص، ومن ثم كان التقييد هو الأصل والحرية هى الاستثناء.

أما رقابة القضاء فهى رقابة جامدة، تتسم بالمحافظة والرجعية، ووظيفة القاضى تنفيذ القانون. وبذلك فإن عمل القاضى يتشابه تماما بعمل السلطة التنفيذية، بل إن عملهما يصبح واحدا فى طبيعته بالنسبة لممارسة الاختصاصات المقيدة، فإذا ما نص القانون على وجوب اختيار المرشحين لوظيفة معينة وفقا لترتيب النجاح مثلا، الذى تسفر عنه المسابقات التى تجريها الإدارة، فإن عمل القاضى إذا ما رفع إليه النزاع لا يختلف فى شىء عن عمل الإدارة، إذ يتعين على الاثنين التزام حرفية النصوص، وإيصال الحق إلى ذويه، وقد جاء بمذكرة المشروع التمهيدى للتقنين المدنى: أن المشروع جمع فى المادة الأولى ما يعرف فى اصطلاح الفقه بمصادر القانون، وأنه لا يقصد من جمع المصادر على هذا النحو إلى مجرد تعدادها، بل يراد بها بوجه خاص بيان تدرجها من حيث الأولوية فى التطبيق، ولذلك يخلق بالقاضى أن يلتمس الحكم الذى يطبق على النزاع فى نصوص التشريع أولا، ومتى وجد الحكم فيه أو استخلص منه تعين أن يمضيه، وامتنع عليه الأخذ بأسباب الاجتهاد، ومن ثم فإن القاضى ملزم بتطبيق النص التشريعى على النزاع المطروح عليه.

والمقصود بالتشريع هنا هو قيام سلطة عامة مختصة فى الدولة بالتعبير عن القاعدة القانونية، والتكليف بها فى صيغة مكتوبة، ويتدرج هذا التشريع إلى ثلاثة أنواع أولها وأعلاها هو التشريع الأساسى، ويقصد به الدستور، وثانيهما التشريع العادى، وهو ما يطلق عليه اسم القانون أى الوثيقة المكتوبة الصادرة عن السلطة التشريعية متضمنة قاعدة قانونية.

والأصل أن تستقل السلطة التشريعية بسن التشريع العادى إلا أنه استثناء من هذا الأصل خول الدستور السلطة التنفيذية التصدى لسن التشريع في حالتين: أولاهما تشريع الضرورة ،وثانيتهما تشريع التفويض ، أما النوع الثالث من التشريع فهو التشريع الفرعى الذى يعرف باسم اللائحة، وتسنه السلطة التنفيذية بموجب الاختصاص المخول لها فى الدستور بصفتها هذه، واللوائح ثلاثة أنواع: أولها اللوائح التنفيذية التى تضعها السلطة التنفيذية بالأحكام التفصيلية التى يقتضيها تنفيذ القوانين، وثانيها: اللوائح التنظيمية وهى اللوائح التى تضعها السلطة التنفيذية لتنظيم المصالح والمرافق العامة، وهى لوائح مستقلة بذاتها ولا تستند إلى تشريع. أما بالنسبة للوائح التنفيذية للقوانين فإن المنوط بها دستوريا إصدارها هو رئيس الجمهورية بشرط أن يصدرها مطابقة للقانون، بما ليس فيها من تعطيل للقانون أو تعديل له، أو إعفاء من تنفيذه، وإذا كان من حق رئيس الجمهورية أن يفوض غيره فى إصدارها، فإن صدرت اللائحة من غير هؤلاء فقدت سندها التشريعى، وكانت غير دستورية.

وأيا كانت السلطة التى أصدرت اللائحة التنفيذية للقانون، فإنه يتعين أن تتقيد بما يقضى به القانون، ولا يجوز لها أن تعدله أو تعطله أو تعفى من تنفيذه وإلا كانت باطلة، وهذه قاعدة تقيد كذلك سائر السلطات الإدارية فلا يجوز لها فيما تصدره من لوائح أو قرارات أن تخالف ما تكون السلطة الأعلى قد وضعته.

«تدرج التشريع»

وتقضى قاعدة تدرج التشريع أنه لا يجوز لسلطة أدنى أن تلغى أو تعدل أو تعطل قاعدة قانونية وضعتها سلطة أعلى، فإذا كان الدستور قد حدد على سبيل الحصر الجهات التى تختص بإصدار اللوائح التنفيذية فقصرها على رئيس الجمهورية أو من يفوضه فى ذلك، أو من يعينه القانون لإصدارها، بحيث يمتنع على من عداهم ممارسة هذا الاختصاص وإلا وقع عمله اللائحى مخالفًا للدستور، وبالتالى فإذا كان القانون قد فوض أحد الوزراء لإصدار اللائحة التنفيذية للقانون، فإن الوزير فى هذه الحالة يتعين عليه أن يلتزم حدود هذا التفويض الوارد فى القانون، وألا يتضمن تعطيلا له أو إعفاء من تنفيذه وإلا كان معدوما. وبالتالى فإن القاضى ملزم بتطبيق القانون، وملزم بتطبيق لائحته التنفيذية فإذا وجدها مخالفة للقانون أو تتضمن تعديلا  أو تعطيلا له وجب عليه الامتناع عن تطبيقها وإعمال حكم القانون وحده.

مسئولية القضاة

وقد أوجب القانون على القاضى أن يمتنع عن القيام بالمحظورات القانونية المنصوص عليها فى النظام القانونى الذى يعمل فى ظله، وقد يترتب على مخالفة القاضى لهذا الواجب انعقاد مسئوليته المدنية فقط أو المسئولية المدنية والتأديبية وقد تجتمع المسئوليات الثلاث المدنية والجنائية والتأديبية.

وقد أجاز قانون المرافعات مخاصمة القضاة إذا وقع خطأ مهنى جسيم، وقد عرف الفقه المصرى الخطأ المهنى الجسيم بأنه الخطأ الذى ينطوى على أقوى ما يمكن تصوره من اهمال فى أداء الواجب، فهو فى سلم الخطأ أعلى درجاته،وهو الخطأ الفاحش ومثله الخطأ الفاضح بالمبادئ الأساسية للقانون، والجهل الذى لا يغتفر بالوقائع الثابتة بملف الدعوى ، ومن ثم فإن تطبيق القاضي لنصوص اللائحة التنفيذية المخالفة للقانون يعد منه خطأ فاضحا بالمبادئ الأساسية للقانون وجهلا منه لا يغتفر بمبدأ تدرج التشريع.

وإذا كانت كافة سلطات الدولة ملتزمة باحترام القانون، فإن السلطة القضائية يجب أن تسهر على حسن تطبيق القانون، والقاضى باعتباره أحد أعضاء السلطة القضائية يجب أن يباشر أعمال وظيفته طبقًا للقانون، فيجب عليه أن يفصل فى القضايا المطروحة عليه، وأن يكون الفصل فيما يقدم إليه من القضايا بمقتضى النصوص الواردة فى القوانين المصرية المعمول بها، وكذلك الأوامر واللوائح المطابقة للدستور والقانون دون سواها، ولا يقبل من القاضى اعتذاره بعدم وجود نص صريح فى القانون على واقعة معينة فقد أوجبته عليه المادة الأولى من القانون المدنى أن يحكم فى الدعوى تأسيسا على مصادر متنوعة، مراعيًا فى ذلك مبدأ تدرج القاعدة القانونية باعتباره من المبادئ الأساسية للقانون.

ومصادر التزام القاضى بتطبيق القانون كثيرة، منها التزاماته الوظيفية الناشئة عن العلاقة التنظيمية التى تربط بينه وبين الدولة، والتى توجب عليه احترام القوانين المنظمة لعمله، والمصدر الثانى لالتزام القاضى بواجبات وظيفته هو القسم الذي أقسمه، حيث تنص اليمين القانونية التى يقسمها القاضى فى القانون المصرى على

أنه: أقسم بالله العظيم أن أحكم بين الناس بالعدل، وأن أحترم القوانين، ومن ثم وجب على القاضى أن يحرص على اليمين التى أقسمها غاية الحرص، وأن يرعاها بغاية الدقة.

أما المصدر الثالث لالتزام القاضى بواجبات وظيفته طبقا للقانون، فهو وجوده فى مجتمع معين، والتزامه باحترام قوانينه، ومباشرة نشاطه طبقا للقانون، وهذا يقتضى منه العلم بالقانون، لأنه لن يعذر أبدًا لجهله بأحكام القانون.

وقد تضمنت المادة الأولى من مشروع الإعلان العالمى لاستقلال القضاء الحديث عن أهداف السلطة القضائية، وواجباتها فنصت على أن تشمل أهداف السلطة القضائية ومهامها تطبيق القانون تطبيقًا حياديًا.

والطبيعة الأساسية للوظيفة القضائية فى جميع النظم القضائية هى الحكم وفقًا لقانون، وقد نصت بعض الدساتير العالمية على أنه لا يخضع القضاة إلا لسلطات القانون، والمقصود بهذه العبارة هو أن السيادة الذاتية تكون للقانون.

وإذا كانت حصانة القضاء يكفلها الدستور والقانون، فهذه الحصانة تقابلها واجبات يلتزمها القاضى ومنها أن يفصل فى القضايا المطروحة أمامه طبقا للقانون، وواجب آخر يلتزم به القاضى هو أن يقوم بواجبات وظيفته طبقا للقانون.

وهذا الواجب يعتبر من أهم الواجبات الوظيفية التى تتصل اتصالا مباشرا بالوظيفة القضائية، والتى يشكل الإخلال بها، والخروج على مقتضياتها مخالفات تأديبية، وهذه الواجبات متنوعة ويمكن حصرها فى واجب علم القاضى بالقانون وواجب مراعاة حدود سلطته، وواجب احترامه لقواعد تفسير القانون، وواجب عدم تجاوزه لحدود سلطته القضائية، وواجب احترامه لقواعد المداولة، وواجب احترامه لقواعد إصدار الأحكام.

وقد استقرت كافة الأحكام على أنه يجب على القاضى عند أدائه لرسالته أن يلتزم بالضوابط القانونية الصحيحة، فإذا لم يلتزم بذلك، فإن تصرفه ينطوى على إخلال جسيم بواجبات الوظيفة ومسئولياتها، كما تواترت هذه الأحكام بأن سلطات الدولة شأنها شأن الأفراد - خاضعة للقانون - وإن كان لكل مواطن حق التقاضى أمام قاضيه الطبيعى، فإن القاضى ملزم بإصدار حكمه وفقا للقانون وإلا عد منكرا للعدالة.

العلم بالقانون

وواجب علم القاضى بالقانون أمر لا يحتاج إلى تفسير، فيجب أن يكون القاضى عالما بالقانون، وبأصول الفن القضائى، عالما بكيفية القضاء بين الناس، وكيفية تطبيق القانون على وقائع النزاع المطروح أمامه، وإصدار أحكامه طبقا للقانون.

والقضاء مهنة قانونية يجب فيمن يتقلدها العلم بالقانون، والتكوين المهنى القانونى، فإذا كان المواطن العادى لا يعذر بجهله بالقانون ولا بمبادئه، فمن باب أولى لا يعذر القاضى بجهله بالقانون ولا بمبادئه، وضمانا لعلم القاضى بالقانون فقد قرر المشرع مسئولية القاضى المدنية والجنائية والتأديبية إذا انحرف فى أداء رسالته عن الحدود التى رسمها القانون، ومن أبرز حالات مسئولية القاضى هي مسئوليته المدنية والجنائية والتأديبية عن خطئه المهنى الجسيم الذى يكون غالبا نتيجة عدم التزام القاضى بواجب العلم بالقانون.

ومن أهم الواجبات الملقاة على عاتق القضاة هو عدم نسيان القسم الذى أقسموه، والذى يتضمن معنى احترام القانون، ويتجلى احترام القانون فى احترام قواعد التفسير المقررة، وقد تضمنت خاتمة أعمال المؤتمر الدولى لرجال القانون أن استقلال السلطة القضائية لا يعنى أن من حق القاضى التصرف بطريقة تعسفية، وإن واجبه هو تفسير القانون والمبادئ الأساسية التى تحدده.

ومما لا شك فيه أنه ينبغى على القاضى أيا كان مكانه ومكانته فى السلك القضائى أن يحترم نص القانون وروحه ودور القانون، وهدفه فى المجتمع الذى يعيش فيه.
وقد قضت محكمة النقض بأنه على القاضى أن يثبت من تلقاء نفسه من القاعدة الشرعية المنطبقة على القضية المعروضة عليه، وأن يطبقها كما تثبت لديه، فإذا خالف هذه القاعدة فإنه يكشف عن عدم التزامه بالضوابط القانونية الصحيحة وينطوى مسلكه على إخلال جسيم بواجبات الوظيفة ومسئولياتها.

كما قضت بأن الأصل متى كانت عبارة القانون واضحة، ولا لبس فيها، فإنه يجب أن تعد تعبيرا صادقا عن إرادة الشارع، ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أيا كان الباعث على ذلك، ولا الخروج على النص متى كان واضحا جلىّ المعنى قاطعا فى الدلالة على المراد منه.

وأضافت: إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا المنظر وخصص عموم النص بغير مخصص فيما أورده من تقديراته على النحو المتقدم، فصرفه عما يحقق الغاية التى تغياها المشرع من تقريره فإنه يكون قد أخطأ فى تأويل القانون بما يوجب نقضه، وبالتالى فإنه يترتب على عدم احترام القاضى لقواعد تفسير القانون مسئوليته التأديبية، وحتى قاده تفسيره المخالف إلى أن وصل إلى حد الخطأ المهنى الجسيم، فإنه يسأل مدنياً عن خطئه كذلك.

والبديهي: أن واجب القاضى فى احترام قواعد تفسير القانون، يفترض وجود قاعدة قانونية، ألزمه المشرع بتطبيقها، وأنه قد خالف هذه القواعد، فجاء تفسيره يخالف القاعدة القانونية المستقرة، مخالفة لا يتحملها مضمون القاعدة، وإذا كان القاضى ملزمًا بأداء أعمال وظيفته طبقاً للنصوص القانونية المنظمة لها أياً كان موضع تلك النصوص، سواء وردت فى الدستور أو القوانين العادية أو اللوائح فإنه ملزم بعدم تجاوز سلطته القضائية فى هذا المقام عند إصداره أحكاماً قضائية، وبالتالى فإنه ملزم بمراعاة مبدأ الفصل بين السلطات، بعدم التعدى على اختصاص السلطة التشريعية، كما أنه من الواجب عليه أيضاً عدم التعدى على اختصاصات السلطة التنفيذية.

وقد أعلن مجلس الدولة الفرنسى: أن القانون سيظل هو مرشد المحاكم، وهو مقدس عند القاضى، فإذا كان للقضاة حق فى تقرير رقابة السلطة الإدارية، فإنه، بالمقابل يحظر عليهم فحص النصوص التشريعية، أو نقض النصوص القانونية.

كما يجب على القاضى الالتزام أيضاً بقاعدة تدرج التشريع التى لا تجيز لسلطة أدنى أن تلغى أو تعدل قاعدة قانونية وضعتها سلطة أعلى، وأنه عند التعارض بين نصين أحدهما وارد فى القانون والآخر فى لائحته التنفيذية فإن النص الأول يكون هو الواجب التطبيق، لأن اللائحة لا تعدل تشريعا إذ هى فى مرتبة أدنى منه، وبالتالى فإن من له الحق فى إصدارها، مقيد بأن يصدرها بما ليس فيه تعديل أو تعطيل للقوانين، أو إعفاء من تنفيذها، فإذا خالف القاضى هذه المبادئ فإنه يكون قد ارتكب مخالفة تأديبية تكشف عن عدم التزامه بالضوابط القانونية الصحيحة، وتنطوى على إخلال جسيم منه بواجبات وظيفته ومسئولياتها.

فإذا كانت السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكاماً طبقاً للقانون، وأن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون، وأنه لا يجوز لأى سلطة التدخل فى القضايا أو شئون العدالة، فإن السلطة القضائية ملزمة بأن تصدر أحكامها طبقاً للقوانين السارية، دون أن تصيغ أحكامها فى شكل يمس أياً من السلطتين التشريعية والتنفيذية.

كما يجب على القاضى أن يطبق نصوص القانون، وأن يمتنع عن تطبيق أى نص فى لائحة تنفيذية للقانون متى تبين أن هذا النص فيه تعديل أو تعطيل للقانون أو إعفاء من تنفيذه، وهذا الأمر يدخل فى صميم وظيفته الفنية في تطبيق القانون على واقعة محدودة في خصومى معينة ،فمن الناحية الفنية البحتة، هناك سلطتان لا يملك قانون أو حكم ما سلبهما من القاضى، أولاهما تكييف الواقعة المعروضة عليه.

وثانيتهما: استعراض الهيكل التشريعى العام، وترتيب الأحكام القانونية التى تقع الواقعة المعروضة فى مجالها التطبيقى، ثم التقاط الأحكام التى تواجه هذه الحالة وإنفاذها عليها، ولا يوجد قاضِ لا يمارس فى فنه القضائى هذين الأمرين، كما لا يوجد جراح ليس من سلطته تحديد مكان الجراحة واختيار المشرط الذى يجريها به، ويجب على كل السلطات أن تحترم أحكام القضاء، فليس من المنطقي أن نسأل القضاة عن تجاوزاتهم لحدود سلطتهم تأديبيا ومدنياً بل وجنائياً، ثم يصدرون أحكاماً قضائية، وتتعلل السلطات الأخرى بعدم تنفيذها لسبب أو لآخر!!