رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشار لبيب حليم لبيب يكتب:قواعد المحاكمات الكنسية

المستشار لبيب حليم
المستشار لبيب حليم لبيب

 البابا هو رمز وحدة الكنيسة يلتف حوله الأساقفة والقسوس وكل الشعب وكل من شذ عن هذه القاعدة تحكم القوانين الكنسية بفرزه أو تجريده

الأسقف قلب الوحدة وعمله يجب أن يكون خاليًا من خطة الانشقاق

القانون الكنسى مصدره المسيح وسماحه بوجوده تأكيد لكونه ضابط الكل

مطلوب تشكيل محكمة كنسية لمحاكمة كل من يعمل فى الخفاء أو العلن على الانشقاق

 

لما كان السيد المسيح على الأرض، اختار بنفسه من بين تلاميذه اثنى عشر تلميذًا معروفين بأسمائهم وسمّاهم رسلاً، وأعطى هؤلاء الرسل السلطان فى إتمام الأسرار، ومنحهم سلطة التعليم، وأمرهم بالكرازة بالإنجيل للخليقة كلها، وقال لهم: «ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر، وبعد صعوده اجتمعوا وأقاموا اثنين يوسف ومتياس، وصلّوا قائلين: أيها الأب عين أنت من هذين الاثنين أياً اخترته، ليأخذ قرعة هذه الخدمة، والرسالة التى تعداها يهوذا ليذهب إلى مكانه، ثم ألقوا قرعتهم فوقعت القرعة على «متياس»، فحسب مع الاثنى عشر رسولاً.

وأقام الرسل فى الكنائس التى أسسوها أساقفة بوضع أيديهم عليهم، ومنحوهم موهبة الخدمة، وأمروهم أن ينوبوا عنهم فى رسم سياسة الكنيسة، ومنحوهم سلطان إقامة الأساقفة والقسوس فى كل مدينة لإتمام الخدمة الإلهية ورعاية شعب الله.

ونفهم من ذلك أن المسيح هو الذى أقام «الإكليروس» وغيرهم عن عامة الشعب، بطقس خاص يكرسون به لأجل مباشرة الخدمة الكنسية، ويقلدون به الولاية الروحية على الشعب، فرجال الكهنوت لا يولدون كهنة، ولا يعينهم الله رأساً، فيقتضى الأمر وجود علامة حسية وطقس خاص لسيامتهم، وبه يعيّنون على مرأى من الشعب، وبه يستدل على منحهم هذه النعمة وتقليدهم هذه الولاية.

 

سفراء المسيح

والدارس للكتاب المقدس، يعرف أن الرعاة هم الأساقفة، والكهنة، والقسوس، والشمامسة، أما لفظة بابا ومطران وقمص، فهى أسماء لدرجات كهنوتية، ليُعرف كل واحد بدرجته، التى يخدم بها بحسب الموهبة المعطاة له، وأصحاب هذه الدراجات، هم سفراء المسيح الذى دعاهم بروحه، وأقامهم لخدمته، لكى يبلغوا الناس كلامه، وهم خدام المسيح ووكلاء سرائر الله، وهم كهنة مدعوون من الله لتقديم ذبيحة جسد الرب، ودمه، التى يقدمونها على المذابح.

ولما كانت وظيفة الراعى تسمو على كل وظيفة، لأنه يمثل المسيح على الأرض، وهو نائبه، ولأنه أؤتمن على رعاية النفوس، وهى أثمن وديعة، لذلك كانت مسئوليته عظيمة، ولذلك كان من أهم واجباته أن يكون قدوة للرعاية فى الكلام، وفى التصرف، وفى المحبة، وفى الإيمان وفى الطهارة، وفى القداسة، ولا يكون عثرة فى شىء لئلا تلام الخدمة، بل فى كل شىء يجب أن يطهر نفسه كخادم الله، وبالإجمال مظهرًا نفسه فى كل شىء، مثالًا للأعمال الصالحة، ومقدماً فى التعليم، نقاوة، ووقاراً، وإخلاصاً، وكلاماً غير ملوم، فيجب أن يتحلى بهذه الفضائل، وتحليه بها أمر لازم لنجاح عمله، فيجب عليه ألا يرتبك بأعمال الحياة وأن يتفرغ للمناداة بالإنجيل، والقيام بخدمة الأسرار الإلهية، وأن يتفقد رعيته، ويعرف خرافه، وحال غنمه، وأن يهتم بكل نوع، وأن يترفق برعيته، ويُحسن التصرف فى معاملتها، وأن يعكف على الوعظ والتعليم، وأن يخدم بأمانة، وأن يرعى شعبه بالاختيار لا عن اضطرار، ولا لربح، وأن يرعاها بغيرة، وأن يعامل الجميع بالمساواة وأن يصلى من أجل رعيته، ولأجل كنيسته، ولأجل الملوك والرؤساء، ولأجل جميع الناس.

 

الكلمة الصادقة

والبديهى أنه يُشترط فى الراعى قبل كل شىء أن يكون سليم القلب، وأن يكون بلا لوم، كوكيل الله، أى يكون كاملًا خاليًا من العيوب التى تشينه، وتضر بصيت كنيسته، فيشترط أن يكون صاحيًا فطنًا يقظًا ومتقبلًا لواجباته غير غافل عنها، كما يجب أن يكون عاقلاً، مترويًا فى كلامه، وفى تصرفه، حتى لا يستهين به أحد، وأن يكون محتشمًا فى لباسه، وفى حديثه، وفى مشيه، وفى جلوسه، وكل أعماله، وأقواله، وتصرفاته، وأن يكون كفؤاً للخدمة، غير خرّاب، غير محب للمال، ولا طامع بالربح، غير مخاصم، حليماً، غير معجب بنفسه، غير غضوب، محبًا للخير، باراً، ورعاً، ضابطًا نفسه، قاهرًا جسده، متسلطاً على كل شهواته، فيغمض عينيه عن النظر إلى الباطل، ويسد أذنيه عن سماع الكلمات الرديئة، وأن يلجم لسانه عن التكلم بالشر، ويحفظ يديه عن أن تمتد إلى الإثم، ملازماً للكلمة الصادقة، ومن ثم فإن كل فعل أو امتناع يرتكبه الراعى ويجافى واجبات رسالته يشكل مخالفة توجب العقاب!!

ولا شك أن سلطة تأديب رجال الكهنوت فى تقديرها للمخالفات الكهنوتية، تلتزم ضوابط الخدمة الكنسية، بما تتضمنه تلك الخدمة من واجبات وحقوق والتزامات، وتقدير ما إذا كان أحد الرعاة قد أخطأ خطأ يستوجب المؤاخذة، إنما يرجع فيه إلى الواجبات التى فرضها الكتاب المقدس، على هؤلاء الرعاة، وبالتالى فإن السلطة التأديبية الكنسية ينبغى عليها أن تلتزم بهذا النظام القانونى، وتستند فى قضائها إليه فى تكييفها للفعل المكون للمخالفة الكهنوتية، وفى تقديرها للجزاء الذى يناسبه، فإن هى سارت على السنن المتبعة فى قانون العقوبات، أو فى قانون الوظيفة العامة، فلم ترد الفعل المكون للمخالفة الكهنوتية، وإنما استعارت له وصفًا واردًا فى قانون العقوبات، أو وصفاً واردًا فى قوانين الوظيفة العامة، فإن هى فعلت كان الجزاء المقضى به معيبًا لأنه بُنى على خطأ فى الإسناد.

 

خلاص النفوس

والعقوبة الكنسية تختلف عن العقوبة المنصوص عليها فى قانون العقوبات، كما تختلف عن العقوبة المنصوص عليها فى قانون مجلس الدولة، وقوانين الوظيفة العامة، ذلك أن هذه العقوبة تهدف إلى صلاحية المجتمع الذى نعيش فيه، أما العقوبة الكنسية فهى تهدف إلى خلاص نفس الإنسان، والعقوبات الجنائية محددة المدة، أما العقوبة الكنسية فهى محكومة بالأصول العامة للخلاص والتوبة، فالمحكوم عليه يقبل العقوبة الموقعة عليه كأساس للتنقية وإعادة البناء الروحى لحياته، ومن ثم فإن العقوبة الكنسية تهدف إلى انضباط العمل الرعوى داخل الكنيسة.

وبداهة فإن المبادئ التى تحكم تأديب رجال الكهنوت تتردد بين اعتبارين، كلاهما جدير بالرعاية، وهما منطق الضمان، والرعاية بالنسبة لرجل الكهنوت، وانضباط العمل الرعوى.

وإذ كانت نصوص القوانين الكنسية لا تشتمل على أحكام تفصيلية لسير المحاكمات الكنسية إلا ليس معنى ذلك أن الأمر يجرى فيها بغير أصول وضوابط، بل يجب استلهام هذه الضوابط وتقديرها فى كنف قاعدة أساسية كلية تصدر عنها وتستقى منها الجزئيات والتفاصيل، وهى تحقيق الضمان، وتوفر الاطمئنان لذوى الشأن.

صحيح أن النصوص المتعلقة بالتأدب لم تتضمن أية شروط للتحقيق، ولم ترتب أى جزاء على إغفال إجرائه على شكل معين، لكن ما ينبغى هو أن يتم التحقيق فى حدود الأصول العامة، ومراعاة الضمانات الأساسية التى تقوم عليها حكمته، بأن تتوافر فيه ضمانة السلامة والحيدة، والاستقصاء لصالح الحقيقة، وأن تكفل به حماية حق الدفاع لرجل الكهنوت تحقيقًا للعدالة، وبالتالى فإن التحقيق يجب أن يكون مستوفياً كل مقومات التحقيق بالمعنى القانونى، من حيث وجوب استدعاء رجل الكهنوت، وسؤاله، ومواجهته بما هو مأخوذ عليه، وتمكينه من الدفاع عن نفسه، وإتاحة الفرصة له لمناقشة شهود الإثبات، وسماع من يريد الاستشهاد بهم من شهود النفى، وغير ذلك من مقتضيات الدفاع، فإذا خلا التحقيق من هذه المقومات فلا يمكن وصفه بأنه تحقيق بالمعنى المقصود من هذه الكلمة.

وبالتالى فإن التحقيق يجب أن يتم فى مقر الكاتدرائية أو فى مقر الإبراشية ويجوز انتقال المحقق إلى أية جهة يقتضى التحقيق الانتقال إليها، ويجب أن يصدر التحقيق بتاريخ اليوم، وساعته، ومقره، واسم المحقق، ويبدأ التحقيق بقراءة المحقق للأوراق، وسماع أقوال الشاكى، ثم يستمر فى سماع أقوال الشهود، فإذا أسفر التحقيق عن نسبة مخالفة محددة قام باستجوابه وبمواجهته بما ثبت ضده من أدلة.

ويجب على المحقق أن يسمع أقوال الشهود وفقًا لأهمية الوقائع موضوع الشهادة، ولا يجوز له أن يسمع شهادة شاهد فى حضور شاهد آخر، ويجب أن تؤدى الشهادة دون إكراه الشاهد مادياً أو أدبياً، بل يجب أن يترك الشاهد يدلى بما لديه من معلومات دون أن يستوقفه أو يقاطعه، ويجب على المحقق ألا يحيط شاهدًا علمًا بما قاله شاهد آخر، وألا يقرأ عليه أقواله الأولى أو يحيطه علمًا بها إلا إذا اقتضت ظروف التحقيق ذلك، كما لا يجوز للمحقق توجيه سؤال للشاهد بناء على معلومات شخصية حصلها بمعرفته، وغير ثابتة بأوراق التحقيق، وإجراءات التحقيق ونتائجه لها صفة السرية وعلى المحقق ألا يفضى بشىء منها.

ومن أهم حقوق الراعى المطلوب التحقيق معه أن يقوم المحقق بمواجهته بما هو منسوب اليه، ويمكنه من الدفاع عن نفسه بجميع الوسائل المشروعة، ثم يقوم المحقق بالتصرف فى التحقيق، فإما أن ينتهى إلى حفظ التحقيق لسبب من الأسباب، وإما أن يحيله إلى أسقفه ليمارس سلطته فى توقيع العقوبة إذا اقتنع بالإدانة، وإما أن يرفعه إلى قداسة البابا إذا قدر جسامة المخالفة وأنها تستحق عقوبة أقصى بما يختص الأساقفة بتوقيعه.

ولا شك أن المحاكمة الكنسية لها شروط وقواعد، فإن الأسقف المختص بتوقيع العقوبة ملزم بإعلان الكاهن المطلوب محاكمته، ومواجهته بما هو منسوب إليه، وتمكينه من الدفاع عن نفسه، ولا يجوز للأسقف أن يقضى فى منازعة أمامه إذا كان قريبًا للكاهن المطلوب محاكمته، أو إذا كان بينه وبينه عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل، والأسقف من حقه بل ومن واجبه أن يتخذ من الإجراءات ما يوصله إلى الحقيقة، فيملك إعادة التحقيق، واستجواب المحال للمحاكمة وشهود النفى والإثبات، وهو حر فى استمداد اقتناعه من أى دليل مقبول دون معقّب عليه ما دام هذا الاقتناع قائماً على أصول موجودة وغير مقتنع من أصول لا تنتجه!

 

الدرجات الكهنوتية

وقد يثور التساؤل عن ماهية الرتب الكهنوتية، والأسباب التى تؤدى إلى محاكمتهم والعقوبات التى يجوز توقيعها عليهم؟!

وبداءة، فالكهنوت فيه ثلاث رتب، هى: رتبة الشماسية، رتبة القسيسية، رتبة الأسقفية، والشماس تنحصر وظيفته فى معاونة القس أو الأسقف فى أداء الخدمات الدينية، أما القس فهو كاهن الله ووكيل أسراره، وله حق ممارسة الأسرار الكنسية ما عدا سلطة وضع اليد، وهو معلم الشعب فهو المسئول أن يعلمهم كلام الله ويعرّفهم طريقه ويشرح لهم العقائد والطقوس، وهو مسئول عن رعاية أولاده بالأبوة الحانية وينتقدهم بالرفق واللين والمحبة، ثم تأتى رتبة القمصية، وهى ترقية من قس داخل رتبة القسيسية ولا تعتبر رتبة جديدة، أما رتبة الأسقفية، فهى تبدأ من

درجة «الخورى أبشكوبوس» وهو أسقف يعاون أسقف الإيبارشية، أو فى خدمة القرى وافتقادها، ثم الأسقف ووظيفته رعاية الشعب وتعليمهم وحفظهم فى حظيرة الإيمان، وهو أسقف له إيبارشية معينة لها حدود جغرافية لا يمتد سلطانه إلى غيرها، ثم ظهرت أساقفة تخصصية كأسقف الخدمات وأسقف التعليم وأسقف الشباب، وقد ظهرت هذه النوعية من الأساقفة بدءاً من عهد البابا كيرلس، ثم نأتى إلى درجة الأسقف المساعد، وهو أسقف عيد لمساعدة أسقف الإيبارشية، إذا كان الأخير فقد صلاحيته لمرض عقلى أو جسمانى، أو إذا ضعفت قدرته على أداء الخدمة المنوط به بمفرده.

ويشترط فى الأسقف أن يكون بلا لوم من كل الوجوه، وأن يكون صاحياً، عاقلاً، محتشماً، صالحًا للتعليم، غير مدمن للخمر، غير خراب، غير طامع بالربح، حليماً، غير مخاصم، له شهادة حسنة من الجميع، ثم تأتى درجة المطران وهى ترقية من أسقف على نفس الإيبارشية وبنفس الاسم، ومقره المطرانية.

أما البابا فهو رئيس العشيرة، وهو أب الآباء، وهو أعلى درجة فى الرتبة الأسقفية، وله رياسة الكهنوت، وهو رئيس المطارنة والأساقفة كلهم، وهو خليفة الرسل، وهو وحده الذى يملك حق سيامة الأساقفة، وهو الذى يملك حق ترقية الأسقف إلى درجة المطران، وهو الحارس الأول على الإيمان، وهو المسئول عن حفظ إيمان الكنيسة وعقيدتها وقوانينها وطقوسها، وهو رئيس المجمع المقدس.

والبابا هو رمز وحدة الكنيسة، يلتف حوله المطارنة والأساقفة والكهنة والشمامسة وكل الشعب، وكل من شذ عن هذه القاعدة تحكم القوانين الكنسية بفرزه أو تجريده من درجته، لأنه هو الذى تسلم عصا الرعاية من يد راعى الرعاة الأعظم السيد المسيح ليرعى شعبه وتغذيته بالتعليم، وهو الذى ائتمنه على نفوس رعيته، ومن يديه يطلب دمها.

 

قلب الوحدة

والمعروف أن الأسقف هو قلب الوحدة، وبالتالى فإن عمله يجب أن يكون خاليًا من خطة الانشقاق، فدوره هو السعى لوحدة الصفوف وجمع الخراف، ويكون مؤدياً عملًا جامعًا مؤسساً على الناحية الإيمانية، ولأنه راهب، والرهبنة صفة سلوكية تعنى أنه خصص روحه وجسده للسيد المسيح، فإن متطلبات العالم بالنسبة له بمفهومها الأرضى أصبح أمرًا موقوفًا لأن الروح والجسد مخصص للرب وحده.

ولا شك أن الأسقف هو راعى الحياة ولا يستطيع أن يبحث عن السيادة، لأن الذى يبحث عنها لا يقدم حباً للناس، فالذى يفكر فى السيادة الآخرون لا يصلح أن يستمر فى حياة الرهبنة، لأن فكره مرفوض كنسياً، فلا يجوز له العمل بالسياسة ولا الالتقاء برجالها، فيجب أن يكون بعيدًا عن الضوء، وتصرفه يجب أن يكون على حسب ناموس الرب، وعلى هدى مبادئ القديسين، فيجب فى حياته أن يتشبه بالمسيح.

وحفاظًا على هذه الحياة سنّت الكنيسة قوانين للرهبنة لا يستطيع أى راهب مهما كان موقعه أن يهرب من تطبيقه، ويظل مخاطبًا بأحكامه حتى نياحته، هو قانون التجرد، بمعنى أن الراهب لا يملك شيئاً، وألا تكون له الرغبة فى أن يتملك شيئاً.

والأهم من ذلك هو مبدأ الخضوع، والكتاب المقدس يقول: «كونوا خاضعين بعضكم لبعض فى خدمة الله» وبالتالى فإن خضوع الأسقف المساعد لأسقفه، وخضوع الأساقفة لرئيس الأساقفة وأب الآباء أمر حتمى.

والتشامخ داخل الكنيسة أمر مرفوض فتشامخ قس على أسقف أو تشامخ أسقف على البابا البطريرك، أمر معيب، وقد حرصت القوانين الكنسية على محاربة هذه الصفة، فجعلت اللعنة عقوبة هذا التشامخ!!

 

الراهب العاصى!

وقد نص قانون باسيلوس 13 على أن كل راهب عاصٍ لا يسمع ولا يطيع وكل راهب يغتاب أخاه وينم عليه، وكل راهب يؤذى الرهبان ويطرح الشر بينهم فليخرج، فهناك معنى ذلك أن المشرّع الكنسى لم ينص على عقوبات أخرى يمكن توقيعها على الراهب المخالف؟!

والإجابة أن المشرع الكنسى أقر المبدأ القانونى المعمول به أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون أو بناءً على قانون، ومن ثم فإنه ما دامت السلطة التشريعية داخل الكنيسة هى التى حددت نوعية معينة من الجرائم وأقرت العقوبة المناسبة لها ومن ثم فإنه لا يجوز لمن يملك حق توقيع الجزاء أن يوقع أى عقوبة أخرى فى حالة ارتكاب هذه الجرائم والتى حددها المشرع على سبيل الحق.

أما الجرائم الأخرى التى يرتبكها الرهبان أو الأساقفة فلا ينطبق عليها المبدأ السابق، فليس من اللازم أن تصدر السلطة التشريعية فى الكنيسة قواعد تؤثم بعض الأفعال مسبقاً، حتى يعاقب الراهب أو الأسقف فى حالة ارتكابه لمخالفة من المخالفات الكنسية إنما يعاقب إذا ما ثبت قِبله فعل أو امتناع لا يتفق ورسالته الروحية، وبالتالى فإن القوانين الكنسية لم تسلك فى باقى الجرائم مسلك قانون العقوبات فى حق الأفعال المؤثمة وتحديد أركانها ونوع ومقدار العقوبة لكل منها، فالأفعال المكونة للذنب الكهنوتى ليست محددة حصرًا ونوعًا وإنما مردها بوجه عام إلى الإخلال برسالة الكهنوت ومن ثم فإن كل فعل لم يحدد له ما يناسبه من جزاء إنما تملك السلطة الكنسية بحسب تقديرها لدرجة جسامة الفعل توقيع ما يستأهله من جزاء.

والعقوبات التى نصت القوانين الكنسية عليها هى عقوبة الإنذار، وعقوبة التوبيخ، وعقوبة الحرمان من الخدمات الكنسية، وعقوبة قص الشعر، وعقوبة القطع، وهى المعروفة بعقوبة الشلح بمعنى السقوط من الدرجة أو فقد موقع الخدمة وكرامتها، ثم عقوبة التحريم، وأخيرًا عقوبة الإفراز.

 

ضابط الكل

وعقوبة الإفراز تعنى تجنب الشخص وإبعاده، بمعنى إبعاد المحكوم به بهذه العقوبة من العشرة الإلهية، واستبعاده من الشركة مع المؤمنين، وكلمة الإفراز معناها باليونانية «أنا ثيما» وهى تعنى الشخص المفرز لكونه ملعوناً.

فالإفراز هو عقوبة توقع على الأسقف المتشامخ، والأسقف العاصى الذى لا يسمع ولا يطيع، والأسقف الذى يغتاب أخاه وينم على رئاسته، والأسقف الذى يؤذى زملاءه ورئاسته ويطرح الشر بينهم، إن الإفراز لعنة تصيب كل من يخطئ.

ولا شك أن عقوبة الإفراز ليست عقوبة أبدية، فالله قادر على أن يرد المفرز إلى الإيمان ثانيةً بندم وثقة فى خلاص نفسه لذلك فإن القرار الذى يصدر من الكنيسة بتوقيع هذه العقوبة هو قرار أكثر إيلامًا لمصدره وللصادر فى شأنه لأنه أصبح طريدًا من ملكوت الله.

صدقونى إن القانون الكنسى مصدره هو السيد المسيح، وسماح المسيح بوجود هذه القوانين داخل كنيسته هو تأكيد لكونه ضابط الكل، وحتى لا يبقى شىء غير خاضع له، فالخضوع للأحكام الكنسية فيه شىء من الجهاد المستحق للأجر السمائى، وانضباط الأسقف وفق قوانين الكنيسة أمر يستلزم منه الجهاد حتى ينال أجره السمائى.

إن قوانين الكنيسة تضبط السلوك الروحى والممارسات العقائدية وكل ما يؤدى فى النهاية إلى أن يرث المؤمنون الحياة الأبدية، فالقاعدة الكنسية قاعدة مستقيمة مملوءة سلاماً، غنية فى الرحمة، فهل آن الأوان لتشكيل محكمة كنسية تكون مهمتها محاكمة كل من يخرج على قوانين الكنيسة، أنا واثق أن قداسة البابا تواضروس سيعيد إلى الكنيسة مجدها، وعمل الرب سينمو على يديه لبنيان الكنيسة الوحدة الجامعة.