عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصري يتحدى الإعاقة في أمريكا"1"

" لم يتركوا لك الفرصة لتثبت لهم كفاءتك. اذهب يابنى، لن يضيع الله مجهودك". قالت لى هذه الكلمات و لم تكن متأثرة أو الدموع منهمرة من عينيها كما سيتوقع القارئ أن أردف. بل على العكس كانت سعيدة ومطمئنة كيف استطاعت - بعد الله- ان تصلب ابنها المعاق -الذى نشأ فى بلد كان رمزاً من رموز الفساد فى اوائل هذا القرن و مثلاً يحتذى به فى إهدار الآمال و نظام حكم اتقن تحطيم احلام محكومية و التلاعب بإراداتهم- الى تلك اللحظة الذى يقوم فيها بتجهيز حقيبة سفره من أجل السفر الى الولايات المتحدة من اجل بدء رحلة جديدة فى مشوار تعليم اتسم بالخشونة فى ظل تخصيص نسبة رمزية من ميزانية الدولة من أجل التعليم، فكان من الطبيعى أن يكون مشوار التعليم فى هذا المناخ هو بمثابة تسلق مرتفع مائل. كان الطريق لقاعة المحاضرات طويلاً، و تملأه إدراجا لأعلى و اخرى لأسفل؛ لربما انشئت جامعة القاهرة قبل قيام السيدة الفاضلة سوزان مبارك ببدء حملة التطعيمات ضد الامراض. و لكن عندما رأيت الجامعة الامريكية ازدادت حيرتى؛ فالاسرة الحاكمة تعرف هذا المكان جيداً, و لكن طريقه لم يكن ممهداً هو الآخر- اللهم بعض الورود على جنبات الطريق. لا داعى للذكر انه فى ظل ذلك النظام لم توجد مظلة تأمينية لتحمينى؛ بل لم توجد جهة توفر لى فرصة عمل من الاساس. كان ذلك هو الوضع فى مصر حتى أوائل يناير من هذا العام. لكن هذه الصورة كان لها جانب آخر لا بد و أن يذكر. فإن لم يكن هناك جهة علاجية تكترث – أو تبدى حتى بعض الفضول- من اجل معرفة حالتى، فلقد كانت هناك الكثير من الامهات و السيدات و الآباء البسطاء، الذين ما يلبثوا أن يرونى إلا و يبدأوا بالدعاء لى حتى يتواروا عن انظارى. وإن كان طريق التعليم شائك، فلقد كان مزيناً بأصحاب و رفاق قبلوا ان يكونوا أصدقائى، رغم إدراكهم ما سوف يستتبع ذلك من مشاق حملى بالكرسى المتحرك عبر تلال من الادراج، و ما يتطلبه ذلك من معارك مع الهيئات الحكومية العقيمة (هيئات النظام السابق) من أجل اعطائى حقوقى كبقية المواطنين. و لإن كان هناك موظفون- بل واساتذة جامعة- رفضوا تقبل ظروفى بحجة مبدأ المساواة وعدم المحاباة التى تفرضها اللوائح، فهناك من اعجب و تأثر بما فعلته و بوجودى بينهم، و قاموا بدعمى بما لم أتوقعه يوماً. لإن كان البعض لم يلبث أن يردد لى "جهدك لا قيمة له. أمكث فى بيتك و إلا كنت معترضاً على قضاء الله" فلا منح و لا فرص ولا دعم، كان هناك البعض الا خر الذى زرع بداخلى أن الله اختارنى لهذه الظروف لأنه جعلنى الوحيد الذى استطيع التعامل مع هذه الظروف؛ و هذا هو الطريق الوحيد للرضاء بقدر هو الا اصبحت معترضاً. لقد كانت هناك حكومة اختارت ان توقف الحياة؛ الا ان الله اوجد لها شعباً أبى ألا ان تستمر الحياة. تذكرت كل ذلك عند وصولى للمطار، و عندها ادمعت امى و حانت لحظة الرحيل. استغرقت الرحلة يوما. ذلك اليوم هو الفترة التى وضعها الله كى تكون فاصلاً بين نظام أهدر كرامة ابنائه و اغتصب حقوقهم، و نظام وضع اسسا للحياة الكريمة كى يكون كـ"النداهة" التى تجتذب ضحايا العالم الثالث "امثالنا"، من أجل دعم قوتها البشرية تجاه الصين و الهند. عند وصولى للولايات المتحدة كانت الصدمةّ! لم تدهشنى خطة زيادة السكان فى الولايات المتحدة؛ فكلنا نعلم انها تعرض آلاف البطاقات الخضراء كل عام، بل أن معظم دول أوروبا تفعل ذلك، و كثيرون منا يقدمون عليها كل عام. وما أدهشنى حقاً هو ان هذه الخطة مطبقة فى الولايات المتحدة منذ خمسينيات القرن الماضى وأن زيادة السكان هى الأصل و تنظيم الاسرة هو الشذوذ الذى لا يلجأ اليه الا فى اضيق الحدود. فى الوقت الذى شنت فيه مصر حملة "احسبها صح..تعيشها صح" كانت دولة مثل تركيا يناشد رئيس وزرائها شعبه أن تنجب كل أسرة ثلاثة أبناء على الأقل. كيف يتسنى لحكومة ان تنام مستريحة البال و الضمير و قد رفضت

فى الصباح مشروع قومى لإنقاذ مصر، كمشروع ممر التنمية، و ذلك لأنه لم يكن بتوجيهات من السيد الرئيس، و اختارت بدلاً من ذلك منع الأزواج من الإنجاب. و تكدس اكثر من ثمانين مليون مصرى فى مساحة اقل من مائة الف كيلو متر, فكان من الطبيعى ان تظهر لدينا الكثير من السلوكيات التى هى ليست منا بالاساس، و لكن لا يمكن لوم الشعب المصرى على هذه السلوكيات وانتقاده؛ (و لقد كنت اتمنى ان يخرج لنا هؤلاء المنتقدون للشعب المصرى بتجربة سابقة استطاعت تنظيم شئون حياة ثمانين مليون شخص فى مائة الف كيلو متر فقط!) على النقيض من ذلك، لقد ساهمت خطة استقبال المهاجرين المضطردة فى الولايات المتحدة فى خلق جيل جديد ساهم فى استمرار دوران عجلة البحث العلمى فى أمريكا طيلة فترات الحرب الباردة حتى سقوط الاتحاد السوفييتى، وهو الامر الذى ما كان ليستطيع المواطن الامريكى الاصيل ليفعله بنفسه على الاطلاق. فلمن لا يعرف المواطن الامريكى، هو مواطن متوسط الذكاء. فالامريكان ليس كما صورهم لنا اعلام النظام السابق (و كما يصورهم بعض الجوار)؛ مجموعة من العباقرة المنظمين و المهندمين الذين لن تجد لهم مثيلاً على الاطلاق. فهم متوسطون فى كل شيء؛ الذكاء والنظافة والقدرة والحياة الاجتماعية. فبمشاهدتك لهم لن تجد أى مبرر لاستمرار عقدة الخواجة لدينا؛ بل لم يكن هناك مبرر لوجودها على الاطلاق. فعقل الولايات المتحدة الحالى يتواجد فى رءوس مجموعة من المهاجرين و المهجنين الذين تم اجتذابهم من شتى بقاع الارض. لهذا اعربت احدى المنظمات الامريكية عن قلقها البالغ لأن اكثر من نصف علماء الولايات المتحدة ليسوا من الامريكان. فلو استطاعت احدى الدول المنافسة ( خاصة الصين؛ القوة الثانية الآن) ان تضع خطة لجذب هؤلاء العلماء أو بعثرتهم، فإن ذلك سيكون ضربة عنيفة لأقوى قوة فى العالم. و المواطن الأمريكى بصفة عامة – خاصة الجيل الجديد- اصبح محدود الأفق، يدار بدقة شديدة من قبل مجموعات الضغط ورجال الأعمال فى واشنطن العاصمة. و بحديثى مع بعض طلبة مدرسة القانون التى التحقت بها- عن آرائهم عن بعض الاساتذة مثلاً (و كنت قد اكتسبت مهارة تصنيف الاشخاص تبعاً لأيدولوجياتهم وأنا فى كلية الحقوق, فالتعليم الذى تلقيته فى جامعة القاهرة كان شديد العمق و التشعب لدرجة العنف بحيث كنت استطيع تصنيف الافراد تبعاً لايدولوجياتهم وفكرهم) كنت اتوقع أن يكون رأيهم فى أحد الاساتذة أنه محافظ والآخر ليبرالى, الا اننى فوجئت ان عصارة تفكيرهم هو اناقة الشخص و قدرته على اجتذاب الاخرين من عدمه. و كثيرون منهم لم يستطيعوا تصديقى عندما اخبرتهم اننا فى بعض الاحيان- خاصة فى الدراسات العليا- كنا نضطر ان نقرأ مائة صفحة يومياً فى فترة الامتحانات, وأنه لا توجد صعوبة لدى فى التعامل مع تعليمهم.

و(للحديث بقية):