مصري يتحدى الإعاقة في أمريكا"1"
" لم يتركوا لك الفرصة لتثبت لهم كفاءتك. اذهب يابنى، لن يضيع الله مجهودك". قالت لى هذه الكلمات و لم تكن متأثرة أو الدموع منهمرة من عينيها كما سيتوقع القارئ أن أردف. بل على العكس كانت سعيدة ومطمئنة كيف استطاعت - بعد الله- ان تصلب ابنها المعاق -الذى نشأ فى بلد كان رمزاً من رموز الفساد فى اوائل هذا القرن و مثلاً يحتذى به فى إهدار الآمال و نظام حكم اتقن تحطيم احلام محكومية و التلاعب بإراداتهم- الى تلك اللحظة الذى يقوم فيها بتجهيز حقيبة سفره من أجل السفر الى الولايات المتحدة من اجل بدء رحلة جديدة فى مشوار تعليم اتسم بالخشونة فى ظل تخصيص نسبة رمزية من ميزانية الدولة من أجل التعليم، فكان من الطبيعى أن يكون مشوار التعليم فى هذا المناخ هو بمثابة تسلق مرتفع مائل. كان الطريق لقاعة المحاضرات طويلاً، و تملأه إدراجا لأعلى و اخرى لأسفل؛ لربما انشئت جامعة القاهرة قبل قيام السيدة الفاضلة سوزان مبارك ببدء حملة التطعيمات ضد الامراض. و لكن عندما رأيت الجامعة الامريكية ازدادت حيرتى؛ فالاسرة الحاكمة تعرف هذا المكان جيداً, و لكن طريقه لم يكن ممهداً هو الآخر- اللهم بعض الورود على جنبات الطريق. لا داعى للذكر انه فى ظل ذلك النظام لم توجد مظلة تأمينية لتحمينى؛ بل لم توجد جهة توفر لى فرصة عمل من الاساس. كان ذلك هو الوضع فى مصر حتى أوائل يناير من هذا العام. لكن هذه الصورة كان لها جانب آخر لا بد و أن يذكر. فإن لم يكن هناك جهة علاجية تكترث – أو تبدى حتى بعض الفضول- من اجل معرفة حالتى، فلقد كانت هناك الكثير من الامهات و السيدات و الآباء البسطاء، الذين ما يلبثوا أن يرونى إلا و يبدأوا بالدعاء لى حتى يتواروا عن انظارى. وإن كان طريق التعليم شائك، فلقد كان مزيناً بأصحاب و رفاق قبلوا ان يكونوا أصدقائى، رغم إدراكهم ما سوف يستتبع ذلك من مشاق حملى بالكرسى المتحرك عبر تلال من الادراج، و ما يتطلبه ذلك من معارك مع الهيئات الحكومية العقيمة (هيئات النظام السابق) من أجل اعطائى حقوقى كبقية المواطنين. و لإن كان هناك موظفون- بل واساتذة جامعة- رفضوا تقبل ظروفى بحجة مبدأ المساواة وعدم المحاباة التى تفرضها اللوائح، فهناك من اعجب و تأثر بما فعلته و بوجودى بينهم، و قاموا بدعمى بما لم أتوقعه يوماً. لإن كان البعض لم يلبث أن يردد لى "جهدك لا قيمة له. أمكث فى بيتك و إلا كنت معترضاً على قضاء الله" فلا منح و لا فرص ولا دعم، كان هناك البعض الا خر الذى زرع بداخلى أن الله اختارنى لهذه الظروف لأنه جعلنى الوحيد الذى استطيع التعامل مع هذه الظروف؛ و هذا هو الطريق الوحيد للرضاء بقدر هو الا اصبحت معترضاً. لقد كانت هناك حكومة اختارت ان توقف الحياة؛ الا ان الله اوجد لها شعباً أبى ألا ان تستمر الحياة. تذكرت كل ذلك عند وصولى للمطار، و عندها ادمعت امى و حانت لحظة الرحيل. استغرقت الرحلة يوما. ذلك اليوم هو الفترة التى وضعها الله كى تكون فاصلاً بين نظام أهدر كرامة ابنائه و اغتصب حقوقهم، و نظام وضع اسسا للحياة الكريمة كى يكون كـ"النداهة" التى تجتذب ضحايا العالم الثالث "امثالنا"، من أجل دعم قوتها البشرية تجاه الصين و الهند. عند وصولى للولايات المتحدة كانت الصدمةّ! لم تدهشنى خطة زيادة السكان فى الولايات المتحدة؛ فكلنا نعلم انها تعرض آلاف البطاقات الخضراء كل عام، بل أن معظم دول أوروبا تفعل ذلك، و كثيرون منا يقدمون عليها كل عام. وما أدهشنى حقاً هو ان هذه الخطة مطبقة فى الولايات المتحدة منذ خمسينيات القرن الماضى وأن زيادة السكان هى الأصل و تنظيم الاسرة هو الشذوذ الذى لا يلجأ اليه الا فى اضيق الحدود. فى الوقت الذى شنت فيه مصر حملة "احسبها صح..تعيشها صح" كانت دولة مثل تركيا يناشد رئيس وزرائها شعبه أن تنجب كل أسرة ثلاثة أبناء على الأقل. كيف يتسنى لحكومة ان تنام مستريحة البال و الضمير و قد رفضت
و(للحديث بقية):