رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إلا تأميم مدارس المعاهد القومية

في حواره مع جريدة الأهرام والمنشور بعدد 4/8/2014، أكد الأستاذ الدكتور محمود أبو النصر- وزير التربية والتعليم- على أن مشروع التعليم الجديد الذي يراجع حالياً قانونياً وسيعرض على مجلس الوزراء لاستكمال إجراءات إصداره «نص القانون الجديد على: اعتبار المعاهد القومية مدارس حكومية رسمية عربي أو لغات بمصروفات على أن تحتفظ كل مدرسة بنفس الاسم والمميزات التي تجعلها مدرسة متميزة». ولعل القراء الكرام لا يعرفون الكثير عن مدارس المعاهد القومية وقصتها عبر التاريخ المصري الحديث.

لقد كانت مدارس المعاهد القومية قبل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، هي المدارس الإنجليزية والفرنسية التي لا يوجد بها كنائس، وقام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتأميم تلك المدارس عقب العدوان الثلاثي على مصر والذي شاركت فيه إنجلترا وفرنسا، وكان ذلك نوعاً من رد الفعل على عدوان إنجلترا وفرنسا عام 1956، وأنشئت الشركة العامة للمعاهد القومية، ثم قامت وزارة التربية ممثلة في شخص وزير التعليم حينذاك «السيد يوسف» ببيع تلك المدارس وممتلكاتها إلى الجمعيات التعاونية وفق عقود مسجلة من الشهر العقاري بقصر النيل بالقاهرة، وأصبحت تلك المدارس ملك الجمعيات التعاونية التعليمية منذ ذلك التاريخ.
وفي عام 1990 حينما كان الأستاذ الدكتور أحمد فتحي سرور وزيراً للتعليم قام بإصدار القانون رقم (1) لسنة 1990 بشأن الجمعيات التعاونية التعليمية واللائحة التنفيذية له، ومنذ ذلك الحين كانت ومازالت تدار تلك المدارس من خلال الجمعيات التعاونية التعليمية ومجلس إدارة منتخب وتحت إشراف وزارة التربية والتعليم، والجمعية العامة للمعاهد القومية بالقاهرة تضم أكثر من أربعين مدرسة، واحدة بالمنيا وأخرى ببورسعيد و11 بالإسكندرية، وأكثر من 30 مدرسة بالقاهرة والجيزة يتعلم بها أكثر من 150 ألف طالب وطالبة. وشكلت هذه المدارس قوة مصر الناعمة حيث تخرج منها رموز المجتمع العربي والمصري، فالراحل الملك حسين ملك الأردن والفنان العالمي عمر الشريف والفنان الراحل أحمد رمزي من خريجي كلية فيكتوريا بالإسكندرية، فضلاً عن الملكة صوفيا ملكة اسبانيا التي تخرجت في كلية النصر للبنات بالإسكندرية.
ومن هنا نطرح السؤال التالي: كيف يستطيع وزير التربية والتعليم اعتبار تلك المدارس مدارس حكومية رسمية بمصروفات؟، أليس هذا تأميماً لتلك المدارس والسيطرة عليها دون سند من القانون أو الدستور؟. إن تلك المدارس مملوكة للجمعيات التعاونية التعليمية لكل مدرسة، وتدار من خلال مجالس إدارات تحت إشراف الوزارة (إشراف مالي وإداري)، فكيف ينص في القانون الجديد هكذا وبكل سهولة اعتبار مدارس حكومية رسمية بمصروفات.
إن دساتير مصر جميعها دستور 1971، ودستور الإخوان 2012، ودستور 2014 ينص صراحة في مواده رقم (33) تحمي الدولة الملكية بأنواعها الثلاثة: الملكية العامة والملكية الخاصة، والملكية التعاونية، وينص دستور عام 2014 كذلك في مادته (37) الملكية التعاونية مصونة، وترعى الدولة التعاونيات ويكفل القانون حمايتها ودعمها ويضمن استقلالها.
والسؤال: ألا تدري وزارة التربية والتعليم تلك النصوص الدستورية، ألا تعلم أن ما تقوم به في إعداد مشروع التعليم الجديد يتناقض صراحة مع مواد الدستور (33) و(37)، أليس جدير بالوزارة أن تدعم تلك الجمعيات التعاونية وتفتح أمامها السبل إلى التوسع والاستثمار حتى تخرج التعليم من أزمته التي تتجلىَّ في كثافة الفصول الدراسية، وقلة بل ندرة عدد المدارس بالقياس إلى الطلاب الراغبين في التعليم والقادرين عليه، بدل أن تقوم بهذا الدور التأميمي غير المنصوص عليه في دستور البلاد وتقوم بتأميم تلك المدارٍس واعتبارها مدارس حكومية رسمية  بمصروفات، لا هي مدارس خاصة ولا هي مدارس تجريبية ولكنها مدارس بين بين.
لكن اللافت للنظر يا معالي رئيس الوزراء أن هذه ليست المرة الأولى التي تحاول الوزارة الاستيلاء على تلك المدارس وتأميمها، ففي حكومة الدكتور أحمد نظيف في عام 2010 قام الدكتور أحمد زكي بدر وزير التربية والتعليم حينذاك بمحاولة تفكيك تلك المدارس وتحويلها إلى مدارس تجريبية، وبدأت سياسته حينذاك بحل مجالس إدارات بعض المدارس، وأسند الإشراف عليها إلى مديري المديريات التعليمية، إلا أن قضاء مجلس الدولة الشامخ أحبط محاولاته وقام بإلغاء قراراته الوزارية المتعلقة بهذا الشأن في يناير عام 2010 وتم إلغاء القرار الوزاري رقم (475) بتاريخ 21/12/2010.
إن الوزارة قد فشلت في تأميم مدارس

الإخوان وأخذت فترة من الزمن لوضعها تحت إشرافها مما سهل على أصحابها التصرف في الأموال- ولكن نفس الوزارة تقوم الآن بما يتعارض مع نصوص الدستور بتحويل تلك المدارس إلى مدارس حكومية رسمية بمصروفات، ولا نعرف هل ما تقوم به الوزارة يعتبر تصرفاً فيما تملك؟ وإذا كانت تملك تلك المدارس؟ فما الحاجة إلى تحويلها؟ وما موقف الجمعيات التعاونية التعليمية المناط بها تلك المدارس؟ وما موقف الوزارة من القانون رقم (1) لسنة 1990 ولائحته التنفيذية المفسرة للقانون المتعلق بالجمعيات التعاونية التعليمية؟ وهل هذا المسلك يساعد ويشجع الفكر التعاوني الذي يغيب عنا وعن نشاطنا الاستثماري؟
سيادة رئيس مجلس الوزراء:
إن الملكية التعاونية هي الباب الواسع للشراكة المجتمعية والذي يجب أن تدعمه الوزارة بالمساعدة في التوسع في هذا النوع من الاستثمارات وتحديداً في مجال التعليم، إن أزمة التعليم الحقيقية تنحصر في التمويل الذي يؤثر بدوره في عدم القدرة على بناء المدارس الجديدة وتخفيف كثافة الفصول التي تربو إلى (100) طفل بالفصل الواحد وتعوق العملية التعليمية من الأساس، كما تشكل مشكلة التمويل الهاجس الأول الذي تسعى إليه الدول حينما نص دستور 2014 على أن يصل الإنفاق على التعليم قبل الجامعي إلى حوالي 4%من جملة الناتج القومي الإجمالي، وكل ذلك بهدف التوسع في بناء المدارس.
سيادة رئيس مجلس الوزراء:
أعتقد أن وزارتكم قد جاءت بعد نضال وكفاح للشعب المصري منذ ثورة 25 يناير 2011 و30 يونية 2013 وكان الهدف من الثورة هو تحقيق طموحاتها وشعاراتها وأهدافها التي لم تتحقق للآن، وهي العيش الكريم، والحرية، والكرامة الإنسانية، وأخيراً العدالة الاجتماعية، التعليم ويأتي على رأس تلك العدالة الاجتماعية التعليم، من هنا لا يصح اغتيال كفاح ونضال الشعب المصري وتأميم مدارس لا تملكها الوزارة وتدار من خلال القانون رقم (1) لسنة 1990 بشأن الجمعيات التعاونية التعليمية، بل ان الذي يصح أن توفر الدولة تعليماً جيداً يحقق الكرامة الإنسانية وعدالة توزيع فرص التعليم، من خلال تحقيق شعار التعليم للجميع، والتعليم للتميز، والتميز للجميع، إن المطلوب هو دعم الملكية التعاونية ومساعدتها بتيسير الإجراءات وتوفير أراضي من قبل الدولة لكي تستثمر في بناء مدارس جديدة. إن تلك المدارس التي يريد السيد وزير التربية والتعليم تأميمها لا تتجاوز المصاريف الدراسية فيها خمسة آلاف جنيه، وتلك المصاريف بالقياس إلى مصاريف المدارس الخاصة تعتبر باباً لإتاحة الفرصة لتعليم أبناء الطبقة الوسطى تعليماً ذو جودة عالية ولا تتحمل الدولة مليماً واحداً في هذه العملية التعليمية التي تقدمها مدارس المعاهد القومية المنتشرة في محافظات مصر، فضلاً عن كونها مدارس لا تهدف إلى الربح فعلاً، حيث تتم المحاسبة من قبل الوزارة على نشاط ومصروفات تلك الجمعيات سنوياً.

أستاذ علم اجتماع التربية
والعميد السابق لكلية التربية
جامعة الإسكندرية