الِاجْتِهَادُ لِإِدْرَاكِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ
فالنَّبِيُّ (ص) كَانَ يَخُصُّ الْعَشْرَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْوَانِ مِنْ أَلْوَانِ الِاجْتِهَادِ فِى الْعِبَادَةِ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ (ص) كَانَ يَتَحَرَّى لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِى الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ.
وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، قَالَ فِيهَا رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- إِنَّهُ أَنْزَلَ فِيهَا كِتَابَهُ الْمَجِيدَ، وَإِنَّهُ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ.
وَعَجَّبَ رَبُّنَا (تب)، وَعَظَّمَ وَفَخَّمَ مِنْ شَأْنِهَا، فَتَسَاءَلَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} «القدر: ٢».
وَالسُّؤَالُ هَا هُنَا سُؤَالٌ مِنْ أَجْلِ التَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ، فَعَظَّمَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- مِنْ قَدْرِهَا، وَأَعَلَى مِنْ شَرَفِهَا، وَدَلَّ عَلَى عَظِيمِ قَدْرِهَا لَدَيْهِ وَعِنْدَ خَلْقِهِ؛ إِذْ تَتَنَزَّلُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ مَعَ رُوحِ الْقُدُسِ، ثُمَّ هِيَ سَلَامٌ- بِفَضْلِ اللهِ- جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ.
لَا يَكُونُ لِعَبْدٍ فِيهَا مِنْ إِقْبَالٍ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلَّا أَحَاطَ بِهِ مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ غُفْرَانٌ، وَتَنَزَّلَ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ نُورٌ وَبُرْهَانٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ (ص) يَقُولُ: (مَنْ حُرِمَ خَيْرُهَا فَقَدْ حُرِمَ).
(مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).
وَلَا تَخْتَصُّ لَيْلَةُ الْقَدْرِ بِلَيْلَةٍ مُعيَّنَةٍ فِى جَمِيعِ الْأَعْوَامِ، بَلْ تَنْتَقِلُ، فَتَكُونُ فِى عَامٍ لَيْلَةَ
وَدَلِيلُ ذَلِكَ: قَوْلُه (ص): «الْتَمِسُوهَا فِى تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِى سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِى خَامِسَةٍ تَبْقَى».
قَالَ الْحَافِظُ فِى «الفَتْحِ»: «الْأَرْجَحُ: أَنَّهَا فِى الْعَشْرِ الْأَخِيرِ، وَأَنَّهَا تَنْتَقِلُ».
فَالْأَرْجَحُ عَلَى حَسَبِ دَلَالَاتِ النُّصُوصِ: إنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِى الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَنَّهَا فِى أَوْتَارِ الْعَشْرِ، وَأَنَّهَا تَنْتَقِلُ؛ فَلَيْسَتْ فِى لَيْلَةٍ بِعَيْنِهَا، تَكُونُ ثَابِتَةً فِى كُلِّ عَامٍ؛ وَلَكِنَّهَا تَنْتَقِلُ كَمَا هُوَ الْأَرْجَحُ.
نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يُكْرِمَنَا بِشُهُودِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا فِيهَا مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا فِيهَا مِنَ الْخَالِصِينَ الْمُخْلِصِينَ لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.