(( تَوْحِيدُ الْعِبَادَةِ))
اللهُ تبارك وتعالى أَنْزَلَ الْكُتُبَ، وَأَرْسَلَ اللهُ الرُّسُلَ، وَمَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ إِلَّا لِصَرْفِ الْعِبَادَةِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالنَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) هُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، فَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، جَاءَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ، وَدِينُ الْإِسْلَامِ هُوَ دِينُ التَّوْحِيدِ.
أَرْسَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا دَاعِيًا إِلَى صَرْفِ الْعِبَادَةِ لِوَجْهِهِ وَحْدَهُ.
الْقَوْمُ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ ؛ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ جَاءَهُمُ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ مُحَمَّدٌ، فَدَعَاهُمْ إِلَى صَرْفِ الْعِبَادَةِ للهِ، فَفَهِمُوا مُرَادَهُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَرَبًا خُلَّصًا، وَالْعَرَبِيَّةُ كَانَتْ سَلِيقَتَهُمْ؛ فَفَهِمُوا مَعْنَى ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)).
فَقَالُوا: ((أَنَدَعُ آلِهَتَنَا الَّتِى نَعْبُدُهَا لِعِبَادَةِ إِلَهٍ وَاحِدٍ؟!!: {أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5].
إِذَنْ؛ فَهِمُوا مَعْنَى ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ))، وَأَنَّ مَعْنَاهَا: ((لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللهُ))، مَعْنَاهَا: ((إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ)).
((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)): لَا مَأْلُوهَ -أَيْ: لَا مَعْبُودَ- بِحَقٍّ إِلَّا اللهُ، عَرَفُوا ذَلِكَ لَمَّا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ .. عَرَفُوهُ، وَأَنْكَرُوهُ وَرَدُّوهُ!! {أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}.
إِنَّ الدِّينَ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ؛ عَلَى كَلِمَةِ: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ))، عَلَيْهَا أُسِّسَتِ الْمِلَّةُ، وَلِأَجْلِهَا خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ، وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ، وَنَبَّأَ الْأَنْبِيَاءَ.
وَلِأَجْلِهَا نُصِبَتْ سُوقُ الْجِهَادِ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ، مِنْ أَجْلِهَا خَلَقَ اللهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ.
وَمِنْ أَجْلِهَا يُقِيمُ السَّاعَةَ، وَتُنْصَبُ الْمَوَازِينُ، وتَتَطَايَرُ الصُّحُفُ، فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ مِنْ أَمَامَ، وَآخِذٌ
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]؛ أَيْ: إِلَّا لِيُوَحِّدُونِي، وَهُوَ مَعْنَى ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) أَيْ: لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللهُ.
هَذَا التَّوْحِيدُ هُوَ تَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ، مَبْنِيٌّ عَلَى إِخْلَاصٍ فِى التَّأَلُّهِ للهِ: مِنَ الْمَحَبَّةِ، وَالْخَوْفِ، وَالرَّجَاءِ، وَالتَّوَكُّلِ، وَالرَّغْبَةِ، وَالرَّهْبَةِ؛ يَنْبَنِى عَلَى إِخْلَاصِ الْعِبَادَاتِ للهِ مِنْ ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ، فَتُصْرَفُ كُلُّهَا للهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا يُجْعَلُ فِيهَا شَيْءٌ لِغَيْرِهِ: لَا لِمَلَكٍ مُقَـرَّبٍ، وَلَا لِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ؛ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمَا.
قَالَ اللهُ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21].
هَذَا أَوَّلُ أَمْرٍ فِى الْقُرْآنِ.
أَوَّلُ أَمْرٍ فِى الْقُرْآنِ: هُوَ الْأَمْرُ بِهَذَا التَّوْحِيدِ الْعَظِيمِ:{اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
{اعْبُدُوا رَبَّكُمْ} : هَذَا أَوَّلُ أَمْرٍ فِى الْقُرْآنِ.
وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.