رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«العلا».. بيت الضيافة ومنبع الأسرار

100 حفيد للمعمر «أبوبشير» فى المدينة التاريخية

 

بـ«جلسة عربية» وضحكة بشوشة، استقبل على البلوى، الشهير بـ«أبوبشير»، أحد أكبر المعمرين فى العلا، موقع «سكاى نيوز عربية» فى منزله، ليتحدث بكل طلاقة عن ذكريات طفولته وشبابه، ويكشف طبيعة الحياة فى المدينة كما عرفها هو.

خطوط وتجاعيد حفرها الزمن على وجهه، كانت شاهدة على أحداث غيرت تاريخ المنطقة، وواكبت التطور الذى دخل مدينة العلا السعودية على مر السنين، لتجعل من «أبوبشير» راوياً فى جعبته تفاصيل وحكايا تعود لأكثر من 100 عام.

بدأ «أبوبشير» حواره بالإشارة إلى عمره، مؤكدا أنه جاوز المائة بعام، وليتطرق بعدها إلى طفولته، قائلاً: «عشت حياة بدوية، فمنذ طفولتى كنت راعيا للأغنام، واعتدت الصيد البرى أيضاً»، قبل أن يضيف بفخر أنه كان بارعاً فى «صيد الذئاب» وقد اصطاد 10 منها.

وبالرغم من صغر سنه، فإن الظروف أجبرت «أبوبشير» على تحمل مسؤولية كبيرة بعد وفاة والده، لتبدأ رحلته الشاقة بحثا عن لقمة العيش.

وتابع أبوبشير قائلاً: «توفى والدى تاركاً 5 أولاد وبنتاً، وكنت ثانى أكبر إخوتى، فكان لا بد لى من البحث عن مصدر رزق، ومن هنا بدأت رحلة عملى فى الأردن وفلسطين».

وكانت تجربة «أبوبشير» الأولى مع الغربة، فى الأردن، حيث اعتاد الذهاب إلى هناك على مدار 12 عاماً خلال موسم الحصاد، ليعمل مقابل الحصول على القمح.

واستطرد «أبوبشير» فى الحديث عن هذه التجربة قائلاً: «كان الرزق هنا قليلا وكنا نعانى الفقر، لذا ذهبت إلى الأردن حيث كنت عاملا فى مصنع لاستخراج الملح من البحر الميت، ومقابل عملى كنت أحصل على القمح الذى يتم تحميله على 3 من الإبل فى رحلة العودة».

وكانت الرحلة الواحدة إلى الأردن، التى تكررت على مدار سنوات، تستمر لنحو 4 أشهر، لا يحصل فيها العامل إلا على القمح، والطريقة الوحيدة التى تخوله للحصول على المال، هو بيع بعض القمح أو المنتجات التى حصل عليها، فى حال زادت عن الكمية التى سيكون قادراً على تحميلها على الإبل.

وبكل حماس، تطرق «أبوبشير» إلى عمله فى فلسطين عام 1940، قائلا «فى فترة ما ضاقت مصادر الرزق هنا - فى العلا - وفى الأردن أيضا، فاتجهت إلى فلسطين، حيث كنت عاملا هناك».

وهنا استذكر الرجل مشهدا يعكس صعوبة الحياة التى عاشها، قائلا: «أذكر أننا اضطررنا للمشى 9 أيام على أقدامنا، نحمل طعامنا على ظهورنا».

ونوه «أبوبشير» بأن عمله فى فلسطين لم يستمر سوى لموسم واحد، وأنه لم يعد إلى هناك بعد تلك المرة.

ولدى سؤاله عن طبيعة الحياة فى العلا قديماً، أكد أنها كانت بسيطة بالرغم من صعوبتها، مضيفاً: «كانت الديرة (البلدة القديمة) هى سكن معظم أهل العلا، وكنا نعتمد على رعى الأغنام، ونذهب لصيد الغزلان فى منطقة عشار (موقع مسرح مرايا حاليا)».

وكان أهالى العلا يعتمدون بشكل كامل على «العيون» «المياه الجوفية»، للحصول على احتياجاتهم من الماء وسقى مواشيهم وزراعة أراضيهم.

واسترسل قائلاً: «كنا نعتمد على اللبن والتمر ولحوم المواشى فى الأكل، بينما نأتى بالقمح من الأردن لنصنع منه الخبز».

أما عن «التبادل التجارى»، أو الطريقة التى اعتادوا الحصول بها على المنتجات من سوق العلا، فقال: «كنا نأخذ الأغنام أو السمن الذى نصنعه إلى السوق، لنحصل فى المقابل على التمر».

وفيما يتعلق بالمرأة ودورها فى الحياة البدوية، أكد «أبوبشير» أنها «عماد المجتمع»، نظرا للمهام الكبيرة التى أوكلت إليها.

وأشار إلى أن: «المرأة كانت هى من تبنى البيت، الذى كان عبارة عن خيمة من صوف الماعز، وكان يقع على عاتقها جمع الحطب، وإحضار الماء من العيون، ومخض الحليب لإنتاج الزبدة، وتحضير الطعام، ورعاية الأبناء».

أما عن طبيعة دور الرجل، فقال: «كان الرجل يغيب بحكم العمل لمدة لا تزيد على 4 أشهر كل سنة. كان يجب عليه أن يعمل لتوفير الرزق"، وأضاف ضاحكا: "القهوة أيضا لا يحضّرها إلا الرجل، توارثنا هذا عن أجدادنا، فتحضير القهوة من تخصص الرجال».

وأوضح «أبوبشير» أنه تزوج 3 مرات، ورزق بـ7 أولاد و8 بنات، كما أن لديه 100 حفيد، مشيراً إلى أن انتشار مرض السل قديما كان يفتك بحياة الصغار.

ولدى سؤاله عن طريقة تربيته لأبنائه، أكد أنه لم يكن شديدا معهم، وأنه لم يضرب أيا منهم طيلة حياته.

وبالرغم من أن «أبوبشير» لا يدرك تماما حجم التطور الذى شهده قطاع السياحة فى مدينة العلا، فإن كرم الضيافة وعادات البدو كانت ولا تزال حاضرة فى المدينة.

وعن ردة فعله إذا طرق ضيوف أجانب بابه، قال: «ما أخليهم إلا أضيفهم»، مؤكدا أن أى بيت ينزل به ضيوف يصبح بيتهم، ليأكلوا من طعام أهل البيت ويشربوا من شرابهم، كما أنه مرحب بهم للنوم عدد ما يريدون من أيام داخل المنزل.

واعتبر «أبوبشير» مدائن صالح من أهم معالم العلا، مشيراً إلى أن «الناس قديما لم يعرفوها ولم يكن يأتينا أحد، أما إذا جاء الأجانب الآن فأهلاً ومرحباً بهم».

واختتم «أبوبشير» حديثه بإثبات أن كرم الضيافة غالب بالفعل على أهل العلا، مشددا على ضرورة تحويل لقاء قصير إلى مأدبة عشاء، لتكون هذه لمحة عما ينتظر السائح فى هذه المدينة الخلابة.