الجامع الكبير.. "الْوِقَايَةُ الشَّرْعِيَّةُ مِنَ الْأَمْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ"
إِنَّ أَمْرَاضَنَا النَّفْسِيَّةَ فِى جُمْلَتِهَا سُلُوكِيَّاتٌ خَاطِئَةٌ.
يَقُولُ النَّفْسِيُّونَ الْمُحْدَثُون: (إِنَّهُ لا عُصَابَ فِى الْكِبَرِ إِلا بِعُصَابٍ فِى الصِّغَرِ).
يَعْنِى الْإِنسَانُ لا يُمْكِنُ أَنْ يُصَابَ بِالْمَرَضِ النَّفْسِيِّ فِى كِبَرِهِ إِلا إِذَا كَانَتَ أُصُولُ هَذَا الْمَرَضِ النَّفْسِيِّ قَدْ تَحَصَّلَ عَلَيْهَا فِى صِغَرِهِ.
وَحَدَّدَهَا زَعِيمُ هَؤُلاءِ (سِيجْمُونْدُ فُرُويِد) بِسِتِّ سَنَوَاتٍ؛ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ السِّتَّ سَنَوَاتِ الأولَى خَطِيرَةٌ جِدًّا فِى حِيَاةِ أَيِّ طِفْلٍ.
عِنْدَمَا تَأْتِى القَسْوَةُ, وَيَأْتِى الضَّرْبُ فِى هَذِهِ السِّنِّ الْبَاكِرَةِ, وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِمَفْهُومِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لِأَنَّهُ يَقُولُ صلى الله عليه وسلم: (مُرُوا أَوْلَادَكُم بِالصَّلاةِ لِسَبْعٍ, وَاضْرِبُوهُم عَلَيْهَا لِعَشْرٍ, وَفَرِّقُوا بَيْنَهُم فِى المَضَاجِعِ).
لَمْ يَأْتِ الضَّرْبُ عَلَى تَرْكِ الصَّلاةِ- وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ فِى دِينِ اللَّهِ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنَ الأمور الْعَمَلِيَّةِ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ الْكَبِيرِ وَهُوَ الصَّلَاة, وَتَرْكُ الصَّلَاةِ هُوَ أَكْبَرُ كَبِيرٍ يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِى بِهِ الْإِنْسَانُ مِنَ الْأُمُورِ الْعَمَلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَتَيْنِ هِيَ أَمْرٌ قَلْبِيٌّ يُقِرُّ بِهِ الْقَلْبُ، وَيَنْطِقُ بِهِ اللِّسَانُ.
وَأَمَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ فَهُوَ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِالْجَسَدِ، لَيْسَ هُنَاكَ خَطَأٌ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ الطِّفْلُ- وَهُوَ دُونَ العَاشِرَةِ- أَكْبَرَ مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَمَعَ ذَلِكَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْ بِالضَّرْبِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ إِلَّا عِنْدَ بُلُوغِ الْعَشْرِ.
يَقُولُ صلى الله عليه وسلم: (مُرُوا أَوْلَادَكُم بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ). مُجَرَّدُ أَمْرٍ، مَعَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مِنَ التَّرْكِ وَغَيْرِ
يَأْتِى هَذَا الرَّجُلُ - وَهُوَ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ (سِيجْمُونْدُ فُرُويِد) - يَقُولُ: (إِنَّهُ لَا عُصَابَ فِى الْكَبَرِ إِلَّا بِعُصَابٍ فِى الصِّغَرِ)، وَيُحَدِّدُ السِّتَّ سَنَواتٍ الأُولَى.
نَقُولُ لَهُ: إِنْ كُنْتَ قَدِ اهْتَدَيْتَ لِهَذَا, وَكَانَ صَحِيحًا بِالْفِطْرَةِ أَوْ بِوَسَائِلِ الْعِلْمِ الحَدِيثِ, فَاعْلَمْ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ ذَلِكَ مُنْذُ مَا يَزِيدُ عَلَى أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ.
إِذَنْ؛ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدمَا يُحَدِّدُ أَمْثَالَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ إِنَّمَا يَحْمِى الْإِنْسَانَ مِنْ أَنْ يَتَحَصَّلَ عَلَى الْبَوَادِرِ الَّتِى تُؤَدِّى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْمَرَضِ النَّفْسِيِّ.
وَإِذَنْ فَهَذِهِ الْقَسْوَةُ الْمُفْرَطُ فِيهَا، وَهَذِهِ السُّلُوكِيَّاتُ الْخَاطِئَةُ تُؤَثِّرُ عَلَى النَّفْسِيَّاتِ الْغَضَّةِ الطَّرِيَّةِ, ثُمَّ يَتَأَتَّى بَعْدَ ذَلِكَ الْمَرَضُ النَّفْسِيُّ، وَإِذَنْ فَأَمْرَاضُنَا النَّفْسِيَّةُ إِنَّمَا هِيَ سُلُوكِيَّاتٌ خَاطِئَةٌ.