الجامع الكبير : التَّقْوَى ثَمَرَةُ الصِّيَامِ
د. محمد سعيد رسلان
التَّقْوَى هِيَ وَصِيَّةُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} «النساء: 131».
والتَّقْوَى: هِيَ أَنْ تَتَّقِيَ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ بِفِعْلِ المَأْمُورِ وَتَرْكِ المَحْظُورِ، فَهَذِهِ تَقْوَى اللهِ.
إِنَّ الصِّيَامَ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ التَّقْوَى، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} «البقرة: 183».
قَالَ الْعَلامَةُ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: (يُخْبِرُ تَعَالَى بمَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ؛ بِأَنَّهُ فَرَضَ عَلَيْهِمُ الصِّيَامَ كَمَا فَرَضَهُ عَلَى الْأُمَمِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الشَّرَائِعِ وَالْأَوَامِرِ الَّتِى هِيَ مَصْلَحَةٌ لِلْخَلْقِ فِى كُلِّ زَمَانٍ.
وَفِيهِ تَنْشِيطٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ؛ بِأَنَّهُ يَنْبَغِى لَكُمْ أَنْ تُنَافِسُوا غَيْرَكُمْ فِى تَكْمِيلِ الْأَعْمَالِ، وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى صَالِحِ الْخِصَالِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْأُمُورِ الثَّقِيلَةِ الَّتِى خُصِّصْتُمْ بِهَا.
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى حِكْمَتَهُ فِى مَشْرُوعِيَّةِ الصِّيَامِ؛ فَقَالَ: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}؛ فَإِنَّ الصِّيَامَ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ التَّقْوَى؛ لِأَنَّ فِيهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللهِ وَاجْتِنَابَ نَهْيِهِ.
فَمِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ التَّقْوَى: أَنَّ الصَّائِمَ يَتْرُكُ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَنَحْوِهَا، الَّتِى تَمِيلُ إِلَيْهَا نَفْسُهُ،
وَمِنْهَا: أَنَّ الصَّائِمَ يُدَرِّبُ نَفْسَهُ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللهِ تَعَالَى، فَيَتْرُكُ مَا تَهْوَى نَفْسُهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ؛ لِعِلْمِهِ بِاطِّلَاعِ اللهِ عَلَيْهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الصِّيَامَ يُضَيِّقُ مَجَارِيَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ يَجْرِى مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، فِبِالصِّيَامِ يَضْعُفُ نُفُوذُهُ، وَتَقِلُّ مِنْهُ الْمَعَاصِى.
وَمِنْهَا: أَنَّ الصَّائِمَ فِى الغَالِبِ تَكْثُرُ طَاعَتُهُ، وَالطَّاعَاتُ مِن خِصَالِ التَّقْوَى.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْغَنِيَّ إِذَا ذَاقَ أَلَمَ الجُوعِ؛ أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ مُوَاسَاةَ الْفُقَرَاءِ الْمُعْدِمِينَ، وَهَذَا مِنْ خِصَالِ التَّقْوَى)).
عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ فِى فِعْلِ أَمْرِهِ***وَتَجْتَنِبُ الْـمَنْـهِيَّ عَنْهُ وَتُبْعِـدُ
وَكُنْ مُخْلِصًا للهِ وَاحْذَرْ مِنَ الرِّيَا***وَتَابِعْ رَسُولَ اللهِ إِنْ كُنْتَ تَعْبُدُ
تَوَكَّلْ عَلَى الرَّحْمَــنِ حَقًّا وَثِـقْ بِهِ***لِيَكْفِيكَ مَا يُغْنِيكَ حَقًّا وَتَرْشُدُ
تَصَبَّرْ عَنِ الْعِصْيَانِ وَاصْبِرْ لِحُكْمِهِ***وَصَابِرْ عَلَى الطَّاعَاتِ عَلَّكَ تَسْعَدُ.