الجامع الكبير..عِيشُوا الْوَحْى الْمَعْصُومَ
د. محمد سعيد رسلان
إِنَّ الْوَحْى هُوَ رُوحُ الْعَالَمِ وَنُورُهُ وَحَيَاتُهُ, وَإِذَا خَلَا الْعَالَمُ مِنَ الرُّوحِ وَالنُّورِ وَالْحَيَاةِ؛ أَقَامَ اللَّهُ تَعَالَى السَّاعَةَ؛ لأن الْقُرآنَ يُرْفَعُ بَيْنَ يَدَى السَّاعَةِ مِنَ الصُّدُورِ وَمِنَ السُّطُورِ, فَيُصْبِحُ النَّاسُ وَلَيْسَ فِى الأَرْضِ آيَةٌ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَذَلِكَ بَيْنَ يَدَى السَّاعَة, وَحِينَئذٍ -عِنْدَمَا يَخْلُو الْعَالَمُ مِنَ الْحَيَاةِ وَالنُّورِ وَمَادَّةِ هَذَا الْوُجُودِ الْحَقّ- فَإِنَّ اللَّهَ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يُقِيمُ السَّاعَةَ حِينَئذ.
إِذَنْ الْوَحْى هُوَ نُورُ الْعَالَمِ وَحَيَاتُهُ وَهِدَايَتُهُ, وَعَلَى قَدْرِ تَمَسُّكِ الْإِنْسَانِ بِهَذَا النُّورِ وَالْحَيَاةِ وَالْهُدَى يَكُونُ تَحْقِيقُهُ لِلْقَصْدِ الَّذِى لِأَجْلِهِ خَلَقَهُ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-, فَإِنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- خَلَقَنَا لِغَايَةٍ, وَهَذِهِ الْغَايَةُ مُبَيَّنَةٌ فِى الْوَحْى الْمَعْصُومِ.
وَإِذَا مَا عَاشَ النَّاسُ بِهَذَا الْوَحْيِ؛ سَعِدُوا فِى الْحَيَاةِ, وَتَجَنَّبُوا سُبُلَ الشَّقَاءِ فِى الدُّنْيَا وَفِى الْآخِرَةِ, وَلَا حَيَاةَ لِهَذَا الْعَالَمِ إِلَّا بِأَنْ يَتَمَسَّكَ بِالْوَحْى.
الشَّيْطَانُ فِى مَعْرَكَتِهِ مَعَ الْإِنْسَان حَرِيصٌ تَمَامَ الْحِرْصِ عَلَى أن يَجْعَلَ النَّاسَ عَائِشِينَ بِنَقِيضِ الْوَحْي؛ لِأَنَّهُ إِمَّا وَحياً وَإِمَّا نَقِيضُه, فَإِمَّا أن تَحْيَا بِالْوَحْى، وَإِمَّا أن تَحْيَا بِنَقِيضِ الْوَحْى.
أَمَّا مَنْ اتَّبَعَ الْوَحْيَ؛ فَهُوَ مُتَّبِعٌ للَّهِ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَلِرَسُولِهِ, وَأَمَّا مَنْ فَارَقَ الْوَحْيَ؛ فَهُوَ مُتَّبِعٌ لِلشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ لِأَنَّهُ إِمَّا وَحْى وَإِمَّا نَقِيضُ الْوَحْى.
وَالَّذِى يُرِيدُهُ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنَّا هُوَ: (أَنْ نَحْيَا بِالْوَحْيِ),
بَيَّنَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم كُلَّ شَيْءٍ مِمَّا يَنْفَعُنَا فِى الدُّنْيَا وَفِى الْآخِرَةِ, وَكُلَّمَا اسْتَكْثَرَ الْمَرْءُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ؛ زَادَ فَلَاحُهُ وَقَلَّ طَلَاحُهُ, وَازْدَادَ خَيْرُهُ وَانْتَفَى شَرُّهُ.
وَكَمَا أن الْإِنْسَانَ يَحْيَا بِقَلْبِهِ, وَالْقَلْبُ مِلْكُ هَذَا الْجَسَدِ الْإِنْسَانِيِّ, وَالْأعضاء كُلُّهَا كَأَنَّمَا هِى مِنْ جُنُودِهِ، تَأْتَمِرُ بِأَمْرِهِ, كَذَلِكَ فِى الْإسلام الْعَظِيمِ قَلْبُهُ وَرُوحُهُ وَحَقِيقَتُهُ؛ تُوْحِيدُ اللَّهِ رَبِّ العَالمِين.
نَسْأَلُ اللَّهَ أن يُفَهِّمَنَا دِينَنَا, وَأَنْ يَرْزُقَنَا مَعْرِفَةَ حَقِيقَتِهِ, وَأَنْ يُمَسِّكَنَا بِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا, وَأَنْ يَهْدِيَنَا وَالمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ فِى مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا إلى الْحَقِّ وَالْهُدَى وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.