رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المُواساة في الإسلام

الدكتور حجازي فارس
الدكتور حجازي فارس امام وخطيب مسجد سيدي عبد الرحيم القنائي

قال الدكتور حجازي فارس امام وخطيب مسجد سيدي عبد الرحيم القنائي، إن خلق المواساة في خِضَمِّ الحياة وظروفِها، وتهافُت أهلِها في جمع حُطامها، ولطِّ نِثارِها هم أحوجُ ما يكونون فيها إلى التقارُب لا التباعُد، والتعاوُن لا التخاذُل، والنُّصرة لا الإسلام إلى الغَير.

 

 وأضاف أن الناس في هذا الزمان في أمسِّ الحاجة إلى أن تُقرِّب بينهم الأخلاق قبل المصالِح، والأموال والأفعال قبل ترادُف الأقوال. إنهم يفتقِرون إلى تعارُف القلوب وتوادِّها قبل أن يحكُمها لغةٌ أو أرضٌ أو جنسٌ أو لونٌ. إنهم -بأوضَح عبارةٍ- بحاجةٍ مُلحَّة إذا ما عطَسَ أحدُهم بالمشرق أن يُشمِّتَه أخوهُ بالمغرِب، وإذا مرِضَ فقيرُهم عادَه غنيُّهم، وإذا ظُلِم ضعيفُهم نصرَه قويُّهم. فتلكم هي: "المواساة" التي ينشدُها كل أمةٍ تُدرِكُ قيمتَها، وتعضُّ بالنواجِذ على أُسِّ اجتماعها، وجعلها لُحمةً واحدةً لا تتفتَّت أبدًا.

 

وتابع: المُواساة -عباد الله- شعورٌ عاطفيٌّ نبيلٌ يُنبِئُ عن صفاء معدِن المُتَّصِف به، وإن أي مُجتمع يتوافَرُ فيه هذا الشعور ليَحِقُّ له أن يكون جسدًا واحدًا يتناوَبُ التعاطُفُ والتوادُّ والتراحُم على رعايتِه؛ ليُصبِح في مأمنٍ من الغوائِل والأَثَرَة التي تقطعُ ذلكم الجسد إلى أشلاء شذَرَ مذَرَ. وهذا هو ما عنَاه المُصطفى -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثَلُ الجسد إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَر والحُمَّى". رواه البخاري ومسلم.

 

إنه لا يمكن أن يتحقَّق في الأمة معنى الجسد الواحد وهي لا تعرف المُواساة، كما أنها لا يُمكن أن تبلُغ درجة الرِّفعة والتمكين والفلاح إذا كانت تفرحُ وبعضُها يبكِي بفُقدان ما فرِحَت به، وتشبَع وجارُها جائع، وتروَى وقريبُها ظمآن، وتلبَس وشريكُها في الدين عارٍ.

 

فقد قال الصادقُ المصدوقُ -صلوات الله وسلامه عليه-: "ليس المؤمن الذي يشبعُ وجارُه جائعٌ إلى جنبِه". رواه الحاكم وغيره. إن بَلادَة القلوب عن المُواساة محنةٌ ماحِقة يحترقُ في سعيرِها الفضائل، ويُوأَدُ في ترابها التوادُّ والتعاطُف، والخاسِرُ -دون شكٍّ- هو مجموع الأمة أفرادًا وجماعات. فالمُجتمع المُوجَب هو من استوَى على سُوقه رُوح المُواساة، وإلا فهو مُجتمعٌ سالبٌ صِرف. ولكن ما المانعُ من توطِين النفس وقسرِها على حبِّ الفضائل والشعور العاطفيِّ تجاه الآخرين بسدِّ الخلَل، وستر الزَّلل، وقَبول العِلل، ومدِّ يد الخير لمن مدَّ للخير يدَه، وإعطاء السائل، وابتِداء العفيف الذي لا يسألُ الناسَ إلحافًا.

 

وبعد ذلك كلِّه فلقائلٍ أن يقول: كيف يستطيعُ المُسلم التفاعُل بشعور المُواساة وهو لا يملِكُ من المال ما يُعينُه على ذلك؟! فالجوابُ على هذا القِيل: أنه من الغلَط الفاحِش قصرُ مفهوم المُواساة على الجانبِ الماليِّ أو القُدرة عليه فحسب؛ بل هي شعورٌ قلبيٌّ قبل أن يُترجَم إلى مالٍ، وإحساسٌ عاطفيٌّ قبل أن يمتدَّ إلى الجوارِح. ثم إن من المُواساة ما لا يفتقِرُ إلى المال؛ فالمسحُ على رأس اليتيم لا مالَ فيه، واتباعُ الجنائز لا مالَ فيه، وعيادةُ المريض لا مالَ فيها، والتبسُّم في وجهِ أخيك المُسلم لا

مالَ فيه، وتعزيةُ المُصاب لا مالَ فيها، وغير ذلكم كثير من أبواب المُواساة التي تفتقِرُ إلى القلب الحيِّ النابِض بالشعور تجاه الآخرين، المُدرِك عاقبةَ المُواساة وأنها سائقٌ ودليلٌ إلى جناتٍ ونهَر، في مقعَدِ صدقٍ عند مليكٍ مُقتدِر.

 

وفي الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس من نفسِ ابنِ آدمَ إلا عليها صدقةٌ في كل يومٍ طلعَت فيه الشمسُ". قيل: يا رسول الله: ومن أين لنا صدقةٌ نتصدَّقُ بها؟! قال: "إن أبوابَ الخير لكثيرةٌ: التسبيحُ والتحميد، والتكبيرُ والتهليل، والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، وتُميطُ الأذى عن الطريق، وتُسمِعُ الأصمَّ، وتهدِي الأعمى وتُدلُّ المُستدلّ على حاجته، وتسعَى بشدَّة ساقَيك مع اللَّهفان المُستغيث، وتحمِلُ بشدَّة ذراعَيك مع الضعيف، فهذا كلُّه صدقةٌ منك على نفسِك". رواه أحمد، والنسائي، وابن حبان.

 

وإنه لمن العجَب العُجاب أن يكون في أمة الرحمة قُساةٌ قد طمسُوا مفهومَ المُواساة من معاجمهم، حتى ماتَت قلوبُهم، فلا يئنُّون لمُتألِّمٍ، ولا يتوجَّعون لمُستصرِخ، ولا يحْنُون على بائِسٍ. قد قسَت قلوبُهم، وغلُظَت أكبادُهم. في حين أن الواجِب على الإنسانية ألا تُعظِّم الدنيا ودينارَها ودرهَمها، وتغفُل عن يتيمِها وذي المتربَة فيها، حتى لا تستعبِدَها معاني الانحِراف في النظرة إلى المال والحياة والعاطِفة تجاه الغير؛ لأن مثلَ ذلكم كفيلٌ في أن يكنِزَ الغنيُّ مالاً، فيكنِزَ الفقيرُ عداوةً، فلا يأخذُ القويُّ حينئذٍ بيدِ الضعيف، ولا يشُدُّ المُقتدِر من أَزرِ العاجِز، فيضيعُ الضعفاءُ المُعوِزون وسطَ الزِّحام، ثم تسحَقُهم أقدامُ القسوة والتغافُل المَقيت. إن أمةً هذه حالُها لا يُمكن أن تغلِبَ عدوَّها؛ لأنها لم تستطِع -قبل ذلك- أن تغلِبَ هواها وشهوات نفسِها؛ (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الأعلى: 16، 17]. قال النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا لأصحابِه: "من أصبَح منكم اليوم صائِمًا؟!". قال أبو بكر: أنا، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه الله عليه وسلم-: "ما اجتمعنَ في امرئٍ إلا دخلَ الجنة ".