تأملات في سورة الحاقة
تأتي ميزة هذه سورة الحاقة من تسميتها التي تدلّ على الحقّ، الحقّ الذي وسم دين الإسلام بطابعٍ ميّزه وأظهره على سائر الأديان الأخرى، والحقّ اسمٌ من أسماء الله الحسنى، وكل قارئٍ ومتمعّنٍ في آيات كتاب الله تستوقفه بعض المواضع، فيبحث عن تفاسيرَ وتوضيحاتٍ لتساؤلاته، وفيما يأتي سيتمّ الوقوف مع جانبٍ من تأمّلاتٍ في سورة الحاقّة وتخيّر بعض تلك المواضع ومحاولة تقديم بعض الأجوبة لثلّةٍ من التّساؤلات كما يأتي: في قوله - تعالى - بعد بسم الله الرّحمن الرّحيم: {وما هُو بِقول شاعِرٍ قلِيلا ما تُؤْمِنُون * ولا بِقول كاهِنٍ قلِيلا ما تذكّرُونَ}.
قد ختم الله - جلّ وعلا - هاتين الآيتين الكريمتين بقوله: {ما تُؤْمِنُون} في الآية الأولى، وختم الثّانية بـ{ما تذكّرُون} فالسّؤال هنا لمَ اختار الله هذين الفعلين تحديدًا؟
.
التّفسير يكون بالقول: إنّه من المعروف أنّ مخالفة نظم القرآن لنظم الشعر هي ظاهرةٌ جليّةٌ لا تخفى على أيٍّ كان، وثمّة قائلٌ قد قال: إنّ الشّعر كفرٌ وعنادٌ محضٌ، فإنّ الله -سبحانه- قد ختم الآية بقوله: {ما تُؤْمِنُون}[٤]، وأمّا مخالفته لنظم الكهّان وألفاظهم فيتطلّب تذكيرًا وتدبرًا؛ وذلك لأن كلًّا منهما يأتي على أوزان الشعر المعروفة ونظمها، ولكن قد يفترقان؛ لما في القرآن من فصاحةٍ وبلاغةٍ
وأمّا الموضع الثّاني فمتّصلٌ بالأوّل ولذلك أُدخلت الواو لأنّه أُريد الجمع، أمّا في قوله - تعالى -: {وأمّا منْ أُوتِي كِتابهُ بِشِمالِهِ}، وفي سورة الانشقاق قوله - تعالى -: {وأمّا منْ أُوتِي كِتابهُ وراء ظهْرِهِ}.
فهناك قولان عن هاتين الآيتين الكريمتين من سورتي الحاقّة والانشقاق، الأوّل منهما يقول: إنّ المعنى المُراد هو أن تغلّ يداه إلى عنقه، ويجعل شماله من وراء ظهره، وأمّا القول الثّاني فهو: أن يُخرج شماله من صدره إلى ظهره فهو بذلك من شماله وراء ظهره.