ما الفرق بين القلب والروح والنفس والعقل ؟
التأمل فى خلق الله من اسباب زيادة الايمان وقال الشيخ عطية صقر رحمه الله من أحسن من تكلم عن القلب والروح والنفس والعقل الإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين " فى شرح عجائب القلب ، وقال :
اعلم أن هذه الأسماء الأربعة تستعمل فى هذه الأبواب ، ويقل فى فحول العلماء من يحيط بهذه الأسامى واختلاف معانيها وحدودها ومسمياتها ، وأكثر الأغاليط منشؤها الجهل بمعنى هذه الأسامى واشتراكها بين مسميات مختلفة، ثم أخذ يتحدث عن كل منها بما موجزه :
1 -القلب يطلق لمعنيين :
أحدهما : اللحم المعروف الذى يضخ الدم .
والثانى : هو لطيفة ربانية روحانية لها تعلق بهذا القلب الجسمانى وهذه اللطيفة هى حقيقة الإنسان والمدرك العام العارف منه والمخاطب بالتكليف ، والمجازى عليه ولم يستطع أن يدرك العلاقة بين هذين المعنيين للقلب لأن ذلك من علوم المكاشفة التى لا تفيد معها الحواس المعروفة ، ولأنه يؤدى إلى إفشاء سر الروح الذى لم يتكلم فيه الرسول فغيره أولى .
وقال : إذا استعملنا لفظ القلب فى الكتابة والشرح فالمراد به اللطيفة الربانية لا القلب العضوى .
2- الروح لها معنيان :
أحدهما : جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسمانى يسرى فى جميع أجزاء البدن سريان نور السراج إلى كل أجزاء البيت ، فالحياة مثل النور الواصل للجدران والروح مثل السراج ، وسريان الروح وحركته فى الباطن مثل حركة السراج فى جوانب البيت . وهذا المعنى يهتم به الأطباء .
والمعنى الثانى للروح : هو لطيفة عالمة مدركة من الإنسان ، وهو المعنى الثانى للقلب ، وما أراده الله بقوله {قل الروح من أمر ربى} الإسراء : 85 ، وهو أمر عجيب ربانى تعجز أكثر العقول والأفهام عن درك حقيقته .
3- النفس : لفظ مشترك بين عدة معان ، يهمنا منها اثنان :
أحدهما : أن يراد به المعنى الجامع لقوة الغضب والشهوة فى الإنسان ، ويهتم أهل التصوف بهذا المعنى ، لأنهم يريدون بالنفس الأصل الجامع للصفات المذمومة من الإنسان فلابد من مجاهدتها .
والمعنى الثانى : هى اللطيفة التى ذكرناها ، التى هى الإنسان بالحقيقة ، وهى نفس الإنسان ذاته ، ولكنها توصف بأوصاف مختلفة بحسب اختلاف أحوالها ، فإذا سكنت تحت الأمر وفارقها الاضطراب بسبب معارضة الشهوات سميت النفس المطمئنة، قال تعالى{يا أيتها النفس المطمئنة . ارجعى إلى ربك راضية مرضية} الفجر: 27 ، والنفس بالمعنى الأول لا يتصور رجوعها إلى الله فهى مبعثرة عنه وهى من حزب الشيطان .
وإذ لم يتم سكونها ودافعت الشهوات واعترضت عليها سميت النفس اللوامة ، وإن تركت المدافعة والاعتراض وأطاعت الشهوة والشيطان سميت النفس الأمارة بالسوء .
4 - العقل : وهو أيضا مشترك لمعان مختلفة ذكرناها فى كتاب العلم ، ويهمنا هنا معنيان .
أحدهما : أنه يراد به العلم بحقائق الأمور، فيكون العقل عبارة عن صفة العلم الذى محله القلب .
والثانى : أنه المدرك للعلوم ، فيكون هو القلب بمعنى اللطيفة الربانية المدركة العالمة .
ثم يقول الغزالى بعد ذلك : إن معانى هذه الأسماء موجودة، وهى القلب الجسمانى والروح الجسمانى والنفس الشهوانية والعلوم "كذا" فهذه أربعة معان يطلق عليها الألفاظ الأربعة ، ومعنى خامس وهى اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان ، والألفاظ الأربعة بجملتها تتوارد عليها ، فالمعانى خمسة والألفاظ أربعة وكل لفظ أطلق لمعنيين ، وأكثر العلماء قد التبس عليهم اختلاف هذه الألفاظ وتواردها، فتراهم يتكلمون فى الخواطر ويقولون : هذا خاطر العقل وهذا خاطر الروح وهذا خاطر القلب وهذا خاطر النفس ، وليس يدرى الناظر اختلاف معانى هذه الأسماء .
ثم يقول : وحيث ورد فى القرآن والسنة لفظ القلب فالمراد به المعنى الذى يفقه من الإنسان ويعرف حقيقة الأشياء ، وقد يكنى عنه بالقلب الجسمانى الذى هو فى الصدر لأن بينهما علاقة .
هذا ملخص ما قاله الإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين " لنعرف أن أى لفظ من هذه الألفاظ قد يراد به أى معنى من هذه المعانى ، وللاجتهاد مجال فيه .
والذى يهتم بذلك هم العلماء النفسيون والتربويون ، وفى ذلك دراسات مستفيضة متخصصة وتكفى هذه النبذة لمعرفة بعض ما يتعلق بهذه الألفاظ ومعانيها.