رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الأمانة كما صورها القرآن الكريم

الدكتور إبراهيم البيومي
الدكتور إبراهيم البيومي أمام وخطيب مسجدالسيدة زينب

 كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان حريصًا على أداءِ الأمانات التي كانتْ مودعةً لديه إلى أهلها، وهو القائِل: (أدِّ الأمانةَ لمَن ائتمنَك، ولا تَخُن مَن خانك)، فترَك على بنَ أبي طالِب رضي الله عنه في فِراشه، وهو أمرٌ عجيب، هؤلاءِ الناس استباحوا دمَه، وأرادوا قتْلَه، بل أدْمَوه وآذوه وطردوه، لكنَّه لم يشأْ قتلَهم، ولم يستبِحْ أموالهم، ولو كلَّفه ذلك بالمخاطرةِ بابن عمِّه، وصَدَق الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾

بهذا بدأالدكتور ابراهيم البيومي أمام وخطيب مسجدالسيدة زينب حديثه حول الامانة واضاف قائلا:

لذلك رأينا أن نربي أنفسنا وأولادنا على خلق الأمانة حتى يسعد المجتمع ويسعد معه أفراده جميعا وتنهض الأمة من كبوتها، لذلك كان حديثنا عن (الأمانة كما يصورها القرآن الكريم)
الأمانةُ ضد الخيانة وهي صفة جميلة، وهي وضع كل شيء في موضعه، وهي أداء الحقوق، والمحافظة عليها، فالمسلم يعطي كل ذي حق حقه.

ورأينا في القرآن الكريم مخايل الأمانة على نبي الله موسى عليه السلام، حين سقى لابنتي الشيخ الكبير ورفق بهما، واحترم أنوثتهما وكان معهما شريفًا عفيفًا، قال تعالى: (فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين قالت إحداهما يا أبت استئجره إن خير من استئجرت القوي الأمين) القصص
الأمانة خلق جليل من أخلاق الإسلام، وأساس من أسسه، فهي فريضة عظيمة حملها الإنسان، بينما رفضت السموات والأرض والجبال أن يحملنها لعظمها وثقلها، يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾

ولقد أثنى الله على عباده المؤمنين بحفظهم للأمانة، فقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [

فالأمانة هي الصفة المميزة للمجتمع الإسلامي بل هي أخص خصائصه وسبب فلاحه في الدنيا حيث تصان حقوق الناس وتحفظ أموالهم وسبب فلاحه في الآخرة إذ جعل الله رعاية الأمانة وحفظها وأدائها ضمن الصفات الإيمانية التي تثمر الفلاح للمؤمنين والفوز بجنة الفردوس؛ قال تعالى في بداية المؤمنون ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾، وبعد أن عدد صفاتهم وجعل منها الأمانة: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8]، قال في النهاية: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون:].

واضاف الدكتور ابراهيم البيومي أمام وخطيب مسجدالسيدة زينب: ان الأمانة دليل على إيمان العبد بالله تعالى، والخيانة دليل نفاقه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائْتُمِنَ خان) البخاري. ويقول صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)؛ حديث صحيح رواه أحمد في مسنده.

إنها من أغلى ما يرزقه الله للعبد، ولا يحزن بعده على أي عرض من الدنيا، كما جاء في الحديث (أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وحسن الخلق، وعفة مطعم) صحيح الترغيب.

ولما كانت السعادة القصوى أن يوقى الإنسان شقاء العيش في الدنيا وسوء المنقلب في الآخرة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع في استعاذته بين الحالين معا إذ قال ((اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة)).

قال ميمون بن مهران: (ثلاثة يؤدين إلى البر: الأمانة والعهد وصلة الرحم ).

لذلك ترك النبي صلى الله عليه وسلم عليا في فراشه ليلة الهجرة المباركة لأداء الأمانات ورد الودائع إلى أهلها برغم ما فعلوه معه ومع أصحابه الكرام من اضطهاد وإيذاء.

ولكن أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمنا أن قيم الإسلام ثابتة لا تتجزأ ولا تتغير.

لا يحملها الرجال أصحاب الهمم العالية والعزائم الصادقة، وهي فضيلة ضخمة لا يستطيع حملها الرجال المهازيل، بل إنها تُثقِل كاهل الوجود كله، ومن ثَم فلا ينبغي لإنسان أن يستهين بها، أو يُفْرِط في حقِّها، ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السموات وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ ﴾ [الأحزاب: 72].

كما انها سبب من أسباب نيل محبة الله عز وجل لمحبة الله قال صلى الله عليه وسلم: (من سرَّه أن يحبه الله ورسوله فليصدق حديثه إذا حدَّث، وليؤد أمانته إذا ائتمن)؛ رواه البيهقي وحسنه الألباني.

- الأمانة يعلو بها شأن الرجال وصف بها النبي صلى الله عليه وسلم شأن أبي عبيدة رضي الله عنه، فيقول: (إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ)؛ رواه البخاري.

وقال الدكتور ابراهيم البيومي أمام وخطيب مسجدالسيدة زينب :

إن الأمة في أمس الحاجة إلى الأخلاق الحسنة من الصدق والأمانة

والوفاء؛ لأن الأخلاق تعكس ثقافة الأمة وحضارتها، وبقدر ما تعلو أخلاق الأمة تعلو حضارتها، وتلفت الأنظار لها، ويتحير أعداؤها فيها، وبقدر ما تنحط أخلاقها، وتضيع قيمها تنحط حضارتها وتذهب هيبتها بين الأمم، وكم سادت أمة ولو كانت كافرة وعلت على غيرها بتمسكها بمحاسن الأخلاق كالعدل وحفظ الحقوق وغيره، وكم ذلت أمة ولو كانت مسلمة وضاعت وقهرت بتضييعها لتلكم الأخلاق، فإذا شاعت في المجتمع الأخلاق الحسنة من الصدق والأمانة
والعدل والنصح أمن الناس، وحفظت الحقوق، وقويت أواصر المحبة بين أفراد المجتمع، وقلت الرذيلة، وزادت الفضيلة، وقويت شوكة الإسلام، وإذا شاعت الأخلاق السيئة من الكذب، والخيانة، والظلم، والغش، فسد المجتمع واختل الأمن، وضاعت الحقوق، وانتشرت القطيعة بين أفراد المجتمع، وضعفت الشريعة في نفوس أهلها، وانقلبت الموازين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيأتي على الناس سنوات خداعة؛ يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: ومن الرويبضة يا رسول الله؟! قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)؛ رواه أحمد.

العنصر الرابع: مجالات الأمانة في الحياة:

الأمانة في نظر الشارع واسعة الدلالة، وهي ترمز إلى معانٍ شتَّى مناطها جميعًا شعور المرء بتبعيته في كل أمر يوكل إليه، وإدراكه الجازم بأنه مسئول عنه أمام ربِّه، فالعوام يقصرون الأمانة في أضيق معانيها وآخرها ترتيبًا وهو حفظ الودائع مع أن حقيقتها في دين الله أضخم وأثقل، إنها الفريضة التي يتواصى المسلمون برعايتها ويستعينون بالله على حفظها، حتى إنه عندما يكون أحدهم على أهبة سفر يقول له أخوه استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، وقد أمر الشارع بحفظ الأمانة وأدائها، وذم الخيانة، وحذر منها في نصوص كثيرة؛ منها: ‌قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ {النساء:58}.

ذكر ابن كثير رحمه الله أنها عامة في جميع الأمانات الواجبة على الإنسان، وهي نوعان: حقوق الله تعالى من صلاة وصيام وغيرهما وحقوق العباد كالودائع وغيرها.

والأمانة مع ثقلها إلا أنها ليست مستحيلة، بل تتوج بها عباد الله الصالحين، حتى وصفهم الله بها فقال تعالى: "﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾"{المؤمنون:8}.

والتفت إلى هذا التناغم اللفظي والمعنوي بين الإيمان والأمانة، في قول الحبيب: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ {الأنفال:27}.

‌وقال صلى الله عليه وسلم في الأمر بردِّ الأمانة: (أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)؛ أبو داود والترمذي.

ومجالات الأمانة متعددة،:

ومنها- الأمانة على دين الله تعالى:وتلك أعلى مراتب الأمانة؛ لأن أعز ما يملكه الإنسان وأثمن شيء وأغلاه، دين الله وهو أتم النعم وأسبغها على المسلم: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [ا

والإسلام تمام النعمة وما رضيه الله لنا وهو تاج الرؤوس ووسام الصدور؛ لأنه تسمية الله تعالى لنا: ﴿ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ ﴾

والأمانة على دين الله تتمثل في فهمه ووعيه واستيعابه والالتزام به والدعوة إليه وتسخير جميع الطاقات والامكانات الفردية والجماعية لنشرة في ربوع العالمين.

فمن الأمانة أن يلتزم المسلم بالتكاليف، فيؤدي فروض التي افترضها الله عليه على أتم وجه قاصدًا بها وجه الله تعالى.