وجوب حفظ المسلم سرَّ أخيه المسلم
كتمان السر من صفات المتقين وقد وردت الأحاديث في إيجاب حفظ الإنسان لسرِّ أخيه المسلم وعدم إفشائه له، كما جاء في حديث المصطفى ﷺ فيما رواه جابر بن عبد الله عنه، قال: إذا حدَّث الرَّجل الحديث ثُمَّ التفت فهي أمانةٌ[رواه الترمذي1959، وأبو داود4870، وصححه الألباني في الصحيحة 1090]. رواه الترمذي رحمه الله، وقال: "هذا حديث حسن" وكذلك رواه أبو داود رحمه الله في كتاب الأدب من سننه، قال المباركفوري شارح التِّرمذي في التَّحفة: "قوله: إذا حدَّث الرَّجل أي: عند أحد الحديث أي: الذي يريد إخفاءه ثم التفتأي: يميناً وشمالاً احتياطاً فهي أمانة فهي أي: ذلك الحديث، أمانة أي: عند من حدَّثه حكمه حكم الأمانة يجب عليه كتمه، وقال ابن رسلان: "لأنَّ الْتَّفاته إعلامٌ لمن يحدِّثه أنَّه يخاف أن يسمَع حديثه أحدٌ وأنَّه قد خصَّه سرَّه، فكان الالتفات قائماً مقامَ اكتم هذا عني، ثُمَّ قال: اكتمه فهو عندك أمانة"[تحفة الأحوذي5/ 195].
وكذلك قال ﷺ: المجالس بالأمانة[رواه السيوطي في الجامع الصغير2575، وحسنه الألباني في الجامع الصغير4095].
أي: حسن المجالس وشرفها بأمانة حاضريها على ما يقع فيها من قول أو فعل، فكأنَّ المعنى: ليكن صاحب المجلس أميناً لما يسمعه أو يراه، وإذا حدَّث الرَّجل الحديث ثُم التفت فهي
. فإذاً: إذا أفشي سِرَّ مسلمٍ فقد خانه الذي أفشاه، وقد جاء استثناء في حديث رواه أبو داود وفي إسناده رجلٌ مبهمٌ ولكن معناه صحيح وهو: ما رُوي من حديث جابر عنه ﷺ أنَّه قال: المجالس بالأمانة إلَّا ثلاثةٌ: مجالسٌ سفكُ دمٍ حرامٍ، أو فرجٌ حرامٌ، أو اقتطاعُ مال بغير حقٍّ [رواه أبو داود4871، وضعفه الألباني في صحيح وضعيف أبي داود4869].
فهذا يبيِّن أنَّه ليس كُلُّ ما يستكتمه الإنسان يجب أن يكتمه؛ بل إنَّه رُبَّما يكون هناك ما يجب إفشاؤه.