تعرف على مسافة القصر في الصلاة
يسأل الكثير من الناس عن مسافة القصر فى الصلاة فأجاب الشيخ عطية صقر رحمه الله وقال
يقول الله تعالى { وإذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} النساء: 101 والخوف من الفتنة ليس شرطا لقصر الصلاة كما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم ، فهو صدقة تصدق اللّه بها علينا فلنقبل صدقته .
والسفر المبيح للقصر اختلف فى تقديره العلماء ، يقول القرطبى فى تفسيره " ج 5 ص 353" قال داود : تقصر الصلاة فى كل سفر طويل أو قصير ولو كان ثلاثة أميال ، متمسكا بحديث رواه مسلم عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ - شك من أحد رواة الحديث واسمه شعبة- صلى ركعتين . يقول القرطبى : وهذا لا حجة فيه ، لأنه مشكوك فيه -أى فى المسافة التى رواها شعبة- وعلى تقدير أحدهما فلعله حد المسافة التى بدأ منها السفر، وكان سفرا طويلا زائدا على ذلك .
ولم يذكر حد السفر الذى يقع به القصر لا فى القرآن ولا فى السنة ، وإنما كان كذلك لأنها لفظة عربية مستقر علمها عند العرب الذين خاطبهم الله تعالى بالقرآن ، فنحن نعلم قطعا أن من برز عن الدور لبعض الأمور أنه لا يكون مسافرا لغة ولا شرعا ، وإن مشى ثلاثة أيام فإنه مسافر قطعا، كما أنَّا نحكم على أن من مشى يوما وليلة كان مسافرا ، لقول النبى صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذى محرم منها" وهذا هو الصحيح ، لأنه وسط بين الحالين ، وعليه عوَّل مالك ، ولكنه لم يجد هذا الحديث منفقا عليه ، وروى مرة " يوما وليلة " ومرة " ثلاثة أيام " فجاء إلى عبد الله ابن عمر فعوَّل على فعله ، فإنه كان يقصر الصلاة إلى " رئمْ " -واد بالمدينة- وهى أربعة بردٌ : لأن ابن عمر كان كثير الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم . قال غيره : وكافة العلماء على أن القصر إنما شرع تخفيفا، والتخفيف إنما يكون فى السفر الطويل الذى تلحق به المشقة غالبا ، فراعى مالك والشافعى وأصحابهما والليث والأوزاعى وفقهاء أصحاب الحديث أحمد وإسحاق وغيرهما يوما تاما ، وقول مالك يوما وليلة راجع إلى اليوم التام ، لأنه لم يرد بقوله " مسيرة يوم وليلة " أن يسير النهار كله والليل كله ، وإنما أراد أن يسير سيرا يبيت فيه بعيدا عن أهله ولا يمكنه الرجوع إليهم . وفى البخارى : وكان ابن عمر وابن عباس يفطران ويقصران فى أربعة بُرد، وهى ستة عشر فرسخا ، وهذا مذهب مالك . وقال الشافعى والطبرى : ستة وأربعون ميلا ، وعن مالك روايتان ، خمسة وأربعون ميلا، وستة وثلاثون ميلا .
وبعد كلام طويل فى تقدير المسافة قال أبو عمر: اضطربت الآثار المرفوعة فى هذا الباب كما ترى فى ألفاظها ، ومجملها عندى -والله أعلم- أنها خرجت على أجوبة السائلين ، فحدث كل
هذا ما نقلته من تفسير القرطبى باختصار وتصرف ، وذكر ابن قدامة فى " المغنى "ج 2 ص 92 روايات عن جماعة من السلف أن القصر يجوز فى أقل من هذه المسافة ، لكنها روايات مردود عليها .
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة أن المسافة التى تقصر فيها الصلاة فى السفر هى ستة عشر فرسخا ذهابا فقط ، والفرسخ ثلاثة أميال ، والميل ستة آلاف ذراع بذراع اليد ، وهذه المسافة تساوى ثمانين كيلو ونصف كيلو ومائة وأربعين مترا - مسيرة يوم وليلة بسير الإِبل المحملة بالأثقال سيرا معتادا - ولا يضر نقصان المسافة عن المقدار المبين بشىء قليل ، كميل أو ميلين .
وأبو حنيفة لم يقدر المسافة بهذه المقاييس ، بل قدرها بالزمن وهو ثلاثة أيام من أقصر أيام السنة يكفى أن يسافر فى كل يوم منها من الصباح إلى الزوال ، والمعتبر السير الوسط .
والمالكية قالوا : إن نقصت المسافة عن القدر المبين بثمانية أميال وقصر الصلاة صحت صلاته ولا إعادة عليه على المشهور .
ويستثنى من اشتراط المسافة أهل مكة ومِنى ومزدلفة والمحصب إذا خرجوا فى موسم الحج للوقوف بعرفة فإنه يسن لهم القصر فى حال ذهابهم .
وكذلك فى حال إيابهم إذا بقى عليهم عمل من أعمال الحج التى تؤدى فى غير وطنهم ، وإلا أتموا .
ثم قال العلماء : لا يشترط قطع المسافة المذكورة فى المدة المذكورة والمقدرة بالأيام ، فلو قطعها فى أقل منها ولو فى لحظة صح القصر- كما هو الشأن فى السفر بالطائرات والقطارات والسيارات .
يؤخذ من هذا أن الرأى المتفق عليه بين الأئمة الأربعة أن يكون السفر طويلا، لا يقل عن ثمانين كيلو مترا تقريبا . هذا ، وقد ذكر ابن قدامة فى " المغنى "ج 2 ص 96 أنه حكى عن عطاء وسليمان بن موسى أنهما أباحا القصر فى البلد لمن نوى السفر وكذلك حكى عن غيرهما ولا يوجد دليل صحيح لذلك .
[ يضاف كلام ابن قدامة إلى ص 537 من المجلد الثانى ].