عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

اللواء حسام سويلم يكتب: نبى الهدى فى يوم مولده

المسجد النبوي الشريف
المسجد النبوي الشريف

استضافت إحدى القنوات الفضائية مؤخرًا أحد رجال الدين، وأخذ يردد لأكثر من مرة مقولة: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أميًا لا يقرأ ولا يكتب وأن هذه إحدى معجزاته»!! وبالطبع فإن هذه المقولة الباطلة تتردد كثيرًا فى وسائل الإعلام المختلفة، وفى الكتب الدينية والتاريخية، حتى صارت من الإسرائيليات الشائعة التى نجح أعداء الإسلام من اليهود وغيرهم فى نشرها بين المسلمين بزعم أنها تعنى أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان (لا يقرأ ولا يكتب)، وأن هذا هو معنى الأمية فى قوله تعالى {الذين يتبعون الرسول النبى الأمى} الأعراف/157، وقوله تعالى: {فآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى} الأعراف/158 كما ورد لفظ (الأميين) فى وصف صحابة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بعث فيهم حضرته فى قوله تعالى: {هو الذى بعث فى الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين} الجمعة/2.

الأمية المقصودة هى الأمية فى الدين:

عندما نتدبر الآيات السابقة التى ورد فيها لفظ (الأمية) فى وصف المولى عز وجل لرسوله الكريم بـ(النبى الأمى)، وفى وصف الصحابة الذين بعث فيهم حضرته صلى الله عليه وسلم بـ(الأميين)، فإننا سندرك أن هذا الوصف خاص ويشير إلى الأمية فى الدين، ولا علاقة له بالمعنى الشائع للأمية وهو عدم الإلمام بالقراءة والكتابة، يؤكد ذلك النصف الآخر من الآية: {يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتابة والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين} حيث يكشف هذا النص القرآنى عن طبيعة الأمية التى يسعى الرسول إلى محوها، وهى تشمل {يتلو عليهم آياته} أى يكشف لهم آيات الله فى أنفسهم وفى الوجود ليتبين لهم أنه الحق، و(يزكيهم) أى يزكى وينقى ويطهر صفات أنفسهم مما علق بها من شوائب ويعيدها إلى فطرتها النقية الطاهرة التى خلقت عليها، و{يعلمهم الكتاب والحكمة} أى يكشف لهم أسرار القرآن ويعلمهم الكتاب والحكمة أى (تفاصيل العلوم) ، وان كانوا  من قبل بعث  حضرته ( في ضلال مبين) وهذه هي حقيقة (الجاهلية) التى كانوا فيها، فأخرجهم الرسول منها أى جاهلية فى الدين أصلاً ولا علاقة لهم بعدم القراءة والكتابة.

يتبين لنا من هذه الآيات أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مصدر (العلم والحكمة) للصاحبة والامة كلها على الدوام والاستمرار، وأن حضرته أيضًا مصدرية العلم لكافة الأسرار المتعلقة بآيات القرآن، ومفاتيح تفاصيل العلوم فى كافة أنواع المعارف. ولقد أخذ المسلمون بأسباب العلم وأسباب التقوى فقامت على أيديهم فى بضع عشرات من السنين الحضارة الإسلامية العظيمة فى علوم الطب والرياضيات والفيزياء والفلك والكيمياء والعمارة.. وغيرها، والتى كانت الأساس الذى بنى عليه الغرب تقدمهم العلمى المذهل اليوم، وذلك باعتراف المنصفين من علمائهم،.. وهنا نسأل سؤالاً هامًا: هل كل الناس الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا لا يعلمون القراءة والكتابة؟!

إن إجابة هذا السؤال تتمثل فى حقيقة أن كبار الصحابة كانوا من كتاب الوحى الذين كانوا يكتبون بأيديهم ما ينزله الوحى من قرآن على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغم ذلك فقد وصفهم المولى عز وجل بـ(الأميين)، كما كانوا لا يعلمون من أمر دينهم إلا ما يقوله أو يفعله حضرته، وذلك لاعتقادهم بأن حضرته مصدرية العلم الإلهى للأمم جميعًا، بل ومصدرية كل فضل إلهى للناس جميعًا وللأمم كلها ما دام لهذا الوجود من وجود، لأن حضرته رسول للناس كافة بحكم قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس} سبأ/28، وبدلاً من ادراج هذه الحقائق ونشرها بين المسلمين، فإن علماء الدين قد استسلموا للإسرائيليات، وراحوا يروجون لمزاعم اليهود بأن الرسول والصحابة لم يكونوا يقرأون ولا يكتبون!!

الرد على أكذوبة أن الرسول لم يكن يقرأ ولا يكتب:

أولاً من القرآن:

يقول الله تعالى مخاطبًا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم {اقرأ باسم ربك الذى خلق} العلق/1، وفى ضوء هذا الأمر الإلهى (اقرأ) لا يستطيع أى إنسان أن ينكر أن الرسول لابد أنه كان يقرأ فى التو واللحظة التى نزل فيها الأمر الإلهى (اقرأ)، وحتى إذا اعتقد اى مسلم (أن الرسول كان لا يقرأ ولا يكتب قبل نزول هذه الآية) فإنه لابد أن يعتقد أن الرسول كان يقرأ ويكتب بعد نزول الأمر (اقرأ) من المولى عز وجل، وهو ما يتفق مع قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون} يس/82 فالوجود كله لا يملك إلا أن ينصاع لما يأمر به الخالق القادر عز وجل.

ثانيًا من السيرة النبوية:

من الوقائع الصحيحة والثابتة فى السيرة الشريفة التى تؤكد أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ويكتب ما ورد فى الأحاديث عن صلح الحديبية ـ ومن بينها البخارى ـ من أن الكافرين اعترضوا على كتابة (بسم الله الرحمن الرحيم) فى مقدمة اتفاق الصلح، كما أصروا على محو كلمة رسول الله بعد أن كتبها سيدنا على بن أبى طالب فى وثيقة الصلح.. فرفض سيدنا على وأصر على بقائها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحوها بيده الشريفة، وجعل النص «هذا ما عاهد عليه محمد بن عبدالله».

وقد كان الكثير من الصحابة يجيدون القراءة والكتابة لأنهم كانوا يمارسون التجارة، وهو ما يقتضى إجادة القراءة والكتابة والحساب، وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه يشرف عل التجارة الواسعة للسيدة خديجة وغيرها من أهل مكة. فمن المعروف أنه كان يطلق على حضرته ـ حتى من قبل بعثته ـ صفة (الأمين)، حيث كان الناس من أهل مكة يودعون عند حضرته أماناتهم وأموالهم، مما يقتضى تدوين كل ذلك ولأن الرسول يسرى عليه ما يسرى على الناس فى أمور التجارة من كتابة عقود البيع والشراء التى تقتضى فى أبسط صورها الإلمام بالقراءة والكتابة وعلم الحساب، ناهيك عما هو معروف عن أهل مكة ومسئوليتهم عم السقاية والرفادة بشأن الحجاج والتى تعتمد على أساسها على علم الحساب. هذ فضلاً عما هو معروف مقدمًا قبل بعث رسول الله عن (المعلقات) التى كتبها شعراء العرب وكانت معلقة بالكعبة، وبما يفيد علمهم بالقراءة والكتابة.. إذن لم تكن القراءة والكتابة أمرًا نادرًا بين أهل مكة فى وقت بعث سيدنا رسول الله، وإنما كانت واسعة الانتشار لأن مكة كانت حاضرة الجزيرة العربية التى تعج بالنشاط التجارى طوال العام، وذلك بحكم موقعها الجغرافى حيث كانت ملتقى طرق المواصلات والتجارة، وكذلك بحكم كونها مقصد الحجاج الذين يفدون من كافة الأنحاء للطواف بالكعبة وأداء مناسك الحج، ويؤكد هذه الحقيقة العديد من الباحثين، وأبرزهم د. محمد حسين هيكل فى كتاب (حياة محمد) حين ذكر أن المسلمين بعد غزوة بدر قد خيروا الأسرى من الكفار من أهل مكة بين دفع الفدية وبين أن يقوم كل منهم بتعليم عشرة من أهل المدينة القراءة والكتابة، وكان السبب فى ذلك أن القراءة والكتابة كانت سائدة ومنتشرة بين أهل مكة، بما فيهم الفقراء الذين لا يستطيعون دفع الفدية.

وقد أوضح د. عبدالرحمن بدوى فى كتابه (دفاع عن القرآن ضد منتقديه) - الدار العالمية للكتب والنشر ص 11 (إن معنى «النبى الأمى» قد تعرض لأشد الاختلاف بين المفسرين والباحثين.. وأن بعض الباحثين يرون أن معنى كلمة الأمى لا علاقة لها بالقراءة والكتابة، وإنما هى بمعنى «النبى المرسل إلى كل الأمم« وأن كلمة «أمى» منسوبة إلى مفرد كلمة «أمم» وهى «أمة» وهو ما يتفق مع قواعد الصرف) ويدعم الكاتب تأييده لهذا الرأى بقوله (أن القرآن قد بين أن النبى صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الناس كافة، كما فى قوله تعالى: {قل يا أيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعًا} الأعراف/158 بكافة لغاتهم وألسنتهم وقوله تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس} سبأ/28 وأن الرسول قد أرسل سنة 628 ميلادى خطابات إلى ملوك العالم الأربعة فى عهده وهم هرقل الثانى إمبراطور بيزنطة، وكسرى ملك الفرس، المقوقس حاكم مصر، وملك الحبشة، فهو لم يكن نبيًا مرسلاً إلى العرب وحدهم، وإنما إلى كل أمم العالم، فجاء الوصف القرآنى له بالنبى الأمى).

اعتراف العلماء.. ومحاولات التخريج!!:

وعلى الرغم من شدة وضوح الحقائق السابقة من القرآن والسنة التى تسقط أكذوبة (أن النبى كان لا يقرأ ولا يكتب) إلا أن بعض رجال الدين لم يحاولوا تدبر هذه الحقائق، وأصروا على ترديد تلك الإسرائيليات، فقد أورد كتاب مناهل العرفان للشيخ محمد عبدالعظيم الزرقانى وهو من الكتب الحديثة التى تدرس فى الدراسات التخصصية فى الأزهر ـ فى الجزء الأول صفحة 364 ـ تحت عنوان «النبى يقرأ ويكتب» آراء بعض المفسرين الذين يقولون أن أمية الرسول (كانت مرحلة وقتية) وأن الرسول كان أميًا فى البداية ثم تعلم القراءة والكتابة بعد ذلك!! وهذا الزعم خاطئ ويتعارض مع آيات القرآن العديدة التى جعلت صفة (الأمية) ملازمة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يصفه الله تعالى (بالنبى الأمى).. وكذلك يصف الصحابة الذين بعث فيهم حضرته (بالأميين) وهى أوصاف دائمة أنزلها الله فى القرآن لتقرأ على الدوام والاستمرار، فكيف توصف هذه الأمية بأنها (مرحلة وقتية)!!

إن صفة (الأمية) التى ترتبط بالرسول وكبار الصحابة لا تفهم إلا من خلال كونها صفة عظيمة ودائمة، ومن ثم فإنها لا يمكن إلا ان تفهم على أنها (أمية فى الدين) ولا يمكن أن يكون لها معنى غير ذلك. (فالنبى الأمى) و(الأميون) من الصحابة الكرام هم مصدر الهداية والمعرفة الإلهية فى هذا الوجود على امتداد القرون كما يتبين من الحديث الشريف (عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى) وواضح من هذا الحديث الشريف أنه يخاطب من سيأتون من بعد ـ فى المستقبل ـ على الدوام والاستمرار، كذلك الحديث الشريف (أصحابى كالنجوم.. بأيهم اقتديتم اهتديتم) وواضح أيضًا فى هذا الحديث أنه يخاطب المسلمين فى المستقبل وعلى الدوام والاستمرار.

ومما يؤكد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مصدرية الهدى والعلم للناس أجمعين على الدوام والاستمرار حديث حضرته الذى يبين فيه مراتب العلماء فى الأمة: (إن مثل ما بعثنى الله عز وجل به من الهدى والعلم.. كمثل غيث أصاب أرضًا فكانت منها طائفة طيبة، قبلت الماء، وأنبتت الكلأ العشب الكثير.. وكان منها أجادب.. أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى.. إنما هى قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلا.. فذلك مثل من فقه فى دين الله ونفعه بما بعثنى الله به فعلم وعلم.. ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا.. ولم يقبل هدى الله الذى أرسلت به)، ويثبت هذا الحديث الشريف أن الله تعالى هو الذى علم رسوله كافة العلوم والمعارف الإنسانية، وهى ما تكشف عنه وتؤكده آية قوله تعالى: {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين} النحل/103.

الحديث المدسوس الذى يدعو صراحة للأمية والانصراف عن التعليم:

لقد حرص أعداء الإسلام من اليهود وغيرهم على دس حديث بالغ الخطورة فى العديد من الكتب الدينية.. ويدعو هذا الحديث المدسوس إلى الأمية والانصراف عن تعلم الكتابة وتعلم علوم الحساب، ويقول الحديث المدسوس: (إنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب.. والشهر هكذا.. أو هكذا، يعنى تسعة وعشرين أو ثلاثين)!! ويرفعون أكفهم ثلاث مرات بما يشير إلى أن الشهر عندهم ثلاثون يومًا.

وقد قام كاهن ومفتى جميع التنظيمات الإرهابية والمتطرفة ومدعى السلفية ـ ابن تيمية ـ وأتباعه بالترويج لهذا الحديث المدسوس، ونشره على أوسع نطاق بين المسلمين. وقد جعل أتباع ابن تيمية من الجماعات التكفيرية المسماة (بالسلفية الجهادية) هذا الحديث أحد الأسس الفكرية التى تقوم عليها.

فقد كان من أشهر الجماعات التى دعت إلى تحريم طلب العلم استجابة لفتوى ابن تيمية، جماعة التكفير والهجرة التى قتلت وزير الأوقاف الشيخ حسين الذهبى فى عام 1977م، حيث ذكر أمير هذه الجماعة ـ شكرى مصطفى ـ فى التحقيقات معه ص 1528 عندما سألته المحكمة: «نريد أن نعرف رأيك فى تعلم الكتابة»؟ فأجاب بقوله: "إن تعلم الكتابة لذاته حرام"!! ولكى يبرر هذا التحريم أضاف: «لم نجد رسول الله يفتح الكتاتيب والمعاهد لتعليم المسلمين الكتابة والحساب، وإنما أذن رسول الله بالتعليم بقدر الحاجة والضرورة».

 

وعندئذ سألته المحكمة: «ألا تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقبل من الأسرى أن يُعلموا أولاد المسلمين الكتابة بدلاً من الفداء بالمال؟»، فأجاب: «إن ذلك كان فى حدود الحاجة فقط لكتابة القرآن»، ثم استمر شكرى مصطفى فى تلبيس الحق بالباطل، حين أضاف: «ولقد ثبت أن الأعلم بالله والأتقى له هو الأقل علماً بأمور الدنيا»، ثم أضاف: «إن البشرية الضالة التى دمرها الله لم تكن تزهو إلا بالعلم، ولم تكن تتعالى على الله إلا بثمرة هذا العلم»!! ثم فى النهاية وجه أمير جماعة التكفير والهجرة النصيحة إلى المسلمين جميعاً بأن يتركوا العلم والتعليم ليكونوا جُهلاء لا يكتبون ولا يحسبون، متوهماً بأن ذلك يجعلهم خير أمة مثل الأولين، فنجده يقول فى ص 1523 من التحقيقات معه، «ولقد أراد الله خير أمة أخرجت للناس أمة أمية لا تكتب ولا تحسب، إذ يقول الله تعالى فى سورة الجمعة: «هو الذى بعث فى الأميين رسولاً منهم» الجمعة/2.

كما استندت إلى هذا الحديث المدسوس أيضاً فى بداية القرن الواحد والعشرين بعض الجماعات الإرهابية المتطرفة خارج مصر مثل جماعة «بوكو حرام» فى نيجيريا التى تدعو إلى الإرهاب والتطرف تحت شعارات إسلامية والتى تحكم بتحريم التعليم غير الدين، وتزعم أن التعليم العادى الحديث حرام شرعاً!! وقد قامت هذه الجماعات بمنع التعليم بالقوة، ونشر الخراب والدمار والقتل على نطاق واسع، ومهاجمة المعاهد العلمية والمدارس فى المناطق الإسلامية وغير الإسلامية، والحكم بتكفير وقتل الطلبة والطالبات الذين  يتلقون العلم، لتظل هذه المناطق الفقيرة تعانى من الجهل واتخلف والفقر والمرض باسم الاسلام، وبما يشكل أرضاً خصبة لنشر الفكر المتطرف والإرهابى، وتفريخ إرهابيين جدد، كما يفعل تنظيم د اعش الإرهابى اليوم فى المناطق التى يستولى عليها فى تربية الأطفال الذين يقعون تحت أيديهم، فى حين أن الاسلام براء من هذه الدعاوى الآثمة.

ولا يخفى على أحد أن هدف هذا الحديث المدسوس هو خدمة أعداء الإسلام عن طريق إضعاف الأمة الإسلامية، وإبعادها عن الأخذ بأبسط أسباب العلم والرقى والتقدم.

 

الأدلة على بطلان الحديث المدسوس:

لقد فرض المولى عز وجل على كل مسلم طلب العلم.. مصداقاً للحديث: «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»، كما أمر المولى عز وجل، المؤمن بأن يأخذ بكل الأسباب فى طلب العلم ولو اقتضى الأمر أن يسافر إلى أقصى بلاد الدنيا، كما جاء فى الحديث الشريف: «اطلبوا العلم ولو فى الصين» حتى صار من المعروف جيداً أن الإسلام هو دين العلم، ومن المعروف أن القراءة والكتابة والحساب ـ التى يدعى الحديث المدسوس تحريمها ـ هى الخطوة الأولى التى يخطوها أى إنسان فى طلب العلم.

ويأمر المولى عز وجل المسلمين أمراً صريحاً بتعلم علوم

الحساب فى قوله تعالى: «ولتعلموا عدد السنين والحساب» الإسراء/12؛ حيث تحمل هذه الآية الأمر بتعلم علوم الفلك والرياضيات بكل فروعها؛ حيث يقول الله تعالى: «وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شىء فصلناه تفصيلاً» الإسراء/12.

ولقد جاءت آيات قرآنية كثيرة لتتحدث عن تفاصيل علمية دقيقة فى مختلف أنواع العلوم من طب ورياضيات وزراعة وفلك، إلخ، هذه التفاصيل العلمية التى نعرف بعضها اليوم والكثير منها لم نعرفه بعد، ولكن الآيات القرآنية تحوى مفاتيح الكثير من العلوم التى سنعرفها مستقبلاً إذا أخذنا بأسباب ذلك، كما أخذ به علماء المسلمين الأوائل، فأنشأوا الحضارة الإسلامية العظيمة فى أقل من ثمانين عاماً فى معظم العلوم الإنسانية، وهو ما اعترف به الكثير من المنصفين من علماء الغرب فإذا كانت الآيات تبين أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الوسيلة لتعلم هذه الآيات وآثارها «ويعلمهم الكتاب»، بكل ما تحويه من مختلف الأسرار والمعارف، فإنه من البديهى أن حضرته صلى الله عليه وسلم يحيط إحاطة كاملة بكافة هذه الأسرار والمعارف، ولما كان مثل هذه الآيات أكثر من أن يتسع لها هذا المقام، فسوف نورد منها على سبيل المثال الآتى:

«أ» «ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين» المؤمنون 12 ـ 14؛ حيث تتحدث هذه الآية عن التفاصيل العلمية لعملية خلق الإنسان ومراحلها المختلفة بهذا الشكل الدقيق والتى لم ندرك معظم أسرارها بعد.

«ب» وفى قوله تعالى: «ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين».. إلى آخرها، كشف عن أصل خلق الإنسان من الطين، وبالتالى تفرض علينا فرضاً الأخذ بالعلم والسير فى طريق البحث العلمى إلى أعلى درجاته حتى نصل إلى معرفة وتفصيل ما تشير إلى الآية من أسرار.

«ج» فى قوله تعالى: «يوسف أيها الصديق أفتنا فى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وآخر يابسات لعلى أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون، قال تزرعون سبع سنبلات دأباً فما حصدتم فذروه فى سنبله إلا قليلاً مما تأكلون» يوسف/47 كشف سيدنا يوسف للمصريين الأسلوب الأمثل لتخزين الحبوب حتى تحتفظ بحيويتها، ولا تتعرض للتلف إذا طال تخزينها «فذروه فى سنبله» وهو ما صار اليوم علماً فى حد ذاته يؤمن للناس احتياجاتهم من الغذاء لذلك لم يكن غريباً أن يعين ملك مصر آنذاك سيدنا يوسف عليه السلام رئيساً لوزراء مصر «عزيز مصر».

ومما يؤكد أن رسل الله جميعاً صلى الله عليهم وسلم هم مصادر المعارف والعلوم الإنسانية، قوله تعالى فى شأن سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام الذى علمه الله تعالى صناعة السفن «واصنع الفلك بأعيننا ووحينا» هود/36، وفى شأن سيدنا داوود عليه الصلاة والسلام الذى علمه الله صناعة الحديد والصلب «وألنا له الحديد» سبأ/10، وكذلك قوله تعالى: «وعلمناه صناعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم» الأنبياء/80 وفى شأن سيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام الذى علمه صناعة الكيمياء «وأسلنا له عين القطر» سبأ/12.

«د» كذلك فى قوله تعالى: «وجعلنا الليل والنهار آتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شىء فصلناه تفصيلاً. الإسراء/12 حيث تحمل هذه الآية أمراً من المولى عز وجل بالتعمق فى دراسة تفاصيل حركة الليل والنهار كافة ما يستنبط من ذلك من علوم مرتبطة بها مثل الفلك والرياضيات بكل فروعها لتكون علوماً نافعة تيسر للعباد مختلف أمور الدنيا والدين.

ـ وتدل كل هذه الآيات وغيرها الكثير أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيط بكافة تفاصيل ما أوردته الآيات القرآنية وأسرارها، إذ إنه من غير المعقول أن يكون حضرته صلى الله عليه وسلم هو الذى جاء بها ولا يحيط بمعانيها، وإنما حضرته هو الذى يبين للناس أسرارها.. مصداقاً لقوله تعالى «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم» النحل/44.

ـ وكما ذكرنا آنفاً أن أسلافنا انتبهوا إلى حقيقة هذا التكليف الإلهى، واتقوا الله ما استطاعوا وارتبطوا بأسباب البحث العلمى عملاً بقول الله تعالى: «واتقوا الله ويعلمكم الله» البقرة/282.

فكانوا أهلاً لأن يكشف الله لهم الكثير من أسرار تفاصيل مختلف العلوم من طب وفلك ورياضيات وبصريات وكيمياء.. إلخ، ولأن معظم هذه العلوم لم تكن معروفة من قبل فقد ارتبط اكتشافها بأسماء علماء المسلمين الذين اكتشفوها، فكانت الكيمياء تسمى «علم جابر بن حيان»، والضوء والبصريات «علم حسن بن الهيثم»، والرياضيات «علم الخوارزمى» لذلك نسب إليه علم اللوغاريتمات حتى اليوم والذى من خلاله أمكن للغرب اليوم غزو الفضاء.. هذا إلى جانب تعمقهم فى علوم الفقه الدينى، فكانوا بحق نموذجاً لثمرة الإدراك السليم لحقيقة الإسلام، إذ اجتمع فيهم التقوى والصلاح والفقه فى الدين.. مع المعرفة الموسوعية لمختلف العلوم المادية بأفرعها، والابتكار فيها وإنشاء الجديد منها إنشاء.. حتى إن حضارة العالم لا تزال حتى اليوم تقتات على ثمار هذه العقول الإسلامية.

وكما كان شيوخ المسلمين منارات الهدى والأسوة لمكارم الأخلاق، فقد كانوا أيضاً أساتذة للعلوم والصناعات المختلفة فى وقت واحد، وأبرز مثال على ذلك أن عالم الكيمياء جابر بن حيان كان تلميذاً للإمام جعفر الصادق الذى أعطى بن حيان معملاً كيميائياً ليجرى فيه أبحاثه.. ولذلك عندما دخلت شعوب الشرق والغرب فى الإسلام كان الإسلام بمثابة ميلاد جديد لهم، تخلقوا بعده بخلق آخر، قوامه التحرر من الشرك واجتناب المعاصى، فضلاً عن الرقى فى أسباب الدنيا وعلومها المختلفة، من أجل الوصول إلى حياة أفضل تيسر على الناس معايشهم، كما تيسر لهم العبودية الحقة لله تعالى.

ـ وأذا توقفنا أمام زعم جماعة التكفير والهجرة بأن «البشرية الضالة التى دمرها الله لم تكن تزهو ولم تكن تتعالى على الله إلا بثمرة هذا العلم»، فسنجد أن هذا القول حجة واضحة عليهم، تدين قائليها، فإذا كانت البشرية الضالة قد أصابها الزهو والغرور بثمرة هذا العلم، فإن ذلك مدعاة إلى أن يعمل المسلمون جميعاً اليوم على أن يكون زمام هذا العلم وناصيته فى أيدى البشرية التى هداها الله من المسلمين؛ لأنها الأقدر على استخدامه وتسخيره فى سبل الخير والسلام والتقدم للناس كافة، لا أن ننبذه وننفر المسلمين من التمسك به ـ كما تزعم هذه الجماعة ـ ذلك أن العلم أداة طيعة فى يد الإنسان يستخدمها للخير أو للشر، وليست إساءة استخدام الكافرين للعلم مبرراً لتحريمه على المؤمنين.. كما يزعمون.

ـ وقد أثبتت أحداث التاريخ أن كثيراً من البلدان التى دخلت  شعوبها فى الإسلام، لم يكن ذلك بالفتح العسكرى، ولكن من خلال المسلمين الأوائل الذين رحلوا إلى هذه البلدان وكانوا من التجار، وتفاعلوا مع شعوبها الذين أعجبوا بأخلاقيات هؤلاء المسلمين وما حظوا به من السلام النفسى عند مخالطتهم فدخلوا فى الإسلام برغبتهم دون عنف أو قتال، وأبرز مثال على ذلك شعوب وسط وجنوب شرق آسيا، وأيضاً وسط جنوب أفريقيا التى دخلت فى الإسلام دون حروب أو قتال.

ـ أما عن قوله جماعة التكفير والهجرة «لم نجد رسول الله يفتتح الكتاتيب والمعاهد ليعلم المسلمين الكتابة والحساب» فهو قول ساقط لا يستحق أى تعليق؛ حيث لا يخفى على أى مسلم فضل العلم وضرورة الأخذ به للتقدم فى مجالات الحياة، خدمة للإنسان والإنسانية، بل لقد فرض الله علينا ذلك كما جاء فى قوله تعالى: «قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب»، الزمر/9، كذلك الحديث الشريف الذى سبق الإشارة إليه: «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة».

 

خلاصة القول:

مما لا شك فيه أن الزعم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان «أمياً لا يعرف القراءة والكتابة» هو جزء من مخطط معادٍ للإسلام والمسلمين، يستهدف من خلال المدسوسات فى السنة الشريفة، هو ما أشرنا إلى بعض منه فى مقالنا هذا، ويستهدف هذا المخطط إضعاف المسلمين أكثر وأكثر مما هم فيه من ضعف من خلال تحريم العلم والتعلم باعتبار ذلك من أصول الدين.. حتى يسهل على أعداء المسلمين إخضاع المسلمين لإرادتهم والتحكم فى مجالات حياتهم ومقدراتهم على النحو القائم حالياً فى الكثير من البلدان الإسلامية، بل يريدون مزيداً من الإضعاف والتقسيم والتجزئة من خلال إثارة الفتن الطائفية والعرقية والتطرف.

ـ وواضح من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة التى أوردناها آنفاً، أن الأمر على العكس من ذلك تماماً؛ حيث يأمر الإسلام المسلمين بالأخذ بكافة أسباب العلم، حتى ولو تطلب الأمر الذهاب إلى أقصى بلدان العالم امتثالاً للحديث الشريف: «اطلبوا العلم ولو فى الصين» ولا يغيب عن أحد أن أعداء الإسلام اليوم قد تفوقوا فى جميع المجالات العلمية، وأصبحوا يملكون من أسلحة التقدم العلمى ما يفوق الخيال، بحيث يبدو العالم الإسلامى كله وكأنه فى قبضتهم.. ومن ثم يصبح المسلمون أحوج ما يكونون إلى الأخذ بالعلم وأسبابه العديدة لتعويض هوة التخلف السحيقة هذه، والذود عن دينهم، وحماية بلادهم، واسترداد مقدساتهم فقد صار وضع المسلمين اليوم بين الأمم يرثى له، وحيث نلمس واقع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها.. فقال الصحابة أو عن قلة يومئذ نحن يا رسول الله؟ فأجاب حضرته: لا.. بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل»، وإذا كان حضرته قد بشر فى أول كلمة فى الحديث الشريف «يوشك» أى أنها إن شاء الله لن تقع إلا أن ذلك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعودتنا إلى الدين الصحيح، والائتمار بكل ما أمر به رسول الله والانتهاء عن كل ما نهى عنه فى أمر الدين والدنيا، والأخذ بكافة أسباب القوة، وأولها قوة الإيمان، ثم بعد ذلك قوة العلم والوحدة وعدم التصارع والتفرق حتى نستعيد قوتنا وتقدمنا الذى سُدنا به العالم بعد أقل من ثمانين عاماً من بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم.