بريد الوفد.. خطاب بعلم الوصول
هو يعاتبنى فى أمرى، ولا يعلم أو يدرى أن ما بى لا أملك عليه سلطانًا.. هو أنا هذه أيها الكاتب الذى ينتظر أحرفى، لكنى سأبث أحرفى لهذا الحبيب عبر صفحات بابك، إذ صرت عزيزى الكاتب واقعة فى أسر لا أملك منه أو معه فى أمر اختيار، فكأنما استعذبت ذلك الأسر، وقد أتساءل كيف يستعذب الإنسان أسره، ربما هى فلسفتك أيها الكاتب، فلسفتك فى الحب، حيث اللاسلطان على النفس، وقد جنحت للهوى، فأصبح الآمر والناهى هو ذلك الحب باستبداده وتجبره... وإذا طلبت منى وصفا لحالى، فإننى اعترف لك أنى أكتب لك وفق ما يتداعى لخاطرى، بل إن ما أقوله الآن أشبه بحركة السيل فى مجراه وهيئة اندفاعه، فهل تلوم السيل إذا غير مجراه أو جاوز حدا وضعه الراعى أو الزارع لكى لا يتعدى على زرعه أو غنمه، إنما هو دفقة بغير إرادة وجريان بغير مسار محدد، فكأنما ما بداخلى عزيزى الكاتب أشبه بذلك السيل.
هو ..وأنا، هو بهجتى وأنا تلك التى تنتظره عقب رحلات الغياب والحضور، هو ذلك الطيف الذى يجيء بلا موعد وفى مجيئه تنسدل كل ستائر العتاب واللوم، أجدنى فى حضوره تلك الصامتة المتلهفة لسماعه، وكأنما لسماعه أثر فى الروح، طبابة لتقرحات قديمة ربما هو فاعلها وسببها، لكنه بأحرفه وحراك شفتيه يعالج ذلك التقرح، هو ..بجبروته وقدرته على الغياب مليا وأنا بصبرى فى الانتظار، والانتظار.. وإن كنت أتساءل وقت العناق عن سبب وجيه أطرحه على نفسى لتجبره وقدرته على الغياب ،كيف له أن يغيب كل هذه الأيام ثم يعاود دون أن يقطع أيام الغياب بساعات من الحضور....هو وأنا. هو المتحرك وأنا الثابتة الواقفة الواهنة المنتظرة، هو الدائر فيشرق فى مناطق من خصرى ويغرب عند جبهتى وبين شفتى لتبقى ظلاله.. حتى تلك الظلال تملك أثر وفعل الاستبداد... هو وأنا.. هو القوى المستبد وأنا الواهنة المستقوية بتواجده ،بريح عرقه، بشهد رضابه، بعنفوان ذراعيه تضمنى إليه، هل تسمح لى سيدى الكاتب أن أكتب له رسالة عبر بابك أعاتبه فيها على الغياب، أؤنبه فيها على لومى لاشتياقى له وتكرار ندائى عليه غائبا وحاضرا، اسمح لى أن أكتب له وسأخبره أن يقرأ هذا الباب ..لكن رجاء أن تترك أحرفى هى من تتكلم، دون تدخل أدبى منك فأنا أعلم أنك تملك سياج الكلمة، لكنى أود أن أبث هذا الرجل مفعول كلماتى أنا، كلماتى مخضبة بدمى ،أشبه بلحظات ميلاد الجنين مخضبا بدماء امه ولزوجة ما يخرج من روحها لإضفاء حياة عبر خروج الحى من الحى بقدرة دالة على وجود خالق عظيم يدير الكون ويتدبر حراكه.......
-إلى الحبيب والابن الغالى .....
«تعلم تماما أنى لا أطالبك بتضحيات عظيمة، لا أطالبك إلا ببعض الأشياء التى قد تبدو لك تافهة.. ارجو أن لا أنطفئ بداخلك كما كنت دائما تقول لي، أن يبقى الشغف فى عينيك كلما التقينا وكما رأيته فى عينيك..ألم ترَ انى لم اعد اريد ان اغمض عينى وانا معك واظل ناظرة اليك، ارجو أن تظل معى فى وقت لا أستطيع حتى البقاء فيه مع نفسي، امس كنت اريد فقط ان تحتضننى بين يديك.. أحب ذاك الشعور أننى مؤثرة فى حياتك، أحب مشاركتى لتفاصيلك ومشاركتك لتفاصيلى ولا تعلم كم كان هذا فارقا فى حياتنا، لن أعاتبك على انشغالك لكن لا تجعلنى اشعر انى لست من اولوياتك، فهو شعور قاتل، لا أتبرم او اتضايق
ملحوظة: «ما جاء بين القوسين هو ما كتبته بطلة المقال وصاحبة الرسالة إلى باب بريد الوفد ولم أتدخل فيه بأسلوبى، وبناءً على رغبتها أرتأيت أن الأمانة وشرف الكلمة تقتضى أن يكون كما هو بناءً على طلبها، ولأنه صادق خرج من قلب محب... لذا لزم التنويه».
د. رامى المنشاوي