عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بريد الوفد..بتر الحقيقة

بوابة الوفد الإلكترونية

كل ما عليك معرفته أن الحقيقة لها وجه واحد فقط، بينما زوايا رؤيتنا لهذه الحقيقة مختلفة، فنعتقد اختلاف الحقيقة باختلاف زاوية الرؤية لها أو تبدل أماكن وجودنا، يستطيع كل من الطرفين أن يقسم أن ما يرويه هو الحقيقة حتى لو كان كل طرف يروى رواية مناهضة ومغايرة لرواية الآخر، لكن كل منها وكلاهما يقسم بأنها الحقيقة، وكل منهما يكون صادقاً فى قوله ورؤيته، أين إذن المشكلة؟ وكيف يمكن إزالة اللبس وتوحيد نظرة وزاوية الرؤية؟ وما الباعث وماذا نود أن نقول عبر هذا المفتتح.

كان الأمر يتطلب تدخلاً خاصاً، شديد الحذر، لمعرفة تفاصيل المشكلة الدائرة بين كل طرف على حدة، وكان باب بريد الوفد هو الشاهد على طرح المشكلة ومبتدأها، أملا أن يكون منتهاها هو الخير، والحق أن هذه المشكلة التى تحدثنا فيها فى العددين الماضيين قد استنفدت من جهدى الروحى الكثير حتى أصابنى الإرهاق، لكنى لم أفقد الأمل من أجل إعادة شريان الحياة لهذه الأسرة، والحق أننى ساءلت نفسى، هل تريد الإصلاح بهدف لم الشمل وعدم تشتيت الأطفال؟، لكن على الرغم من سمو هذا الهدف إلا أننى وجدت نفسى انتصر لمعنى آخر هو الانتصار للحب.. الحب وحده هو محفزى للانتصار فى هذه المعركة.

 

< مشهد="">

بدت العين ذابلة بعض الشيء، متحجر فيها دمعات مذبوحة وصامتة، حافظت صاحبة هذا السمت على نرجسيتها فعدلت من وضع كوفية حول رقبتها، ومطت شفتاها بأحمر شفاه مناسب للانتصار، وبيننا ثلاثة من أصدقاء الطفولة، وقد اختارت هى المقعد الأوسط فأصبحت عينها تواجه عينى، شدنى ذلك الإطار الدائرى الذى ترتديه حول اصبعها الأوسط، كأنما تعلن للآخرين حالاً من البهجة المزيفة والقوة تعيش فيها. وقد صبغت على الجلسة رائحة من العود، تناثرت فى المكان فزادت من ألفته. ورغم ضجيج من جاورونا إلا أنها احتفظت بثبات انفعالى جذبنى لتتبعها، وكنا أيضا نترقب انتظاره، دون أن تعرف هى، وزاد تركيزى على محيط وجودها بمجرد أن لمحت قدومه ومقدمه على بعد بضع خطوات من جلستنا، وقد داهمنا فى الجلسة... تعمد أن يطمئن عليها بعينه دون أن يبادلها الكلام، فقط اشارة بالعين كطمأنينة ود دون حروف.

ومن ثم تحولت ابنة حواء لامرأة صاحبة صولجان فعدلت من جلستها واضعة قدم على قدم كأنما تود أن تخبرنا بأنها فى معرض القوة لا الوهن، ثم خرجت كلماتها تحمل بقايا ثبات الروح، وما لبست عينى أن انتقلت بين روحين يتصارعان فى صمت دون أن يكون للصراع حراك أو صوت يلفت انتباه الجالسين.

استمرت مباراة الروحين لما يقرب من ساعة ونصف، يسودها ضحك وصخب مصطنع، وكل الحضور يعلم أن الزوجين متخاصمين لشهور جاوزت السبع، وأن الزوجين، على بداية مفترق طريق، كل منهما يسلكه وحيداً عقب الانفصال.

 

< مشهد="">

كنت راغبا فى استنطاق الأعين وفعل هزة لعجرفة ابنة حواء، وقد التزمت الصمت طيلة الجلسة، ثم وجدتنى أخبط بيدى على المنضدة، موجها عينى لصاحبة هذا الانتصار والعين التى تود البكاء لكنها تستحى أن ينظر إليها بشفقة... سألتها مباشرة سؤالا واضحا قاطعا بصوت مرتفع أمام الجميع.

< هل="" ما="" زلت="">

ـ كان وقع السؤال صادما، ثم أن انتظار الرد أمام الجمع وأمام الرجل الذى تفصلها أيام فقط على انفصاله أشبه باعتراف موثق أمام الجميع، لكن عين ابنة حواء التى استمدت قوتها وثباتها المزيف والمصطنع قد انفجرت بما تحويه مجيبة:«للأسف أنا لم أحب غيره»، كانت إجابتها أشبه بجرس قرعته فنبهت كل الأذهان الحاضرة ومن ثم نبهت ذلك الزوج، الذى التفت إليها، ثم ابتسم وسأل: وأين هذا الحب وسط كم الطعنات التى قدمتها لى أمام أولادى؟... وأين

قربان هذا الحب؟.

فردت هى:أنت لم تحافظ على هذا الحب، قد ابتذلته وبددته واستحللت سنوات هذا العمر.

تحول المشهد لمناظرة كل منهما يود الانتصار لرأيه ومستشهدا بكم المواقف التى تؤيد نظرته ورأيه وصواب زوايا رؤياه. وأقسم كل منهما بأن ما يرويه هو الحقيقة. ظل المشهد لسويعات ثم انفض على بكاء من طرف ابنة حواء عقبه صمت وتفرق للحاضرين محملين بخيبة الأمل فى إصلاح الزوجين.

< أين="">

ـ كلاهما يقسم أن ما يرويه هو الحقيقة الخالصة، من منهما صادق ومن منهما يمارس فعل الكذب؟ ظل التساؤل يعصف بى منذ أن فارقت الجلسة وحتى وصولى إلى ميدان المدينة بأنواره، كان الأمر بحاجة إلى استراحة من نوع متفرد، استراحة بلا صخب لمحاولة إيجاد جواب للسؤال، ابنة حواء صاحبة المشهد الباكى لم تكن لتكذب، وكذا ابن آدم ليس هو الآخر كاذباً، فقط كل منهما وقف وشاهد القمر بشكل مختلف من زاوية مختلفة، هناك حقيقة واحدة نعم لكن كل منهما ابتترت عينه الجزء الذى رأته فقط ولم تبدل الأماكن لترى بزاوية الطرف الآخر فتصل لرؤية موضوعية. كل منهما اقتصر على مشاهدة ما يخصه فقط، بيد أن المشكلة الرئيسية هنا فى فقد حلقات الوصل المؤدى لممر الحقيقة، حيث فقد كل طرف فى معادلة اكتشاف الخلل همزة الوصل بين النقطتين الذى يرتكز كلاهما عليها مكتشفاً الأمر، هذه الهمزة التى لها معان كثيرة داخل قاموس العلاقة الانسانية سواء كانت صداقة أو أخوة أو زمالة أو حتى علاقة زوجية، حملت هذه الهمزة مرة اسم التفاهم ومرة اسم التماس الأعذار، ومرة اسم قربان الحب وتضحية المحبين، انتصر كل منهما للحقيقة التى ابتترها وليس الحقيقة الكاملة، بدعوى مزيف اسمه «ما اجيش على كرامتى»، وعجباً لوجود هذه الكرامة بين الزوجين، وعجباً لمن ابتدع مسمى الكرامة بين زوج وزوجة يعيشان تحت سقف واحد... كلاهما متهم مع سبق الإصرار والترصد لقتل الحب، كنت حزيناً لأن يقتل هذا الحب، لأن تقتل قلبها بحب الرجل الذى أحبته انتصارا لدعوى كرامة زائفة، وكنت حزينا أيضا على هذا الرجل الذى أحمله العنصر المساوى لضمور أوردة العلاقة وضعف شريان الحياة الذى يمدها بالدم لبقائها، هو الآخر لم يمنحها مزيدا من الأمن والسلام فتستقر الروح بمكمن آخر، مكمن السلم والسلام والطمأنة، كلاهما اكتفى بالوقوف فى مكان واحد دون تغييره لاكتشاف مساحة صغيرة من الحقيقة دون اكتمال رؤية هذه الحقيقة.