عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بريد الوفد..عذرًا عزيزي الكاتب

بوابة الوفد الإلكترونية

أنا صاحبة الرسالة الماضية ولعلك تتطلع إلى رسالتى تلك آملة أن يصلك ما أكتب، ولتتحمل ما بى من حنق وربما إساءة مبررها تلك الحالة التى أصابتنى، وإن كنت قد حادثتك عما لاقيته فى أمر فراق زوجى ولقائنا القدرى بلا موعد منى أو منه، ولكنى مندهشة لأمرك عزيزى الكاتب واسمح لى بهذا النداء كونك من ابتدأ النداء به، بقولك عزيزتى صاحبة الرسالة، دعنى فى هذا المشهد الأول أدعوك لنؤدى حراكًا بسيطًا وتبديلًا للأدوار، لذا عليك هنا أن تجيبنى، عقب فحصك لرسالتى وإعطاء ردك الذى تسبب فى بكائى ليلتين، وقد تسمرت عينى على الجريدة، وكلما دخل أحد من أفراد أسرتى يجدنى مشدودة لما أقرأ، وقد أحدثت ثقبًا فى صفحة الجريدة لما ظرفته عينى من دمعة سقطت مرة سهوة ومرة رغماً عنى.

ماذا تظن نفسك عزيزى المحرر أو الكاتب أو صاحب الدرجة العلمية؟هل تعتقد بأن مواجع البشر ومفاسد الحياة التى يمر بها أناس هذه الدنيا بقدر من البساطة لأن تمنحنا الحل داخل كبسولتك الورقية فتكون مضادًا حيويًّا لالتهاب الروح، ومن ثم يتم تضميد الجرح، أحادثك وأنا أبكى الآن، فقد استمعت لنصيحتك وما كتبت ودعنا نكمل فصول روايتى الحياتية للنهاية لعلنا نغلق بما أكتبه ستار المشهد لهذه المعضلة. لقد استجبت لندائك، رجوت أشرف زوجى ومعذبى وحبيبى، ووالد طفلى عمر الذى واريناه التراب كما أخبرتك من قبل سوياً. لكن ثمة شىء عزيزى الكاتب، نعم ثمة شىء، هل تستطيع أن تخبرنى لما لم يعد عناقه بذلك الحس الذى مضى، أنا أصدقك القول سأتجرد من صلفى وكبرياء الأنثى، دعنى أخبرك، أننى لم أشعر بعناقه، كان لعطره رائحة أخرى غير التى اعتدتها، أيضًا لم استشعر بالأمن معه، كنت متوجسة، خائفة، قلقة، ما زال صدى صوت أمى يتردد فى ذهنى «سيضحك على عقلك بكلمتين حتى تتنازلى عن حقك».. عزيزى المحرر، لقد استلمت قائمة منقولاتى، فهلا هنأتنى؟!.. استلمتها مصفوفة ومنظمة داخل علب من الكرتون، استلمتها فى قسم الشرطة، كنت أستمسك بـ«أشرف» مخافة وحدتى، كنت أنا السيدة الوحيدة وكان هو وسط جمع من الرجال، كنت أتشبث فى يده وبيده وعلى يده، وكان ضابط الشرطة يؤدى عمله مندهشًا، ابتسم لنا وقال: «الأطفال والعشرة تستوجب الغفران». قالها بينما أشرف كان شاردًا، حزينًا، لا أعرف بما يفكر، قال لى: «لقد تكبدت الكثير من الأموال على نفقات المحامين والدعاوى القضائية» كنت أودّ أن أصرخ فى وجهه وأنا تم استنزافى روحيًا وجسديًا لدرجة جعلتنى أشبه بمومياء متحركة، تسير بلا روح ولا وعى ولا إدراك، كان كل منا يفكر فى الأمر بطريقته هو، ويدير المأساة بحساباته هو، وإن كان لك منا حساباته الخاصة والتى بدت ملغزة على كل طرف، أخبرنى إذن بما أنك قررت أن تلتقط المشرط وتقوم بفصد الدم الفاسد وإعادة الروح لتلك الحياة. من منا قتل الآخر؟ أنا أم هو أم أسرته أم أسرتى؟ أم أن الحب قد انتحر؟ لأنه ببساطة لم يجد مكانا آمنا بين كلا المحبين والزوجين.

أنا عانقت زوجى لكنى لم أجده، هل أجد عندك وصفة لتعيد لى ذلك الرجل الذى أحببته والذى غزانى والذى زرع بداخلى نطفته الأولى؟ ثم كيف لهذا الرجل نفسه أن أخشاه وأخاف منه وأستشعر بالتيه فى وجوده والاغتراب فى تواجده، من أنا أيها المحرر؟ هل أنا تلك الزوجة التى تود العودة لزوجها دون ضجيج؟ أم أنا التى تخشى أن تنجرف وراء عاطفتها فتخسر كل شيء»؟، هل مطالب منى مد الوصل دون أن يستشعر الطرف الآخر مدى ما ارتكبته الأيام برحيله؟.. إننى أخلع أقنعتى الآن أمامك، وأتجرد من ذلك الوجه المستعار، اعترف لك بالتيه أيها المحرر الذى يقرأ كلماتى دون أن يرى هيئتى.. دون أن يعرف لون عينى عقب البكاء الذى استمر لأيام ثم نضبت آباره وقد أعدتها أنت عقب قراءتى لما كتبت.. صرت أشبه بالمرأة المزيفة. المرأة التى تود أن تبتسم لكنها تخشى أن تفيق على كابوس صادم يشطرها ولم يعد ما فيها ما يصلح للانشطار. اللوحة المجردة بتعبير أهل الريشة والألوان، أنا حزينة وفى الوقت نفسه لم أعد قادرة على استيعاب كل ما حدث عقب استلامى لقائمة منقولاتى داخل قسم الشرطة. أخبرنى إذن بما أنك افترضت أنك تمتلك كلمات السر فى الحل وكلمات السر فى وصل الأوردة الممزقة والمحطمة والمبعثرة، وهل تظن بكلماتك تلك أنه يمكنك العودة بكائن قد تلاشى وأضحى مفتتاً؟، هل أهمس فى أذنك بسر؟ أنا لم أعد بقادرة على منح الثقة لأحد، حتى أنت.. نعم أنت أيها المحرر التعيس الذى لم التقه ولم أعرفه ولم أفهم هوية تلك الروح، أنت فى مخيلتى رجل بدين صاحب صلعة كبيرة، ولك بشرة يتصبب منها العرق، بلغت من العمر ما يتجاوز نصف الخمسين.. ترتدى نظارة سميكة وإطارك فى الحياة نمط كلاسيكى، تنظر للعالم من خلف نظارتك، فتقول الكلمات فقط دون أن تعى حجم الألم الذى يرسله لك حزانى ومهمومون مثلى، أنا حزينة، لا أثق فى أحد كما أننى لا أثق فيك عزيزى المحرر.. لكن لأنك افتراض غير مرئى، ولانى داخل كهفى وأمام حاسوبى فإننى أكتب إليك.. حتى إنك إذا سألتنى لما أكتب إليك فإنى لست بقادرة

على إيجاد إجابة شافية أستطيع أن أخبرك بها.

عزيزتى صاحبة الرسالة الثانية..

كم هو مؤلم أن أستشف من رسالتك كل هذا البؤس الإنسانى والحزن، ولا أعلم من أين أبدأ معك فى ردى، رغم أن ردى إليك فى رسالتك الأولى لم أكن على دراية بأنه سيثير كل هذه العواصف التى تمرين بها وبدت أنها عاصفة بك إلى درجة أفقدتنى اتزان الرد، لكننى سأتخير معك منطقة وسطى للحديث، وسأصارحك أنا الآخر بأن رسالتك هذه تسببت فى صراع تلبسنى بين معايشة الألم والحديث عن الألم، وربما كانت رسالتك هى إجابة لتساؤل كنت أساله دائمًا لنفسى، لماذا لا يتألم الطبيب بقدر ألم المريض الذى يتلوى من المرض، وقد ألهمتِنى أنت الإجابة كون من يعايش الألم ليس كمن يصفه، أنا أيضًا حزين عزيزتى لما آلت إليه الأمور، أمر الأسرة وأمر تبدد روحك واغترابها وشتاتها، والأصعب والأعقد هو ذلك العناق الفاتر بينك وبين زوجك وحبيبك ومخلصك وأضحى الآن معادل الاغتراب، والحق أننى توقفت أمام توصيفك كونى رجلاً يعتقد تملكه الحقيقة ومفاتح الأمور ومغاليقها، ولكن دعينى أعترف لك أمامك وأمام قرائك أننى أسعى إلى الآن لمحاولة تلمس تلك الحقيقة والتى كبدتنى من العمر الكثير وكلفتنى ضريبة ما زلت أدفع ثمنها إلى الآن، أين تكمن إذن المشكلة؟ إذا أخذت باعترافى أمام شهود عيان أننى لم أتملك الحقيقة ولم أملك ناصيتها، وإن كان كل الأمر محض اجتهاد مرير، أفعله انتصارًا للم الشمل وإنقاذًا لروح بشرية ربما تحييها كلمة، ليست هذه الكلمة مقصورة على شخص هو الآخر بائس مثلى، قال لى أستاذى ذات مرة، لا تتوقع أن تكون الحياة فصلاً من رواية تميت فيها من تشاء وتحيى فيها من تشاء وتزوج من تشاء وتطلق من تشاء، الحياة لها ميزان شديد الدقة والحساسية وهناك أقدار يجب أن تتأدب معها ومع تنازلاتها، والحق يا عزيزتى أننى لم أعِ كلام أستاذى محمد الوصيف رحمه الله إلا بعد أن فارقنى فأدركت قدر ضآلتى، ما قلته لك وما أقوله لك هو سعى، سعى حثيث لمحاولة إنقاذ روح معذبة هى أنت، لا أملك من وراء هذا السعى سوى محاولة، محاولة جراح لإنقاذ حياة بشرية، لكنها ليست حياة مريض على سرير داخل مستشفى هى حياة روح أحبت، هى أنت، تلك التى أحبت رجلها، وأنا ذلك الرجل الذى يسعى لربط العصب المنقطع بطرفه مرة أخرى، لكنى لا أملك عصا موسى أيتها القارئة، كم أنا حزين لما أصابك من وهن أصاب روحك، لكن دعينى أخبرك بأنك فى ممر عصيب وعسير، ممر عليك أن تجتازيه بمفردك ولا يمكن لأحد أن يقوم بفعل المساعد لك، أنت وحدك من تسير داخل الممر الكهفى الآن وأنت وحدك من سيخرج بهذه النتيجة، وأنت وحدك من سيعلمنا بالنتيجة، شريطة أن يستقر القلب عند مرفئه، تستقر إبرة البوصلة لتحدد الاتجاه الذى يتوجب عليها السير فيه، هذا الاختبار رغم وعورته وصعوبته إلا أنه سيمنحك القرار بغير سلطان عليك، نحى النتائج جانباً المهم أن تنتصرى لما فى قلبك من نداء، ربما أنت بحاجة إلى مزيد من الوصل بين تلك الروح التى هجرتك، ذلك الأشرف الذى تنتظرين منه قبلة الحياة لرد فعل الشهيق والزفير بالجسد.. هذا اختبار خطته المقادير لأن تمرى به منفردة، لا أحد يملك فعل المساعدة داخل ذلك الممر.. أنت فقط أيتها القارئة.. لعلنى الآن أكون قد بدلت معك الأدوار وفق ما طلبتِ، ولعلنى أكون قد وفقت.