عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بريد الوفد..طبيبة أسنان

بوابة الوفد الإلكترونية

كانت التجربة هذه المرة مختلفة، كنت بحاجة ماسة للخروج من دائرة الورق والمراسلات، رغبت أن أشاهد التجربة عن قرب شريطة أن أكون منغمسًا فيها ومشاهدًا شخوصها، اقترح علىّ أحد الأصدقاء مصاحبتى إلى محكمة الأسرة، وبطبيعة عمله فى المحاماة قال: هناك ستجد ألف حكاية وحكاية.

لم تكن رغبتى لكتابة حكاية هى الدافع لخروجى من شرنقة المقهى والأصدقاء، كانت ثمة رغبة أخرى هى مشاهدة واقع معاش ربما يبعد عنا وعن آخرين، عزمت فى نفسى أن أخوض التجربة، أذهب مشاركاً لا مشاهداً، أتأمل أحوال خلق الله فى هذا المكان حيث محكمة الأسرة، قال الصديق: عليك أن تختار اليوم والمكان، فمثلاً هناك يوم لجلسات دائرة أول ويوم لثان ويوم لدائرة المركز، كان عزمى أن أتوجه غد اليوم الذى التقيت فيه صديقنا، فقلت له نذهب غدًا وحيثما يكون مقررًا سنشارك فى المشهد.

العاشرة صباحاً، قاعة الدور الأرضى بالمحكمة، لافتة سوداء مكتوبة بخط النسخ «محكمة الأسرة»، عدد لا محدود من السيدات وقلة قليلة تعد على الأصابع من الرجال فقط، سألت صديقى المحامى، فأخبرنى بأن من يأتين هنا أغلبهن نساء أردن حلولاً وبعضهن أراد تلقين أزواجهن درساً بالقانون. ارتكنت على الحائط، ثم سرعان ما أخرجت علبة سجائرى، فى حين تحرك صديقنا بردهات المكان يبحث عن موكلته.

قدمت سيدة فى العقد الثالث على ما يبدو وتجر طفلًا فى يدها: «قولى والنبى يا أستاذ عايزة أعرف الخزينة مكانها فين؟».

- بصراحة مش عارف.

فواصلت كلامها: طيب ممكن تبص لى على عريضة الدعوى المقدمة وتحضر معايا الجلسة لأن المحامى بتاعى قالى شوفى أى محامى يحضر معاك ويقدمها، واللى تطلبه هتاخده.

- بصراحة أنا مش محامى.

نظرت لى السيدة نظرة ازدراء وكأنها شكت فى إجابتى أو تخيلت أننى أتهرب منها، قدمت سيدة أخرى جهة الطرقة التى أتوقف بوسطها، واجهتنى متوقفة، ترتدى نظارة شمسية رغم أن جو المكان مظلم، يبدو أنها لا تود أن تفصح عن مظهرها أو يتبينها أحد، كانت بحاجة إلى فنجان قهوة، وذلك بعد طلبها من أحد المارة السؤال عن مكان البوفيه، دون رغبة منى فى التنصت عليها، رن صوت هاتفها، فالتقطته على عجل.

-ألو.. أيوه عرفتلى عنوان المدام الجديدة، عايزة اسمها بالكامل ورقم تليفونها كمان.

أغلقت الهاتف، وبدا أنها أصابها بعض التوتر، جراء حركة قدمها بين الصعود والهبوط، ثم جاء رجل يرتدى بدلة رسمية، صافحها وطلب منها مجموعة من أوراق دستها فى حقيبتها، وقال لها: «انتظرينى هنا سأقوم بنسخ المحضر وأعود إليك».

شدنى الفضول المهنى لأعرف سر التوتر وسر الغطرسة، جاء صديقى المحامى، كنت قد أوجدت لنفسى كوبًا من القهوة، وفاجأنى صديقى أنه يصافح المرأة التى تقف أمامى ويبادر بحديثها.

- أهلًا يا دكتورة صباح الفل.

- أهلا يا متر.. طمنى إيه الأخبار؟

- كله كويس.. طمنينى عملتى إيه فى قضية السرقة التى لفقها طليقك لأخيك؟

- ما زلنا فى انتظار تحريات المباحث.

وجدنى صديقى منتبهًا للحوار، فقدمنى للسيدة على أننى صديقه الصحفى، وقدمها لى أنها طبيبة أسنان ولها ابن من طليقها الذى يعمل بسلك التدريس الجامعى، ووجدتنى أسألها: لكن لماذا احتدم الخلاف ليصل قاعة المحكمة؟

خلعت السيدة نظارتها، كانت ملامح وجهها توحى بأنها امرأة من النوع غير العفوى، تبدى انفعالات متضاربة فى وقت واحد، تبتسم

ابتسامة آلية، تضغط على زر هاتفها وتجرى اتصالاً، كانت تستأنف فيما يبدو محادثتها مع من حادثته من قبل، التقطت قلماً من صديقى المحامى ودونت رقم هاتف وأخبرت محدثها أنها ستحدثه بعد قليل.. لاحظت انتشاءة انتصار.

قطعت ظفرها بالنصر واقتحمت حصنها مرة واحدة بقولى: «يبدو أن المكالمة الهاتفية حملت لك خبرًا طيباً».

- عقبال ما يجيلى خبره.

أفزعنى قولها، كان وجهها يحمل ملمحًا قاسيًا لوجه إنسانى بلا رحمة، قلت فى صوت واضح «يا لطيف يا رب» لعل الأمور خير.

قالت تستكمل حديثها: البيه راح أتجوز وبيتهرب من نفقة ابنه.

سألتها: حضرتك طبيبة أسنان، أعتقد الأمور مستورة معاك؟

-قالت: «لو هاخدهم أولع فيهم بس أحرق قلبه على الجنيه».

قلت: «لكن كان بينكما عشرة وحياة، الزواج كان سكنًا لكما، ألا يوجد غفران؟

- قالت: لا غفران ولا نيلة، البيه عمل لأخويا قضية سرقة لأجل تنازلى عن حقوقى.

انتحيت جانباً، كان المشهد بحاجة إلى أن أنتحى، ملامح السيدة اكتست بحنكة وتشف جعلنى أشمئز منها، تذكرت مثل المعركة، حين يقف كل فريق مواجهًا للآخر وكلاهما يرى أن الحق معه، دارت فى ذهنى كيف لهذه السيدة أن تكون بهذه القسوة، وكيف تكون راعية لطفلها الذى يحمل اسم أبيه؟، كيف ستلقنه حياة أبيه وكيف ستحادثه عنه؟.. تيقنت أن الضريبة الحقيقية أمام مغامرات التشفى من سيدفعها الولد، وبات فى ذهنى تساؤل «ما الذى يدفع زوجة تكشفت على زوجها أن تكون بهذه الحدة والشراسة؟ ».. ولم يغفر لها أى شىء، بالتأكيد هناك حلقة غير مفهومة، ربما لو سمعت لها ستروى العديد من المآسى، لكن ما شدنى وأرقنى حقاً هى بحثها عن رقم هاتف زوجته التى أراد الرجل أن يبدأ حياة معها، رغبتها أن تنغص عليه بأسلوب آخر غير القانون والقضاء.

جاء ساعى القهوة الذى يطوف بين الناس، سحب الكوب من يدى، ودسست فى يده ورقة فئة العشرة جنيهات، قلت له يبدو أنه عالم كبير هذا المكان، قال لى: «هنا دنيا مصغرة من نوع آخر، لا تحدثنى عن الرحمة ولا العشرة كله هنا عايز ينهش فى التانى، وإذا أرادت الست تشغيل دماغها لا راجل ولا مليون يقفوا قدامها».