عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"لماذا لا تزرع شجرة".. رواية عن عار الحياة

بوابة الوفد الإلكترونية


يشق أحمد شافعي في روايته "لماذا لا تزرع شجرة"، طريقاً غير مطروق ولا مسبوق. رواية قصيرة أو "نوفيلا" بلا ثرثرة ولا تداعيات؛ تجرّنا إلى غابة ملغومة من الرؤى المتشابكة، وتخلخل الرؤية التي طالما ألفناها ورددناها عن "ثنائية" القاهر والمقهور، أو الضحية والجلاد.

إذا كان أمين في "ما يعرفه أمين" لمصطفى ذكري قد حوّله القهر إلى ضحية، وإذا كان سامسا في "المسخ" لفرانز كافكا قد حوّله القهر إلى حشرة، أي ضحية أيضاً؛ فإن كلتا الشخصيتين تستدعيان العطف أو التعاطف، وتدفعان القارئ إلى الانحياز لطرف ضد آخر، أو إدانة طرف على حساب آخر.

رواية شافعي تلعب في ملعب القهر نفسه، لكنها تدين الجميع، وتفضح كل الأطراف. إنها تعرّي الجلاد و"الجلاد المؤجل" الذي يحلم بانتقال الكرباج من ظهره إلى يده، السيد و"السيد المقبل" الذي ينتظر فرصة الترقية من ذل العبيد إلى عسل الأسياد، والإله و"الإله المحتمل" الذي يتلهف للتحكم في المصائر والأعمار.

ورغم أن الرواية تنطلق من سؤال شعري: "لماذا لا تزرع شجرة"، إلا أن الكاتب (وهو شاعر في الأساس)، لا يضعنا في حالة شعرية، ولا تستهويه. إنه يطوّع اللغة لضرورات السرد الروائي، إذ تلين وتقسو وتهدأ وتتفجر في المواضع التي تقتضيها، وتكشف عن خبرة عميقة بفوارق تقنيات الشعر والقص.

من مكان لا يتعدى كرسياً وعبر شخصيتين رئيسيتين لا أكثر، هما خاطف ومخطوف؛ يطلق الكاتب "مدفعيته الثقيلة" على الكل. تحل "الأفكار" محل "الحكاية"، وتتلاشى "الحبكة" أمام "التفكيك"، لفضح الخراب الذي لم يترك شيئاً إلا طاله؛ من الأسرة إلى الدولة. لا تبرئة في الرواية للضحايا، لأن الجميع ليسوا سوى جلادين، إذ ان كل ضحية مشروع جلاد ينتظر دوره في الطابور. لا مساحة فيها للصراع الطبيعي بين الخير والشر، لأن الخير صريع في ساحة المعركة أو مريض في غرفة الإنعاش. إنها رواية مزبلة العولمة أو "معجنة" الألفية الجديدة التي تطبخ الكل في طبخة مسمومة واحدة، رواية الحياة التي لا مكان فيها لإنسان، أو رواية عار الحياة وعار الإنسان.

إن الخاطف الذي يكرر سؤالاً واحداً، أربع عشرة مرة، على المخطوف طوال الرواية: "لماذا لا تزرع شجرة؟"، لا يدعو إلى الخير ولا يرى الشجرة رمزاً للظل والراحة والفرح، كما هو شائع في فلسفة الأشجار. إنه يصطاده من هذه "الثغرة"، لأنه صالح للعب دور السيد أو الجلاد أو الإله في المستقبل،

لأنه جاهز للتدريب والتحوّل من مخطوف إلى خاطف، ومن فريسة إلى قنّاص. لا يهدف تكرار السؤال إلى انتزاع أدلة لإثبات تهمة تستوجب العقاب؛ إنه يغذّي ويروي "البذرة" الشريرة داخل المخطوف، حتى تصبح شجرة تنمو وتتفرع وتثمر في غابة واسعة من "شجر الشر".

كأنّ السؤال المقصود هو: لماذا لا تزرع شجرة (خبيثة)، لتتحول من ضعف المساكين إلى عسف الشياطين؟.

هل نعتبر رواية، بهذا الطرح عدمية، دستوبيا؟ لا إطلاقاً. إنها تدل قارئها على الطريق لإنسانيته دون وعظ ولا تعاليم. يكفيه فقط أن يتأمل حضيض الاثنين، السيد والعبد، ليكون إنساناً. هذا لو أراد أن يعقد صفقة خاسرة، مقابل أن يكون إنساناً. إنها رواية بلا أمل، لتحضّنا على الأمل.

يتميز أحمد شافعي ببصمة شديدة الخصوصية، سواء في الشعر أو القص أو السرد أو النقد أو الترجمة، في زمن تتطابق فيه البصمات. أصدر ثلاث مجموعات شعرية وثلاث روايات، إضافة إلى عشرات الكتب المترجمة التي تشكل جسراً راسخاً بين ثقافات متباينة، وتمتد من الهند مروراً بمالطة إلى أقاصي أمريكا، مع أنه كسر، بالكاد، عتبة الأربعين من عمره. السؤال: كيف أمكنه أن يبني هذا المشروع الإبداعي الرصين الشاسع في فترة زمنية قصيرة، ووسط عالم لا يتيح ولا يسمح إلا بالسيولة والاستهلاك؟! والإجابة، باختصار، هي: العمل، إنكار الذات، وقبلهما الموهبة. نعم الموهبة، التي صارت- مع بالغ الأسف- كلمة من مخلفات الماضي.

غلاف الرواية الصادرة عن دار الكتب خان

 

أحمد شافعي يتسلم النسخة الأولى من الناشرة كرم يوسف

 

مسيرة متميزة في الثقافة الرصينة

 

ديوان أحمد شافعي الأخير

آخر ترجمات أحمد شافعي 2020