رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«البوكتيوبرز» وعى ثقافى أم «بيزنس»؟

مثقفون ومبدعون: الظاهرة بدأت إيجابية ثم تحولت

بعضهم حقيقى ومؤثر.. وآخرون هدفهم الشهرة والربح

 

إذا كنت تقرأ.. فأخبرنى ماذا تقرأ؟ وكيف تختار كتابك؟ فانتقاء ذلك العنوان الذى سيصاحبك ساعات وربما أيامًا، ليس بالأمر السهل كما يتصور كثيرون، فأغلب من يهوون القراءة، عادة ما يذكرون إن شغفهم بها جاء من خلال العنوان الأول، هذا الذى وقع بين أيديهم غالبًا بالصدفة، وأنهم بعدما انتهوا منه، كان قد ترك بداخلهم متعة حقيقية، جعلتهم أسرى للقراءة بقية حياتهم؛ بحثًا عن تلك المتعة التى وجدوها فى كتابهم الأول، والتى يأملون أن يجدوها فى كل كتاب جديد يقرأونه، بينما أصحاب الحظ السيئ؛ هؤلاء الذين بدأوا طريقهم فى القراءة بكتاب ممل، توقفوا ولم يكملوا الطريق، بعدما ملوا القراءة ولم يقربوها ثانية، وبالتأكيد قد تتفق فى هذا، تجربة القراءة مع كل تجارب الحياة.

ولأننا جميعًا نتمنى أن نصبح قراء ومثقفين، فإن أغلبنا يحاول أن يُقدم على العناوين التى تجعله لا يخرج من متعة القراءة أبدًا، ولأن أغلبنا أصلًا ليس لديه خبرة فى مجال الكتب، كان على البعض منا أن يلجأ لأصحاب الخبرة فى هذا المجال، ومن هنا بدأت فكرة أن يرشح لك أحدهم كتابًا لتقرأه، ربما بدأت الترشيحات للكتب فى صالونات البيوت، أو فى النوادى، أو حتى على جسر إحدى الترع فى الريف.

«البوكتيوبرز»؛ أعرف أنكم جميعًا تعرفون معنى كلمة « البوكتيوبرز» ولكننى سوف أخبر القليلين منكم الذين لا يعرفونها. فمصطلح «البوكتيوبرز» يمكن ترجمته بأنه القنوات الأدبية، أو اليوتيوب الثقافى، وهو مجتمع للقراء على موقع اليوتيوب العالمى ويُطلق على أصحاب هذه القنوات «البوكتيوبرز» وهم صُناع المحتوى الذين يشاركون شغفهم بالقراءة وآخر قراءاتهم من خلال فيديوهات، تكون ما بين «ريفيوهات» للكتب والروايات؛ بمعنى عرضها وتلخيصها وإعطاء فكرة عنها، وهو ما يجعلك قد تبحث عن الرواية إذا كان البوكتيوبرز الذى صادفته، قارئًا احترافيًا وبارعًا فى طريقة تقديمه للكتاب.

وبدايات «البوكتيوب» غير معروفة بشكل دقيق، ومن المحتمل أن تكون قد وجدت بعد أشهر قليلة من انطلاق اليوتيوب عام 2005. لكن المعروف أنها بدأت تنتشر بالتحديد منذ عام 2009. وكان هذا فى دول عديدة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، أستراليا، بريطانيا، وأمريكا الجنوبية، ثم وعلى الرغم من أن قنوات البوكتيوبرز باللغة العربية بدأت منذ عام 2013، لكن يعتبر عام 2017 هو العام الأكثر تعريفا بها، حيث انطلق فيه عدد كبير منها، تجاوز السبع عشرة قناة بوكتيوب جديدة.

وكانت الأمور تسير بشكل طيب إلى حد ما، واستطاعت هذه القنوات أن تقدم نصائح قيمة لهواة القراءة فى هذه الفترة، وفرض البوكتيوب نفسه فى الواقع واُعتبر من الظواهر الثقافية الإيجابية، خاصة بعدما أسهم فى رفع نسبة القراءة وخلق مجتمع تفاعلى للقراءة، وهذا ما جعله أداة تسويقية لدور النشر والكُتاب من أجل ترويج إصداراتهم والوصول إلى قاعدة قراء أكبر وأكثر تنوعًا بالاعتماد على تقنيات تسويقية جديدة تتم عبر الإنترنت مثل: التسويق بالمحتوى من خلال التعاون مع المدونات والصفحات الاجتماعية، ما يجعلها تصل إلى جماهير جديدة.

ومن هذا التأثير،  بدأت بلدان مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا تقوم معارض الكتب الدولية والوطنية ومهرجانات القراءة بدعوة أصحاب قنوات البوكتيوب باعتبارهم من بين الفاعلين الثقافيين والمؤثرين فى مجال صناعة الكتاب، وهو ما بدأه معرض القاهرة الدولى للكتاب منذ دورته التاسعة والأربعين حتى دورته الأخيرة، حيث أقام ندوات خاصة «للبوكتيوبرز» الأكثر تأثيرا فى المشهد الثقافى المصرى.

وفى الأونة الأخيرة بدأ جدل أظنه لن ينتهى قريبًا، حول انتشار ظاهرة «البوكتيوبرز» وتأثيرها على أجيال كاملة، خاصة بعدما بدأ بعض محترفى القراءة من الشباب، يصرحون بأن كتابات «جابرييل جارسيا ماركيز» والتى اعتبرناها خالدة، مثل «الحب فى زمن الكوليرا» و«مائة عام من العزلة» لم تكن إلا «زن» على أذن أجيال كاملة بدعوى الانفتاح على الثقافات الاخرى، خاصة أمريكا اللاتينية وواقعيتها السحرية، موجهين الشكر فى ذلك إلى المسوق الذى نجح فى هذا ببراعة.

وأيضًا بعدما حكاه صاحب «منافى الرب» الكاتب أشرف الخمايسى حول تجربته مع «البوكتيوبرز» هذا العام فى معرض الكتاب.

والآن دعونى أترك القلم لأشرف الخمايسى يحكى لكم الحكاية بنفسه: «عمره 12 سنة تقريبا، قدم لى نفسه وصديقه، جلسنا، وتبادلنا الكلام. ووجدته يتكلم بعمق. ويهز رأسه مثلما يهزها المثقفون الكبار، وأخيرا قال لى: أنا أسمع عنك، وأعرفك، لكنى لم أقرأ لك شيئا، فـ«رشح» لى عملا من أعمالك أبدأ به أولا. وأنا لا أجيد الترشيح، ولا أحبه، وأعتبره عملية توجيه قسرى متنكرة فى هيئة اختيار. فقلت له: أنا لن أرشح لك شيئا، لكنى سأقول لك أسماء أعمالى الروائية بحسب أولوية إصدار كل منها، وعندما ذكرت له عنوان «ضارب الطبل» قال: سأبدأ بها، لقد سمعت عنها كلاما طيبا.

قلت له: أيضا «جو العظيم»، فلوى شفتيه مثل هؤلاء المثقفين العظماء، وقال: أنا مش مع «جو العظيم». اندهشت؛ فقبل قليل أخبرنى بأنه لم يطلع على أى عمل من أعمالى، ما يعنى عدم معرفته بأى منها، ليكون له رأى «مع» أو«ضد». كاشفته بهذا، فقال: رأيت تقريرا عنها أعده «فلان الفلاني».

وذكر اسم بوكتيوبر له قناة يتناول فيها الروايات بريفيوهات «يرشح» من خلالها البعض للقراءة، ويضرب بأخرى عرض الحائط، وكان تقرير «فلان الفلاني» عدائيا بالنسبة لـ«جو العظيم». وقطيع من القراء انساق خلف رؤية «فلانى الفلان»، منهم صديقى، الذى سيكون بدوره موجها لقطيع آخر من القراء. وآخر ما عرفته عن شغلانة البوكتيوبر فى «مصر» إنها تحولت إلى منصات دعائية تستهدف الربح، وأن بعضهم يتكلم عن الروايات كإعلان مدفوع الأجر، أي: كُتَّاب هذا الزمان العكر، التعبانين المرضانين الكحيانين الفيسبوكيين، يدفعون لبعض البوكتيوبرز، للكلام عن رواياتهم بشكل جيد، يسوق لها بين قطعان القراء، التى لا تقرأ تقريبا إلا بطريقة «الترشيح، وأعرف عن البوكتيوبرز أكثر: إنهم يقدمون خدماتهم أيضا لبعض دور النشر، مقابل أموال عينية، واحيانا مقابل دعوات لحضور فعاليات ثقافية، ولا أمل إلا فى أن يرفض القارئ التعامل معه ثقافيا كفرد فى قطيع، لا يستطيع اختيار قراراته، على القارئ العربى أن يكون حرا، وألا يخضع لسلطة جديدة، تحد من حريته لصالح مكاسبها، اسمها: البوكتيوبرز».

إلى هنا عزيزى القارئ تنتهى حكاية الروائى أشرف الخمايسى، لكن هذا التحقيق لم ينته بعد، فقد تحدثت لأكثر من شاهد من أهلها حتى يفتونا بشأن «البوكتيوبرز».

الدكتورة والروائية رشا سمير تتحدث فى هذا فتقول: «البوكتيوبرز» ظاهرة انتشرت مؤخرا، وهى إحدى الظواهر التى أعتبرُها امتدادًا لكارثة السوشيال ميديا، وما أحدثته من تردٍ فى الذوق العام، فكان له تأثير سلبى على الحياة الثقافية والتقييم غير المُنصف للإبداع الحقيقى.

وتستطرد «سمير»: تلك الظاهرة من وجهة نظرى بدأت بنية طيبة لمجموعة من الشباب يقرأون بالفعل، وكل ما أرادوه فى بداية الأمر هو إبداء آرائهم فى بعض الكُتب لدفع غيرهم من الشباب للقراءة، ثم تحول الأمر إلى سباق محموم لفرض أسماء بعينها على المجتمع كنوع من المجاملة، ثم وصل الأمر إلى أن أصبحت تلك الظاهرة (سبوبة) يتربح منها البعض كما سمعت من عدة مصادر، إلى أموال تُدفع لهم من خلال بعض المؤلفين وأحيانا الناشرين للترويج لأعمال لا ترقى إلى المستوى الجيد!

وتضيف: الواقع أننى كنت فى بداية الأمر من المشجعين لهؤلاء الشباب ليقينى أنه واجب على المثقفين والمبدعين دفع وتشجيع جيل جديد لمزيد من القراءة، أما الآن فأنا أراها

ظاهرة سلبية وبدعة مستحدثة، لا توجد فى أى مكان فى العالم بذات الشكل المتواجدة عليه فى عالمنا العربى، الذى تعثرت فيه الرؤية الإبداعية لحد كبير بسبب كثرة العناوين ورداءة الكثير منها بنفس الشكل الذى تظهر به فى الدول الغربية.

والحديث ما زال للدكتورة رشا سمير: لكن دعينى أقول وأؤكد أن العمل الجيد يبقى ويفرض نفسه على الرغم من كل التحديات، والدليل على ذلك على سبيل المثال رواية (نساء صغيرات) التى كتبتها «لويزا ماى ألكوت» عام 1968 وتم تحويلها إلى فيلم سينمائى ومسرحية وأوبرا وفيلم رسوم متحركة، وها هى يعاد تجسيدها للمرة السابعة فى فيلم جديد هذا العام ثم ينال جائزة الأوسكار بعد خمسين عاما على إصدار الرواية، دون أن يتم الترويج لها على مواقع التواصل الاجتماعى ودون أن يشيد به البوكتيوبرز!

إذًا فصناعة الزيف لم تنجح إلا فى عمل فرقعة مؤقتة تموت مع الوقت لأنه نجاح هش الجوهر، فكم من أسماء وأعمال سمعنا عنها وعن اعتلائها السماء الرحبة، ثم اختفت كصدى الصوت ولم يتبق منها حتى الضجيج المؤقت التى أحدثته. لقد كتبت منذ فترة عن أديب عربى لبنانى رائع وهو ربيع جابر، كتبت عنه لأنه بكل أسف ليس معروفا بما يكفى فى دائرتنا المحدودة، فهو مبدع شاب له عشرون رواية ويكتب بمعزل عن الضوء، لا يتفاعل على مواقع التواصل وليس له صفحات ولا يتواصل إلا مع قلمه فقط لا غير، ومع ذلك فرواياته تستحق جائزة نوبل بلا منازع..هكذا هو الأدب الحقيقى الصادق، صاحبه يكتب لمجرد أن الكتابة تشعره بالسعادة، ومن خلالها يستطيع أن يوصل كلمته. وفى النهاية أنا مع ظاهرة إيجابية مثل ظاهرة نوادى القصة التى انتشرت فى مصر بشكل كبير، لأنها ظاهرة بحق تدفع روادها للقراءة وتفتح باب نقاش جادًا مع الكاتب وضد الظواهر السلبية فى كل أشكالها، أما مأساة البوكتيوبرز فتكمن فى أن بعضهم بكل أسف لا يقرأون العمل، وتأتى آراؤهم من مجرد التصفح وهو ما يظلم كثيرًا من الأعمال، ويرفع أعمالًا لا تستحق.

إسلام وهبان مدير تحرير نادى القراء المحترفين، يتحدث عن ذلك أيضًا فيقول: لا يمكن أن ينكر أى مهتم بالشأن الثقافى، أن ظاهرة البوكتيوبر أصبحت من أهم الظواهر الثقافية فى السنوات الأخيرة التى ساعدت فى التحفيز على القراءة، ولفت انتباه القراء لكثير من الأعمال الأدبية الهامة، ولكن بالطبع أى عمل بشرى قائم على التقييم يدخل فيه أهواء وتوجهات القائمين عليه، ففى النهاية هم بشر ولديهم ميولهم وتفضيلاتهم، أما الجزم بأن كل البوكتيوبرز يقدمون دعاية مدفوعة الأجر أو يحصلون على رشاوى من الناشرين، أو الكتاب للحديث عن أعمالهم فهو أمر غير دقيق ويحتاج لمزيد من التحقق.

ويستكمل «وهبان» : أعتقد من خلال خبرتى فى مجال التسويق الثقافى عبر السوشيال ميديا وعلاقاتى بكثير من البوكتيوبرز، أن هذا المجال فتح الباب أمام كثير من الشباب للحديث عن الكتب، وخلق حالة من الزخم فى الوسط الثقافى والعملية القرائية، ما أدى إلى نجاح عدد من هذه التجارب، هذا النجاح جعل البعض من الباحثين عن الشهرة والبروباجندا يسعى للدخول إلى هذا المجال دون أدنى خبرة فى القراءة أو تقديم المحتوى المطلوب، كما أن دور النشر وجدت أن هذه المنصات فرصة للترويج لإصداراتهم فأصبحت تقدم عددًا من إصداراتها كهدايا للقائمين على هذه المنصات، دون أن تطلب منهم ريفيوهات معينة أو تقديم آراء موجهة، وهذا ما يحدث مع الصحفيين والنقاد، علهم يكتبون عن هذه الأعمال أو يتناولونها بالنقد والتحليل.

ويضيف «وهبان»: إذًا فالبوكتيوبرز ظاهرة ليست بنفس البشاعة التى يصدّرها البعض، بل أراها ضرورية ومفيدة فى العملية القرائية، وكثير من البوكتيوبرز قدموا الكثير فى تحفيز واتساع قراءات ورصد ظواهر فى الوسط الأدبى، ولكن يجب التأكيد على أن بعضهم ليس لديه الإمكانيات لتقديم المحتوى، أو نقد الأعمال الأدبية، كما أن بعضهم يحتاج للتعرف أكثر على الألوان الأدبية. ولدى رسالة أرجو أن تصل لكل قارئ: «كن أنت القيم على قراءاتك، لا تجعل أى رأى أدبى يمنعك من القراءة، التجريب وحده هو ما يزيد خبراتك.

كانت هذه آراء بعض الكتاب فى ظاهرة قنوات «البوكتيوبرز» والتى ما زالت حتى الآن لا تصل لرقم عشرين، وما زال عدد متابعى بعضها لا يتجاوز عدة آلاف، لكن الملحوظ فى هذه التجربة أن أغلب من خاضوها، هم شباب فى مقتبل العمر، لذلك أيا كان العمر الذى بدأوا فيه القراءة فمازال أمامهم الكثير كى يقدموا شيئًا احترافيًا، ومع ذلك علينا أن نتقدم للجادين منهم والذين حاولوا نقل خبراتهم لغيرهم، بالتحية، ونتمنى أن نجد من الأجيال الأكثر خبرة منهم فى القراءة «بوكتيوبرز» جادين وجددا، والذين بالتأكيد سوف تكون لديهم خبرة أكبر وأعمق للحديث عن الكتب، وآخيرًا لا نتمنى إلا أن يزداد عدد هذه القنوات إذا كان أصحابها سيراعون ميثاق الشرف الثقافى.