رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الاحتفال بمئوية فيللينى صانع المعجزات، جاعل الخيال والحلم قابلين للتصديق

بوابة الوفد الإلكترونية

مهرجان القاهرة السينمائى الدولى يحتفل بالذكرى المئوية لميلاد المخرج الإيطالى الكبير فيدريكو فيلينى صاحب البيئة الخصبة والإبداع والخيال السينمائى صانع المعجزات، جاعل الخيال والحلم قابلين للتصديق ومقبولين، وبالعكس يمكن أن يوحى بالشفافية وباستشراف المستقبل، الذى أعطى أهمية كبرى لأحلامه والتى حولها إلى رسومات، مستعرضا أعماله المربكة لأسرار كاملة تكمن فى عقله الباطن، الغريبة التى لا يمكن تقبلها من سواه.

وفى دنيا فيلينى تشتم رائحة النشارة والحيوانات البرية، وتسمع الموسيقى المؤلمة، لينقل إلينا المرح والحزن، الرقة والجنون.

سينما كان فيها فيلينى يغلق عينيه ويرى أفلامه على أنها أحلام على السليلويد، وبعد ذلك تصبح كراسة الرسم بمثابة سجل لأفكار الأفلام، فى تلك الرسومات التى سجلها عندما شعر بالتهديد بسبب القنبلة الذرية، واقتراب الإعصار والجنود الألمان، ورأى نفسه محكومًا عليه بالإعدام، وقتل على يد فرقة إطلاق نار، أو سجن، أو مسكون بشبح، أو محبوسًا فى مصعد أو محاصر من أسماك القرش.

فيللينى له ثمانية ترشيحات كأفضل كاتب وأربعة كأفضل مخرج، بالإضافة إلى أن أفلامه نالت أربع جوائز أوسكار أفضل فيلم أجنبى، وفى سنة 1993 تم منحه اوسكار فخرى عن مجمل أعماله وتقديرا لمجهوداته توفى فيللينى بعد هذا التكريم بخمسة اشهر بنوبة قلبية فى منزله بمدينة روما.

فيلينى بدأ فى إنتاج أفلامه الخاصة فى الخمسينيات والتى تجاوزت الواقعية الجديدة السائدة فى ذلك الوقت، وحقق نجاحًا فى فيلمه الثانى حول نشأته فى المقاطعات «I Vitelloni» ثم العديد من الأفلام الحائزة على جائزة الأوسكار والتى تبدأ بـ«لا سترادا». ومع ذلك كان فيللينى يعانى دوما من المخاوف، حتى مع نجاح فيلم La Dolce Vita، وAmarcor وProva d’orchestra» سيطر عليه الاكتئاب والشعور بالذنب.

كان يخشى موت أفكاره، عندما تجف أحلامه، وخاصة عندما عاش فى سنواته الأخيرة بلا أحلام، عندما لم يكن المنتجون مستعدين لدعم مشاريع أفلامه. وإنه لأمر محزن أن صورته الأخيرة كانت عبارة عن فيلم دعائى قصير من ثلاث حلقات لبنك روما.

أى شخص مطلع على أفلام فيديريكو فيلينى يعلم أنه أعطى أهمية للأحلام وتُعد هذه الرسومات، التى تتم فى الغالب بأقلام ذات ألوان مختلفة، تذكيرًا بأن فيلينى جاء إلى روما فى عام 1939 لدراسة القانون، ولكنه بدلاً من ذلك أمضى عامين كرسام كاريكاتير وكاتب فى مجلة ساخرة كل أسبوعين. وأن ما يجعل الأحلام مربكة وكاشفة للغاية هو تقريبها من الأشياء المعروفة أو التى يتذكرها مع أسرار كاملة تكمن فى العقل الباطن، طوال 30 عامًا تقريبًا من حياته، والرائع أن المخرج الإيطالى الأسطورى فيديريكو فيلينى أظهر أحلامه كل صباح بعد الاستيقاظ. وأشار إلى هذا باسم «عمله الليلي»، رسومات فيلينى وأوصاف أحلامه تتناول الفترة من 1960 إلى 1990،أى قبل وفاته بثلاث سنوات.

وتتألق ذكريات فيلينى المفعمة بالحيوية بأحلامه مع النغمة الشديدة والتفاصيل التى تميز أفلامه، مثل الفيلم الذى يدور فى سلة بالون الهواء الساخن مع البابا. أو وجود كوكب الزهرة يهب ضربة من فمها. إنها بالطبع صور سريالية وكاريكاتورية إلى حد ما؛ فالنساء لديه ذوات صدور عملاقة وعينين ضخمتين.

ومن المعروف أنه بعد حوالى عام من وفاة فيلينى، تم إيداع صور أحلامه فى خزينة بالبنك. ولم يكن من حق أحد سوى ورثته الستة إخراجها للعالم، وبعد 14 عامًا من المشاحنات والبيروقراطية، تم إطلاقها أخيرا كمدخل إلى عالم اللاوعى لهذا المخرج صاحب الرؤية البصرية الخاصة.

ولقد شجّع عالم نفسى فى يونجيان فيلينى على تسجيل «عمله الليلى»، وهو يحلم به، وقد فعل ذلك بداية من عام 1960 إلى عام 68 ومرة ​​أخرى من عام 1973 إلى عام 1990. وكانت أرضًا خصبة للإبداع، فعندما كان يغلق عينيه يرى بشكل مختلف مما دعاه إلى تسمية الزوايا الأربع لسريره بعد أربع دور سينما فى ريمينى، مسقط رأسه على ساحل البحر الأدرياتيكى.

إنه صاحب السينما التى تروى عوالمها وقصصها وأشخاصها باستخدام الصور وتعبيرها تصويرى كتعبير الاحلام بجمالها الغامض والاغراء الشديد الذى ينبثق صورا.

والغريب أنه كان يرى أن العديد من الأحلام كأنها كوابيس؛ فيستيقظ مرعوبًا بعد أن شعر بجثة والده بجانبه، أو رأى نفسه محبوس فى قطار محكم الإغلاق هارب، أو فى سيارة تمر بطريق جبلى خطير، أو العديد من إناثه يقطعون الشرايين بشعرهن، ويظهرن فيها على شواطئ البحر الأدرياتيكى فى فترة المراهقة.

لقد رسم حلمه فى جعل الحب يصل إلى أنيتا إيكبيرج نجمة الاغراء الشهيرة، ويوجد له رسم كبير فى قلعة صينية يحلم فيها بأن يكون «سجينًا للمومسات المهاجرات يهجمن عليه مثل الذئاب الجائعة. ويحذره أحد الأصدقاء من الفرار لتجنب تناوله حياً، ولكنه بدلاً من ذلك يواصل «المبارزة» مع المعتدين عليه. لقد رسم فيللينى بالقلم شخصيات افلامه ودون بخط الرسم ملاحظاته عن الوجوه، الانوف، الشوارب ربطات العنق، حقائب اليد والطريقة التى يضع بها الناس سيقانهم.. كل تلك المخطوطات تؤكد أن فيلينى كان رجلًا سعيد فى سنواته

الرومانية المبكرة، لذلك قال فيلينى إن وصوله إلى روما كان تاريخ ميلاده الحقيقى. مع أنه كان يخشى المستقبل لأنه سيصل به إلى عتبة الموت. كان يحلم بأنه بلا أرجل فى عربة متحركة أو على كرسى متحرك. فى عام 1982، كان يحلم أن يكون فى السرير وقراءة الصحف الصباحية، التى أعلنت بشماتة وفاته («استسلم فيلينى أخيرا»).

وفى الواقع أن خزينة رسوماته السينمائية الإيطالية الأسطورية، أو كما وصفها هو نفسه: «خربشات وملاحظات مسرحية وغير هرمية»، لكنها أكثر من ذلك بكثير، إنها غوص عميق فى الفكر الملون والباهظ والبصرى للعباقرة، ولا يمكننا إلى أن نكون أكثر سعادة برؤيتها متزامنة مع الذكرى المئوية لميلاد فيلينى فى مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الحالية.

وفى الحقيقة لا يمكننا رسم صورة بانورامية رائعة لعالم فدريكو فيللينى بدون الاشارة إلى اللقاء والعمل مع المخرج روسللينى والذى يقول عنه فيلينى: «ان روسيللينى كان نوعا من ابن عاصمة ساعدنى على اجتياز الشارع، ولا اعتقد أنه اثر بى تأثيرا عميقا لكننى اعترف له من جهتى بأبوية كأبوية آدم.. لقد شجع روسللينى انتقالى من مرحلة ضبابية، معدومة الإرادة، دائرية، إلى ميدان السينما».

سيستعيد محبو فيللينى فى مهرجان القاهرة السينمائى بداية التفكير بفكرة البيضة فوق قطعة قماش، وانهيار واجهة قبة ميلانو، الممرضات، الراهبات، الأصدقاء، الزهور، ثم يعودون بالذكريات مع فيلينى إلى الأيام الأولى التى تعرف فيها فيللينى إلى السينما والدخول فى هذا العالم الغريب والقرية، بالعودة فلاش باك، حيث نرى صورة بانورامية رائعة لعالم فدريكو فيللينى، رغم أنه كان يرى أن الفيلم حينما ينتهى فإنه يغادره إلى الابد، حاملا معه كل شىء بما فيه الذكريات.

وفى الحقيقة أن فيللينى كان يرى أن فيلم «جوليا والاشباح» هو فيلمه الحقيقى الأول بالألوان، وطرح اللون للمرة الأولى على أنه مسألة تعبيرية خالصة فالقصة وبنيتها وعاطفتها تتحدد وتعيش حصرا عبر اللون الذى بمقدوره أن يرويها ويترجمها ويعبر عنها وأن اللون يغنى الفيلم ببعد جديد، أنه وسيلة تعبيرية عالية القيمة فيما لو استخدمت على طريقة الرسم.

بعد تقديم فيلمه الحياة الحلوة، صار مقتنعا بأنه ليس من الضرورى السفر لالتقاط الشاذ والغريب غير المتوقع لأنه قريب منه، ونما هذا الشعور مع مشروع فيلم «ماما روما»، الذى اخرجه فى محاولة لاستنفاد علاقاته مع المدينة ولابطال ابتزاز المشاعر الأولى والذكريات الأولى، وعندما قرر فيللينى أن يعمل فيلما عن كازانوفا كتب أحد المعجبين بكازانوفا «اراد فيللينى تدمير كازانوفا، لكنه لم ينجح الا فى تدمير ذاته»، فلقد ترك الفيلم عند الجمهور الصدمة الأشد صعوبة، ذلك لأن المشاهدين ذهبوا إلى السينما وهم يحملون فى رؤوسهم فيلمهم الخاص بهم ويريدون أن يروه اما فيللينى فله رأى آخر: (يبدو لى أنه فيلمى الأكثر جمالا والأكثر وضوحا والأكثر صرامة والأكثر كمالا من حيث الاسلوب).

يقول فيللينى عن نفسه فى أخير حياته: «عندما كنت صغيرا، كان كل واحد من أترابى يقول: «عندما أكبر سأكون...»، أما أنا فلم أقل ذلك. لم أستطع أن أتصور نفسى فى المستقبل. كنت عديم الاهتمام بذلك. لم أقدر فى الحقيقة على تصور نفسى واحدا من أولئك الكبار الذين كانوا يحيطون بى. ولعلنى لهذا السبب كبر جسمى من غير أن تكبر روحى».