رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حنان أبوالضياء تكتب: بعد الجولدن جلوب.. «Parasite».. فى طريقه إلى الأوسكار

بوابة الوفد الإلكترونية

من أهم وأجمل الافلام التى عرضت عام 2019 الطفيلى «Parasite»؛ الذى يخطو بقوة للحصول على إحدى جوائز الأوسكار؛ بعد حصوله على الجولدن جلوب أنه أحد الأفلام الكورية الهامة والحاصل على السعفة الذهبية من مهرجان كان؛ والذى يعد أحد افلام الكوميديا السوداء؛ التى تظهر الجانب الخفى من بريق كوريا الجنوبية وتقدمها؛ وربما هو بذلك يسير على النهج المعروف من أن السينما فى كوريا بشقيها الشمالى والجنوبى تتأثر بشكل أساسى بمختلف جوانب الحياة الكورية؛ وخاصة فى القرن العشرين بحيث كانت تحت رحمة الأحداث السياسية كسقوط إمبراطورية كوريا ثم الاحتلال اليابانى لشبه الجزيرة الكورية وتلتها الحرب الكورية ثم التدخلات الحكومية. مع أن لكلا الدولتين صناعة أفلام قوية، إلا أن الأفلام الكورية الجنوبية فقط هى التى حققت شهرة عالمية واسعة. تميل الأفلام الكورية الشمالية إلى إظهار الأفكار الشيوعية أو الثورية. ولعل فيلم «Parasite- «طفيل» يعد بمثابة استكمال لسينما كوريا الجنوبية فى عصرها الذهبى خلال العقدين الخامس والسادس من القرن العشرين.

و فيلم «Parasite-»طفيل» يدخلك إلى عالم عائلة «Kim Ki-taek-كيم كى تايك» بكل ما به من أحبط وحياة قاسية؛ تحت مستوى الفقر؛ ويتلامس ذلك مع الرغبة فى حياة أفضل؛ مما جعلهم يفعلون الكثير ويضحون بالأكثر ؛ وخاصة أنهم يملكون مقومات للنجاح والتفوق والذكاء؛ ولكن مصاعب الحياة تقف أمامهم؛ ويبدو أن مخرجه بونج جونج-هو، صاحب فيلم «المضيف» عام 2006. والذى يعد أحد أهم مبدعي كوريا المعاصرين. وقرر اقتحام الابواب الخلفية لكوريا الجنوبية بفيلم كوميديا سوداء بطولة كل سونج كانج هو، لى سون كيون، تشو يو جونج، وآخرين. متعاطيا مع القضية بشكل فكاهى وساخر؛ مع الاحتفاظ بجانب الجدية فى الموضوع؛بسيناريو يؤلمك ويدفعك للضحك،فى نفس الوقت بحرفية شخص متمكن؛قادرا على تقديم الطرح الجاد، برؤية مختلفة بمشاركة بعض الفنانين الكوميديين؛ كأداة لإلقاء الضوء لدى جمهورهم على موضوعات مهمة؛ وهو بذلك يسير على درب وليم فوكنر وتوماس بنكن وكورت فونيجت وجوزيف هيللر ومارك توين ولويس فرديناند سيلين وجورج برنارد شو؛ الذين قاموا بكتابة قصص وروايات وأشعار ومسرحيات تعمقت وصورت أحداثًا مروعة بطريقة هزلية. ونفس الشئ فعله فنانون كوميديون من قبل أمثال لينى بروس وجورج كارلين وبيل هيكس وبيتر كوك وساشا بارون كوهين.

لذلك لم يكن غريبا حصول الفيلم على إشادة من النقاد على نطاق واسع، وفاز بالسعفة الذهبية فى مهرجان كان السينمائى 2019، حيث أصبح أول فيلم كورى جنوبى يحصل على هذه الجائزة. الطريف أن سر التوليفة الرائعة للفيلم ترجع إلى ان المخرج الكورى «بونج جون هو» أنه أثناء دراسته الجامعية،كان قد لجأ ومن أجل الحصول على المال إلى التدريس لابن أحد الأثرياء، وأنه لا يزال يتذكر حتى الآن تلك التجربة، وهو ابن الطبقة الوسطى، ويتذكر ايضا ذلك الشعور الغريب والمخيف الذى تملكه لدى رؤيته لمنزل العائلة باذخة الثراء للمرة الأولى؛من تلك الخبرات الشخصية، خرج فيلمه «Parasite».

وما بين مشهد البداية فى القبو الذى تعيش به العائلة بلقطة يتخللها ضوء ومشهد النهاية فى نفس المكان وقد خيم الظلام ؛تكمن فلسفة سينما الكوميدية السوداء. وكأن الفيلم يريد مناقشة أزمة الفوارق الاجتماعية فى كوريا الجنوبية ؛فى إطار استعراض حياة أسرتين، الغنية والفقيرة ؛ بكل التفاصيل التى تختلف فيها الطبقتان مهمة كانت بسيطة كرائحة الملابس والجسد والتصرفات التى تنم على الطبقة. وهو بذلك يبتعد عن قوة كوريا الناعمة التى غزت بها العالم مؤخرا وهى الهاليو التى تعتمد على إظهار الجانب البراق من كوريا الجنوبية؛ وربما هذا أحد اسباب الفوز

بالسعفة الذهبية فمخرج العمل يسير عكس التيار السياسى والثقافى الكورى الآن ؛وهذا ما يقدمه غيره من المخرجين وعلى رأسهم لى بيونج هون أحد أشهر مخرجى الدراما فى كوريا. أننا فى هذا العمل يدلف بنا المخرج إلى شخوص فيلمه الأسرتين ،ولكن مع التركيز على العائلة المكونة من الأب والأم والابن والابنة، الذين يمثلون الكائنات الطفيلية فى الحياة التى قررت انتزاع حقهم فيها بدون التفكير فى عواقب هذا على الآخرين بل إنهم أيضا لا يشعرون بالذنب، والمجازفة هى القانون المتحكم فى حياتهم.

ومن خلال ما كتبه «بونج جون هو» وجين وون هان نرى النصف الفارغ من الكوب مع تلك الاسرة ؛ثم ينقلنا بشكل متوازٍ إلى النصف الاخر من الكوب من خلال حكاية الاسرة الاخرى ؛ورغم أن المسافة الشاسعة بين حياة العائلتين المتباينتين لكن من هذا التباين يرسم بونج جون هو الخطوط الرئيسية فى الفيلم.

محدثا هذا التناغم الفائق فى الاحداث بين الدراما والكوميديا السوداء، فكم هى تلك المشاهد المضحكة والمليئة بالذكاء الفطرى؛ وكم هى صادمة وصارخة فى بعض لحظات بكل ما بها من تناول سوداوى ،وتأمل للأحوال الخاصة بهم ملئ بالألم وساخط على حقيقة السكوت عنها ؛ والتغطية عليه وكأنه يريد الصراخ بأعلى صوته تلك هى كوريا التى لا تعرفون عنها شيئا!.

ومن خلال سيمفونية بصرية لهونج جيونج بيو صاحب فيلم «احتراق- Burning»، المتأمل فى أعماق الشخصيات بالزاوية التصويرية؛ متجاوزًا بإبداعه واقعية الحقيقة التى يدور عنها الفيلم؛ وتضافر هذا مع مونتاج للمونير المميز يانج جين مو موظفا تقنياته لتقديم يقاع سردى سريع؛ لا يعرف الممل ويجعل المشاهد يتعاطف مع أبطاله؛ واستكملت روعة الفيلم بالموسيقى التصويرية للموسيقى جيونج جاى إيل؛ الذى نقل الينا المشاعر والصراعات المختلفة بالفيلم ؛وكان عوضا عن الكلام فى العديد من المشاهد؛ لينقلك بسلاسة إلى تفاصيل رحلة ابن العائلة الفقيرة الذى سيعمل كمدرس لابنة العائلة؛ والذى يستطيع بسلسلة من الحيل والخداع الذكية جعل جميع افراد أسرته يعملون لدى تلك العائلة ؛وكأنه يستعرض نعومية القوة الفنية الصدام بين العالمين.

وفى النهاية، تلك التجربة السينمائية هى تعبير عن افكار المخرج «بونج جون وتسير فى طريق متنامٍ منبئة بأفلام أخرى تعبر عنه كمخرج أفلام، وكاتب سيناريو، وسياسى كورى جنوبى، عضوٌ فى الحزب التقدمى الجديد بكل أفكاره ؛وبالتالى نحن أمام مخرج له أيدلوجياته.