عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حنان أبوالضياء تكتب: ما حدث فى نيوزيلندا يرصده فيلم «22 يوليو»

بوابة الوفد الإلكترونية

يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، فما حدث فى نيوزيلندا من عمل إرهابى يوم الجمعة الماضى حدث من قبل فى النرويج عام 2011، وراح ضحيته 77 قتيلاً وعشرات من الجرحى والقصص والحكايات التى يقصها الناجون من المجزرة الشنيعة التى راح ضحيتها 49 رجلاً فى حادث إطلاق النار الإرهابى على مسجدين فى نيوزيلندا، تشبه وتكاد تكون مطابقة تفاصيلها المفجعة بالكربون للحظات المؤلمة التى مر بها الضحايا فى النرويج عام 2011، وفى كلا العملين الإرهابيين فتح مسلح، يرتدى ملابس سوداء، النار على الضحايا.

وكانا المهاجمان يطلقان النار على الأشخاص فى صدرهم، واستغرقا العملين أقل من 20 دقيقة، وحادث النرويج تم رصده فى فيلم «22 يوليو» أحد أفلام القوى الناعمة التى تهديها السينما العالمية لصالح العرب والمسلمين، ولكنهم لا يحسنون استخدامها، فمن المعروف أن فيلم «22 يوليو» الذى شارك فى الدورة الـ75 لمهرجان فينيسيا وفى مهرجان تورنتو السينمائى الدولى، ومخرجه «بول جرينجراس» تناول تفاصيل الاعتداء الإرهابى الذى قام به شاب منتم إلى إحدى الجماعات اليمينة المتطرفة فى النرويج عام 2011، وراح ضحيته 77 قتيلاً وعشرات من الجرحى، ولقد استعان فيه المخرج فيلم «22 يوليو» بفريق عمل من المواهب النرويجية، ورغم أن المجزرة تم تصويرها ضمن 45 دقيقة الأولى من الفيلم البالغ 140 دقيقة، بينما باقى الأحداث ركزت على العواقب وعلى المعتدى، مقدما نظرة صارخة على الآثار العنيفة لحركة اليمين المتطرف المتنامية فى أوروبا وعبر العالم، خاصة أن أيديولوجية الإرهابى الملتوية تتوازن مع قصة ضحية شابة على طريق التعافى بعد الإصابة بجروح كبيرة فى الهجوم، ويرجع نجاح المخرج جرينجراس فى تقديم فيلمه «22يوليو» إلى استماعه الجيد لفريق الممثلين النرويجيين لأن هذه هى قصتهم ومأساتهم التى عاشوها جميعاً، وهذا يؤكد أن التواضع هو فى صميم صناعة الأفلام الناجحة، وأجمل ما فى طريقة السرد هو التوازى بين استعراض قصة المتطرف برايفيك، وقصة المحامى «جير ليبيستاد» المستدعى للدفاع عنه، والذى يجد نفسه فى صراع بين رفض المجتمع له لقيامه بالدفاع عن إرهابى وبين واجبه كمحامٍ رغم عدم قناعته ببراءة موكله، وبين متابعة مأساة ومعاناة الشاب «فيليار» أحد الناجين من المجزرة بعد تعرضه لخمس رصاصات وما يعانيه من شظايا فى رأسه تهدده بالموت فى أى لحظة، إلى جانب الآثار النفسية للحادث عليه.

وفى هذا الفيلم تناول السيناريو حياة الإرهابى أندرس بهرنج بريفيك اليمينى النرويجى مرتكب هجمات النرويج عام 2011 وهو كما يُعرّف نفسه أنه مسيحى ثقافياً، (لكنه لا يُعرّف نفسه كمسيحى من الناحية الدينية، بل يعرف نفسه كوثنى جديد)، وهو من اليمين المتطرف كما أنه معاد للإسلام وانتشاره، والمتهم استقل عبارة بعد تفجير العبوة الناسفة فى قلب أوسلو وقام بتفجريها بجوار مكتب رئيس الوزراء، ثم وصل إلى الجزيرة التى تبعد حوالى 24 ميلاً عن العاصمة مرتدياً زى رجل شرطة، معلناً أنه مكلف بمهمة التحقيق فى الانفجار الذى وقع فى أوسلو ثم بدأ بإطلاق النار على الشبان الذين كانوا مجتمعين داخل قاعة لمتابعة خبر الانفجار فى أوسلو، وأطلق النار على الضحايا من مسافة قريبة وعلى الشبان الذين حاولوا الفرار سباحة وهم داخل الماء، وكان يركل الضحايا الذين أطلق عليهم النار للتأكد من أنه أطلق النار على الاشخاص الممددين على الأرض وأنهم فارقوا الحياة، فعل هذا بكل هدوء وبطريقة ممنهجة، وخلال وقائع المحاكمة رفض بريفيك الاعتراف بالذنب، مؤكداً أن ما فعله كان ضرورياً لإنقاذ البلاد من «الأسلمة»، ورغم أنه أعلن أنه منتم إلى أعضاء «فرسان الهيكل»، لكنه رفض الإجابة عن سؤال حول هوية باقى الأعضاء، مكتفياً بالقول إنهم مقاتلون قوميون تعهدوا بالعمل فى خلايا منفردة وأنه كان على اتصال ببعضهم الذين ساهموا فى «الاختيار» الذى قام به، وأنهم جميعاً لديهم حق مشروع فى القتال من أجل الدفاع عن حياتهم ومحاولات تدميرهم بالقضاء على ثقافتهم، مشدداً على أن ذلك يُعد أحد الحقوق العالمية بمواجهة ما سماه «التنظيف العرقى» مؤكداً أنه كان على استعداد تام للتضحية بحياته عند هجومه على جزيرة يوتويا يوم 22 يوليو، وبالطبع كان الهجومان الهدف منهما الوقوف فى وجه سياسات رئيس الوزراء النرويجى ينس ستولتنبرج وحزب العمل الحاكم المتسامحة تجاه الأجانب والهجرة، لذلك لم يكن غريباً أنه كتب على صفحته فى تويتر قبيل الهجومين بسويعات ما

يلى: «شخص واحد مؤمن يساوى قوة مائة ألف من الأشخاص الباحثين عن المصالح فقط»، وصدر الحكم عليه بالسجن منفرداً 21 عاماً فى 24 أغسطس 2012، ولعل أجمل ما فى حوار الفيلم ما قيل فى النهاية على لسان فيليار فى قاعة المحكمة: «أنا سعيد لفقدى بصر إحدى عينيه حتى لا أراك، وأنه عندما أطلق النار عليهم وتركنى وحيداً على الشاطئ، لم أكن أعرف إذا كنت سأحيا أم سأموت، وكنت ما أزال عالقاً هناك منذ ذلك الحين، ولكننى الآن، أنا أدرك أن لدى فرصة الاختيار. لأنه ما زال لدى عائلة، وأصدقاء، وذكريات، وأحلام وأمل، وحب، وهو لا يحظى بهذا، أنه وحيد تماماً، وسيتعفن فى السجن فى حين أننى نجوت، واخترت أن أحيا».. ومن الملاحظ أن عمل جرينجراس السابق كصحفى جعله عاشقا لعمل نسخ متطابق لفيلمه إلى حد كبير مع الأحداث، باختياره مستعرضاً نوعين من الأشياء المتضاربة بدون أن تكون له أجندة سياسية خاصة به يريد طرحها، ومن المعروف أن جرينجراس مخرج سينمائى وسيناريست بريطانى وصحفى سابق، وهو متخصص بتحويل الأحداث الحقيقية إلى أعمال سينمائية درامية مثيرة ومعروفة باستخدامه الكاميرا المحمولة يدوياً، ويبدو هذا واضحاً فى أعماله السابقة وبالطبع لا يمكن إغفال أحد أعماله المعتمدة على نفس الأسلوب الأحد الدامى «The Bloody Sunday» هو فيلم تليفزيونى بريطانى أيرلندى دارت أحداثه حول ما يعرف بمذبحة الأحد الدامى «1972» وهى المذبحة المأساوية التى وقعت فى أيرلندا الشمالية فى عام 1972 والتى تناولها بأسلوب يقترب من الأسلوب التسجيلى، ونال الفيلم فى عام 2002 جائزة الدب الذهبى لأفضل فيلم فى مهرجان برلين السينمائى.

وبعيداً عن أحداث الفيلم وعودة للواقع فقد تعجبت كثيراً من قرار رئيس جامعة أوسلو بالسماح لسفاح النرويج بعد ثلاث سنوات من حبسه بتكملة دراسته الجامعية، معللاً ذلك بأن بريفيك حصل على الدرجات المطلوبة للالتحاق بالجامعة ومواصلة الدراسة، بل إن العجيب أن السلطات النرويجية قد رفضت طلباً تقدم به بريفيك من محبسه لتأسيس جمعية فاشية فقط لعدم استيفائه الشروط المطلوبة لتأسيس الجمعيات.. والمثير للجدل ولم يشر له الفيلم أن اسم إسرائيل ورد ذكره ما لا يقل عن 300 مرة فى وثيقته التى تضم أكثر من 1500 صفحة، وأن كل ذكر لها جاء فى إطار إيجابى، كما أنه هاجم الاتحاد الأوروبى لأنه حسب رأيه مؤسسة لا تتعاطف مع إسرائيل، بالإضافة إلى ذلك، فإنه يمتدح سياسة إسرائيل التى حسب رأيه لم تعط حقوق المواطن لمعظم المسلمين الذين يعيشون تحت سيطرتها بعكس أوروبا.. هذا وقد كتب «أنه قد حان الوقت لوقف الدعم الغبى للفلسطينيين والشروع بدعم أبناء عمومتنا الحضاريين فى إسرائيل».. وكانت تقارير صحفية قد ذكرت أنه نفذ عمليته الإرهابية لأن الشباب الذين قتلوا كانوا مؤيدين لفلسطين، والذين ماتوا الآن مسلمين، وللأسف أن اليمين المتطرف يتسلل الآن ليحكم العالم.