عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فيلم الافتتاح «كتاب أخضر».. تجربة فنية وإنسانية رائعة

بوابة الوفد الإلكترونية

يبدو أن مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الأربعين أراد الاحتفاء مع العالم بأيقونة فنية عظيمة، هى العازف المبهر «دون شيرلى» بعد خمس سنوات من وفاته وخاصة أنه حاصل على درجة الدكتوراه في الموسيقى وعلم النفس، وكان يتحدث ثماني لغات بطلاقة وكان رسامًا موهوبًا. فكان فيلم الافتتاح «كتاب أخضر» للمخرج الأمريكي بيتر فاريلي، أحد افلام ما يطلق عليه Road movie وفكرة الفيلم يتم تناولها من خلال السائق الذى بدأ رحلته كرجل أبيض متعصب وانتهت بمراجعة أفكاره عن الفروقات بين الأعراق. وهى قصة حقيقية عن عازف البيانو «دون شيرلى» الذى اشتهر فى الخمسينيات والستينيات، ليقدم مباراة فنية بين تمثيل مبهر من قبل اثنين من أفضل الممثلين الآن فيجو مورتينسين المرشح مرتين لجائزة الأوسكار، الذى لعب دور السائق الإيطالي الأمريكي فرانك أنتوني فايالونجا، المعروف لدى الجميع باسم توني ليب، المتقن لعملية الابتزاز الذاتي، والراكب الجامايكي، الممثل «ماهرشالا» أول مسلم يفوز بجائزة الاوسكار كأفضل ممثل مساعد لعام 2017 عن فيلم «مون لايت » الذى أدى دور الدكتور دون شيرلي، الرجل ذو الكرامة والذى يمتلك الموهبة والحكمة والمال ومعاناته تكمن من خلال النظرة العنصرية له. الجميل فى الفيلم أن الممثلين جميعاً يكتسبون قوة من بعضهم البعض الى حد إقناع المشاهد بأن هذه الصداقة التي كانت مستبعدة إلى حد كبير، أصبحت قاب قوسين أو أدنى من أن تحدث، خاصة فى ظل وجود مخرج مدهش قادر على توجيه الفيلم نحو تفاعل المشاهد بموضوع خطير مثل العنصرية في امريكا. وهو يسير فى هذا النهج على خطى عمل هام آخر قدمه عام 1998 «هناك شيء ما عن ماري» فهو يصور كل كادر ويهتم بكل جمل حوارية حتى يوصلك الى ما يريد قوله. وظهر هذا جليا مع أبطال فيلمه توني ليب الشخصية التي تعمل في ملهى ليلي في كوباكابانا في مانهاتن في عام 1962، حيث يبدو أن عمله الرئيس القاء المشاغبين في الشارع وقيادة السيارة لرئيسه بعد العمل، هذا الشخص يعشق زوجته المتسامحة، دولوريس (ليندا كارديليني)، التي تحاول أن تتمالك أعصابها بل وترسم ابتسامة على وجهها بينما يقامر زوجها بأموال الإيجار عن طريق المراهنة على نفسه في مسابقة أكل الهوت دوج. ومع ذلك تونى فى البداية يبدو كعنصري لذلك عندما يقوم عاملان أمريكيان من أصل أفريقي بزيارته للقيام بأعمال فى بيته، يقوم توني بإلقاء الأكواب التى شربوا فيها فى سلة المهملات هذا المشهد الصامت قدمه المخرج ليهيئ المشاهد أنه مقدم على علاقة غريبة بين البطلين، بل إنه يستخدم مجموعة متنوعة من الصفات لوصف غير الإيطاليين. ويبدأ التصاعد الدرامى فى فيلم «الكتاب الأخضر» عندما يتم إغلاق «كوبا» لمدة شهرين بسبب أعمال التجديد، ويصبح توني في حاجة ماسة إلى وظيفة، ويتم استدعاؤه إلى شقة فوق قاعة كارنيجي، حيث يلتقي بالدكتور دون شيرلي، وهو شخص لم يتخيله أبداً، يتميز بذكاء ومتطور، ويتقن العديد من اللغات ويحمل درجات الدكتوراه، وهو أيضاً عازف بيانو موهوب بأسلوبه الخاص الذي يقابل توني ليب وهو يرتدي زيه الأفريقى ويجلس على عرش أفريقي.

 د. شيرلي على وشك الدخول في جولة موسيقية ستأخذه إلى الجنوب العميق فى أمريكا، فهو لا يحتاج فقط إلى سائق قادر على التعامل مع الكاديلاك كوبيه دي فيل الجديدة التي توفرها له شركة التسجيل الخاصة به، بل يحتاج أيضاً حارسا شخصيا يتمتع بمهارات لفظية وجسدية يمكن أن يقدمها توني. ولمساعدته في تقديم الخدمات اللوجستية، يقدم الدكتور شيرلي نسخة من كتاب Negro Motorist Green Book، المعروف باسم «الكتاب الأخضر»، هو دليل السفر السنوي الذي يقدم الطعام للمسافرين السود في القرن العشرين، وهو نتاج الانقسامات العرقية العميقة التي

تسببها قوانين جيم كرو، قدم الكتاب الأخضر للعائلات السوداء عن طريق ساعي البريد والناشط فيكتور هوجو جرين الذى جمع البيانات في مسقط رأسه نيويورك فيما يتعلق بالمؤسسات والأماكن التى تتعامل بود مع السود. في عام 1936، تم نشر العدد الأول وارتفعت شعبيته في غضون أربع سنوات فقط. عاد الكتاب في عام 1946 باسم الكتاب إلى كتاب الأخضر للسائق الزنجي: دليل السفر الدولي أدرج الكتاب فعليًا المنازل التي يمكن للأفراد والعائلات تأجيرها، وعادة ما تكون مملوكة لعائلات سوداء أخرى، كما أدرجت الفنادق والصالونات والمرائب ومحلات البقالة والمطاعم، بما في ذلك تلك التي يملكها البيض الذين يوافقون على التعامل مع الزنوج وركز المخرج على تلك المفارقات فى مشاهد ساخرة ومؤلفة فى نفس الوقت...ويبدأ الصراع الدرامى بين التكوينة الشخصية للبطلين مع تقدم الرحلة، فنحن أمام طبيعة الدكتور شيرلي النقية التي تشمئز من توني شيب الذى يأكل الدجاج المقلي دون الاستفادة من الأطباق وأدوات الطعام أو أوعية القمامة، ولكنه أيضا يكتشف قلبه الطيب ومهاراته الخاصة، وتوني ليب يبهر بأدائه الموسيقى ويتعاطف مع مأساته من المعاناة مع العنصرية التى تبدو بوضوح مع تعامل الشرطة العنصري معه أثناء هطول الأمطار، واذا كان مورتنسن يسيطر على المشاهد فى بداية الفيلم، إلا أن دكتور شيرلي في النهاية الشخصية الأكثر انخراطًا في التعامل مع تعقيدات الرجل الذي لا يبدو مقبولًا تمامًا في العالم الأبيض أو الأسود. ومع أن دكتور شيرلى علمه كيف يكتب خطابات أكثر رقيا وشاعرية لزوجته وبأسلوب أدبى مميز، فإن توني ليب كان فيلسوفه الذى غير حيات عندما قال «أياً كان ما تفعله، فافعل ذلك بنسبة 100٪»؛ لتصبح فلسفة ابطال «الكتاب الأخضر» وأجمل ما فى الفيلم أنه ينقلك الى أدق التفاصيل فى الستينيات من القرن الماضى، من خلال الرحلة، ولقد حاول المخرج بنعومية ودون إقحام على الأحداث والسيناريو إظهار مدى براعة «دون شيرلى» التى أظهرت فى تسجيلاته في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين مع التركيز فى الحوار على إبراز تأثير التدريب الكلاسيكي الذي تلقاه فى طفولته لينتج موسيقى جمعت أصواتًا شعبية وكلاسيكية. لذلك غالبًا ما كان يمزج التقاليد الأمريكية والأوروبية من خلال دمج لحن مشهور داخل بنية كلاسيكية تقليدية الى جانب أن شيرلي قدم حفلات موسيقية منفردة في البيانو في قاعة كارنيجي. عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي يوم 11 سبتمبر 2018، و هرجان نيو أورلينز السينمائي.