رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تبطين الترع.. فى دائرة الاتهام

بوابة الوفد الإلكترونية

سوء التنفيذ فى بعض المناطق يفتح النار على المشروع.. ومطالبات بمحاسبة المسئولين عن الأخطاء

 

كل مشروع عبارة عن ثنائية: فكرة وتنفيذ.. وقد تكون الفكرة رائعة، ولكن يتم تنفيذها بشكل سيئ فتكون المحصلة فى النهاية سلبية.. نفس النتيجة نحصل عليها إذا كانت فكرة المشروع سيئة، حتى لو تم تنفيذه بأقصى درجات الجودة.. وفى كلتا الحالتين تنطلق سهام النقد للمشروع كله.. وهذا بالضبط ما حدث لمشروع تأهيل الترع، الذى اكتفى البعض بأن يطلق عليه اسم تبطين الترع.

الدكتور هانى سويلم

البعض استغل تصريحات وزير الموارد المائية والرى الدكتور هانى سويلم أمام مجلس النواب- مؤخراً- التى قال فيها إن تبطين كل الترع يعد إهداراً للمال العام، وراح يهيل التراب على المشروع كله، وآخرون تمادوا فى الهجوم لدرجة أنهم اعتبروا أن الـ18 مليار جنيه التى تم إنفاقها على المشروع حتى الآن فى عداد الأموال المهدرة، وأن تبطين الترع كله غلط فى غلط.. والسؤال هل المشروع فعلاً كان خطأ من البداية؟. أم أن الأمر لا يتجاوز وجود مشكلات وفساد فى بعض المناطق التى تم تنفيذ المشروع فيها.

 

شروخ فى الألواح الخرسانية وعدم مطابقة المواصفات وزيادة بخر المياه.. أبرز الانتقادات

 

الوزير أقر أمام البرلمان بوجود مشكلات فى المشروع، وأكد أنه لا يمكن تبطين كل الترع بالخرسانة لأن ذلك إهدار للمال العام، وقبل تلك التصريحات أعلنت الوزارة مطلع العام الجارى تشكيل وحدة لإعادة تقييم ومراجعة العمل فى تأهيل الترع، بعدما تم الانتهاء من تأهيل 6555 كيلومتراً، من أصل 20 ألف مستهدف تأهيلها وتبطينها.

 

وبدأت مصر فى نهاية 2020 تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع المخطط أن يجرى على مرحلتين، وأن يشمل تأهيل ترع بأطوال 20 كيلومتراً فى 20 محافظة، على أن ينتهى المشروع بالكامل عام 2024، بتكلفة 80 مليار جنيه، وذلك بعدما ظهرت شكاوى فى مناطق عدة خلال السنوات الماضية بعدم وصول المياه إلى الأراضى الزراعية فى نهايات الترع، بسبب سوء حالة الترع أو ممارسات خاطئة فى الرى الذى ما زال معظمه بطريقة الغمر التى يستخدمها المصريون منذ آلاف السنين.

 

مؤيدون: التبطين وفقاً للمعايير الهندسية الصحيحة يوفر 5 أو 7 مليارات متر مكعب مياه

 

والتبطين معناه إكساء السطح الترابى للقناة المائية لمنع تسرب المياه، عبر طرق متعددة سواء بطبقة من الأحجار وفوقها طبقة من الخرسانة العادية، أوباستخدام خرسانة مسلحة وخرسانة عادية تعلوها طبقة من الرمال المثبتة، ويتم تحديد نوع التبطين وفقاً لطبيعة التربة المارة بها الترعة.

 

ووظيفة الترعة هى توصيل المياه للأراضى الزراعية بكمية كافية وفى الوقت المحدد الذى يريده الفلاح لإتمام عملية الزراعة، ورى المحاصيل.

 

وقد جاءت تصريحات وزير الرى بعد انتقادات شديدة للمشروع من أعضاء مجلس النواب، أهمها عيوب تغطيات الترع وظهور تشققات وشروخ فى الألواح الخرسانية، فضلاً عن البطء فى التنفيذ أو عدم مطابقة المواصفات ووجود كميات أكبر من الرمل فى التبطين، إضافة إلى أنها أصبحت مقراً للقمامة وحوادث سقوط الأطفال.

 

مطالبات تغطية الترع بألواح شمسية وتطوير نظام الرى لتحقيق الاستفادة القصوى من المشروع

 

وقال المهندس محمد غانم، المتحدث باسم وزارة الرى، إن الوزارة شكلت وحدة تابعة لإدارة التفتيش الفنى، من أجل متابعة وتقييم أعمال تأهيل الترع المنفذة والجارى تنفيذها، وذلك بعد وجود مشكلات فى التنفيذ ببعض المحافظات.

 

وأشار غانم إلى مراجعة كل الترع التى انتهى تأهيلها، وإلزام المقاولين بإعادة تبطين بعض الترع التى ظهرت فيها المشكلات أو كان تنفيذها دون مستوى الجودة المطلوب على نفقتهم الخاصة دون تحميل الدولة أعباء مالية إضافية، وإحالة المسئولين عن التسلم فى الوزارة للتحقيق واتخاذ الإجراء القانونى اللازم تجاه المقصر منهم.

 

وأوضح أنه تم إعداد دليل إرشادى لمشروع تأهيل الترع على ضوء الدروس المستفادة من الأعمال السابق تنفيذها، وعلى أساسه سيتم استكمال المشروع، وهذا الدليل يحدد متى تحتاج الترعة إلى التأهيل وكيفية التنفيذ، مؤكداً أن المشروع مستمر بشكل علمى دون تسرع قد يؤثر على الجودة، لأن الأهم هو التنفيذ بالجودة المطلوبة دون تعجل أوضغط على المهندسين.

 

ولفت إلى أن الهدف من تأهيل الترع هو إعادتها لوظيفتها الأساسية، وهى توصيل المياه للمنتفعين، وفى حال احتياج الترع للتبطين فليس بالضرورة استخدام الخرسانة فى ظل وجود العديد من البدائل الأخرى الملائمة بيئياً، وهو ما يجب دراسته طبقاً لحالة كل ترعة على حدة.

يأتى ذلك رغم إعلان وزارة الرى فى بيان لها نوفمبر 2021 أن أعمال تأهيل الترع قائمة على دراسة استغرقت 3 سنوات، أعدتها »دار الهندسة»، التى تعد أكبر مكتب استشارى فى منطقة الشرق الأوسط.

الدكتور نادر نور الدين

 

من جهته، قال الدكتور نادر نور الدين، استاذ الأراضى والمياه بجامعة القاهرة، إن ما يقال عن أن تبطين الترع بالأسمنت إهدار للمال العام أمر غير صحيح إذا تم التبطين بمعايير هندسية دقيقة، لأن البنك الدولى درس هذا الأمر جيداً فى 2010 وخصص لمصر 50 مليار جنيه للانتهاء من المشروع خلال 5 سنوات، لكن ما حدث فى 2011 أدى إلى تأجيل المشروع وبدأنا فيه عام 2020.

 

وأضاف نور الدين أن دراسات وزارة الرى تشير إلى أننا نفقد من 25% إلى 30% من كمية المياه التى تخرج من السد العالى حتى الدلتا، سواء بسبب الرشح أو النشع من مسام الترع أو البخر، أى نحو 19 مليار متر مكعب، ولذلك مصر أولى بهذه الكميات الكبيرة من المياه، والتبطين كان ضرورياً.

وأوضح أستاذ الأراضى والمياه أن تبطين الترع من وسائل تقليل فقد المياه من مسام الترع الطينية، ويوفر ما بين 5 و7 مليارات متر مكعب تكفى لاستصلاح أكثر من مليون فدان، وبسبب ذلك وافق البنك الدولى فى 2010 على تخصيص 50 مليار جنيه لتطوير ترع التوصيل بمختلف أنواعها التى يبلغ طولها 30 ألف كيلومتر، ولذلك كان من الضرورى تبطين جزء من هذه الترع وليس كلها لأن شبكة الرى فى مصر كبيرة جداً، وهناك أنواع من الترع لا يصلح معها التبطين.

وتابع «ترع التوزيع والمراوى داخل الحقول هى المنوط بها التبطين وتمثل 20% من الـ 30 ألف كيلومتر، ولكن المشكلة هى كيف يتم التبطين وهل يكون بالأسمنت والخرسانة وطبقات تبطين مختلفة أم بأنواع أخرى، لأن معظم الترع طينية وهذا الطين يتشقق مع الجفاف، وعندما يتم ريه بالمياه يلتئم مرة أخرى، ولذلك نحن أمام طين يتمدد وينكمش، وهذا الأمر من الممكن أن يؤدى إلى فرقعة الأسمنت وتظهر به كسور، ولذلك لابد من وجود مسافات وفواصل بين كل بلاطة أسمنت وغيرها حتى لا يتلف الأسمنت عندما تمر فوقه المياه».

 

وأضاف «يجب بحث ودراسة أفضل طريقة يمكن من خلالها التبطين وفى نفس الوقت توفر لنا فى التكاليف، لأن التبطين بالأسمنت تكاليفه عالية مقارنة بالطرق الأخرى، كما يجب أن يكون هناك كراسة مواصفات تصدرها وزارة الرى

للمقاولين وتطلب منهم ضمان على التسليم، بحيث لا يحدث أى شقوق أو تكسير فى الأسمنت خلال سنة إلى 3 سنوات، وإلا يتحملها المقاول، كما أنه إذا حدثت انهيارات فى جوانب الترع يتحملها المقاول أيضاً، فضلاً عن تحمله تكاليف الصيانة خلال فترة الضمان، وغالباً هذه الكراسة صدرت بالفعل لكن بعض المقاولين لم يلتزموا بالمواصفات ولذلك ظهرت بعض العيوب فى الترع مؤخراً».

 

وأشار إلى أنه كان من الممكن استخدام طرق أخرى فى بعض الترع الصغيرة الفرعية بدلاً من الأسمنت مثل المواسير التى تسهم فى تقليل البخر والنشع وبالتالى تحافظ على المياه، وهو الهدف النهائى من المشروع.

الدكتور جمال صيام

فيما قال الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة أن مشروع التبطين هدفه توفير المياه بنحو 5 أو 8 مليارات متر مكعب سنوياً، ويبدو أنها كانت تقديرات مبالغاً فيها،

 

وأضاف صيام أن ما تم إنجازه حتى الآن من المشروع نحو 6500 كيلو متر من أصل 20 ألف بتكلفة 18 مليار جنيه من 80 مليار جنيه تم رصدها للمشروع، مشيراً إلى أن تصريحات وزير الرى مؤخراً بأن هناك إهداراً للمال العام بسبب بعض طرق التنفيذ وخاصة استخدام الخرسانة والأسمنت، أمر مثير للدهشة، فلماذا لم يقل هذا الأمر قبل بداية المشروع؟!

 

وتابع «دراسات الجدوى هى التى تحسم الأمور الفنية فى مثل هذه المشروعات الضخمة، وتقوم عليها مكاتب عالمية متخصصة وليست أى مكاتب، لأن تكلفة المشروع ضخمة جداً»، متسائلاً كيف تمت الموافقة على استخدام الأسمنت والخرسانة فى التبطين ثم نقول الآن إنه يؤدى إلى تسخين المياه وبالتالى زيادة البخر وفقد المياه بدلاً من توفيرها».

 

وأشار صيام إلى أن المياه التى تتسرب من الترع بقدر نحو 7 مليارات متر مكعب كانت تذهب للمياه الجوفية التى يستخدمها الفلاحون فيما بعد فى رى أراضيهم عن طريق حفر الآبار والاستفادة من المياه، ولذلك نحن الآن أمام مشكلة وهى إنقاص 7 مليارات متر مكعب من الميزان المائى لمصر فى المياه الجوفية كان يتم استخدامها فى الرى، لأن التبطين يمنع تسرب المياه وبالتالى المياه قد يتم الآن فقدها بالبخر أكثر من الماضى.

ولذلك لابد من إعادة دراسة الجدوى للمشروع الآن حتى إن كنا فى منتصف الطريق، لأنها سترشدنا إلى أفضل طرق التبطين ما دام الأسمنت والخرسانة تكاليفها عالية ولا تحقق الهدف المطلوب فى عدد من المناطق.

 

ولفت إلى أن الفائدة الوحيدة الآن من المشروع هى أن نهايات الترع أصبحت تستفيد من المياه مقارنة بالسنوات الماضية، وبالتالى هناك عدالة فى توزيع المياه، لكن ما تم الانتهاء منه واكتشفنا عيوباً فيه لا بد أن تتم محاسبة المسئول عنه، لأن ذلك فساد واضح سواء من المقاولين الذين نفذوا أو المهندسين الذين استلموا الترع بعد تبطينها، وإذا كان الخطأ عند المقاولين فليتحملوا تكاليف إصلاحه.

الدكتور شريف فياض

قال الدكتور شريف فياض، أستاذ الاقتصاد الزراعى، إن من أبرز سلبيات مشروع التبطين استخدام الأسمنت والخرسانة، لأن الحرارة تسخن الأسمنت بشكل أكبر وبالتالى تزداد عمليات البخر وفقدان المياه.

 

وأضاف فياض، أن هناك عدة عوامل تسهم فى نجاح هذا المشروع لا بد من تنفيذها حتى نحقق الاستفادة القصوى منه، أهمها تغطية الترع بتركيب ألواح شمسية لتوليد الطاقة، حتى تساعد على رفع المياه بسهولة إلى الأراضى المراد ريها، بدلاً من المواتير التى يتم استخدامها الآن بالوقود الأحفورى الذى يسهم فى تلويث البيئة، كما أن هذه الألواح الشمسية تسهم فى تقليل معدلات البخر وبالتالى توفير أكبر للمياه.

 

وأوضح أستاذ الاقتصاد الزراعى أن الاستفادة القصوى من التبطين لن تتحقق إلا من خلال تطوير نظام الرى الحقلى بالتوازى مع المشروع، لأن تطوير الترع بدون تطوير الرى الحقلى لن يكون مفيداً بشكل كبير، حيث يساعد هذا التطوير على تحويل رى الأراضى من الرى بالغمر إلى الرى بالرش أو التنقيط، وبالتالى توفير أكبر قدر ممكن من المياه والاستغلال الأمثل للمياه، كما يجب تنظيف البيئة المحيطة بالترع نفسها، لأن هناك بعض النباتات التى تنمو فى الترع تعوق حركة وتدفق المياه.

 

وأشار «فياض»، إلى أن كثيراً من الفلاحين يعتمدون على المياه الجوفية فى الرى، وهذا المشروع سيؤدى إلى تقليل المياه الجوفية، وبالتالى لابد من الإجابة على الكيفية التى سيتم بها تعويض هذه المياه للفلاحين، ومدى تأثير المشروع على حجم المياه الجوفية، وإذا لم نجد إجابة على هذه الأمور فلابد أن تعيد وزارة الرى حساباتها فى هذا المشروع، ومحاسبة المسئولين عن الدراسات الفنية التى أجريت له.