رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عــــادات رمضانيــــة تتحــدى الغــــــلاء

موائد الرحمن
موائد الرحمن

اليوم..أهل علينا شهر كريم.. وشهر رمضان فى مصر حالة خاصة بطقوسه وأجوائه وروحانياته ولياليه.

 

هذه الأجواء ليست وليدة اللحظة وإنما موجودة منذ عشرات ومئات السنين، أبرزها موائد الرحمن، وتعليق الزينات فى الشوارع، والسهرات الرمضانية طوال الليل، وغيرها، وهذه المظاهر اعتاد عليها المواطنون طوال السنوات الماضية، وإذا كان رمضان فى عام ذروة جائحة كورونا كان حالة استثنائية، فإن الظروف الاقتصادية الصعبة التى يعيشها المصريون الآن، ستجعل رمضان هذا العام استثنائيا بشكل أكبر.

 

وقد أثيرت تساؤلات كثيرة خلال الفترة الماضية حول كيفية استقبال المصريين لهذا الشهر الكريم العام الحالى، وهل سيستمرون على النحو المعتاد من إقامة الموائد وإطعام الفقراء وتنظيم العزومات وغيرها من المظاهر المميزة لرمضان، أم يستغنى كثير منهم عنها.

 

معظم هذه المظاهر تحتاج إلى أموال كثيرة للإنفاق عليها، وخاصة الموائد والعزومات، فى وقت تشتعل فيه أسعار السلع الغذائية يوما بعد يوم، ويزداد عدد الفقراء والمحتاجين، وهذه معادلة صعبة ومعاناة فى نفس الوقت، فهل يستمر الخير والكرم عنوانا لشهر رمضان كالمعتاد، أم سيكون الاقتصاد والتوفير هو العنوان. هذا ما رصدته الوفد فى هذا الملف.

 

شوارع مصر: أجواء خاصة وزينة وفوانيس

 

«رمضان فى مصر حاجة تانية.. رمضان فى مصر غير الدنيا».. هذه الكلمات تعبر بصدق عن الأجواء فى الشوارع المصرية خلال شهر رمضان، حيث تختلف عن مثيلاتها فى جميع الدول الإسلامية، وتنفرد مصر بمظاهر احتفالية عن هذا الشهر الكريم لا تجدها فى أى دولة أخرى، سواء فى نهار رمضان أو فى ليله.

مصر

فى الخارج يكاد يقتصر الأمر على الإفطار والسحور وتسير الأمور بقية اليوم بشكل طبيعى اعتيادى، بينما فى مصر تمتد الأجواء الرمضانية لتشمل ساعات اليوم كله وخاصة منذ الإفطار وحتى الفجر، ما بين السهرات الرمضانية وموائد الرحمن المنتشرة فى الشوارع، أو الأنشطة الثقافية والفنية.

كما أن شوارع المدن المصرية لا تخلو من الزينات والفوانيس والأنوار احتفالا بقدوم الشهر الكريم، مع المسحراتى فى الأحياء الشعبية وشراء الحلوى خاصة الكنافة والقطائف، فضلا عن الاهتمام بالأعمال الدرامية والتليفزيونية التى أصبحت من العادات التى لا تفارق رمضان.

وقبل بداية الشهر بأسابيع يبدأ المصريون استعدادتهم له عن طريق شراء مستلزمات المنزل طوال الشهر، مع شراء الزينات والفوانيس من الشوادر المنتشرة فى عدد من المناطق، أشهرها الموسكى والعتبة، حيث شهد هذا العام إقبالا متوسطا على شراء الفوانيس، بسبب ارتفاع أسعارها مقارنة بالأعوام الماضية.

 

يقول علاء عبود، صاحب شادر لبيع الفوانيس فى باب الشعرية، إن حركة البيع والشراء هذا العام أقل من الأعوام الماضية نتيجة ارتفاع الأسعار.

وأضاف علاء: «السنة اللى فاتت كانت أحسن لأن الأسعار السنة دى غالية والناس تعبانة.. الأسعار السنة دى الضعف وأكتر».

وأوضح أن العام الماضى كان المواطن يستطيع شراء فانوس بجودة متوسطة بـ160 جنيها، بينما هذا العام لا يقل عن 250 و270 جنيها، كما أن هدايا البنات مثل عروسة «باربى» وصل سعرها إلى 250 جنيها، والفوانيس الصغيرة بـ55 جنيها، وفوانيس الصاج تبدأ من 500 و700 جنيه إلى 3000 جنيه.

أما فوانيس الميدالية فوصلت إلى 45 جنيها مقارنة بـ25 جنيها العام الماضى، ولفة الزينة البلاستيك بـ15 جنيها، والورق بـ20 جنيها.

 

ويقول اسماعيل مصطفى، بائع فى أحد الشوادر، إن أسعار الفوانيس تختلف حسب الشكل والشغل والزينة الموجودة فيها، ولذلك تجد بعض الفوانيس حجمها كبير لكن سعرها رخيص والعكس.

وأوضح إسماعيل، أن الأسعار عند البائعين فى الشوارع أقل من أصحاب المحلات والتجار، لأن البائع لا يدفع مصاريف أخرى مثل الكهرباء والإيجار وغيره، إنما أصحاب المحلات يضيفون قيمة ذلك على المستهلك النهائى.

 

وقال عمرو هانى، بائع فى أحد شوادر السيدة زينب، إن الإقبال الأكبر هذا العام على الزينة وخاصة الزينة الورقية، لأنها رخيصة مقارنة بباقى الأنواع.

وأضاف عمرو، أن المواطنين أحجموا عن شراء الفوانيس لأنها مرتفعة الثمن مقارنة بالزينة التى مازالت فى متناول أيدى الجميع.

 

من المعروف أن الأجواء الرمضانية تتشابه كثيرا فى الأحياء الشعبية المصرية خلال الشهر، خاصة الأحياء التاريخية مثل الحسين والسيدة زينب وباب الشعرية وغيرها، حيث يعيش المصريون على أنغام الأغانى الرمضانية الجميلة، ولا تكاد تسير فى أى طريق من طرق هذه الأحياء العريقة إلا وتسمع هذه الأغانى فى المحلات التجارية.

 

لحظات الإفطار فى ميادين هذه الأحياء تكون مختلفة ومميزة، فقبل آذان المغرب بدقائق معدودة تمتلئ بالمواطنين من كل الطبقات، منهم من يفطر على موائد الرحمن، وآخرون يفطرون فى المطاعم والمحلات.

 

كما ينتشر المواطنون الذين يوزعون الطعام والعصائر على الفقراء والمحتاجين فى شكل وجبات مغلفة أو فى أطباق بلاستيكية، وتفترش بعض الأسر الأرض انتظارا لمدفع الإفطار وسماع آذان المغرب.

آذان المغرب

أما داخل مساجد الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة، فالأمر يختلف عن خارجها، حيث يبدأ المواطنون منذ الانتهاء من صلاة العصر فى التجهيز لبعض موائد الإفطار التى تقام فى كل مسجد ويشارك فيها مئات الصائمين، حيث يوزع القائمون على الموائد الطعام والشراب على الصائمين الذين يفترشون الأرض ويضعون الأوراق والقماش أمامهم، حتى يحافظوا على نظافة المسجد من بقايا الطعام.

 

وبعد الانتهاء من الإفطار، ينتظر عدد كبير من المواطنين حتى آذان العشاء لأداء صلاة التراويح فى ظل الأجواء الروحانية فى مساجد آل البيت، ومنهم المسافرون الذين لا يكتفون بصلاة التراويح، وإنما ينتظرون حتى السحور وأداء صلاة الفجر.

 

وتستغل المقاهى السياحية الموجودة فى ميدان الحسين والشوارع المحيطة به الأجواء وتتحول إلى مطاعم تقدم الوجبات للصائمين أثناء الإفطار والسحور، حيث يسعى كل مطعم إلى تقديم أفضل ما لديه من أسعار لجذب المواطنين، لأن التنافس يكون شديدا بينها، إلا أن الأسعار تظل مرتفعة للغاية.

 

وفى السحور تكاد تكون الأجواء مشابهة للحظات الإفطار، ولكن الملاحظ زيادة أعداد الزائرين للميدان مقارنة بالإفطار، حيث يمتلئ بالمواطنين وتتعدى المطاعم والمقاهى الحدود المسموح بها بسبب الزحام الشديد، خاصة وأن المصريين يعشقون صلاة الفجر بجوار مقام حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

وبالإضافة إلى الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة، يعتبر شارع المعز لدين الله الفاطمى، أحد أهم مظاهر الاحتفال بشهر رمضان فى القاهرة، ورغم استمرار الاحتفالات به طوال العام إلا أنه يزداد جمالا خلال أيام رمضان.

 

وتتزين الشوارع والبيوت والمحلات التجارية تتزين بالأنوار والزينات والتصميمات التاريخية، كما يشهد الشارع ازدحاما شديدا من جانب الزائرين وخاصة الشباب الذين يحضرون إليه من كل مكان عقب الإفطار ويستمرون متواجدين حتى الفجر، يرقصون على أنغام الأغانى الرمضانية والشبابية معا، حيث يتجمعون بجوار مسجد قلاوون ويجلسون فى الأماكن المخصصة للاستراحة، ويسهرون حتى موعد السحور وآذان الفجر وهم يرددون الأغانى ويدقون الطبول والمزمار.

 

وحين تسير فى شارع المعز تجد المقاهى على اليمين واليسار، ويأتى إليها الرواد من مختلف الأماكن رغم ارتفاع أسعارها، بسبب الخدمة الجيدة التى تقدمها، والأجواء التاريخية التى يعيشها الفرد وهو جالس عليها.

 

عزومات شهر الصوم: صلة الرحم فى زمن الغلاء

 

تعتبر العزومات وزيارات الأهل والأقارب لبعضهم البعض من أبرز مظاهر شهر رمضان، وعادة أساسية من عادات الشعب المصرى فى هذا الشهر الكريم، ولكن من الواضح أن هذا العام سيكون الوضع مختلفا كثيرا عن السنوات الماضية وعما اعتاد عليه المصريون، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد.

شهر الصوم

فلا يخفى على أحد ارتفاع أسعار السلع المختلفة خلال الشهور القليلة الماضية وخاصة السلع الغذائية، التى يزيد استهلاكها فى هذا الشهر بنسبة 40% تقريبا مقارنة بباقى شهور السنة، وتعد العنصر الأساسى على مائدة المصريين فى العزومات خلال الشهر.

 

لكن معظم المؤشرات توضح أن العام الحالى لن يكون كسابقيه فى مسألة العزومات بالذات، لأن تكلفة العزومة تتجاوز أحيانا  آلاف الجنيهات، وهذا فى غير استطاعة الكثير من الأسر المصرية، وفقا لمواطنين تحدثنا معهم، اختلفوا فيما بينهم حول جدوى العزومات وعددها هذا العام وهل سيقيمونها أم لا.

 

يقول محمد عبدالرحمن، عامل فى أحد المحلات، إنه فى المعتاد كان يقيم ثلاث عزومات فى شهر رمضان، الأولى لشقيقاته وأزواجهم، والثانية لأقارب زوجته، والثالثة لأعمامه وأولادهم.

 

أما هذا العام فالوضع سيختلف كثيرا ولن يقيم أى عزومات فى منزله بسبب ارتفاع الأسعار، قائلا، «السنة دى هنروح ناكل على موائد الرحمن لأن الفطار لمن استطاع إليه سبيلا.. واللى يقولك ده شهر العزومات قوله ده شهر الروحانيات هنصلى ونصوم بس ومش هنفكر فى الأكل».

 

وأضاف محمد، أنه رغم ذلك إلا أن شهر رمضان شهر الكرم والخير، وبعون الله سوف يمر هذا العام دون مشاكل مادية للمواطنين، لأن أهل الخير كثيرون وسوف يساعدون المواطنين من خلال شنط وكراتين رمضان المليئة بالسلع الغذائية المهمة فى هذا الشهر.

 

وقال عيد مصطفى، صاحب محل بقالة، إن رمضان هذا العام يختلف بشكل كلى عن السنوات الماضية، ودلل على ذلك بما كان يفعله فى كل عام من التجهيز والاستعداد لهذا الشهر قبل مجيئه بشهرين على الأقل، عن طريق شراء كافة احتياجاته وتخزينها لاستعمالها فيه.

 

وأضاف عيد: «كنا بنحضر لرمضان قبلها بشهرين وتلاتة.. التلاجة فى البيت كانت بتبقى مليانة من كل خيرات الله قبل شهر شعبان.. لحمة وفراخ وعصائر وبلح وكل مستلزمات البيت فى الشهر ده كانت موجودة.. وكنت أجيب لبنتى إسدالا ولابنى جلابية.. وكنا بنشترى ياميش وبلح وقمرالدين لكن السنة دى الأمور صعبة ولو حد اشترى هتبقى ربع الكمية مش النص كمان».

 

من جانبه قال إبراهيم عبدالله، موظف فى إحدى شركات القطاع الخاص، إنه بجانب راتبه الشهرى كان يعتمد فى هذا الشهر على بعض المساعدات المالية التى تصرفها له الشركة أو أهل الخير الذين يعرفهم ويوزعون شنط رمضان، لكن هذا العام الظروف الاقتصادية صعبة على الجميع.

 

وأضاف إبراهيم: «فى سنة من السنين كنت واخد أجازة من الشغل بدون مرتب لكن شغال فى مكان تانى.. وفجأة صاحب الشغل طلبنى وأعطانى 3 شنط رمضان رغم إنى أجازة والحمدلله ساعدونى جدا فى البيت.. لكن السنة دى الوضع صعب شوية.. وعلشان كده محدش بيفكر فى العزومات».

أما محمود صابر، عامل، فقال إنه يسكن مع أخيه فى بيت واحد، بينما يعيش شقيقاته البنات مع أزواجهن فى أماكن أخرى، ولذلك كان يقيم هو وأخاه عزومة لكل أخت منهم خلال الشهر، بالإضافة إلى عزومة أقارب زوجته، أى 4 عزومات على الأقل فى الشهر، لكن هذا العام من الممكن أن يقتصر الأمر على عزومة واحدة فقط للجميع فى يوم واحد.

 

وأضاف محمود: «كنت بعزم أخواتى البنات كل واحدة فيهن يوم.. إنما دلوقتى الكلام ده مبقاش موجود.. أنا اشتريت 5 فرخات بس بـ400 جنيه والمرتب كله على بعضه 3 آلاف جنيه.. يعنى هو عزومتين ويخلص وعلشان كده مش هيكون فى عزومات السنة دى إلا واحدة بس».

وقال حسام سيد، موظف، إنه لم يحدد حتى الآن هل سيقيم عزومات خلال الشهر أم لا، لأن الظروف المادية ليست فى أحسن أحوالها، والأسعار فى ارتفاع مستمر.

شهر الصوم

وأوضح حسام، أنه كان يقيم 4 أو 5 عزومات فى رمضان كل عام، لكن هذا العام لن يستطيع إقامة أيٍ منها إلا إذا كان مضطرا لذلك، أو الظروف الاقتصادية سمحت بها، قائلا، «العزومة الواحدة بتتكلف جامد جدا.. يعنى لو هتعمل لحمة وفراخ مع أرز أو مكرونة هتدخل فى 1000 جنيه على الأقل».

وقال عادل صلاح، إن أفضل حل هذا العام هو عدم إقامة عزومات نهائيا لكل الأطراف، وأن يقتصر الأمر على الأسرة فقط.

 

وتابع: «أحسن حاجة السنة دى محدش يعزم أو يتعزم.. لكن فى ناس لسه متجوزة جديد مثلا أو مخطوبة جديد لازم تعزم نسايبها».

وأشار أحمد عبدالباسط، تاجر، إلى أنه يعتبر كبير العائلة بعد وفاة والده، ولذلك لابد أن يجمع أفراد العائلة فى أول يوم رمضان ويقيم لهم عزومة كبيرة.

وأضاف أحمد: «أنا والدى متوفى ويعتبر كبير العائلة فلازم أجمع الناس كلها فى يوم على الأقل وأعزمهم ودى بتكون مرة فى الشهر ومن السنة للسنة وبنستناها كل رمضان مينفعش نلغيها».

 

ويقول حسن سليم، محام، إنه رغم الظروف الاقتصادية لكن عزومات أولاده وبناته لا يستطيع إلغاءها.

 

وأضاف حسن: «أنا ممكن معملش نفس العزومات اللى بعملها كل سنة.. لكن عزومات الأولاد وأزواجهم لازم أعملها وبنفس الشكل زى كل سنة».

 

موائد الرحمن.. عادة لن تنقطع رغم الأزمات

تعتبر موائد الرحمن من أشهر طقوس ومظاهر شهر رمضان عبر التاريخ، تعبيرا عن التعاون والتكافل بين الأغنياء والفقراء فى هذا الشهر

الكريم، ورغم ذلك لا يقتصر ضيوفها على الفقراء والمحتاجين فقط، وإنما الأغنياء وأصحاب الطبقات المتوسطة أيضا قد يضطرون إلى اللجوء إليها فى بعض الأحيان.

موائد الرحمن

وقد أصبحت موائد الرحمن عادة مصرية، توفر أنواع الطعام والمشروبات المختلفة للفقراء والمحتاجين والتى قد لا تتوافر لهم فى أوقات كثيرة طوال العام، ولذلك يهتم القائمون على تنظيمها بتوفير كل العناصر الغذائية من اللحوم والحلويات والمشروبات.

 

اختلف المؤرخون حول بداية موائد الرحمن، فالبعض يشير إلى أنها بدأت كفكرة فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما كان يرسل وجبات الإفطار والسحور مع بلال بن رباح لأهل الطائف، ومن بعده أخذ الفكرة الخلفاء الراشدون والصحابة وأهل بيته، حيث أسس أمير المؤمنين عمر بن الخطاب دارا لإفطار الصائمين أطلق عليها «دار الضيافة».

 

إلا أن مصطلح «مائدة الرحمن» ظهر بكثرة فى عهد الإمام الفقيه الليث بن سعد بن عبدالرحمن، الذى كان من الأثرياء، وحرص على تقديم أشهى أنواع الأطعمة للصائمين فى رمضان على مائدة يقيمها خلال الشهر، فقد كان محبا لعمل الخير ومساعدة الفقراء والمساكين، ولذلك يشير البعض إلى أن الموائد سميت باسم موائد الرحمن نسبة إلى جد الإمام الليث عبدالرحمن.

 

وكان هارون الرشيد فى فترة الخلافة العباسية يقيم موائد الرحمن بحدائق قصره، ويتجول بين الموائد متنكرا ليسأل الصائمين عن رأيهم فى جودة وكفاءة الطعام، ودخول الخليفة المعز لدين الله الفاطمى إلى مصر فى شهر رمضان، قرر أن يقيم الولائم والموائد للشعب، وكان يأمر الحكام وكبار رجال الدولة والتجار والأعيان بعمل تلك الموائد، وأطلق عليها اسم «سماط الخليفة».

 

ويرجح بعض المؤرخين نشأة الموائد إلى عهد أحمد بن طولون، ويقولون بأنه أول من أقامها، وكان يقوم بجمع كبار التجار والأعيان فى مصر فى أول يوم من شهر رمضان على الإفطار، ثم يلقى عليهم خطبة يؤكد لهم فيها أن الغرض من المائدة هو أن يذكرهم بالإحسان والبر بالفقراء والمساكين.

وطوال عهد أسرة محمد على كان لموائد الرحمن دور مهم فى القصر، وكان الملك فاروق يسمح بإقامة موائد الرحمن داخل قصر عابدين، ليستقبل العمال والفلاحين وعموم الشعب، وبعد ذلك خصص الملك عددا من المطاعم المنتشرة فى القاهرة لتكون مائدة طعام للفقراء والمحتاجين، لتتولى الإدارة الملكية دفع قيمة مأكولات الإفطار والسحور.

دار الضيافة

إلا أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى يعيشها غالبية الشعب المصرى فى الوقت الحالى، أثارت تساؤلات كثيرة حول إمكانية إقامة الموائد بالشكل المعتاد هذا العام كما كان يحدث فى السنوات السابقة، وهل ستتأثر بالظروف الاقتصادية أم سيستمر المصريون فى عطائهم خلال شهر الكرم.

يقول الحاج سيد بركة، تاجر فى الجمالية، إن إقامة المائدة عادة سنوية لا ينقطع عنها، حتى إذا كانت الظروف الاقتصادية صعبة.

وأضاف: أنه سيقيم المائدة طوال الشهر كالمعتاد، بل سيزيد من الأطعمة والمشروبات للتخفيف عن الفقراء والمساكين فى ظل الظروف الاقتصادية والمعاناة التى يعانى منها الكثيرون.

 

وأكدت أم عمر، صاحبة مائدة مسجد السيدة زينب، إنها ستقيم المائدة هذا العام بنفس طريقة الأعوام الماضية ولن تخفض أى كمية من كميات الطعام التى كانت تقدمها فيها.

 

وأوضحت أن الكل يشتكى من الأوضاع الاقتصادية لكن الله يعين أهل الخير حتى لا يتأخرون عن تقديم أى مساعدة كانوا يقدمونها للفقراء فى هذا الشهر الكريم.

 

وقال الحاج محمد مصطفى، تاجر فى الحسين، إن مائدة الرحمن التى يقيمها كل عام أمر أساسى فى رمضان وسيقيمها هذا العام أيضا.

 

وأضاف محمد، أن الكل وليس الفقراء فقط يكونون فى حاجة إلى المساعدة فى هذا الشهر، خاصة العمال وأصحاب المحلات الذين يضطرون إلى البقاء فى الشوارع أثناء ساعة الإفطار، ولذلك فموائد الرحمن تساعد هؤلاء الأشخاص ولو بشىء قليل، وبالتالى لابد من إقامتها كالمعتاد.

 

الإفطار فى العمل.. تكلفة باهظة.. و«البدل» ضرورة

 

يضطر كثير من الصائمين إلى الإفطار فى العمل أو الشارع خلال شهر رمضان، بسبب ظروف العمل أو أى سبب مفاجئ، وهؤلاء الأشخاص نسبة ليست قليلة فى المجتمع، كما أنها ستزداد هذا العام لأن كثيرًا من المصريين اضطروا للالتحاق بأعمال إضافية لمواجهة غلاء المعيشة

 

وبنظرة بسيطة إلى الشوارع وقت آذان المغرب فى أى حى من الأحياء تكتشف العدد الكبير الذى يضطر إلى تناول وجبة الإفطار بعيدا عن أسرته، ويلجأ إلى شراء الوجبات من المطاعم المنتشرة فى كل مكان.

 

ولكن هذا العام الأمر يختلف بشكل كبير عن الأعوام الماضية، لأن أقل وجبة يمكن أن يتناولها الشخص الصائم تصل تكلفتها الآن ما بين 75 و100 جنيه، فى ظل الارتفاع الكبير فى أسعار السلع، ولذلك هناك معاناة جديدة تضاف إلى المواطنين فى هذا الشهر وهى معاناة الإفطار فى العمل أو الشارع، وكيف سيكون التصرف فى هذه الحالة، هل سيضطر المواطن إلى شراء وجبات بهذه الأسعار أم يلجأ إلى حلول أخرى.

الإفطار فى العمل

اختلفت آراء المواطنين حول القرار الذى سيتخذونه، فمنهم من سيضطر إلى شراء وجبات الإفطار بأى تكلفة، ومنهم من سيجلب معه الإفطار الخاص به من المنزل، فيما رأى آخرون ضرورة شراء صاحب العمل وجبات جيدة للموظفين لديه.

 

يقول محمد عبدالله، إنه سيضطر إلى الإفطار فى الشارع خلال أيام تواجده فى العمل أثناء شهر رمضان مهما كان سعر الوجبات، لأنه لا يحب حمل أى حقائب فى يديه أثناء الذهاب والإياب من العمل.

 

وأضاف محمد: «أنا من النوع اللى مش بحب أشيل حاجة فى إيدى فى أى وقت وعلشان كده أنا هضطر اشترى أكل من الشارع فى الأيام اللى هفطرها فى الشغل حتى لو كانت الوجبات غالية.. أو إنى أروح أفطر فى البيت وأرجع الشغل تانى ودى بتكون حسب المشوار والوقت والمجهود وفلوس المواصلات».

الإفطار فى العمل

وتابع: «لو هركب مواصلات مثلا بعشرين جنيه يبقى أضيف عشرين أو تلاتين جنيه عليهم وأشترى وجبة من الشارع أحسن وأوفر المجهود اللى أنا هعمله».

 

وقال أسامة على، إنه فى ظل الغلاء الحالى لابد على صاحب العمل أن يوفر وجات إفطار جيدة للموظفين لديه، ولا يعطى لهم بدل إفطار ويترك لهم الحرية فى اختيار الوجبة، لأنه مهما كان هذا البدل لن يستطيع الموظف شراء وجبة جيدة به.

 

وأضاف أسامة، «أنا مش هوافق إنى آخد فلوس من صاحب الشغل علشان أفطر بيها.. هو اللى يجيب وجبة وأفطر بيها لأن الأكل غالى والفلوس اللى هاخدها هتكون قليلة».

 

وأشار عبدالرحمن سعد، إلى أنه سيضطر إلى شراء وجبات من المطاعم لمدة 15 يوما على الأقل خلال شهر رمضان، لأن جدول العمل خلال الشهر يلزمه بالتواجد فى هذه الأيام.

 

وأكد عبدالرحمن، على ضرورة أن يصرف صاحب العمل بدل إفطار جيد للعاملين لديه أو يوفر لهم وجبات، قائلا، «صاحب الشغل لازم يجيب للناس اللى شغالة عنده أكل أو يصرف لهم فلوس بدل فطار.. لأن وقت المغرب بيكون قليل ولو كنت فى الشارع يبقى هضطر اشترى أى حاجة من الشارع أكلها ودلوقتى أقل وجبة بـ 50 جنيها».

فوانيس رمضان

فيما قالت شيرين إبراهيم، إنها لا تأكل كثيرا أثناء الإفطار، ولذلك من الأفضل لها أن تجلب معها طعاما خفيفا من المنزل، وتحصل على بدل الإفطار من صاحب العمل.

 

وأضافت سحر: «أنا هجيب أكل من البيت وأخد فلوس الوجبة من صاحب الشغل.. لأنى مش باكل كتير ووجبتى صغيرة فالأحسن إنى أجيب حاجة من البيت صغيرة.. أنا ممكن أجيب سندوتش وأفطر بيه عادى لأن الأسعار غالية جدا دلوقتى».

 

ويقول خالد محمد، إن أقل وجبة الآن لن يقل ثمنها عن 100 جنيه، ولذلك إذا أفطرت فى العمل أو فى الشارع سوف أشترى شيئا بسيطا بتكلفة قليلة، حتى أعود إلى المنزل وأكمل الإفطار.

 

وأضاف خالد: «لو فطرت فى الشغل مش هفطر بوجبة مثلا تمنها 100 جنيه.. لا.. هشترى حاجة بسيطة أفطر بيها وبعدين أكمل فى البيت».

ويقول محمد مصطفى، إن توقيت تواجده فى العمل خلال شهر رمضان سيكون قبل موعد الإفطار بساعات قليلة، ولذلك سوف يجلب معه الطعام الخاص به من المنزل بدلا من شرائه بأسعار عالية.

 

وأضاف محمد: «ميعاد شغلى سيكون قبل الفطار بساعة أو اتنين وعلشان كده هجيب معايا فطار وأنا جاى من البيت أحسن ما اشترى من الشارع.. لأن أقل وجبة دلوقتى من 75 إلى 100 جنيه».