عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شهادات الكربون.. تلوث للبيع!!

بوابة الوفد الإلكترونية

اتفاقيات دولية تمنح الدول النامية فرصة للاستفادة من ملوثات الدول الكبرى

 

«الكربون»  سلعة فريدة من نوعها، لا تلمسها فهى موجودة فى الهواء، ولكنها دخلت سوق البيع والشراء مؤخراً، وأصبح لها ثمن، تتهافت عليه الدول لبيع نسبتها فيه بأعلى سعر، مقابل ضرره المنتشر بصورة كبيرة على الكرة الأرضية، ولأن مصر واحدة من أكثر الدول المتضررة بسبب الاحتباس الحرارى فى القارة السمراء.

 

فبإمكانها الاستفادة من تلك المشكلة، حيث إن الاتفاقيات الدولية حولت تلك الأزمة إلى ميزة اقتصادية للدول النامية.  

 

ولهذا وجهت مصر أنظارها تجاه تلك التجارة، ففى نوفمبر الماضى، وقعت الشركة القابضة لتنمية الأسواق المالية التابعة للبورصة المصرية، اتفاقاً مع البنك الزراعى المصرى، وشركة ليبرا كابيتال، لتأسيس أول شركة مصرية لتطوير وإدارة وإصدار شهادات الكربون والشهادات والمنتجات البيئية على اختلاف أنواعها.

 

57 مبادرة عالمية لتسعير الكربون.. والشهادات مضمونة من البنك الدولى

شهادات الكربون.. تلوث للبيع!!

أسواق الكربون فى سطور

وسوق الكربون وفقاً لتعريف الخبراء هو نظام تجارى يتم من خلاله بيع وشراء رصيد الكربون المكافئ لغازات الاحتباس الحرارى مثل ثانى أكسيد الكربون والميثان وخلافه، ويقصد بالحياد الكربونى خفض انبعاثات الكربون المكافئة إلى أقصى حد والتعويض عما لا يمكن التخلص منه، ويمكن تحقيق ذلك باستخدام الطاقة النظيفة والتحول إلى الاقتصاد الأخضر والبدء فى المبادرات البيئية، مثل زراعة الأشجار وإعادة تأهيل الأراضى المتدهورة واستخدام مصادر الطاقة المتجددة.

 

وتنقسم أسواق الكربون إلى نوعين: الإلزامى والتطوعى، والأول ناتج عن الالتزام بالاتفاقيات الدولية والعالمية، أما الثانى فيشير إلى إصدار وبيع أرصدة الكربون المكافئ على أساس تطوعى دون إلزامية من القوانين والتشريعات والاتفاقيات الدولية، ويأتى العرض الحالى لأرصده الكربون الطوعية فى الغالب من الكيانات الخاصة التى تطور مشاريع الكربون، ويأتى الطلب من الأفراد والقطاعات التى ترغب فى تعويض البصمات الكربونية الخاصة بها والشركات التى لديها أهداف تنمية مستدامة.

 

ويعتبر سوق الكربون أداة من الأدوات الهامة لتقليل الانبعاثات الكربونية، لهذا تبنت اتفاقية كيوتو 1997 والتى دخلت فى حيز التنفيذ عام 2005 ثلاث طرق هامة لتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة وهى: التبادل العالمى لسوق الكربون حيث تكون الدول ذات الانبعاثات الأقل، قادرة على بيع حصتها الكربونية للدول ذات التأثير الأعلى، واستثمار الدول ذات الانبعاثات الأعلى فى الدول صاحبة الانبعاثات الاقل، حيث تكون هذه الاستثمارات فى إنشاء مشاريع وتكنولوجيا أحدث قادرة على تقليل الانبعاثات الكربونية، أو فى المشروعات التى تساعد على تقليل الانبعاثات الكربونية فى الدول المتأثرة بهذه الانبعاثات.

 

وأكد الخبراء أن مصر بدأت فى أخذ المبادرة الإيجابية بعد استضافتها لمؤتمر COP 27 لإنشاء سوق للشهادات الكربونية، مع وضع المعايير والنظم الرقابية وتطويع القواعد الدولية فى أسواق الكربون، وهو ما يعتبر خطوة فعالة نحو تقليل انبعاثات الغازات الدفيئه وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ويعتبر إنشاء شركة الشهادات الكربونية وسيلة فعالة لتطبيق سوق هذا المبدأ مما يؤدى فى النهاية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وبالتالى الحد من التغيرات المناخية.

 

إنقاذ الكوكب

إسلام عباس

إسلام عباس، خبير اقتصاد سياسى، أكد أن سوق الكربون، هو السوق الذى يتم تداول الانبعاثات الحرارية فيه، ويرجع لاتفاقية كيوتو وكان الغرض منها تخفيض الانبعاثات الكربونية فى البلاد التى يوجد لديها زيادة فيها، لذا تعتبر أسواق الكربون أداة تستخدمها الدول للحد من كمية الانبعاثات الكربونية، والمسئول عن هذه الانبعاث هو مَن يدفع الثمن، لذا كلما زادت الانبعاثات كلما زادت تكلفة المنتج وأصبح غير قادر على المنافسة.

 

وتابع عباس أن الفترة القادمة هي مرحلة أسواق الكربون لأنها أسواق واعدة، بحيث تقدم الدولة حوافز إيجابية للأنشطة الاقتصادية حتى يمكن أن تتحكم وتسيطر على كمية الانبعاثات الكربونية، أو غازات الاحتباس الحرارى فيها طبقاً لاتفاقية باريس، لأنه من غير المنطقى تحمل دول منخفضة الانبعاثات للأثر الضار، فكان الأفضل شراء الدول ذات الانبعاثات الكربونية الأكثر من الدول ذات الانبعاثات الاقل، كنوع من التعويض، ومن هنا ظهر مصطلح بورصة للكربون، وهدفها الرئيسى الحفاظ على مستوى محدد من الانبعاثات الكربونية.

 

أما عن الاتجاه المتزايد نحو أسواق الكربون، فأكد عباس أن الهدف الرئيسى هو محاولة معالجة الخلل البيئى الناجم عن الانبعاثات الكربونية المتزايدة، مثل مشاكل الإمدادات اللوجستية لسلسلة الغذاء، والذى نتج عن النزاعات جيوسياسية فى منطقة شرق أوروبا التى كانت تمثل سلة حبوب غذاء للعالم كله، فضلًا عن تضرر باقى المحاصيل الزراعية فى العالم نتيجة الاحتباس الحرارى وارتفاع درجة حرارة الارض، وسيتم مناقشته فى كوب 28 فى الإمارات، بعدما تم مناقشته فى كوب 27 بمصر، وذلك لأن خطر الاحتباس وصل للبشر والحيوانات والمزارع، بالإضافة إلى تأثيره على منسوب الانهار، وإصابة دول أوروبية بالجفاف.

 

أما عن مفهوم الحياد الكربونى أو الحياد الصفرى، فأوضح خبير الاقتصاد السياسى، أنها عبارة عن مبادرة، قامت بها بعض الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية للوصول إلى صفر انبعاثات كربونية خلال الأعوام القادمة للحفاظ على درجة حرارة الأرض، وعدم حدوث تأثيرات وظواهر طبيعية مدمرة للكوكب، لافتًا إلى أن الأمر أصبح أكثر خطورة، وذلك بعد خروج تقرير من المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، باحتمالية ارتفاع درجة حرارة الأرض عام 2026 درجة ونصف، وهو ما يشكل خطرًا على العالم كله، لذا يجب الالتزام بأسواق الكربون مع توجيه التعويضات لتطوير مشروعات الطاقة النظيفة والخضراء، من خلال مشروعات الهيدروجين الأخضر الذى  تقوم به مصر فى الفترة الحالية باستثمارات تتجاوز 8 مليارات دولار.

 

مكاسب مزدوجة

 

وعن علاقة سوق الكربون بالبنك الدولى، أوضح  الدكتور محمد أحمد العدوى، خبير الهندسة الكيميائية، ورئيس قطاع إنتاج وتشغيل مصنع نترات الأمونيوم بشركة أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية:» أن سوق الكربون، هى سوق أنشأها البنك الدولى فى البداية، تبعاً لاتفاقية كيوتو، بموجبها تقوم الدول التى تتجاوز الحدود فى الانبعاثات بتعويض الدول التى تقوم بمعالجة هذه الانبعاثات طبقاً للحدود الدولية المتعارف عليها، فهناك قانون دولى يحدد الانبعاثات المختلفة، والتى يجب أن تلتزم بها الدول، ويتم التعامل فيها من خلال شهادات تسمى بشهادات الكربون، كل شهادة منها تمثل التخلص من كمية الكربون التى كان من الممكن أن تخرج للجو وتلوث البيئة، ويقوم البنك الدولى بتحديد سعر الشهادة حسب العرض والطلب، لافتًا إلى وجود شركات تابعة للبنك تقوم بإجراء تفتيش ربع سنوى على شركات المعالجة ووحداتها، والتأكد من الكميات التى تم التخلص منها ومعالجتها، وتتيح شهادات الكربون لأحد الأطراف بيع فائضه الكربونى لطرف آخر يحتاج إليه، لأنه يُنتج أكثر من الحد المسموح له، كما يجرى تداول هذه الشهادات بين الدول على غرار شراء وبيع الأسهم والسندات المالية.

وأكد العدوى، أن الإيجابى فى هذا الأمر، هو المكسب الاقتصادى والمحافظة على البيئة فهم كضرب عصفورين بحجر واحد، وتعتبر مصر دولة جاذبة للاستثمارات فى هذا السوق، ولكن السلبى فى هذا الأمر هو وجود بعض الدول الكبرى فى إنتاج الانبعاثات لم تنضم حتى الآن لهذه الاتفاقيات، وأضاف أن سوق الكربون لن ينقذ الأرض إلا بانضمام الدول الأكثر تلويثا، مشيرًا إلى أن بعض الحكومات تلتزم بتطبيق برامج التخلص من الملوثات خاصة الكربونية المسئولة عن ظاهرة الاحتباس الحرارى مثل الحكومة الألمانية، مؤكدا أنه يمكن للاتفاقيات الدولية أن تكون إلزامية إذا تم الاتفاق على ذلك، لكنها للأسف حتى الآن لم تصبح ملزمة وما زالت اختيارية.

 

تجارة رابحة

 

 الجانب الاقتصادى لتلك التجارة وضحه لنا الدكتور ياسر حسين سالم الخبير الاقتصادى والمالى والبيئى، والمدرب الدولى لسفراء المناخ وخبراء البصمة البيئية، مؤكدا أن تجارة الكربون هى التجارة الرابحة فى مستقبل البشرية، فالكربون أصبح أحد الموارد الاقتصادية التى تسعى دول العالم إلى الاستفادة منه وتحويله من أزمة إلى ميزة، وذلك فى ظل التحول العالمى نحو الاقتصادات الخضراء.

وأضاف أن للكربون بصمة تدخل فى مكونات البصمة البيئية لأى نشاط، فهى وسيلة قياس تكشف عن حجم الانبعاثات الكربونية لتعديل أضرارها لمعالجة ومواجهة قضية المناخ بالايجاب، ويكفى أن نذكر أن البصمة الكربونية البشرية تضاعفت 11 مرة منذ عام 1961، حتى اقترب نصيب الفرد فى العالم من 5 أطنان عام 2014، وتعد الولايات المتحدة الأمريكية هى الأعلى عالمياً فى نصيب الفرد من البصمة الكربونية بنحو 16 طناً للفرد.

وتابع سالم، أن العالم اصبح الآن مصيره مشترك، فاذا لم تكن هناك قدرة حيوية كافية لامتصاص تراكم انبعاثات الكربون فى الغلاف الجوى، فسيزداد الاحتباس الحرارى، وستزيد معه حدة التغيرات المناخية، وبالتالى تصبح الحياة على الكره الارضية مهددة، لذا أصبح تقليل الكربون هدف عالمى، والانتقال إلى الطاقة المتجددة والنظيفه هى أفضل الحلول وأقواها، فدول العالم تجتهد فى خفض البصمة الكربونية للفرد لأقل من 2 طن حتى عام 2050، ويأتى ذلك كضرورة وحتمية لتجنب ارتفاع درجة حرارة الأرض بواقع 2,5 درجة مئوية، لذلك أصبح الحياد الكربونى أمراً حتمياً لبقاء البشرية واستمرارها.

 

وأضاف أنه مع انتشار تجارة الكربون ظهر مفهوم بورصة الكربون وهى بورصة يتم من خلالها شراء وبيع شهادات الكربون، لتمكين الدول والشركات والافراد من الوفاء بالتزاماتها بتخفيض الانبعاثات، حسب برنامج الامم المتحدة الانمائى واتفاقيه كيوتو لتغير المناخ واتفاقية باريس، لذا توجد 57 مبادره عالميه منفذه لتسعير الكربون، وهناك 28 نظام لتجاره الانبعاثات ETSs ، و29 ضريبة للكربون، وتغطى مبادرات الكربون 11 مليار طن، وهى تمثل 20%  أى الخمس من حجم الانبعاثات الدفيئة العالمية، وهناك ايرادات قدرها 44 مليار دولار أمريكى تم تقييمها فى سوق الكربون العالمى عام 2018، ثم قفزت إلى 82 مليار دولار عام 2021، ونستنتج من ذلك ان تجاره الكربون هى التلوث الذى يصنع مليارات الدولارات.

وأكد الخبير الاقتصادى أن البشرية معرضة لخسائر تقدر بتريليونات الدولارات فى حالة عدم خفض الانبعاثات الكربونية، لذا يسعى العالم بشكل متزايد إلى التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون عاما بعد اخر، حيث تضاعف عدد اذونات تسعير الكربون المنفذة بحسب بيانات البنك الدولى 2021 بقيمة 82 مليار دولار أمريكى وهى قيمة مبادرات تسعير الكربون، وبرغم ذلك إلا أن طريق تجارة الكربون ما زال فى مهده حيث إن 85% من الانبعاثات العالمية لا تزال غير مشمولة بتسعير الكربون، مما يجعل البشرية فى وضع خطر، وعلى الدول بذل جهود اكبر فى تحييد الكربون من أجل بقاء البشرية.

وأشار الدكتور سليم إلى أن الانبعاثات ستصل إلى 56 جيجا طن من ثانى اكسيد الكربون بحلول عام 2030 وهو معدل اكبر من الضعف عن المطلوب، مما يجعل ضرورة التحرك دوليا بسرعة للسيطرة على هذه الانبعاثات أمرا حتميا.

 

أما عن تجارة الكربون فى مصر، فأوضح الخبير البيئى، أن مصر تسعى لإطلاق المزيد من شهادات الكربون وتطبيق نظام الحدود القصوى لانبعاثاته، كما تعاونت عدة جهات لتأسيس أول شركة مصرية لتطوير وإدارة وإصدار شهادات الكربون، لكن لا يزال تطبيق منظومة الاتحاد الأوروبى فى مصر يواجه عوائق محلية حيث يحتاج إلى تشريع قانونى ووعى تام من جانب الشركات العاملة لقياس البصمة الكربونية المصاحبة لعملية الإنتاج، كما أنه على المستوى الدولى فالفرص متاحة لمصر لخلق فرص استثمارية من تجارة الكربون وخلق وظائف جديدة وجذب عملة صعبة، من خلال خوض تجارة الكربون من منظور السندات الخضراء وهى عبارة عن صكوك استدانه للحصول على أموال مخصصة لتمويل مشروعات متصلة بالمناخ والبيئة، وتجتذب هذه السندات المستثمرين المهتمين بالاستثمارات المستدامة والذين يراعون المعايير البيئية والاجتماعية المتصلة بالحوكمة فى مشروعاتهم.

ولفت إلى تجربة مصر فى هذا الأمر، عندما قامت وزارة المالية بإصدار أول طرح للسندات الخضراء السيادية الحكومية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى سبتمبر 2020 بقيمة 750 مليون دولار أمريكى، لأجل خمس سنوات، بسعر عائد 5,25%  وهو مكسب لأن فيه تنوع فى الأوعية الاستثمارية المصرية، والانفتاح على مستثمرين جدد من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وشرق آسيا والشرق الأوسط، كما أعلنت وزارة البيئة فى 2018  استعدادها لإطلاق أول سوق وبورصة لتجارة الكربون والانبعاثات وشراء الأرصدة الائتمانية الكربونية فى شمال أفريقيا والشرق الأوسط، خاصة أن السندات الخضراء تحظى بقبول المستثمرين الدوليين، كما أن إصدار مصر للصكوك الدولية الخضراء بقيمة 2 مليار دولار، وضع مصر على خريطة التمويل المستدام عالمياً لجذب المستثمرين العالميين فى المشروعات الخضراء.