رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

رحــلـة البـحث عــن «بواقــى» الأثريــاء

بوابة الوفد الإلكترونية

 

أسواق كانت على مدار عقود ماضية ملاذ البسطاء.. ملابس مستعملة وأحذية بالية.. أطعمة تقترب من نهاية فترة الصلاحية، ومعلبات أنهكها التخزين على أرفف المتاجر الكبيرة.. أجزاء من الدواجن وفواكهة اللحوم فى انتظار الزبائن ممن أعجزتهم أسعار اللحوم والدواجن المشتعلة عن الشراء، فأصبحوا ينتظرون بقايا مذبوحات الأثرىاء لشرائها، والاستمتاع برائحة البروتين الحيوانى ولو كانت على شكل هياكل وأرجل.

ورغم أن هذه الأصناف كانت هى أمل البسطاء والفقراء لتذوق طعم اللحوم أو الدواجن، فإنها تحولت إلى عبء جديد عليهم مع ارتفاع الأسعار، فلم يتوقع أحد أن حال هذه الأسواق تتبدل لتلحق بقطار الأسعار المنفلت بعدما ارتفعت أسعار منتجاتها بطريقة جنونية.

قصص أشبه بالأفلام الدرامية رصدتها «الوفد» فى عدة جولات ميدانية على بعض الأسواق منها سوق الجمعة بالمطرية الخاص ببقايا الطيور، وفواكه اللحوم فى المدبح، وملابس البالة فى وكالة البلح، ننقلها لكم لنكشف عن أن الواقع أصبح أكثر مأساوية من الأفلام.

 

المدبح.. أسعار «فواكه اللحوم» تضاعفت 4 مرات

البداية كانت داخل المدبح بمنطقة السيدة زينب، حيث العشرات من المواطنين يقبلون على شراء فواكهة اللحوم التى تباع على عربات متحركة.

وجوه شكلتها علامات الغضب، مشاحنات متواصلة بين الباعة والمواطنين، لافتات الأسعار تصيب الماره بحالة من الذهول، فكيف لأسعار فواكه اللحوم تزداد بنسبة تصل إلى 4 أضعاف سعرها الطبيعي؟.

كيلو الفشة بـ60 جنيهًا، والممبار بـ90 جنيهًا، والكرشة بـ25 جنيهًا، والكوارع بـ120 جنيهًا، والكبدة البلدى بـ150 جنيهًا، بينما وصل سعر كيلو اللحم البلدى إلى 160 جنيهًا.. هكذا كانت أسعار فواكه اللحوم على اللافات المتواجدة داخل السوق.

وسط الزحام تقف سيدة بجلبابها الفضفاض، بحركات استعراضية تقوم بتقطيع اللحوم أمام المارة لتلفت انتباههم، وتقول «الفواكه ياللى عايز تقضى ليلتك».

بعد دقائق من الحديث معها وبحرص شديد تجنبًا للمشاحنات خاصة أن جميعهم يخشون الصحافة، لكن السيدة اطمأنت وقالت لنا: «الأسعار ارتفعت.. والغلبان مفيش قدامه غير أنه يشترى».

 

«الأسعار زادت 3 أضعاف».. قالتها البائعة تعقيبًا على حال سوق «فواكه اللحوم».. مشيرة إلى أن السبب وراء ذلك ارتفاع سعر الدواجن فى المحلات واللحوم بشكل مبالغ فيه مما أدى إلى زيادة الإقبال على شراء «فواكه اللحوم».

جاء إليها أحد المشترين سألها قائلًا: «كيلو الفشة بكام يا معلمة؟».. لترد عليه غاضبة: «إنت مش شايف اليافطة؟»، ودخل الطرفان فى مشاجرة كل منهما يحاول أن يقنع الآخر، تحاول هى أن تقنعه بأن الأسعار ارتفعت، ولكن الزبون يرى أن هذا نوع من الجشع والاستغلال.

«يا معلمة الرحمة مش كده.. هناكل إيه طيب لما كيلو الفشة بـ60 جنيهًا؟».. قالها بغضب شديد زبون آخر، مشيرًا إلى أنه حريص على الشراء من المدبح لرخص الثمن، ولكن فى الأسابيع الأخيرة أصبحت الأسعار تفوق قدرة المواطن صاحب الدخل المتوسط وليس تحت مستوى خط الفقر.

 

مواطنون: «مش عارفين نشترى أكل الكلاب»

ومن المدبح إلى سوق الجمعة الخاص ببيع بواقى الطيور بالمطرية، حيث الزحام الشديد على بائعى الأجنحة والأرجل فى مشهد مأساوى يعكس مدى ما وصل إليه حال المواطنين.

25 جنيهًا سعر كيلو أرجل الدواجن ويختلف السعر حسب العرض والطلب، الأمر الذى جعل المترددين على السوق فى حالة استياء، وقالت إحدى السيدات: «رضينا بالهم.. والهم مرضيش بينا».

بينما وصل سعر كيلو الأجنحة إلى 40 جنيهًا، وفى بعض الأسواق الأخرى 50 جنيهًا.. وقالت عطيات محمود، إنها تعمل عاملة نظافة فى المنازل وتحرص على شراء متطلباتها من سوق بقايا الدواجن.

حالة من الاستياء والضيق انتابت السيدة الأربعينية فور علمها بارتفاع أسعار بقايا الدواجن: «إحنا بناكل حاجات بتاكلها الكلاب، ودلوقتى مش قادرين نشتريها».

تصمت السيدة للحظات وتعود قائلة بصوت مكسور حزين إنها كثيرًا ما تستجدى الباعة لتشترى منهم بقايا الدواجن بالسعر القديم حتى تستطيع الحصول على ما يسد رمق ابنائها، وتابعت: «فيه من البياعين اللى بيرضوا ويخفضولى الأسعار وفيه اللى مش بيرحموا حد».

وتستكمل: «لما كيلو الكبد والقوانص يبقى بـ40 جنيهًا وفيه ناس بتبيعها بـ50 جنيهًا.. ناكل إيه؟».

أثار ارتفاع الأسعار بهذا الشكل حالة من الاستياء العام لدى المواطنين، وانعكاسًا لهذه الحالة جاء أول تحرك برلمانى قام به محمد عبدالله زين الدين، عضو مجلس النواب، أمين حزب مستقبل وطن بمحافظة البحيرة، حيث قدم بيانًا عاجلًا للحكومة بشأن ارتفاع أسعار الدواجن بشكل غير مسبوق على الرغم من الإفراجات الجمركية عن الأعلاف.

وقال عضو مجلس النواب، إن ما تشهده الأسواق من ارتفاع أسعار بشكل مستمر يفوق قدرات الأغنياء، مشيرًا إلى أن ارتفاع الأسعار وصل إلى بواقى الدواجن، حيث وصل سعر كيلو الأجنحة إلى 40 جنيهًا للكيلو، كما وصل سعر كيلو الدواجن لـ70 جنيهًا وهذا لم يحدث قبل ذلك.

وتساءل عضو مجلس النواب: لماذا كل هذه الممارسات التى تعبر عن جشع التجار على الرغم من تعهد الحكومة بحل أزمة الأعلاف فى الموانئ، حيث تم الإفراج عن العديد من الشحنات.

وأشار عضو مجلس النواب إلى أن ذبح أمهات الدواجن التى كانت تنتج البيض فى وقت سابق قد يكون سببًا فيما تشهده الأسواق الآن، بالإضافة إلى إعدام عدد كبير من الكتاكيت أثناء أزمة نقص الأعلاف وارتفاع أسعارها، وهو ما تسبب فى نقص المعروض، وسط تزايد الطلب، الأمر الذى أدى لارتفاع أسعار الدواجن بشكل غير مسبوق.

 

سوق البالة.. الكساد سيد الموقف

رغم كونه السوق الأشهر للبسطاء، إلا أنه أصيب بفيروس غليان الأسعار، الذى ساد فى الفترة

الأخيرة، لتتبدل مشاهده اليومية من زحام المارة والمستهلكين، إلى حالة من الركود تشعل غضب واستياء الباعة والذين تكبدوا خسائر فادحة خلال الفترة الماضية، هكذا أصبح حال «وكالة البلح»، التى لا تبعد سوى أمتار قليلة عن محطة مترو جمال عبدالناصر بوسط القاهرة.

جولة ميدانية لـ«الوفد» فى الوكالة، رصدت خلالها الارتفاع الشديد الذى لاحق أسعار الملابس سواء الجديدة أو القديمة، بعد أن كان مصدرًا لسعادة الأسر الفقيرة فى المناسبات المختلفة، وكان طوق نجاة لأولياء الأمور لشراء ملابس أبنائهم بأسعار رمزية.

محال مغلقة استسلم أصحابها للخسائر التى لاحقتهم بآلاف الجنيهات، ومنهم من قرر استبدال نشاطه بأى مصدر دخل آخر، ومنهم من قرر مواجهة الركود والإبقاء على نشاطهم أملًا فى تعويض خسائرهم، وضعوا السلع أمام محالهم يقفون بالساعات وأصواتهم المبحوحة تنادى على بضائعهم أملًا فى اقناع بعض المشترين بالشراء.

«السوق ده كان للغلابة والفقراء، وكل حاجة بتتباع بأسعار رمزية».. بهذه الكلمات استهل فتحى جمال، بائع، حديثه، مشيرًا إلى أنه خلال الشهور الماضية تبدلت معالم السوق للنقيض، فبدلًا من حركة البيع والشراء التى كانت تميزه عن باقى الأسواق، نظرًا لإقبال آلاف المواطنين البسطاء من كافة أنحاء المحروسة، إذ باتت المحال اليوم تعانى حالة من الركود الشديد بسبب ارتفاع الأسعار.

«دى أول سنة نشوف فيها المهزلة دى».. بهذه الكلمات احتجت صابرين عبدالعال، ربة منزل، على أسعار الملابس فى المحال، وقالت: «20 سنة باجى هنا الوكالة وبشترى لولادى كل لوازمهم، بس دلوقتى خلاص كل شىء ارتفعت أسعاره، حتى الهدوم القديمة مش عارفين نجيبها حسبنا الله ونعم الوكيل».

وبنظرات تشوبها الدهشة، ينظر شاب عشرينى للافتات أسعار الملابس المعلقة، أمام أحد محال الوكالة، وقال: «لما الحاجة أم 200 تبقى بـ400 يبقى إحنا نعيش إزاى، أنا شاب دخلى على قدى، ولو حبيت أشترى طقم واحد هضيع مرتبى كله، أى طقم كويس دلوقتى مش أقل من 600 جنيه، طيب متوسط دخل الشباب 1200، كده فاضل نصف الراتب، ولو أنا ساكن فى إيجار كده راتبى كله ضاع».

وأضاف: «وكالة البلح أنا باجيها من 10 سنين سمعت عنها زمان أول ما جيت القاهرة من جدى، وقالوا إن فيها كل البضائع القديمة والجديدة، وكل الخامات، وبأسعار رمزية، بس دلوقتى الحال اتبدل للنقيض، ومش عارفين نشترى منين».

«الحكومة نايمة فى العسل».. بهذه الكلمات استهل رؤوف جلال، موظف، حديثه، مشيرًا إلى أن غياب الرقابة على الأسواق هو السبب الرئيسى فى غلاء الأسعار بنسب متفاوتة.. وتابع: «كل بائع بيغلى السعر على كيفه، فإذا الأسعار زادت مثلًا بنسبة 10% هوه بيزود 20 أو 30%، وبيتفق مع الباعة الآخرين على توحيد الأسعار».

وأضاف: «أنا عندى 5 عيال، وطبعًا أنا موظف وعلى قد حالى، باجى بشترى هدوم مستعملة لعيالى اللى أصلًا رضيوا بالأمر الواقع ومش بيقلدوا زمايلهم اللى بيشتروا ملابس جديدة، لكن السنة دى لما جيت علشان أشوف حال السوق لقيت حالة غليان فعلًا لكل الملابس سواء القديمة أو القديمة، ومش عارف بجد أعمل إيه دلوقتى!.. مش هعرف أشترى اللبس الشتوى لعيالى الخمسة، فأكيد هضحى بعيل أو اتنين منهم علشان الباقى يلبس».

 

تقرير «الإحصاء» يكشف

كشف تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن ارتفاع معدل التضخم الشهرى بنسبة 1.0% لشهر يناير 2022، ونوه الجهاز فى مقارنة بين «شهــر يناير 2022 وشهـر ديسمبر 2021» إلى ارتفاع أسعار مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 2.3%، كما سجل قسم الطعام والمشروبات ارتفاعًا قدره 2.6% وتأتى التغيرات نتيجة لارتفاع أسعار مجموعة السكر والأغذية السكرية بنسبة 14.7%.