عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الكونيسة.. أهلًا بكم فى إمبراطورية البلطجة

بوابة الوفد الإلكترونية

داخل سيارة ربع نقل متهالكة ينتظر الركاب قدوم السائق ليقلهم من المنيب إلى منطقة الكونيسة التابعة لمحافظة الجيزة، وما إن تحركت السيارة وسلكت شوارع ملتوية أشبه بالثعابين، حتى تحول المشهد إلى ما يشبه مدينة الملاهى، فالركاب يتأرجحون يميناً ويساراً وتعرض أحدهم للإصابة فى رأسه.

صمت الراكب بعد إصابته قليلاً، ثم وجه بعض الشتائم إلى قائد السيارة الذى لم يراعِ ظروف الطريق المهشم حيث تعانى المنطقة بأكملها الإهمال والتهميش من قبل الحكومة منذ سنوات طويلة، والأمر لا يقتصر على الطرق فقط، بل جزء من كل، فالروائح الكريهة التى تشمئز منها الأنوف تفوح من على جانبى الطريق المؤدى للمنطقة، وتزداد هذه الروائح كلما اقتربنا شيئاً فشيئاً، ناهيك عن عشرات المشكلات الأخرى.

حالة من الرعب تصيب الأطفال الموجودين داخل السيارة المذكورة سابقاً وبأيديهم يقبضون على أقدام أمهاتهم جيداً حتى لا يتعرضوا للإصابة، وما إن وصلنا إلى الكونيسة حتى تعالت أصوات الركاب «حسبنا الله ونعم الوكيل فى كل مهمل».

عالم ملىء بألوان من التجاوزات تكشف عوار المحليات، ما جعل منطقة «الكونيسة» أشبه بدولة داخل محافظة الجيزة، تسيطر عليها بلطجة سائقى التكاتك الذين يسيرون بسرعة جنونية فى الشوارع الضيقة، ما يعرض حياة الأطفال والمارة للموت المفاجئ، وسيارات ربع نقل مجهولة الهوية لا توجد عليها أرقام تحمل الركاب إلى مصير مجهول، فضلاً عن عربات الكارو التى تحتل مساحة كبيرة من الشوارع، بل إن بعض «العربجية» أصحاب هذه السيارات يتمركزون فى وسط الشارع مستعرضين قوتهم وعدم قدرة أحد على التعرض لهم.

مشاهد عديدة رصدتها «الوفد» خلال جولتها الميدانية فى منطقة الكونيسة لتكشف العديد والعديد من ألوان «الجهر» بالمخالفات دون الخوف من العقوبة، وأكبر دليل على ذلك هو سوق الكونيسة الحضارى، ذلك المبنى التابع لحى العمرانية والخاص بسوق شامل للخضراوات والفاكهة وغيرها من متطلبات المواطنين، الذى أصبح تحت حصار الإهمال والبلطجة من قبل الباعة الجائلين.

عشرات البائعين متراصون أمام السوق الحكومى المغلقة أبوابه بعدما احتل المنطقة الخارجون على القانون، الذين حولوها لسوق عشوائى لا تستطيع السير فيه بشكل منتظم، ولذلك تنشب العديد من المشاجرات بين المارة، خاصة بين قائدى السيارات والمواطنين أحياناً، أو بين قائدى السيارات والباعة أحياناً أخرى.

سنوات من الكبت والضيق أضرمت قلوب الأهالى ناراً سواء من إهمال الحكومة تارة، أو من البلطجة العلنية من الباعة المتجولين تارة أخرى، قال شريف عبدالساتر، صاحب محل بقالة، إن الباعة الجائلين الموجودين فى الكونيسة يحتاجون لتدخل من المحليات والمحافظة حتى لا يعودوا مرة أخرى لهذه الصورة التى تشكل خطراً على المارة خاصة من السيدات والفتيات أو على شكل المنطقة الحضارى.

وأشار «شريف» إلى أن المشاجرات بين الباعة أصبحت عرضاً مستمراً بسبب أسبقية الحضور فى المكان، فضلاً عن مشاجرات أصحاب التكاتك معهم، أو بين قائدى التكاتك أنفسهم على أسبقية التحميل والوقوف فى المكان.

استكملت «الوفد» جولتها حتى وجدنا وحدة صحية تقع أيضاً تحت حصار ألوان من التجاوزات التى تكشف إهمال المحليات، وبالتحديد فى شارع عثمان أحمد عثمان، فما بين سائقى التكاتك وتمركز الباعة المتجولين اختفت معالم الوحدة الصحية ومدخلها حتى أصبح قاصدو الوحدة الصحية فى حالة من الحيرة، وتقول إحدى سيدات المنطقة التى رفضت ذكر اسمها: «كيف أدخل الوحدة وسط هؤلاء المتحرشين؟»، وأضافت أنها كثيراً ما تتعرض لمضايقات من قبل الباعة المتمركزين أمام الوحدة الصحية وغيرهم من سائقى التكاتك، ويعجز العاملون فى الوحدة الصحية عن التصدى لهم حتى لا يتعرضوا للأذى فور انتهاء عملهم، وتابعت: «كان فيه واحد سبق أن تعرض لهم بسبب تجاوزاتهم مع السيدات وهو مروح ضربوه عند كوبرى ترسا».

«مش عارفين نرتاح فى بيوتنا».. جملة قالها رجل خميسينى وهو فى حالة من الاستياء والضيق، ففى الوقت الذى تلقى تحذيرات من أطباء المخ والأعصاب بضرورة الاسترخاء والنوم والبعد عن الضغوط يعجز «متولى جمال» عن النوم فى ظل أصوات الباعة المتجولين نهاراً ومشاجرات أصحاب التكاتك ليلاً.

وتابع: «حرام على المحليات لما نبعت لهم مئات الاستغاثات ومفيش رد علينا، بالعكس الوضع بيسوء يوم بعد يوم، يشير الرجل الخمسينى إلى

أنه حاول كثيراً التواصل مع المحليات دون جدوى حتى يستغيث بهم من القمامة المنتشرة فى كل مكان وتسببت فى إصابة الكثير من الأطفال بأمراض الربو والحساسية.

واستكمل: «أنا من الناس اللى ما تقدرش تمشى فى شوارع الكنيسة بسبب ريحة القمامة اللى ممكن تعملى كتم فى النفس وده سبق أن تعرضت له لما حبيت أجيب لنفسى طلب من بره»، مشيراً إلى أنه فى أوقات ذروة درجات الحرارة يعجز الأهالى عن فتح نوافذ المنازل حتى لا تدخل الروائح الكريهة النابعة من تلال القمامة الموجودة فى كل مكان إلى منازلهم.

 

ما رصدته عدسة «الوفد» بشأن وجود تلال القمامة فى كل مكان وحديث الأهالى أكدته أمل رزق الله، عضو مجلس النواب، التى قالت إنها قدمت طلب إحاطة ضد وزير التنمية المحلية بضرورة تطبيق العقوبة على من يلقى القمامة فى الشوارع.

وأشارت النائبة إلى أن طلب الإحاطة الذى قدمته يشمل شرحاً مفصلاً لمشكلة القمامة فى مصر على الرغم من صدور العديد من القوانين لمواجهة مشكلة إلقاء المخلفات فى الشوارع، التى تعد بمثابة الردع العام والخاص للحد من انتشار الظاهرة، مؤكدة أن إلقاء القمامة فى الشوارع يشكل خطورة تهدد البيئة والأفراد وتكدر سكينتهم فضلاً عن تعريض أرواحهم وسلامتهم للخطر.

نوهت النائبة أمل رزق الله بأن قانون النظافة العامة الجديد ينص على توقيع عقوبة الحبس والغرامة التى لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين على كل من ألقى أو وضع مخلفات أعمال البناء أو الهدم أو الحفر فى الطريق العام أو الميادين أو الأنفاق أو الأراضى الفضاء غير المخصصة لإلقاء المخلفات أو على الكبارى أو الجسور أو على السكك الحديدية أو فى الأماكن الأثرية أو فى مجرى النيل والترع والمصارف أو شواطئ البحر، إلا أنه لا يتم الالتزام بهذا القانون ولا يتم تفعيله.

«علشان يكون عندك علم مفيش مركز أو حى أو قرية أو كوبرى إلا وتنتشر بها تلال القمامة».. وتستكمل النائبة حديثها مشيرة إلى أن سلوكيات المواطنين وكيفية تخلصهم من القمامة بشكل غير حضارى هى السبب فى هذه المشكلة، مؤكدة أنه فى حالة تطبيق قانون النظافة العامة الجديد قد يتعرض من يلقى القمامة فى غير الأماكن المخصصة لها لغرامة فورية بمبلغ مائتى جنيه بالنسبة للمارة، وخمسة آلاف جنيه لغيرهم من المخالفين خلال أسبوع من تاريخ ضبط الجريمة.

وحتى يتم تنفيذ هذا القانون سيظل سكان منطقة الكونيسة يعانون من أكوام القمامة المكدسة فى الشوارع، والروائح الكريهة التى تنبعث منها والأمراض التى تنقلها لأبنائهم، بينما ستظل مشكلات الزحام والتكدس المرورى والبلطجة هى سمة المنطقة حتى يتدخل مسئولو محافظة الجيزة لإنقاذ أبناء المنطقة.