رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

العالم فى قبضة "ميتافيرس"

بوابة الوفد الإلكترونية

التقنيات المستقبلية تتحدى القانون.. و«الجرائم الافتراضية» خارج السيطرة

زيادة أمراض الهلاوس والفصام والعزلة الاجتماعية..أهم السلبيات

،،«تخيل أن مقر عملك أصبح على الشاطئ، تخيل أنك تنظم اجتماعًا مع مرؤوسيك وأنت خارج شركتك وكأنك موجود معهم بالفعل، تخيل أنك تحضر حفلًا غنائيًا وأنت فى منزلك».. هذا بعض مما ستفعله بنا تكنولوجيا ميتافيرس الجديدة التى أعلن عنها مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرج مؤخرًا، وأثارت ردود فعل واسعة حول العالم، فيما يتعلق بمستقبل البشرية وتغير شكل الحياة خلال السنوات المقبلة. وقد أعلنت شركة فيسبوك مؤخرًا تغيير اسمها إلى «ميتا»، وهذا الاسم الجديد مستوحى من مصطلح «ميتافيرس»، الذى يعتبره الخبراء معبرًا عن مستقبل مواقع التواصل الاجتماعى أو مستقبل الإنترنت بصفة عامة.

بدلًا من أن تكون التفاعلات البشرية واقعية ومحسوسة عبر التلاقى المادى، أو تكون غير مادية وغير محسوسة عبر التلاقى الرقمى من خلال شاشات الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، سوف يكون هناك طريق ثالث يسد الفجوة بين هذين العالمين الواقعى والرقمى، ليظهر عالم ثالث افتراضى يأخذ من الواقع شيئًا، ومن الإنترنت والتقنيات الذكية أشياء أخرى.

هذه التكنولوجيا سيكون لها آثار خطيرة على المجتمعات، ولذلك بدأ الخبراء التحذير منها من الآن، لأنها قد تؤدى إلى زيادة الأمراض النفسية لدى المواطنين وخاصة الهلاوس والفصام، وزيادة عزلة الأفراد والإدمان، مطالبين الحكومات بالاستعداد لهذه الآثار السلبية ومواجهتها مبكرًا، من خلال وضع خطة واضحة للتعامل معها، ونشر محتوى جيد عليها يجذب المواطنين بدلًا من اتجاههم إلى التطبيقات السيئة التى سيتم إطلاقها على ميتافيرس.

فى البداية ما هو مصطلح ميتافيرس؟، هو مصطلح ظهر لأول مرة من خلال رواية الخيال العلمى Snow Crash التى ألفها الكاتب نيل ستيفنسون عام 1992، ويعنى «الكون الفوقى» وتدور أحداثها حول تفاعل البشر من خلال الشبيه الافتراضى «أفاتار»، ويحتضن هذه التفاعلات والتعاملات فضاء افتراضيًا ثلاثى الأبعاد مدعومًا بتقنيات الواقع المعزز، فيما يشبه إلى حد كبير العالم الحقيقى.

أما تقنية ميتافيرس نفسها، فهى سلسلة من العوالم الافتراضية التى تضم تفاعلات لا حصر لها بين المستخدمين من خلال الأفاتار الخاص بكل مستخدم، التى ربما لن تقتصر على ممارسة الألعاب والترفيه فقط، بل ستتيح هذه التقنية كذلك العديد من التفاعلات الخاصة بالأعمال.

وقال مارك زوكربيرج مؤسس فيسبوك، لتقريب فكرة ميتافيرس للأذهان، إن الأمر أشبه بتحويل الإنترنت إلى بيئة ثلاثية الأبعاد لا يقتصر دور المستخدم على النظر إليها عبر شاشته، بل الدخول فى هذه البيئة بنفسه حتى يصبح أحد عناصرها، ولتنفصل حواسه عن عالمه الحقيقى فترة بقائه فى العالم الافتراضى.

ويدخل المستخدم إلى هذا العالم ليجد نفسه داخل سلسلة من المجتمعات الافتراضية المترابطة التى لا نهاية لها، يمكنه من خلالها لقاء عدد كبير من الناس المتاح التعامل معهم إما للعمل أو اللعب، وكل ما يحتاجه لذلك سماعات الواقع الافتراضى ونظارات الواقع المعزز وما يرتبط به من تطبيقات الهواتف الذكية.

ويعتبر «الميتافيرس» عالمًا اختياريًا، يُبنى وفق رغبات مستخدميه، فيستطيع الأفراد إنشاء عالمهم الخاص بهم، وقد قسمها زوكربرج حتى الآن إلى 3 عوالم أو آفاق Horizons، وهى «آفاق المنزل» Horizons Home، و«آفاق العمل» Horizon Workrooms، و«آفاق العالم» Horizons world.

وأشار إلى أنه داخل «آفاق المنزل»، يستطيع المستخدم إنشاء نسخة افتراضية تطابق منزله الأصلى، ويستطيع التجول فيها بمجرد ارتداء نظارة الواقع الافتراضى، ومن ثم يستطيع أن يدعو زملاءه عبر «ميتافيرس» إلى قضاء وقت معًا داخل المنزل، أو مشاهدة مباراة كرم قدم، أو حتى استذكار الدروس والمراجعة.

وبالمثل يستطيع الزملاء فى العمل إنشاء فضائهم الخاص بهم، فيمكنهم الذهاب إلى العمل فقط من خلال ارتداء نظارة الواقع الافتراضى، وإنجاز المهام المطلوبة والمشاركة فى الاجتماعات، كل ذلك دون مغادرة المنزل.

كما يمكن التسوق داخل «ميتافيرس»، واختيار السلع الغذائية من داخل السوبر ماركت ودفع ثمنها عبر بطاقة الائتمان فى تجربة ثلاثية الأبعاد، وكأن المستخدم داخل أحد المتاجر بالفعل، كما يمكن قياس الملابس والتأكد من ملاءمتها للمستخدم، عبر تصميم «أفاتار» بنفس مقاييس المستخدم ومحاكاة تجربة ارتداء الملابس عليه.

ومع تطور عوالم ميتافيرس سيصبح كل نشاط إنسانى فى الواقع الحقيقى متاحًا بكل تفاصيله فى العالم الافتراضى، الأمر الذى يعنى أن الإنسان ربما يكون قادرًا على البقاء فى العالم الافتراضى لفترات أطول، فهو إما مسترخيًا فى منزله الافتراضى أو يمارس إحدى الألعاب أو الرياضات مع أصدقاء من مختلف أنحاء العالم، أو يعقد اجتماعات افتراضية أو يتسوق ما يحتاجه من متاجر على الجانب الآخر من الكوكب.

ومن خلال استخدام نظارات الواقع الافتراضى والواقع المعزز وارتداء السترات والقفازات المزودة بأجهزة استشعار، يستطيع المستخدم أن يعيش تجربة شبه حقيقية، تعمل فيها هذه التقنيات الذكية كوسيط بين المستخدمين فى عالم «ميتافيرس»، لإيصال الشعور بالإحساس المادى، فيستطيع أن يرى المستخدم الأشياء من حوله بصورة ثلاثية الأبعاد عبر النظارة، كما يمكن أن يشعر فيها بالمؤثرات الجسدية الحسية، كإحساس السقوط فى المياه أو اللكمة فى الوجه أو غيرها، من خلال المستشعرات الموجودة فى السترات والقفزات التى يرتديها، فيحصل على تجربة أشبه بالواقعية حتى وإن كانت غير مباشرة.

وأوضح «زوكربيرج»، أن المشروع سيتكلف عشرات المليارات من الدولارات لتطويره كما سيتطلب سنوات طويلة ولكنه سيسير بخطوات تدريجية، كما يوفر أعدادًا هائلة من الوظائف، وفرص كبيرة للمستخدمين أو صانعى المحتوى من تطوير أدواتهم والوصول بسرعة أكبر للمستخدمين.

وللدخول إلى عالم ميتافيرس، أطلقت شركة ميتا «فيسبوك سابقا» تطبيقًا للاجتماعات الافتراضية للشركات، يسمى Horizon Workrooms، يحتاج مستخدميه لنظارات الواقع الافتراضى Oculus VR، وحتى الآن لم تحظ هذه النظارات بالرضا الكامل من المستخدمين، فضلًا عن ارتفاع سعرها الذى يبلغ 300 دولار أو أكثر، ما يجعل معظم تجارب ميتافيرس المتطورة بعيدًا عن متناول الكثيرين خاصة فى الدول النامية.

أما من يمكنه تحمل تكاليف شراء نظارات الواقع الافتراضى، فسيحتاج فقط إلى اختيار الشبيه الافتراضى له «أفاتار»، ليصبح ممثله فى هذا العالم الجديد، ويمكنه حينها التنقل بين تلك العوالم الافتراضية التى أنشأتها شركات مختلفة.

فى هذا السياق، قال المهندس شريف إسكندر، خبير تكنولوجيا المعلومات، إننا عندما نتعامل حاليًا على شبكات التواصل الاجتماعى فنحن نتعامل عن طريق جهاز معين بواسطة تطبيق ما، أما التواصل فى الواقع الافتراضى الخاص بميتافيرس سيكون طريقة اتصال مختلفة تدخل الإنسان فى بيئة افتراضية أقوى، تُمكننا من ارتداء جهاز مثل نظارة يتم من خلالها عرض المشهد أو المنظر، وفى هذه الحالة عملية الاتصال ما بين الأشخاص ستكون كأنهم جالسون فى اجتماع على ترابيزة واحدة وجهًا لوجه ونستطيع تحريك الأوجه يمينا ويسارا وأعلى وأسفل.

وأوضح خبير تكنولوجيا المعلومات، أنه بنفس الطريقة نستطيع من خلال هذه النظارات أن نتجول داخل متحف ما ونحن فى منازلنا ومشاهدة ما يحتويه، وإذا كان هناك زائرون فى المتحف فإنهم يشاهدون مجسم يمثل الشخص الذى يستخدم ميتافيرس قريب الشبه جدًا من الشخص فى الواقع، مشيرًا إلى أن هذا الشخص يستطيع تغيير بعض ملامحه والتحكم فى ملابسه، فلو الشخص يرتدى قميصًا لونه أزرق مثلًا فإنه يستطيع تغييره فى المجسم إلى الأحمر.  وأضاف أنه من الممكن أيضاً تغيير شكل المنظر والمشهد الحقيقى بطرق بسيطة داخل ميتافيرس إذا كنا فى قاعة اجتماعات مثلًا، وبالتالى ما يكون فى الواقع الافتراضى يمكننا التحكم به وتغييره عن الواقع الحقيقى.

وأشار «إسكندر»، إلى أن هذه المجسمات من الممكن أن تكون خطرًا على المجتمع، لأن الشخص بدلًا من خلق مجسم لنفسه

من الممكن أن يصمم مجسم لشخصية مشهورة أو فنان مشهور ويرتكب جرائم باسم هذه الشخصية وكلها أعمال افتراضية.

وأكد خبير تكنولوجيا المعلومات، أن مواجهة الدول لهذه التطبيقات والتقنيات مستقبلًا بالطرق القانونية يعد أمرًا صعبًا، لأننا أمام منظومة خلال 3 أو 4 سنوات لن تكون لدينا القدرة للسيطرة عليها، ولذلك تعاملنا مع هذا التطور يكون من خلال خطة واضحة لاستغلال هذا الواقع الافتراضى وطرح خدمات عليه تجعل الناس تستخدمه وترى مميزاته، لأن عددًا كبيرًا من التطبيقات سوف تظهر عليه مستقبلًا خاصة بمجالات مختلفة مثل التعليم والصحة عن بعد والترفيه.  وتابع: «ولذلك من الممكن خلق زيارات افتراضية للمتاحف والمناطق الأثرىة وتنظيم رحلات إلى قاع البحار فى الواقع الافتراضى، من خلال خطة واضحة لنشر محتوى جيد بدلًا من استخدام الشباب للتطبيقات السيئة التى ستظهر أيضاً، وبذلك نكون استطعنا وضع خطة لنشر محتوى جيد يكون ركيزة أساسية فى محاربة الجانب السيئ لهذه التطبيقات، لأننا للأسف دائما ما نكون رد فعل وخير مثال على ذلك جهود الدولة فى مواجهة المحتوى السيئ والشائعات على وسائل التواصل الاجتماعى بعد انتشارها بشكل كبير داخل المجتمع».

داء ودواء

وقال الدكتور محمد حمودة استشارى الطب النفسى، إن ميتافيرس تستهدف استخدام حواس الإنسان بشكل أكبر.

وأضاف «حمودة»، أنه عندما كان شخص ما فى مصر يريد مقابلة أخيه الموجود فى أمريكا مثلًا ولا يستطيع السفر إليه، فإنه كان يرسل إليه فى البداية الجوابات، وبعدها أصبحنا نرسل الصوت فقط أى نستخدم حاسة السمع، ثم أصبحت المقابلات صوت وصورة أى استخدمنا حاسة البصر، والآن مع ميتافيرس بدأ التفكير فى استخدام الشخص لكل الحواس حتى يشعر أنه جالس مع الشخص الآخر بشكل حقيقى فيلمسه ويشم رائحته وهذا هو هدف مشروع ميتافيرس.

وأوضح استشارى الطب النفسى، أن هذا الأمر له فوائد وأضرار، أما الفوائد فتتمثل فى أنه يمكن استخدامه فى علاج بعض أمراض الطب النفسى، ويجعل الاجتماع بالأشخاص أسهل، لكن الضرر الأكبر له سيكون فى زيادة عزلة الأفراد ويجعلهم لا يتفاعلون بواقعية.

وتابع: «لو وصلنا مستقبلًا لمرحلة التعامل مع العالم الافتراضى على أنه العالم الواقعى، وبدأنا ننفصل عن الواقعى وندمن الافتراضى سيكون مؤشرًا خطرًا على المجتمع، لأن ذلك سيؤثر فعليًا على الحواس الحقيقية للإنسان وندخل فى مرحلة الهلاوس السمعية والبصرية.. وهذا سيحدث إذا استمر الإنسان فى ارتداء نظارة ميتافيرس لمدة طويلة، واستمر بقائه فى هذا العالم الافتراضى لوقت طويل» وأضاف أنه ستكون هناك ممارسات إدمانية بشكل أكبر، ومن الممكن أن يقابل شخصًا ما بنت فى العالم الافتراضى ويحبها ويؤدى ذلك إلى زيادة إدمان العالم الافتراضى، رغم أنها ليست موجودة فى الحقيقة وهكذا.

وأشار إلى أنه من المتوقع أن تظهر تطبيقات وألعاب إلكترونية يتعلق بها الأشخاص بشكل كبير على ميتافيرس، وإذا وصلنا لهذه المرحلة ستزيد الأمراض النفسية، لأن شركات هذه الألعاب تصممها بحيث يكرر الإنسان لعبها ويدمنها فى وقت ما حتى تزيد أرباحهم، ووقتها سيغطى إدمان الألعاب الإلكترونية على إدمان المخدرات، لأنه سيكون أخطر وأكثر انتشارًا، وسيؤثر على وجود خلل وظيفى واجتماعى، لأن كثرة استخدام المواطنين لهذه التطبيقات والألعاب سيؤدى إلى الجلوس أمامها لفترات طويلة، ما يؤدى إلى كثرة الإصابة بالأمراض الذهانية مثل الهلاوس والفصام. 

البرلمان يتصدى

وفى أول تحرك برلمانى على هذا المشروع، أعلن الدكتور أيمن محسب عضو مجلس النواب عن تقدمه بأول سؤال برلمانى عن ميتافيرس موجه إلى كل من رئيس الحكومة ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

ودار سؤال النائب الرئيسى حول استعدادات الحكومة المصرية لتكنولوجيا الواقع الافتراضى بعد إطلاق مشروع ميتافيرس، وأشار محسب إلى أن العالم كله أصيب بصدمة هائلة بعد الإعلان عن مشروع الواقع الافتراضى لمؤسس فيسبوك مارك زوكربرج، مؤكدًا أن هناك ملفات مرتبطة بهذه التكنولوجيا منها أن جميع البيانات الشخصية لأى مواطن ستكون متاحة عبر الواقع الافتراضى وسيتم التعامل معها سواء بالنسبة للتجارة أو الصناعة أو حتى الكشوف الطبية والعلاجات، وطبقًا لهذه التكنولوجيا سيتم إجراء عمليات جراحية وكشوف طبية للمواطنين عبر استخدام المميزات الهائلة التى تستخدمها هذه التكنولوجيا.

وأوضح «محسب»، أن هناك العديد من السلبيات المرتبطة بها، مثل إتاحة وجود شخصية مماثلة لأى شخص فى العالم الافتراضى، ومن ثم فإن هذه الشخصيات الافتراضية تتعرض لكل الأحداث التى تمر بالإنسان الطبيعى، وأشار إلى أن جمعية أمريكية كشفت فى دراسة لها عن أن 49% من النساء تعرضن للتحرش فى هذه التكنولوجيا و39% من الرجال تعرضوا للتحرش أيضاً، ما تسبب فى قيام كثير منهم بتقديم بلاغات وتحرير محاضر رسمية ضد مستخدمين آخرين بسبب الأضرار النفسية البالغة التى خلفتها هذه التكنولوجيا. وأكد أن إعلان هذا النوع من التكنولوجيا يحتم علينا أن نسأل عن مدى استعدادات الحكومة المصرية لتكنولوجيا العالم الافتراضى، وكذلك كيف سيتم التعاطى معه والاستفادة من مميزاته إلى جانب قدرة الحكومة على مواجهة المخاطر المحتملة بسبب هذا النوع من التكنولوجيا.