رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"أطفال الأنسولين".. القلب أبيض والعذاب ألوان

الفحص للسكر أمر مؤلم
الفحص للسكر أمر مؤلم لأطفالنا يحتاج لحل

40 ألف طفل يعانون وخز الإبر وسوء معاملة موظفى التأمين الصحى واضطهاد المدارس الخاصة

"هناء": انتظرت 4 ساعات بأحد مستشفيات التأمين لإجراء فحوصات لابنى المصاب بغيبوبة سكر

"نهى": لا نحصل على العلاج من المستشفى إلا بعد «بهدلة»

 

فى مصر نحو 40 ألف طفل وخر «الإبر» 9 مرات يوميًا فى أصابعهم وأجسادهم النحيلة هو أخف عذاب يتعرضون له، فمعاناتهم مع بعض المستشفيات والمدارس أقسى بكثير من وخز كل «إبر» العالم!

هم أطفال اسمٌ ورسمٌ ولكنهم أبدًا لا يذوقون للطفولة طعمًا، فالطفولة براءة بلا حدود وسعادة بلا شطآن، وحياة ليس فيها سوى الضحك واللعب والحب، أما هم فقد تقطعت بهم كل سبل السعادة، وكتب عليهم القدر أن يقضوا سنوات عمرهم فى أروقة المستشفيات وأن يرافقوا وخز الإبر مدى الحياة، ويأكلوا بحساب ويتحركوا بحساب، ويضحكوا بحساب.

 

شيرين عبدالغفار

هم أطفال تسلل إلى أجسادهم مرض السكر، وراح ينهش فى لحمهم، وينخرعظامهم الطرية.

 وكان الاعتقاد السائد لدى الكثيرين هو أن «السكر» مرض «للكبار فقط»، حتى كانت المفاجأة بتسرب المرض إلى أجساد أطفال لا يزالون فى عمر الزهور، وفى أحيان كثيرة تباغتهم غيبوبة السكر، حتى الحلوى التى يشتهيها كل الأطفال يُحرومون من تناولها

رصدنا جانبًا من معاناة أطفال السكر وأسرهم فوجدنا كل منهم يعيش مأساة يومية، هو وأسرته..

ولكن فى البداية يثور السؤال: ما الذى يجعل مرض السكر يتسلل إلى الأطفال رغم الاعتقاد الذى ساد طويلًا بأن السكر هو مرض للكبار فقط؟.. تجيب الدكتورة منى سالم- أستاذ طب الأطفال والسكر والغدد الصماء جامعة عين شمس- قائلة إن السبب الدقيق لداء السكرى من النوع الأول للأطفال غير معروف وربما كانت العوامل الوراثية والبيئية لها دوراً فى إصابة الأطفال به به.

وأضافت: من يصاب بالسكرى تتدمر خلايا البنكرياس، والبنكرياس هو الجزء المسئول عن إفراز الأنسولين فى الجسم، والأنسولين يؤدى مهمة غاية فى الخطورة وهى نقل السكر (جلوكوز) من مجرى الدم إلى خلايا الجسم، حيث يدخل السكر إلى مجرى الدم عندما يُهضم الطعام، وعندما يتوقف إفراز الأنسولين، يتراكم السكر فى دم الطفل، وإذا لم يعالج يسبب له مضاعفات تهدد حياته.

 ولو تجاوزنا أسباب الإصابة بالمرض سنجد أطفال السكر يعيشون سلسلة من المآسى فى المستشفيات والمدارس..

 فى مستشفى أطفال مصر التابعة للتأمين الصحى- بالسيدة زينب- التقينا عددًا من الأطفال المصابين بالسكر، وكانوا بصحبة أمهاتهم فى انتظار الحصول على جرعة الحياة الأنسولين.

وكانت البداية مع هناء مصطفى والدة الطفل يوسف 7 سنوات ومقيمة فى منطقة دار السلام، التى روت حكاية ابنها مع السكر فقالت «سقطت فى أحزان بلا آخر عندما أصيب ابنى بمرض السكر، وبعدها صار يحتاج إلى اختبارات وفحوصات معملية دائمة منها: قياس نسبة السكر فى الدم، والانتظام على العلاج والمتابعة الطبية المستمرة».

وأضافت «جئت للمستشفى بعد تعرض طفلى لغيبوبة نقص السكر فى الدم، تسببت فى ضعف رؤيته وفقدان توازنه وإصابته بالإغماء بشكل متكرر، وانتظرت لأكثر من 4 ساعات حتى جاء الطبيب وبدأ فى الكشف على الأطفال المرضى، الذين كانت أعدادهم بالعشرات».

مأساة أخرى تعيشها نهى عبدالرحمن، أم لطفلة عمرها 9 سنوات.. وتقول «ابنتى تعانى من ارتفاع السكر فى الدم، منذ عام، وكان علاجها بالعيادات الخاصة يقتطع أغلب دخل الأسرة، فنصحنى جيرانى بالذهاب إلى مستشفى التأمين الصحى أملاً فى الحصول على جرعة الدواء، ولكن المشكلة طول الانتظار، و(البهدلة) حتى نحصل على العلاج».

وأضافت «السكر مرض وراثى فى عائلتنا وعندما علمت بأن ابنتى مريضة سكر شعرت بالحزن، خاصة أن هذا المرض جعلها تتأخر كثيراً عن باقى الأطفال فى الدراسة، ولكن أغلب الأسر عاجزة عن توفير الدواء لأبنائها أو حتى عرضهم على الطبيب المختص لمعالجتهم فالحياة صعبة، ولابد أن يأخذوا علاج السكر «الأنسولين» وراتبى بسيط، وبالتالي فليس أمامى سوى مستشفى التأمين الصحى والصبر على البهدلة فيه».

وقالت منال يوسف، أم لطفل 5 سنوات مصاب بالسكر، إنها تأتى مبكرًا إلى المستشفى لخضوع طفلها للعلاج وصرف أدوية الأنسولين المقررة له، ولكن للأسف تقف فى طابور طويل حتى تحصل على دواء طفلها، وأيضاً تحصل على بعض «الإبر» والشرائط الخاصة بقياسات السكر.

جانب آخر من مأساة أطفال السكر تكشفه فاطمة على- أم لطفلة 8 سنوات مصابة بالسكر، فتقول إن المدارس الخاصة تتعنت فى قبول الطفل المصاب بالسكر خاصة المصابين بالدرجة الأولى منه، وحتى من تقبلهم لا يتم تعامله معاملة خاصة، ولا يعطونه الأنسولين فى موعده المخصص.

وأضافت «أناشد وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقى إلزام كل المدارس الخاصة بقبول الطلبة المصابين بالسكر فهذا أقل ما نقدمه لأبنائنا الذين يعانون كل لحظة من ذلك المرض اللعين.

القائمة الكاملة لمعاناة أطفال السكر تحددها سهام ياسر- أحد مؤسسى جروب أطفالنا والسكر، وأم لطفلة مريضة بالسكر، فتقول «تواجهنا عدة صعوبات وأهمها التعامل مع منظومة التأمين الصحى، فهناك عجز متكرر ملحوظ فى شرايط قياس السكر، وأحيانًا فى الأنسولين فى بعض فروع التأمين ولفترات طويلة، وهناك أيضًا توزيع غير عادل بين فروع التأمين الصحى فهناك فروع تصرف الدواء شهريًا، وفروع أخرى كل شهرين وفروع أخرى كل ثلاثة أشهر، وهناك فروع تعانى عجزًا تامًا فلا يتوافر بها الدواء نهائياً».

وأضافت «نعانى أيضًا من سوء معاملة متكرر من بعض موظفين التأمين لأهالى أطفال السكر فى فروع التأمين، وتعنت بعض الفروع باشتراط إحضار جواب تحويل من المدرسة كل شهر و إلا لا يتم الصرف».

وواصلت: أهم طلب تقدمنا به إلى إدارة التأمين الصحى ووزارة الصحة بتوفير جهاز القياس بدون وخز (فرى ستايل ليبري) مدعم فى التأمين لأطفال مصر، لأن طاقتنا وأولادنا استهلكت من وخزات القياس التى تصل إلى 9 مرات يومياً وذلك مراعاة لأنامل أطفالنا التى أصبحت محفورة بالوخزات والشكات، فالطفل السكرى هو طفل مجبر لتحمل هذه الوخزات، بالإضافة لآلام وخزات حقن الأنسولين فى نفس الوقت الذى هم لا يتمتعون بحرية اختيار أصناف وأوقات الطعام وأوقات اللعب والحركة، مع توفير جميع أنواع الإنسولين وعدم الاعتماد على البدائل التى يحتاج كل منها لقلم خاص به لحقن الإنسولين مما يضطرنا لحقن أطفالنا بالسرنجات العادية أو شراء سرنجات مخصوصة وهو ما يرهقنا ماديًا».

وفى ذات الاتجاه أكدت شيرين عبدالغفار أستاذ السكر والغدد الصماء بجامعة القاهرة، أنه طريقة علاج الأطفال تختلف نسبيًا عن طريقة علاج الكبار فلا مفر من تناول الأنسولين، فحالات الشفاء من مرض السكر قليلة جداً، أما علاج الأنسولين، فهو نوعان، نوع طويل المدى يعطى مرة واحدة على مدار اليوم، ونوع سريع المدى يعطى مع كل وجبة غذائية، ويجب حساب السعرات أثناء الطعام، لكى تتناسب مع جرعة العلاج، وكمية الجرعة يحددها الطبيب المعالج، ومن الممكن تقليل الجرعة بمرور الوقت، والأنسولين يحصل عليه الطفل المريض عن طريق الحقن، وهناك أقلام جديدة بسن رفيع وحسنة الشكل تم التوصل إليها للتغلب على مشكلات الأنسولين، والمطلوب الاهتمام بغذاء الطفل المريض وأن يحصل على غذاء صحى متوازن يحتوى على الخضراوات والفواكه الطازجة، وكميات معقولة من البروتينات والنشويات والفتيامينات والمعادن مع التقليل من الدهون، وممارسة الرياضة بطريقة منتظمة، وهو ما يحسن من مستوى السكر فى الدم.

وأوضحت أستاذ السكر والغدد الصماء، أنه لا توجد وسيلة وقاية للنوع الأول حتى الآن، ولكن لابد من الاهتمام الجانب النفسى لأطفال السكر فهو مهم للغاية ويجب أن نفهم الطفل أنه ليس مريضاً بالسكر، بل هو إنسان متعايش مع السكر، وهناك آلاف مثله، لأن نسبة انتشار السكر فى مصر تمثل 8 من عشرة فى الألف،

أى تقريباً كل ألف طفل هناك طفل واحد مريض بالسكر، وإذا كان عدد الأطفال فى مصر اقترب من 40 مليونًا، فهذا يعنى أن هناك نحو 40 ألف طفل فى مصر يعانون من مرض السكر.

 وتابعت «ينبغى إشراك الطفل المصاب بالسكر فى كل أنشطة المدرسة مثله مثل أى طفل، وبالتالى يجب ضبط الأنسولين وتناول الأطعمة الصحية من أجل ممارسة النشاط الرياضى».

وأضافت «جهاز (فرى ستايل ليبري) جهاز يتم تركيبه فى ذراع الطفل لمدة 14 يومًا يقوم خلالها بقراءة قياسات السكر بشكل دورى يغنى المريض عن الشك ويتم تغييره مرتين فى الشهر، ويبدأ سعره من 1700 جنيه حسب نوعه.. وبمقدوره أن يرحم آلاف الأطفال من فزع الوخز وخطر الغيبوبة، كما أن مضخات الأنسولين التى يتم تركيبها بالجسم مرة واحدة وتقوم بتوزيع الجرعات المناسبة للطفل بدون حقن، قد تكون حلمًا أخيرًا لصغار تحطمت قلوب أمهاتهم، كما تعتبر مضخة الأنسولين أيضاً من الخيارات المتاحة لبعض الصغار، وهى عبارة عن جهاز بحجم التليفون المحمول تقريبًا يتم ارتداؤه على الجسم، وفى معظم الحالات يوصل أنبوب خزان الأنسولين بالقسطرة التى يتم إدخالها تحت جلد البطن، وأيضاً تعتبر المضخة اللاسلكية التى تستخدم جرابات صغيرة تملأ بالأنسولين من الخيارات المتاحة، وتتم برمجة المضخة لإطلاق كميات معينة من الأنسولين تلقائيًا، ويمكن تعديلها لإطلاق كمية أكثر أو أقل من الأنسولين تبعاً للوجبات اليومية، ومستوى النشاط، ومستوى السكر بالدم.

وقالت منى عبدالعاطى وكيل لجنة التعليم بمجلس النواب، إن ما يتعرض له أطفال مرض السكر فى مصر، من تعنت بعض المدارس الخاصة، التى ترفض قبولهم بسبب حالتهم الصحية، هو إخلال جسيم بالحق فى التعليم الذى يكفله الدستور لكل مواطن دون تمييز بسبب حالته الصحية أو غيره، ولهذا يجب إلزام المدارس الخاصة بقبول نسبة محددة من الطلاب ممن يعانون مرض السكر، ضمن إجمالى طلابها المقبولين، مع وضع نصوص عقابية لمواجهة أى محاولة للخروج عن القانون برفض قبول أوراقهم بسبب حالتهم الصحية، وهذا أقل حقوق مانقدمه لهؤلاء الأبرياء من أطفالنا.

وأضافت وكيل لجنة التعليم، أنه يجب خضوع فكرة مضخة الأنسولين وجهاز فرى ستايل ليبرى، تحت مظلة التأمين الصحى، للتخفيف عن الصغار وذويهم، والتأمين يتكبد الملايين لصرف أدوية السكر وجرعات الأنسولين شهريًا ومن الممكن توفير تلك المبالغ الطائلة عند توفير مضخات تصرف لمرة واحدة فقط للمريض، لأن هناك معاناة حقيقية يعيشها أسرة الطفل المريض بالسكر، خاصة أن هناك حالات كثيرة قد تضطر لتناول الأنسولين مدى الحياة، مما يؤثر سلباً على الطفل نفسياً وصحياً.

وفى حكم تاريخى للمحكمة الإدارية العليا قالت المحكمة إن هيئة التأمين الصحى ملتزمة– وفقًا للقانون- بتقديم الرعاية الصحية بنوعيها الخدمات الصحية الوقائية والخدمات العلاجية والتأهيلية بكافة صورها لطلاب المدارس فى حالتى المرض والحوادث أياً كانت المرحلة التعليمية وعلى قمتها صرف الأدوية اللازمة للعلاج ويكون علاج التلميذ ورعايته طبياً إلى أن يشفى أو تستقر حالته.

 وقالت المحكمة إن المشرع الدستورى أوجب على الدولة كفالة التأمين الصحى لجميع المواطنين بها بما يستتبعه ذلك من توفير سبل العلاج حسبما تقتضيه حالة المريض، وهذا الالتزام لا مناص من تحقيقه ولا سبيل لفك يد التأمين الصحى منه، إذ إن علاج التلاميذ المرضى أمر يفرضه القانون ويبرره الواقع، والقول بغير ذلك فيه تعريض لحياة التلاميذ للخطر وهى جريمة مؤثمة مما يجب على التأمين الصحى النأى عنه.

وأشارت المحكمة إلى أن امتناع التأمين الصحى عن صرف الأنسولين وأدواته اللازمة للتلاميذ من شأنه أن يُمكن هذا المرض اللعين سارق الصحة من أن يفتك بهؤلاء الأطفال، وأنه إذا كان الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة جريمة بنص الدستور فإن امتناع التأمين الصحى ووزارة الصحة عن تقديم الأنسولين للأطفال هو أبشع ألوان الجرائم اقتُرفت على الإطلاق، لمساسها بينبوع الحياة بحسبان أن مرحلة الطفولة هى المرحلة التى تنمو فيها كل خلية من خلايا جسم الطفل وكل حاسة من حواسه, لذا يتعين علاجهم دون تأجيل أو تقسيط أو تقطير.

وأنه كان يتعين على القائمين على مرفق هيئة التأمين الصحى بدلاً من التحلل من رقبة الالتزام الدستورى بعلاج المرضى المشمولين قانوناً برعايتهم صحياً وعلاجياً أن يقوموا بدورهم المنوط بهم قانوناً لإنقاذ حياة الأطفال وهم الضعفاء المجردون من كل سلطان إزاء فقر أولياء أمورهم, وكان الأولى بهم النظر إليهم بعين الرحمة وبحث حالتهم المرضية لا بحث كيفية التحلل من الالتزامات التى أوجبها الدستور والقانون من حقوق فى علاجهم, بموجب حكم المادة 18 من دستور 2014 التى ألزمت الدولة بإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، بل جعل الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة جريمة يعاقب عليها القانون, فضلاً عما فيه من امتهان لأحكام الدستور كونه تعبيراً عن إرادة الأمة, مما يتعين معه رفض هذا الدفع.