رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصــــر تتصــــدى لأزمــــــة المــــناخ

السيول والأعاصير
السيول والأعاصير

السيول والأعاصير وحرائق الغابات التى شهدتها دول مختلفة حول العالم مؤخرا، دليل على وجود تغير كبير فى المناخ، حذر منه العلماء والدراسات العلمية منذ عقود، ويزداد هذا التحذير الآن بعدما وصلت آثار هذه التغيرات إلى الدول الكبرى التى كانت تعتقد أنها فى مأمن منها طوال السنوات الماضية، ولذلك شهدت قمة المناخ «كوب 26» الأخيرة فى بريطانيا إلقاء الضوء على التغيرات المناخية وآثارها التدميرية على العالم، ومطالبة الدول المتقدمة بتحمل مسئولياتها تجاه هذه الأزمة.

وطالب الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال كلمته فى قمة المناخ الدول المتقدمة بتحمل مسئولياتها والالتزام بتقديم 100 مليار دولار سنويا لمواجهة هذه الظاهرة، خاصة أن تأثيرات هذا التغير لا تقتصر فقط على انخفاض أو ارتفاع درجات الحرارة، واختفاء فصول مناخية من العام أو إطالة فصول أخرى، بل ستصل تأثيراته إلى الاقتصاد العالمى وقطاعاته المختلفة، سواء الزراعة أو الصناعة أو البنية التحتية وغيرها، فمن المتوقع أن تصل خسائر الاقتصاد العالمى إلى حوالى 23 تريليون دولار بحلول 2050.

فى هذا الملف نرصد أبرز وسائل وجهود مصر للتعامل مع أزمة التغير المناخى، وكيف ستواجه هذه الظاهرة، وتأثيراتها على الاقتصاد العالمى وخاصة قطاع الزراعة، الأكثر تضررا من الأزمة.

 

 

ردًا على ادعاءات تأثر الإسكندرية

خطوات لحماية الشواطئ والمدن الساحلية

أثارت تصريحات رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، فى قمة المناخ الأخيرة «كوب 26»، التى حذر فيها من اختفاء 3 مدن بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض من بينها الإسكندرية، الكثير من الجدل وردود الفعل الواسعة ما بين مؤيد ومعارض، وبدأت التساؤلات تثار حول مدى إمكانية اختفاء المدن الساحلية المصرية بالفعل.

وحذر «جونسون» فى كلمته التى ألقاها بقمة المناخ من ارتفاع درجة حرارة الأرض 4 درجات، قائلا «4 درجات ونقول وداعا لمدن بأكملها، ميامى، الإسكندرية، شنغهاى، ستختفى كلها تحت أمواج البحر».

وأضاف: «كلما فشلنا فى أخذ التدابير المناسبة، ساء الوضع وكان علينا دفع الثمن باهظا، إن الإنسانية استهلكت وقتها وحان الوقت للتصدى للتغير المناخي»، مشيرا إلى اتفاقية باريس للمناخ التى لم يتم الالتزام بتحقيق البنود التى نصت عليها، ومشددا على أهمية تقليل الاعتماد على الفحم نظرا لخطورته فى الاحتباس الحرارى والتغير المناخى.

ووفقا لدراسة نشرتها وكالة «فرانس برس»، فإن أكثر من 200 مليون شخص حول العالم يتعرضون لمخاطر كبيرة بسبب معيشتهم بالقرب من مدن يبلغ ارتفاعها عن مستوى سطح البحر أقل من مترين ما يجعلها عرضة لخطر ارتفاع مستوى سطح البحر والغرق.

وأظهرت الدراسة، أنه بحلول عام 2100، يمكن أن يرتفع عدد الأشخاص المعرضين لمخاطر ارتفاع مستوى سطح البحر إلى 410 ملايين شخص، وسيكون معظمهم فى المناطق التى يقع 62٪ منها فى نطاق العروض الاستوائية.

وشملت الدراسة عدة دول، بلغ عدد سكانها أكثر من 25 مليون نسمة عام 2010، ممن يعيشون على الأراضى الواقعة تحت خطوط المد العالى، واحتلت الصين المرتبة الأولى من ناحية الأكثر تعرضا للخطر، تليها الهند، بنجلاديش، فيتنام، إندونيسيا، اليابان، الفلبين، مصر، الولايات المتحدة الأمريكية، بورما، نيجيريا، ماليزيا، بريطانيا، المكسيك، كوريا الجنوبية، باكستان، العراق وإيطاليا.

وبحسب اللجنة الدولية لتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، يقطن نحو 680 مليون شخص مناطق ساحلية منخفضة، ترتفع أقل من 10 أمتار عن مستوى سطح البحر، ويتوقع أن تصل أعداد ساكنى تلك المناطق إلى مليار شخص بحلول عام 2050.

ويعتبر هؤلاء الأكثر عرضة للتضرر بظاهرة تغير المناخ، التى تعد سبباً رئيسيا فى ارتفاع مستوى سطح البحر، إذ تسببت ظاهرة الاحتباس الحرارى الناجم عن انبعاثات الغازات الدفيئة فيما شهدته المحيطات من ارتفاع غير مسبوق فى درجات الحرارة، على مدى العقود التى شكلت القرن الماضى.

وتطل دول شمال إفريقيا والخليج وإيران على سواحل الخليج والبحر الأبيض المتوسط وبحر العرب، وتعد البلدان ذات المناطق الساحلية المنخفضة ودلتا الأنهار الواسعة منها، مثل مصر والعراق، أكثر عرضة لخطر الفيضانات بما تحمله من عواقب كارثية على البنى التحتية والسكان والزراعة وإمدادات المياه العذبة، فضلا عن الخسائر الحضارية التى ستمتد إلى غرق بعض أبرز المعالم التاريخية التى نعرفها فى جوف البحر.

ولسنوات طويلة، ساد اعتقاد بأن مستويات أسطح بحار العالم سترتفع بنحو أقل من متر على أكثر تقدير بحلول عام 2100، ولكن الدراسات الحديثة رجحت ارتفاع مستوى سطح البحر بنسبة أعلى بكثير بسبب التسارع المطرد فى ذوبان الجليد فى جرينلاند وأنتاركتيكا.

وتشير دراسة أجرتها الأكاديمية الوطنية للعلوم فى الولايات المتحدة العام الماضى، إلى أن مستوى سطح البحر سيرتفع لأكثر من مترين ما يعنى أن العالم سيفقد مساحة من اليابسة تبلغ 1.79 مليون كيلومتر مربع.

ووفقا للدراسة، يمثل هذا السيناريو كارثة للزراعة والأمن الغذائى فى مصر، التى يتوقع أن تشهد غرق مساحة شاسعة من دلتا النيل، تضم مدينة الإسكندرية.

ويتوقع تقرير أصدرته الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، أن شواطئ الإسكندرية ستغمر حتى مع ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار نصف متر، ما سيتسبب فى تهجير نحو 8 ملايين شخص بسبب الفيضانات فى الإسكندرية ودلتا النيل بحلول عام 2050، إذا لم تتخذ الإجراءات الوقائية اللازمة.

وتتنبأ دراسة أخرى أجرتها منظمة المناخ المركزية، عام 2018، بغرق مساحة تصل إلى 734 كيلومترا فى دلتا النيل بحلول عام 2050، ويتوقع أن تتوسع إلى 2660 كيلومترا بحلول نهاية القرن، ما يعنى تعرض كامل مساحة الإسكندرية لخطر الغرق.

وفى مدن كالإسكندرية بمصر والبصرة العراقية، يتوقع أن تكون البنى التحتية كالطرق الرئيسية والمطارات أكثر عرضة لخطر الفيضانات.

وردا على ما أثير حول اختفاء الإسكندرية، قال الدكتور محمد عبد العاطى، وزير الموارد المائية والرى، إن هذا الأمر ليس مفاجئا لنا ومعروف منذ سنين طويلة، وكلها سيناريوهات لن تحدث الآن وقد تحدث فى عام 2100 مثلا، ولكن بفضل تحركات مصر لن يحدث غرق للمحافظة، وهناك خطة لحماية عروس البحر الأبيض المتوسط يتم تنفيذها.

وأضاف «عبدالعاطى»، أننا تحدثنا منذ فترة عن غرق المناطق المنخفضة مثل الإسكندرية ومناطق فى الدلتا، بسبب التغيرات المناخية، مشيرا إلى أن التغيرات المناخية تتسبب فى مشكلات متعددة ولكن لدينا استعدادات لذلك، كما نمتلك نظام مبكر للتنبؤ قبل هطول الأمطار بخمسة أيام.

وأوضح وزير الرى، أن مصر وضعت نظام حماية لإنقاذ قلعة قايتباى من الانهيار بسبب عمليات النحر، واتخذت إجراءات على مدار السنوات الماضية، لتنفيذ حماية الشواطئ مع صيانة مخرات السيول بشكل سنوى، مؤكدا أن مصر تتعامل مع الأحداث المتطرفة الخاصة بالمناخ بأسلوب الإنذار المبكر.

فى هذا الصدد أيضا، قالت وزيرة البيئة ياسمين فؤاد، إن مصر تبذل منذ سنوات طويلة من خلال وزارة الموارد المائية والرى جهود كبيرة فى عملية الإنذار المبكر لعمليات السيول وارتفاع مستوى سطح البحر والأمطار والعواصف.

وأضافت «فؤاد»، أن وزارة الرى نفذت إجراءات منذ سنوات لحماية قلعة قايتباى من الاختفاء نظرا لأنها كانت مهددة بسبب ارتفاع منسوب سطح البحر مع السيول فى الإسكندرية كل عام، موضحة أن الوزارة خصصت أكثر من 7 مليارات جنيه لحماية الشواطئ المصرية خاصة منطقة الإسكندرية.

وأشارت إلى أن مصر حصلت على تمويل يبلغ نحو 34 مليون دولار لوزارة الرى وهو الوحيد الذى حصلت عليه من تمويل المناخ، لإنشاء وعمل خطط لإجراءات حماية الشواطئ، مؤكدة أن انبعاثات مصر من تلوث الهواء لا تصل إلى 1% من انبعاثات العالم، ورغم ذلك تعمل بسرعة للتكيف المناخى ومواجهة التغيرات المناخية.

 

المشروعات الخضراء.. النقل النظيف.. والمدن الذكية أهم محاورها

استراتيجية وطنية متكاملة لمواجهة الظاهرة

مواجهة ظاهرة تغير المناخ أصبحت ضرورة حتمية ولا يجب تجاهلها، لما لها من آثار سلبية متعددة على مختلف دول العالم، وخاصة الدول النامية التى تعد الأكثر تأثرا بها، رغم مشاركتها الضئيلة فى هذا التغير مقارنة بالدول المتقدمة.

وأطلقت مصر مؤخرا، ممثلة فى وزارة البيئة، الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، وقالت ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، إن ملف تغير المناخ شهد اهتماما متصاعدا منذ 2019، وتحول من المستوى الوزارى ليصبح المجلس الوطنى لتغير المناخ برئاسة رئيس الوزراء وعضوية الوزارات المعنية، وبرئاسة وزارة البيئة للأمانة الفنية.

وأشارت إلى أن إعداد الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ كان على مرحلتين، الأولى مرحلة الإطار العام الذى تمت الموافقة عليه فى يونيو الماضى، والثانية إعداد الاستراتيجية كاملة، مؤكدة أنها ستمكن مصر من تخطيط وإدارة تغير المناخ على مستويات مختلفة ودعم تحقيق غايات التنمية المستدامة وأهداف رؤية مصر 2030 باتباع نهج مرن ومنخفض الانبعاثات.

يتم التنفيذ بهدف التصدى بفاعلية لآثار وتداعيات تغير المناخ بما يساهم فى تحسين جودة الحياة للمواطن المصرى، وتحقيق النمو الاقتصادى المستدام، والحفاظ على الموارد الطبيعية والنظم البيئية، مع تعزيز ريادة مصر على الصعيد الدولى فى مجال تغير المناخ.

وتتضمن الاستراتيجية خمسة أهداف رئيسية، هى تحقيق نمو اقتصادى مستدام، بناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ، تحسين حوكمة وإدارة العمل فى مجال تغير المناخ، تحسين البنية التحتية لتمويل الأنشطة المناخية، وتعزيز البحث العلمى ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة والوعى لمكافحة تغير المناخ.

أما تحقيق النمو الاقتصادى المستدام، فسيكون من خلال خفض الانبعاثات فى مختلف القطاعات، بزيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة والبديلة فى مزيج الطاقة، والتوسع فيها بإنشاء مزارع الرياح ومحطات الطاقة الشمسية، وتطوير تقنيات جديدة لاستيعاب استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل أنظمة التحكم الذكية، واستكشاف مصادر طاقة بديلة جديدة مثل الهيدروجين الأخضر والطاقة النووية، وزيادة استخدام الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء داخل المنشآت الصناعية وتطبيقات الطاقة الشمسية الحرارية فى العمليات الصناعية، والتخلص التدريجى من الفحم والتحول إلى أنواع وقود منخفضة الكربون.

كما يتم تعظيم كفاءة الطاقة، عن طريق تحسين كفاءة محطات الطاقة الحرارية، وشبكات النقل والتوزيع، والأنشطة المرتبطة بالنفط والغاز، وتبنى اتجاهات الاستهلاك والإنتاج المستدامة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى من النشاطات الأخرى غير المتعلقة بالطاقة.

وفيما يتعلق ببناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ، فإنه يتمثل فى حماية المواطنين من الآثار الصحية السلبية لتغير المناخ بتحسين الخدمات الصحية وزيادة استعداد القطاع الصحى لمواجهة الأمراض الناجمة عن تغير المناخ، وإعداد الدراسات وتدريب العاملين بالقطاع الصحى وتوعية المواطنين.

يضاف إلى ذلك الحفاظ على الموارد الطبيعية والنظم البيئية من تأثيرات تغير المناخ، والحفاظ على موارد الدولة وأصولها من هذه التأثيرات، وتحسين البنية التحتية والخدمات المرنة لمواجهتها، وتنفيذ مفاهيم الحد من مخاطر الكوارث عن طريق إنشاء أنظمة إنذار مبكر.

وحول تحسين حوكمة وإدارة العمل فى مجال تغير المناخ، كشفت الاستراتيجية أنه سيكون من خلال تحديد أدوار ومسؤوليات مختلف أصحاب المصلحة من أجل تحقيق الأهداف، وتحسين مكانة مصر فى الترتيب الدولى الخاص بإجراءات تغير المناخ.

أما الهدف الرابع فهو العمل على تحسين البنية التحتية لتمويل الأنشطة المناخية، عن طريق الترويج للأعمال المصرفية الخضراء المحلية، وخطوط الائتمان الخضراء، والترويج لآليات التمويل المبتكرة التى تعطى الأولوية لإجراءات التكيف كالسندات الخضراء، ومشاركة القطاع الخاص فى تمويل الأنشطة المناخية والترويج للوظائف الخضراء، والتوافق مع الخطوط التوجيهية لبنوك التنمية متعددة الأطراف (MDB) لتمويل الأنشطة المناخية، والبناء على نجاح برامج تمويل الأنشطة المناخية الحالية.

ويتمثل الهدف الخامس فى تعزيز البحث العلمى ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة والوعى لمكافحة تغير المناخ، وزيادة الوعى بشأن تغير المناخ بين مختلف أصحاب المصلحة (صانعى السياسات والقرارات، والمواطنين، والطلاب).

وستستخدم وزارة البيئة مجموعة من السياسات والأدوات لتنفيذ هذه الاستراتيجية، منها أدوات التمويل المبتكرة مثل السندات الخضراء، وأدوات التمويل التقليدية مثل القروض الميسرة ومنح من بنوك التنمية متعددة الأطراف، وإعداد وتقديم مشروعات فى إطار الصندوق الأخضر للمناخ وآلية التنمية المستدامة الجديدة لاتفاقية باريس، بالإضافة إلى بناء نظام وطنى للمراقبة والإبلاغ والتحقق يساعد فى متابعة وتخطيط العمل المناخى، وتطبيق الوزارات لمعايير الاستدامة فى تحديد المشاريع التى سيتم تقديمها إلى وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية ووزارة المالية، مع إشراك أصحاب المصلحة فى مختلف مراحل تطوير الإستراتيجية، واستخدام الخريطة التفاعلية كأداة تخطيط لتحديد المناطق المعرضة لمخاطر تغير المناخ المحتملة.

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسى، قد أكد خلال مشاركته فى قمة المناخ التى عقدت فى مدينة جلاسكو الإسكتلندية مؤخرا، إن العمل على مواجهة تغير المناخ حتمى لا يحتمل التأجيل.

وأوضح السيسى، أن قضية المناخ باتت تؤثر علينا جميعا، ومصر بادرت لاتخاذ خطوات جادة لتطبيق نموذج تنموى مستدام للوصول بنسبة المشروعات الخضراء الممولة حكوميا إلى 50% بحلول 2025 و100% بحلول 2030.

وأضاف: «نعمل كذلك على التحول إلى النقل النظيف فضلا عن إنشاء المدن الذكية والمستدامة، كما تنفذ مصر مشروعات لترشيد استخدامات المياه والإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية»، مشيرا إلى أن مصر تدرك واجباتها وتعى حجم التحديات التى تواجهها كافة الدول النامية.

ولفت إلى أن تنفيذ الدول النامية لالتزاماتها مرهون بحجم الدعم الذى تحصل عليه، خاصة من التمويل الذى يعد حجر الزاوية والمحدد الرئيسى لرفع الطموح المناخى، معبرا عن قلقه إزاء الفجوة بين التمويل المتاح وحجم الاحتياجات الفعلية للدول النامية، علاوة على العقبات التى تواجه النفاذ إلى هذا التمويل.

وأكد «السيسى»، أنه لابد من وفاء الدول المتقدمة بتعهدها بتقديم 100 مليار دولار سنويا لصالح تمويل المناخ فى الدول النامية، موضحا أن القارة الإفريقية تواجه التبعات الأكثر سلبية لهذه الظاهرة وما يترتب عليها من آثار اقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية، داعيا إلى ضرورة منح القارة الإفريقية معاملة خاصة فى إطار تنفيذ اتفاق باريس بالنظر إلى وضعها الخاص وحجم التحديات التى تواجهها.

 

 

توفير مصادر غير تقليدية لمياه الرى

الدولة تتحرك لحماية المحاصيل الزراعية

التغير المناخى ليس فقط انخفاضًا أو ارتفاعًا فى درجات الحرارة خلال أوقات معينة من العام لم نكن معتادين عليها، بل قضية أشمل وأعمق من ذلك بكثير، وأهم أضرارها ستكون على الاقتصاد العالمى وليس المحلى فقط.

وتوقعت دراسة أجرتها «سويس رى إنشورانس» أكبر شركة لإعادة التأمين فى العالم، خسارة الاقتصاد العالمى لحوالى 10% من قيمته بما يقدر بنحو 23 تريليون دولار بحلول عام 2050، نتيجة تأثير التغير المناخى على الزراعة والأمراض والبنية التحتية والإنفاق الحكومى وغيره.

وأوضحت الدراسة أن مخاطر المناخ يمكن إدارتها من خلال إجراءات سياسية عالمية منسقة، وأن تحقيق هذه الغاية يتطلب أن نرى المزيد من الإجراءات السياسية بشأن تسعير انبعاثات الكربون، مقترنة بتحفيز الحلول القائمة على الطبيعة وتعويض الكربون.

وأظهرت الدراسة أن أشد البلدان فقرا ستكون الأكثر تضررا، وستشهد البلدان الأعضاء فى منظمة

التعاون الاقتصادى والتنمية، وهى مجموعة من أغنى دول العالم، انخفاضا بنسبة 5% فى حجم اقتصاداتها، مقارنة بـ 9% فى أمريكا الجنوبية، وحوالى 17% فى الشرق الأوسط وإفريقيا، و25% فى دول رابطة جنوب شرق آسيا.

وقد تأتى الأشكال الرئيسية للضرر الاقتصادى من خلال المخاطر المادية، مثل الأضرار التى تلحق بالممتلكات، والاضطرابات التجارية الناجمة عن زيادة مستويات الأحداث المناخية القاسية، وفقدان الإنتاجية، واضطرار الحكومات إلى إعادة توزيع الموارد الشحيحة لمواجهة التغير المناخى.

وتستند الدراسة إلى أن التزام العالم بأهداف اتفاقية باريس للمناخ، المتمثلة فى الحفاظ على درجات الحرارة من الارتفاع بمقدار درجتين مئويتين، سيسهم فى منع تراجع الاقتصاد العالمى بنسبة 4.2%، وترجح مع ذلك أن يؤدى ارتفاع الحرارة بمعدل 2 إلى 2.6 درجة مئوية، إلى خسائر اقتصادية عالمية بنسبة 11% إلى 13.9%، أى أعلى بحوالى 10% من خط الأساس.

لكن السيناريو الأسوأ، سيحدث إذا ما ارتفعت الحرارة بمعدل 3.2 درجة، إذ قد يؤدى ذلك إلى خسارة 18.1% من الناتج الاقتصادى العالمى بحلول منتصف القرن.

من جهته، قال الدكتور محمد فهيم، رئيس مركز تغير المناخ بوزارة الزراعة، إن قضية تغير المناخ تمس كل مواطن يعيش على سطح الأرض.

وأضاف أنها لم تعد مجرد قضية للحديث فى المؤتمرات وورش العمل، بل أصبحت القضية الأساسية فى العالم والمحددة لكثير من الاتجاهات وخاصة فيما يخص غذاء المواطنين، لأن لها تأثيرًا كبيرًا على ملف الأمن الغذائى لكثير من الدول بما فيها الدول المتقدمة وليس النامية فقط.

وأوضح «فهيم» أن الرئيس عبدالفتاح السيسى عبر فى كلمته بقمة المناخ الأخيرة عن هموم كثير من الدول وخاصة دول العالم النامى، التى لم تجد أحدًا يدافع عن مصالحها من قبل، لأن كل الدول المتقدمة المشاركة فى قمم المناخ منذ 30 عامًا تدافع وتعبر عن مصلحتها الشخصية وهى المسبب لهذا التغير المناخى، مشيرا إلى أن التغير المناخى ظاهرة طبيعية عالمية ناتجة عن فعل صناعى، بسبب تراكم الغازات الناتجة عن النشاط الصناعى فى الدول الكبرى منذ سنوات طويلة مما إلى ما يسمى بالاحتباس الحرارى الى يعد السبب الرئيسى فى التغيرات المناخية التى يشهدها العالم.

وأكد «فهيم»، أن المواطن أول من يتأثر بهذه الظاهرة، لأنه فى بعض المواسم الزراعية تحدث تقلبات مناخية جامحة تؤدى إلى نقص المعروض من محصول ما وليكن الطماطم أو البطاطس مثلا، فترتفع أسعارها ويشكو المواطن من ذلك.

وأضاف: «مصر اتخذت إجراءات عديدة لمواجهة هذه الظاهرة تكلفها مليارات الجنيهات وآخرها محطة معالجة مياه بحر البقر، التى تستهدف إيجاد مصدر غير تقليدى للمياه لزيادة المساحات الزراعية للمحاصيل التى تحدث بها فجوة مثل الحبوب والزيوت والبقوليات، لكى تتماشى مع ما سيحدث نتيجة تغير المناخ، لأن الدول الغنية بدأت تضع قيود على تصدير الغذاء للدول النامية».

ولفت الدكتور محمد فهيم إلى أن مصر ستنظم قمة المناخ العام القادم، وتم اختيارها بسبب الإجراءات القوية التى اتخذتها فى مجال التخفيف والتكيف مع التغيرات المناخية، وباعتبارها نموذجا يحتذى به داخل القارة الإفريقية، مؤكدا أن الدول المتقدمة ستلتزم بمسئولياتها تجاه مواجهة هذه الظاهرة خلال الفترة المقبلة، لأنها أصبحت تشعر بالخطر بعدما كانت تظن أنه بعيدا عنها فى الماضى، وأبرز الظواهر التى أدت إلى ذلك فيضانات العام الماضى فى أوروبا، وحرائق غابات شمال المتوسط، والأعاصير التى أصبحت من الدرجة الثانية والثالثة فى أمريكا الشمالية وأحدثت دمارا كبيرا وغيرها.

وعن تأثير التغير المناخى على الزراعة، قال «فهيم» إنه سواء فى موجات الحرارة العالية فى فصل الصيف أو البرودة الشديدة فى الشتاء، يؤثر التغير بشكل سلبى على المحاصيل الزراعية، موضحا أن هناك طاقة حرارية كبيرة تصاحب موجات الحرارة العالية خلال فصل الصيف تتسبب فى زيادة الاحتياجات المائية للنباتات والمحاصيل باعتبارها كائنات حية، وخاصة النباتات التى فى مراحل حرجة من النمو، مثل النباتات المشتولة والمزروعة حديثا كالطماطم والباذنجان والكوسة والفلفل وغيرها، أو التى فى مراحل التخصيب وتكوين الثمار وهى مراحل حساسة تحتاج فيها المحاصيل إلى تقريب فترات الرى قدر المستطاع، مع إضافة بعض المركبات المهمة لضمان استمرار العصارة.

وتابع قائلا: «هناك بعض الثمار وخاصة فى الفاكهة مثل المانجو والرمان تكون معرضة بكثرة لـ «لسعة الشمس» أثناء ارتفاع درجات الحرارة، لأن الثمرة نفسها تكون معرضة للشمس طوال اليوم، وهذه اللسعة تتسبب فى إنخفاض جودة الثمار، وبالتالى يتعرض المنتج لمشاكل تسويقية كثيرة، كما أنه بعد انتهاء الموجة الحارة قد يحدث تعفن فى بعض الأجزاء من الثمرة التى تضررت من الحرارة، وبالتالى من المهم جدا على مزارعى هذه الأنواع من الفاكهة اتباع «نظام التكييس» للثمرة وخاصة فى الجزء المواجه للشمس، أو رش بعض المركبات المعروفة لديهم لأنها تؤدى إلى تكوين طبقة رقيقة بيضاء تعكس أشعة الشمس وتحمى الثمار بقدر كبير».

ولمواجهة مشكلة التغير المناخى، أشار فهيم، إلى أن الدولة تحركت ووقعت بروتوكول مؤخرا تحت رعاية رئيس الوزراء والبنك المركزى لإتاحة قرض لصغار المزارعين لتحديث نظم الرى فى الأراضى القديمة بدون فائدة لمدة 10 سنوات، تتحمل فيه الدولة عبء الفائدة بدلا من الفلاح الذى لن يدفع سوى أصل القرض فقط بعد العشر سنوات، لأن أول حل وإجراء علمى ضد تغير المناخ هو توفير المياه للمحاصيل، حيث إن احتياجات النباتات المائية تزداد 30% أثناء زيادة درجات الحرارة.

 

 

القاهرة تحتل المركز 21 عالمياً

مؤشر دولى يشيد بأداء الحكومة

تعد مصر من أكثر الدول تأثرا بظاهرة التغير المناخى وتشير الدراسات العلمية إلى احتمالية غرق عدد من المدن الساحلية فيها، ولذلك تبذل الدولة العديد من الجهود لمواجهة هذه الظاهرة مبكرا، ووضعت استراتيجية وطنية للتغير المناخى.

ونتيجة هذه الجهود تواصل مصر التقدم فى مواجهة التغيرات المناخية وتداعياتها السلبية وتحقيق التنمية المستدامة، وقد احتلت مصر المركز 21 عالميا والثانى قاريا وعربيا، وذلك فى أحدث مؤشرات أداء التغير المناخى لعام 2022، والذى يتم الإعلان عنه سنويا فى مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخى، وتصدره منظمة البيئة والتنمية الألمانية، لتتقدم مصر على الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة وأستراليا وإسبانيا واليابان والمكسيك، بالتزامن مع استعدادها لاستضافة ورئاسة قمة المناخ العالمية المقبلة فى العام المقبل.

وصعدت مصر مركزا واحدا هذا العام، لتحتل المرتبة الـ21 فى القائمة متخطية الاتحاد الأوروبى الذى جاء فى المرتبة الـ22، طبقا لنتائج مؤشر أداء تغير المناخ (CCPI)، الذى ينظر فى أداء حوالى 60 دولة مسؤولة عن أكثر من 90% من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى فى جميع أنحاء العالم.

ووفقا للدراسة التى أعدها دليل أداء تغير المناخ 2022، حصلت مصر على مجموع نقاط 59.83 نقطة، بفارق حوالى 3 نقاط عن العام الماضى، لتواصل بذلك التقدم بين دول العالم مع خططها الجديدة لمواجهة آثار التغيرات المناخية.

وقد سلط المؤشر الضوء على العديد من الإنجازات التى حققتها مصر لتقليل انبعاثاتها من الكربون وتمويل الاستثمارات الخضراء وتشجيع المواطنين على حماية المناخ واستبدال إحلال المركبات وغيرها من المبادرات التى أطلقتها الحكومة المصرية ضمن خططها.

ويتكون دليل الأداء لمواجهة تغير المناخ من 14 مؤشرًا فرعيًا لقياس التقدم المحقق فى 4 مجالات ذات صلة بالتغيرات المناخية وهى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، والطاقة الجديدة والمتجددة، واستخدام الطاقة، والسياسات المناخية.

وأظهر الدليل تحقيق مصر تقدما ملحوظا جعلها تدخل ضمن قائمة الدول مرتفعة الأداء، حيث أحرزت نجاحا فى التصدى لانبعاثات غازات الاحتباس الحرارى لتحتل المركز الـ8، واستخدام الطاقة لتحتل المركز الـ 12 فى قائمة الدول التى شملها المؤشر، فى حين كانت متوسطة الأداء فى السياسات المناخية، ومنخفضة الأداء ​​فى الطاقة المتجددة.

وسلطت نتائج مؤشر تغير المناخ 2022 الضوء على خطة الحكومة المصرية، التى أطلقتها فى الفترة التى تسبق مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخى «COP26»، لعام 2021، والتى شملت الاتجاه لتمويل الاستثمارات البيئية والاستثمار الأخضر، إضافة إلى تكوين شراكات وتحالفات مختلفة مع دول أخرى تدعم خطتها.

كما سلطت نتائج المؤشر الضوء على خطة الحكومة لإنتاج الطاقة المتجددة، والتى تهدف إلى وصول نسبة الطاقة المتجددة المستخدمة فى البلاد إلى 42% من إجمالى الطاقات المستخدمة بحلول عام 2035، إضافة إلى تشجيع الحكومة المواطنين وأصحاب المنازل على الاستثمار فى مجال الطاقة الشمسية من خلال قروض صغيرة بأسعار فائدة منخفضة، فضلا عن المشاريع الحكومية التى أطلقتها لاستبدال المركبات والسيارات القديمة بأحدث المركبات التى تعمل بالغاز الطبيعى.

ورغم الإشادة بخطط الحكومة المصرية، إلا أن نتائج المؤشر العالمى أشارت إلى أن العمل المناخى الشامل فى مصر يفتقد إلى استراتيجيات طويلة الأجل وخارطة طريق واضحة، ولكن خبراء مؤشر أداء تغير المناخ «CCPI» أشاروا خلال التقرير إلى استعداد مصر لاستضافة مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخى «COP27»، لعام 2022، الأمر الذى تمنوا أن يدفع البلاد إلى مواصلة تقدمها ومتابعة عملها فى مواجهة التغيرات المناخية.

يذكر أن مؤشر أداء المناخ، صدر لأول مرة عام 2005، وتصممه منظمة البيئة والتنمية الألمانية «جيرمان ووتش إى في»، لتقييم أداء البلدان فى مجال أداء حماية المناخ، وتعزيز الشفافية فيما يتعلق بسياسات المناخ الدولية، من خلال مقارنة المجهودات المبذولة لحماية المناخ والتقدم المحرز من طرف كل دولة، إذ يقارن بين 60 دولة والاتحاد الأوروبى على أسس ومعايير موحدة.

ويتم إعلان مؤشر أداء تغير المناخ سنويا فى مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخى «COP»، إذ تنشر أهم نتائجه المنظمة الألمانية غير الحكومية «جيرمان واتش» بالتعاون مع الشبكة الدولية للعمل المناخى، والمعهد الألمانى الجديد للمناخ، وبدعم مالى من مؤسسة بارثيل، وباللغات الألمانية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية.