رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تجارة الأعضاء... الجريمة السوداء

بوابة الوفد الإلكترونية

 

16 ألف متبرع فى انتظار قانون زراعة الأعضاء البشرية

آلاف المرضى يواجهون الموت بسبب «فيزيتا بيع الجسد» والسماسرة يستغلون فقر المتبرعين

خبراء: الضوابط والأخلاقيات شرط أساسى للتبرع بالأعضاء

 

زراعة الأعضاء هى آخر شعاع أمل للمريض بعد أن استنفد الأطباء كل وسائل العلاج لإنقاذه، فهناك 15 ألفا و841 مصريا يحتاجون إلى عمليات نقل وزرع أعضاء لإنقاذ حياتهم، بعد أن تلفت أعضاؤهم الحيوية، ورغم أهميه التبرع بالأعضاء باعتباره عملاً إنسانياً، يجسد مبدأ التكافل والتضامن والرحمة داخل المجتمع، فإن جرائم الاتجار فى الأعضاء تتزايد كل يوم، واخذت اشكالاً إجرامية متعددة ولم يعد لديها مكان محدد، فهى تتسع وتنتشر فى كل المحافظات، وأصبحت من أكثر الظواهر خطراً على المجتمع، الأمر الذى يهدد سلامة المرضى.

ولذلك أكد الخبراء ضرورة التصدى لهذه المافيا، مشيرين إلى أنها «واجب قومى»، ومشددين على ضرورة وضع ضوابط ومعايير صحية وقانونية واضحة، لضمان شفافية الإجراءات، وحماية حقوق جميع المرضى، ومعاقبة المخالفين، وإنهاء الفضائح الطبية التى يشهدها العالم السرى لتجارة الأعضاء، والتصدى للسماسرة وأصحاب العيادات الخاصة المتورطين فى تلك التجارة السوداء.

وحول عقوبات مخالفة مواد قانون زرع الأعضاء البشرية رقم « 142 « لسنة 2017، فيعاقب بالسجن المشدد وبغرامة من مليون إلى مليونى جنيه «كل من أجرى عملية النقل أو الزرع فى غير المنشآت الطبية المرخص لها أو بالتحايل والإكراه.. وإذا ترتب على الفعل وفاة المتبرع تكون العقوبة السجن المؤبد، وغرامة من 500 ألف جنيه إلى مليون جنيه، كما يعاقب بعقوبة القتل العمد مع سبق الإصرار كل من نقل أى عضو أو نسيج من جسم إنسان دون ثبوت موته ثبوتاً يقينياً، وتكون الجريمة المنصوص عليها فى المادة «16» من الجرائم الأصلية التى يعاقب على غسل الأموال المتحصلة منها وفقاً لأحكام قانون مكافحة غسل الأموال الصادر بالقانون رقم «80» لسنة 2002.

وفى جميع الأحوال لا يجوز أن يترتب على زرع العضو أو جزء منه أو أحد أنسجته أن يكتسب المتبرع أو أى من ورثته أى فائدة مادية أو عينية من المتلقى أو من ذويه بسبب النقل أو بمناسبته، كما يحظر على الطبيب المختص البدء فى إجراء عملية الزرع عند علمه بمخالفة القانون، طبقاً لنصوص المواد «16، 17، 18، 19، 20، 23، 24».

وأشارت المادة «61» من الدستور إلى أنه: «لكل إنسان الحق فى التبرع بأعضاء جسده أثناء حياته أو بعد مماته بموجب موافقة أو وصية موثقة، وتلتزم الدولة بإنشاء آلية لتنظيم قواعد التبرع بالأعضاء وزراعتها وفقاً للقانون».

مافيا أون لاين

ورغم هذه العقوبات المشددة فإن عمليات زراعة الأعضاء ما زالت مستمرة، تتحدى القانون كل يوم، وتنشر اعلاناتها فى الصحف وعلى مواقع التواصل الاجتماعى أيضا، حتى أصبحت مافيا «اون لاين» شعارها اتبرع واقبض، تقوم من خلالها العصابات الإجرامية المنظمة بالاتجار فى «لحوم البشر»، سواء عن طريق نزع أعضاء أطفال الشوارع أو المتسولين وبيعها، أو استقطاب فئات من محدودى الدخل والعاطلين الراغبين فى بيع أعضائهم البشرية خاصة «الكلى»، نظير مقابل مالى.

وعلى موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» توجد ثلاث صفحات تحمل اسم «متبرعين كلى مصريين»، « زرع الكلى»، «متبرعين كلى بمقابل مادى» وإجمالى عدد أعضائها 6766 عضواً،  شباب وشابات أعمارهم من« 22 لـ 49 عاماً ».. يتلقفهم أطباء ووسطاء وسماسرة البشر من معدومى الضمير ليتاجروا بأعضائهم مستغلين تواضع مستواهم الاجتماعى واحتياجهم للمال، دون رأفة أو رحمة بهم.

عشرات المنشورات من عرض بيع كلى أو شراء، بأسعار تبدأ من 25 ألف جنيه فيما فوق، بحسب فصيلة الدم ومدى احتياج المشترى للكلى، رافعين شعار «اتبرع واقبض».

ويتم التفاوض مع الراغبين لبيع أعضائهم على الصفحة الخاصة للجروب ليناقشوا إجراءات عملية نقل وزرع الأعضاء البشرية، وإقناعهم أن بيع هذه الأعضاء لن يؤثر على الحالة الصحية لهم، وذلك بعد حصولهم من المانحين على إقرارات موثقة بمكاتب توثيق الشهر العقارى تتضمن موافقتهم على التبرع بأعضائهم دون مقابل، ليحصل بعدها المانحون على إيصالات موقعة على بياض لضمان عدم عدولهم عن بيع كليتهم أو أى عضو آخر.. وما خفى كان أعظم!

مبادرات لنشر ثقافة التبرع

وفى مقابل هذه الصفحات ظهرت صفحات أخرى تحث على عدم نشر ثقافة التبرع بالأعضاء منها «أوقفوا تجارة الجسد»، «معاً ضد الاتجار بالبشر»، «صحتك ثروتك»، «عيشها مرتين»، «صحتك أمانة»، «من أجل صحة أفضل».. وتشارك فى تنفيذ هذه المبادرات مؤسسات حكومية ومجتمعية، وتهدف إلى  التوعية من العصابات المحلية والدولية للاتجار فى البشر المنتشرة فى كافة المحافظات، والتشجيع على التبرع بالأعضاء بعد الوفاة.

وهذه الرسائل المتنوعة لاقت ترحيباً ملحوظاً من كافة شرائح المجتمع منذ إطلاقها، مؤكدين أنها خطوة لابد منها، لرفع الوعى الصحى والمجتمعى بمخاطر «تجارة الجسد»، ونشر ثقافة التبرع دون مقابل مالى، لإنقاذ آلاف المرضى المحتاجين لزراعة أعضاء، وبما يواكب التطور الحديث للطب فى مجال زراعة الأعضاء.

جريمة مكتملة الأركان

وبما أن الاتجار بالبشر جريمة مكتملة الأركان يعانى منها المجتمع منذ سنوات طويلة لم تقف الأجهزة الأمنية مكتوفة الأيدى حيالها، حيث نجحت فى إسقاط العديد من العصابات، كان آخرها ما قامت به مباحث القاهرة من ضبط تشكيل عصابى من شخصين تخصصا فى الاتجار بالأعضاء، بعدما اتخذا من منطقة المعصرة مكاناً لممارسة نشاطهما الإجرامى، وتم تحديد 5 أشخاص من ضحاياهما وباستدعائهما ومناقشتهما أقرا بقيام عناصر التشكيل بالوساطة فى بيع أعضائهم البشرية مقابل مبالغ مالية، وحصولهم على جزء من المبلغ المالى المتفق عليه بعد اتخاذهم إجراءات صورية تفيد تبرعهم بها، وذلك عقب إجرائهم فحوصات طبية وتوثيق الأوراق التى تفيد تبرعهم وتوقيعهم على إيصالات أمانة كضمان لإتمام العمليات.

وكذلك تم ضبط مواطن فى مدينة أوسيم بالجيزة يقود عصابة للاتجار بالبشر، وذلك بعد أن أكدت معلومات وتحريات الإدارة العامة لمباحث رعاية الأحداث قيام «صابر ا.ع» عامل صرف صحى، مقيم بأوسيم بالجيزة «بالاتجار فى الأعضاء البشرية من خلال استقطاب الأشخاص الراغبين فى بيع «الكلى»، نظير مقابل مادى مستغلاً تواضع مستواهم الاجتماعى واحتياجهم للمال، وقيامه بالحصول منهم على إقرارات موثقة بمكاتب توثيق الشهر العقارى تتضمن رغبتهم فى التبرع بأعضائهم دون مقابل، والحصول منهم على إيصالات أمانة موقعة على بياض لضمان عدم عدولهم عن بيع أعضائهم، حيث أكدت التحريات قيامه باستقطاب المجنى عليه «رجب ا.ع» عامل مقيم أوسيم فى الجيزة والحصول منه على الإقرارات والاستيلاء على كليته اليمنى بأحد المستشفيات مقابل 15 ألف جنيه.

ووفقاً لبيانات صادرة عن وزارة الصحة، فإنه يوجد 15 ألفاً و841 حالة تنتظر دورها فى إجراء عمليات نقل وزراعة الأعضاء ما بين كلى وكبد ونخاع، وذلك منذ صدور قانون زراعة ونقل الأعضاء البشرية وحتى الآن، وتقوم الوزارة بالإشراف على

48 مستشفى ومركزاً تقوم بزرع الأعضاء فى مختلف المحافظات بينها 70% فى محافظات القاهرة الكبرى.

وهناك 200 عملية زرع أعضاء تجرى كل عام بالمجان فى المستشفيات المرخص لها - « حسبما تؤكد الجمعية المصرية لزراعة الأعضاء» .

وفى دراسة أجرتها جامعة الإسكندرية عام 2013، عن سبب انتشار تجارة الأعضاء البشرية، أرجعت الأمر إلى الفقر، إضافة إلى عدم تفعيل التشريعات القانونية التى تجرم هذه التجارة، مؤكدة أن 78% من المتبرعين المصريين يعانون من تدهور فى حالاتهم الصحية بعد العملية الجراحية، و73% منهم يعانون من ضعف قدراتهم على أداء الوظائف والمهام الصعبة التى تقتضى جهداً شاقاً.

وحسب بيانات لجنة الشئون الصحية بمجلس النواب، فإن 98% من تجارة الأعضاء فى مصر تقوم على الأحياء و 2% من الوفيات، بينما 95% من هذه التجارة على مستوى العالم تعتمد على الوفيات.

المواجهة القانونية

أسعد هيكل، المحامى بالنقض، قال: إن قانون مكافحة جرائم الاتجار بالبشر يمثل طوق نجاة للمرضى، خاصة وأن عمليات الاتجار تعد مخالفة أخلاقية قبل أن تكون جريمة يعاقب عليها القانون، إذ إن مثل هذه الحالات تعمل على استغلال الحالات الفقيرة واحتياجها للمال، فى مقابل التخلى عن عضو بشرى، وتديرهذه التجارة عصابات إجرامية منظمة، وتشكل هذه الأنشطة الإجرامية أعمالاً خطيرة لكسب المال بطريقة غير مشروعة على حساب أجساد الضحايا، بالإضافة إلى تبعاتها السلبية على المجتمع.

وأوضح - «المحامى بالنقض» - أن المواجهة القانونية هى أول الطرق للحد من الظاهرة المنتشرة فى كل المحافظات، مشيرا إلى أهمية الالتزام بالضوابط وبعض المحاذير والمعايير القانونية الخاصة التى تضبط عمليات نقل وزراعة الأعضاء أو أجزائها أو الأنسجة من جسد إلى آخر، وذلك على سبيل التبرع فيما بين الأقارب من المصريين، كما يجوز التبرع لغير الأقارب إذا كان المريض فى حاجة ماسة وعاجلة لعملية الزرع بشرط موافقة اللجنة الثلاثية المنظمة التى تشكل لهذا الغرض بقرار من وزير الصحة، وفقاً للضوابط وإجراءات السلامة التى تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.

وأضاف - «المحامى بالنقض » - أنه يجوز للمتبرع أو من استلزم القانون موافقته على التبرع العدول عن التبرع حتى ما قبل البدء فى إجراء عملية النقل، بينما لا يقبل التبرع من الطفل أو عديم الأهلية، ولا يعتد بموافقة أبويه أو من له الولاية أو الوصاية عليه، لافتاً إلى ضرورة تفعيل دور الجهات الرقابية لإنهاء المهازل الطبية التى تحدث فى تجارة الأعضاء، وتشديد العقوبات على من يتحايل أو يتواطأ حتى ينال جزاءه الرادع.

إجراءات رادعة

وأضاف  الدكتور محمد عز العرب، مؤسس وحدة الأورام بالمعهد القومى للكبد والمستشار الطبى لمركز الحق فى الدواء: إنه لابد من تفعيل قانون زراعة الأعضاء فوراً للقضاء على هذه الظاهرة المحرمة دولياً ودينياً.

وأوضح أن القانون الحالى يجيز التبرع بـ«العضو»، وبأن يكون النقل الوسيلة الوحيدة للمحافظة على حياة المتلقى أو علاجه من مرض جسيم ويكون فقط بين الأقارب للدرجة الرابعة، مع اتخاذ كافة الضوابط والضمانات الطبية اللازمة لسلامة المريض، كما يجوز التبرع فى حالة إذا أوصى المتوفى بنقل أحد أعضائه للغير، بينما يحظر البيع والشراء، على أن تطبق العقوبات المشددة على من يخالف القانون والدستور، لكل من يشارك فى تلك العمليات سواء كان مواطناً أو طبيباً أو إدارة مستشفى حكومى أو خاص.

وأشار إلى أهمية توجيه رسائل إعلانية وإعلامية، بشأن ثقافة التبرع ببعض الأعضاء أثناء الحياة أو بعد الوفاة بموجب موافقة أو وصية موثقة، للمساهمة فى إنقاذ حياة من يحتاجون إلى زرع عضو ما لمواصلة حياتهم.

حلال بشرط الوصية

الشيخ على أبوالحسن، رئيس لجنة الإفتاء الأسبق بالأزهر الشريف، قال: إنه لا يجوز شرعاً إجراء عملية أو تجربة طبية على جسد الإنسان إلا بموافقته بنفسه، وبحيث لا يتسبب ذلك فى ضرر له، مع  أخذ كل التدابير لمنع الخطر فى إجرائها على حياته، لأن الشريعة الإسلامية حرمت كل ما يؤدى إلى إتلاف البدن وإزهاق الروح، فأَمرت الإنسان بالمحافظة على نفسه وجسده من كل ما يهلكه، ونهت عن أن يقتل الإنسان نفسه أو ينزل بها الأذى، وأيضاً عدم المساس بالمتوفى حال عدم وصيته بالتبرع بأى عضو من جسده، ويحظر الاتجار بأعضائه، أو تشويهها، فهذه أمور «مرفوضة»، وانتهاك لحرمة الميت، ومخالف لشرع الله، لأن جسد الإنسان ليس مملوكاً لأحد، بل مكرم من خالقه.

وأوضح -«رئيس لجنة الإفتاء الأسبق» - أنه لا مانع من التبرع بأى عضو فهو مباح شرعاً.