رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«التعليم».. ملف الأزمات المتواصلة!

بوابة الوفد الإلكترونية

التعليم هو المرآة الحقيقية التى تعكس مدى التقدم الثقافى والاجتماعى فى الدولة، لذلك تسعى العديد من الدول لتطوير وتنمية الأنظمة التعليمية الموجودة بها حتى تحصل على مرتبة مميزة فى التصنيف العالمى.

من هنا فإن القيادة السياسية تؤكد أن التعليم الجيد هو أساس بناء الدولة المصرية، وتشدد على تطويره وفقاً للنظم الحديثة.

ومن جانبها حاولت وزارة التعليم مرارًا وتكرارًا تقديم الرؤى والنظريات المختلفة لتطوير العملية التعليمية، التى كان آخرها مشروع تطوير الثانوية العامة الذى رفضه مجلس الشيوخ مؤخراً، ثم قامت الحكومة بسحبه من البرلمان قبل عرضه عليه، مما يؤكد حالة التخبط فى ملف المنظومة التعليمية.

قضية تطوير التعليم تفرض نفسها على الساحة مرة أخرى باعتبارها أولوية قصوى لنهضة المجتمع، وتحتاج إلى حلول جذرية بعيداً عن عمليات الترقيع المتواصلة.

 

غياب الاستراتيجية أبرز أسباب الفشل

المنظومة التعليمية أصبحت حقل تجارب للوزراء

قضية تطوير التعليم واحدة من أهم القضايا التى تمس المجتمع المصرى كله، ولكن ما يحدث فى مصر ليس له علاقة بالتطوير الحقيقى، فمنذ سنوات طويلة وكل وزير يأتى يعلن عن خطة للتطوير، وبانقضاء مدته تختفى هذه الخطة لتحل محلها خطة أخرى للوزير الجديد، فعلى سبيل المثال فى عام 1988 أعلن الدكتور فتحى سرور -وزير التعليم وقتها- إلغاء الصف السادس الابتدائى، وفى عام 2004 أعاده الدكتور حسين كامل بهاء الدين، بدون أن يعلم أحد سبب الإلغاء ولا سبب العودة، ليظل الصف السادس الابتدائى شهادة حتى عام 2017 حينما ألغاها الدكتور طارق شوقى واعتبرها سنة نقل عادية.

ما حدث مع الصف السادس الابتدائى حدث مع الثانوية العامة التى مرت بمراحل تطوير مختلفة، بدأت بإقرار نظام التحسين فى عصر الدكتور حسين كامل بهاء الدين، ونظام تقسيم المجموع على عامين، إلا أنه لم يستمر طويلا حتى تم إلغاؤه لتظل الثانوية العامة سنة واحدة، إلى أن جاء الدكتور طارق شوقى بقانونه الجديد بإقرار نظام الثانوية التكاملية على ثلاث سنوات، وهو القانون الذى رفضه مجلس الشيوخ، ثم سحبته الحكومة مؤخرا من مجلس النواب، ليخرج بعدها الوزير مؤكدا أن الاعتراض كان على مادة واحدة بالقانون فيما يخص الثانوية العامة، أما مشروع التطوير فسيتم تعديله ليخرج للنور مرة أخرى.

هذه مجرد نماذج لسياسات الوزراء المتغيرة فى تطوير التعليم التى تختلف من وزير لآخر، وكأن كلاً منهم يعمل بمفرده فى جزيرة منعزلة، لتصبح قضية تطوير التعليم رهن أهواء كل وزير، وليست سياسة عامة للدولة.

الخبير التربوى طارق رشيد، مدرب سابق معتمد من الأكاديمية المهنية للمعلمين، يرى أن تطوير التعليم أصبح مجرد كلمة خالية من المضمون، وجاء فيروس كورونا ليكشف الفشل فى إدارة العملية التعليمية، والتى بدأت بالمعلمين، خاصة بعد قانون 155 وإنشاء الأكاديمية المهنية، لافتًا إلى أنه فى السابق كانت الإدارة المركزية للتدريب تقوم بتدريب المعلمين، وبعد إنشاء الأكاديمية المهنية للمعلمين أصبحت العملية أشبه بالتجارة، وطالب رشيد بإصلاح العملية التعليمية والنهوض بها من كبوتها ورفع كفاءاتها وزيادة مهارات المعلمين وتحسين أحوالهم، فهم ثروة مصر وإعطاؤهم حقوقهم المادية والأدبية أبسط حقوقهم.

وأشار «رشيد» إلى ضرورة القضاء على الفساد المتفشى فى جميع الإدارات التعليمية، مع ضرورة وجود مناهج متطورة تواكب العصر، والبعد عن المناهج العقيمة والتلقينية وأن تكون المدرسة مجهزة بأحدث الأجهزة والمبانى الحديثة والقضاء على الكثافات الزائدة بالفصول ورعاية الموهوبين.

وتابع «رشيد»: أن تطوير المنظومة التعليمية يحتاج إلى جهد مشترك من الدولة والمتخصصين فى التعليم، مشيرًا إلى ضرورة وضع خطط مستقبلية تستهدف تطوير جميع المراحل دون تميز، كما أن عملية التطوير يجب أن تشمل البنية التحتية للمدارس، والاهتمام بالموهوبين والمتفوقين وتقديم كافة الرعاية لهم، لافتًا إلى ضرورة تطوير دور مؤسسات البحث العلمى فى مجال التعليم ما قبل الجامعى، بالإضافة إلى إصدار قانون شامل للعملية التعليمية يساهم فى رفع كفاءة جودة التعليم المصرى، مؤكدًا ضرورة تفعيل دور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فى العملية التعليمية.

وأشار الخبير التربوى إلى أن تطوير التعليم يجب أن يتضمن الارتقاء باختيار وتدريب المدرسين والمسئولين، لكونهم أساس العملية التعليمية، كما أن تطوير المنظومة التعليمية يبدأ من مرحلة رياض الأطفال وحتى التعليم الجامعى، لافتًا أن تعديل نظام الامتحانات ليس تطويرًا للعملية التعليمية ولكنها الخطوة الأخيرة لتقييم نجاح المنظومة، موضحًا أن الامتحانات التى تجرى للطلبة إلكترونيًا غير موائمة للمنظومة الحالية. وأوضح «رشيد» أن التطوير يعتمد على عدة معايير دولية وقومية تستهدف الطالب، بالإضافة إلى ضرورة وجود بنية تحتية، منوهاً أن ما يحدث حاليًا فى المنظومة التعليمية يعتبر تغييرا وليس تطويرا، ويجب أن تخضع منظومة التطوير للتجريب أولًا فى نطاق محدود لتلافى السلبيات وتنمية الإيجابيات، ثم تعميم المنظومة من خلال إصدار قانون شامل ليكون بمثابة سياج لحمايتها من العبث.

وأفاد الخبير التربوى أن منظومة التعليم المتكاملة تتضمن تدريب المعلم طوال فترة الصيف، ولا يجوز الترقى لدرجة أعلى إلا بعد اجتياز مجموعة من التدريبات التى تمكنه من أداء عمله من خلال معايير الجودة، وتنمية مهارات المعلم ومكافأته، وبالنسبة للطالب يجب أن تتسم المناهج بالثبات ليكون المنهج فى مجمله حلقات متصلة حتى يتمكن من الحصول على المعرفة التراكمية، وأن تكون الأسئلة لقياس استيعابه وليس بمدى عبقريته نظرًا للفروق الفردية بين الطلاب، كما تحتاج أيضاً إلى أن تكون المدرسة مجهزة بكل التجهيزات ومعامل الكمبيوتر والعلوم وغيرها.

وتابع «رشيد» أنه يحلم بنهضة تعليمية حقيقية وأن تخطو مصر أولى خطواتها نحو تطوير التعليم وتحديثه بما يتواكب مع العصر وأن تنخفض كثافة الفصول الدراسية إلى المستويات الموجودة فى الدول المتقدمة ويكون لدى كل طالب الحاسب الآلى الخاص به، بعد أن يتم القضاء نهائياً على الأمية التعليمية والمستوى المتدنى لبعض الطلاب وخصوصاً فى المرحلة الابتدائية التى تؤهله للمراحل التالية، وأضاف أن عملية التطوير يجب أن تكون دائمة، وأن تكون خطة وزارة يتم تنفيذها بغض النظر عمن يتولى المسئولية.

 

من سنة إلى 3 سنوات.. وبينهما التحسين

الثانوية العامة.. ترمومتر التطوير الحائر

تعتبر الثانوية العامة هى ترمومتر التطوير، فبها يبدأ كل وزير خطته لتطوير التعليم، وما شهدته مصر خلال السنوات الماضية خير دليل على ذلك، فكل وزير يأتى يتحدث عن تطوير التعليم ويبدأ من إلغاء بعبع الثانوية العامة، وهو ما ذهب إليه الدكتور طارق شوقى أيضاً، والذى أراد أن تصبح شهادة الثانوية العامة شهادة نهائية، ومجموع الطالب يحسب على متوسط الثلاث سنوات، بالإضافة إلى إقرار نظام «التابلت»، وما تبعه من بلبلة يعلمها الجميع.

كانت المرحلة الثانوية حديث الجميع حينما تم إقرار نظام التحسين وتقسيمها على عامين، وهو النظام الذى تم إلغاؤه بعد أعوام قليلة من العمل به، لتصبح الثانوية هى المرحلة التى شهدت أكثر مراحل التجريب فى تطوير التعليم، ومع ذلك ما زالت «بعبع» يثير رعب آلاف الأسر كل عام.

ويرى الخبراء أن المرحلة الثانوية مرحلة مفصلية فى التعليم، ولكن يجب أن يكون فيها تكافؤ فرص بين جميع الطلبة بما فى ذلك طلاب الثانوية العامة والتعليم الفنى، مطالبين بضرورة النهوض بمنظومة التعليم الثانوى كلها.

تقول جهاد محمود، الخبيرة التربوية، إنه لابد من تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص لجميع الطلاب فى الحصول على تعليم جيد، مع الاهتمام بتفعيل دور المدرسة فى بناء شخصية المتعلم من جميع النواحى المعرفية والمهارية والوجدانية، مع العلم أن التكنولوجيا مهما بلغ تطورها وتأثيرها فى العملية التعليمية لن تلغى دور المعلم الذى يعد حجر الأساس فى العملية التعليمية، بالإضافة إلى دور الأسرة الذى أصبح رئيسيا الآن فى تعليم وتعلم الأبناء بكل الطرق والوسائل الممكنة، مشيرة إلى أن المنصات الإلكترونية الآن عامل مساعد فى إتمام عملية التعلم، ولكن بشرط تحقيق العدالة فى إمكانية وصول جميع الطلاب إليها، خاصة أبناء القرى والنجوع والمناطق النائية، وهذا لن يحدث إلا بالاهتمام بالبنية التحتية وتوفير الإنترنت لجميع هذه المناطق.

وأضافت أن فكرة الدروس الخصوصية أخذت شكلا آخر، وتم تطبيقها بالمدارس تحت مسمى مجموعات التقوية، وهنا لابد من توعية الأبناء بأهمية التعليم، وأنه السبيل الوحيد لمواجهة التحديات والمخاطر ومواجهة هذا المستقبل المتغير والمتجدد، وتأكيد مرة أخرى دور المدرسة التى ستظل مهما حدث المنشأة المنوط بها عملية التعليم والتربية مهما تعددت وسائل التعلم الأخرى، لما تقدمه من عمليات التواصل والتفاعل والحوار والمناقشة التى تفتقر إليها المنصات الإلكترونية.

وأشارت إلى ضرورة التوسع فى إنشاء المدارس الحكومية، وتزويد المدارس بالإمكانات التى تيسر من مهمة المعلم، والاهتمام بالأنشطة التى تحفز على الإبداع والابتكار، والاهتمام باللغة العربية باعتبارها لغة القرآن والسنة النبوية ولغة الدولة الرسمية ولغة التواصل والحوار بين جميع الشعوب العربية، لتأكيد الهوية والوطنية فى نفوس الأبناء، مع العمل بصفة مستمرة على تحسين جودة العملية التعليمية وضمان توفير تعليم مجانى حتى نوفر فرص التعلم للجميع، وتدريب الطلاب على مهارات جديدة تواكب مستجدات العصر وسوق العمل.

من جانبه يقول مصطفى كامل الخبير التربوى: إن الوزارة تعمل بجهد فى توفير التعليم الرقمى وخير دليل هو وجود «التابلت» ووجود المنصات الإلكترونية، ولكن ليس لها أى قيمة بدون المعلم، وأن إهمال دور المعلم يؤدى إلى فشل العملية التعليمية، لأن المعلم هو عصب العملية التعليمية، وهو الذى يستخدم هذه الوسائل، لذا يجب على الدولة أن تقوم بتدريب المعلم بشكل جيد والإلمام بمشكلاته والارتقاء بالمستوى المهنى للمعلمين.

وطالب بضرورة تطوير المناهج على أن تكون مرتبطة بمتطلبات المجتمع، وبالثقافة العالمية، ولكن للأسف الشديد المناهج المصرية بعيدة كل البعد عن هذين العنصرين، وهما العولمة والمجتمع.

 

حجر فى طريق المستقبل

الميزانية 109 مليارات.. 84٪ منها للأجور

ميزانية التعليم هى حجر الزاوية فى إصلاح العملية التعليمية، فهى الوسيلة الوحيدة لتنفيذ عملية التطوير، وإنقاذ التعليم من الانهيار، ولكن الأموال المخصصة للتعليم فى الموازنة العامة للدولة لا تسمن ولا تغنى من جوع، خاصة أن أكثر من 80% منها يذهب للرواتب، بينما تظل المنشآت التعليمية بلا مخصصات مالية للتطوير والتحسين أو التجديد.

وإذا كان دستور 2014 نص فى المادة 19 على حق لكل مواطن فى التعليم، مع التزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومى الإجمالى، وتزداد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية، ولكن ما يحدث على أرض الواقع غير ذلك، ففى العاشر من مايو من العام الماضى 2020، تم الإعلان عن وصول قطاع التعليم للمرتبة الثالثة بمشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالى 2020/2021 بواقع 157.580 مليار جنيه بواقع (9.2%) من إجمالى حجم المصروفات، مقابل 132.038 مليار جنيه العام المالى 2019/2020 بنسبة تغيير قدرها 19%.

وفى يونيو 2020، خرج الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، معاتبا وبشدة كل من يروّج لأرقام غير صحيحة فى وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية لموازنات الوزارة، مشيرا إلى أن هذا الأمر يحدث لغطا كبيرا ويضع الوزارة تحت ضغط كبير، وأضاف خلال اجتماع لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، قائلا: «عندما يقرأ المواطن أن موازنة التربية والتعليم 363 مليار جنيه، عليه أن يطلب من الوزارة ما هو أكبر بكثير مما يحدث، ويطالب المعلمين بزيادة المرتبات إلى أضعاف».

وقال الوزير بالنص: «أنا كل اللى بيجيلى 109 مليار جنيه فقط»، مطالبا وزارة المالية بتفسير رقم 363 مليار جنيه للناس، وأن تشرح للمواطنين فين 363 المخصصة للتعليم، مشيراً إلى أن ما يحدث مشكلة كبيرة ويثير بلبلة للرأى العام.

وتابع: «إحنا ماعندناش فلوس فى الوزارة حتى لتصليح الحمامات، وكيف نتوقع معجزات فى ظل تلك المخصصات المالية»، وأضاف: ما يحدث فى ظل تلك الموازنة إعجاز بكل ما تحمله الكلمة من معانى، مشيراً إلى أن مخصصات التربية والتعليم فى الموازنة مجحفة جدا، لأننا نتحمل أعباء كثيرة بخلاف تكلفة الحفاظ على صحة الأولاد مع استمرار التطور فى العملية التعليمية، وكشف الوزير أن 84٪ من الموازنة تذهب للمرتبات، مشيرا إلى أن زيادة الموازنة خادعة لأنها زيادة فى المرتبات، وقال: لولا أن هناك بعض المنظمات تقدم لنا المساعدة فلن يحدث ما حدث، كما شن الوزير هجوما شديداً على ما وصفه بوجود خلل فى توزيع الموازنة وتوزيع المخصصات المالية والتى وصفها بأنها غير عادلة.

واستكمل: كيف يتم تخصيص 109 مليارات جنيه لوزارة التربية والتعليم والتى تراعى 22 مليون طالب وطالبة بالإضافة إلى المعلمين والموظفين بالوزارة والإداريين وغيرهم، فى الوقت الذى يتم تخصيص 82 مليار جنيه للتعليم العالى التى ترعى 3 ملايين طالب وطالبة.

ومن جانبه قال محمد جامع، الخبير التربوى، إن الدستور المصرى ينص على أن ميزانية التعليم يجب أن تكون 4% من الدخل القومى، ولكن هذا لا يطبق على أرض الواقع، كما أنه يجب الاهتمام بالمعلم والمناهج التعليمية والبنية

التحتية، ولكن هذا لا يحدث أيضاً، لافتًا إلى وجود عدة طرق لتوفير ميزانية للتعليم، منها تأجير ملاعب المدارس وأسوارها فى الدعايا والإعلانات، كما يجب توفير الميزانية المختصة بالتدريب التى لا يستفيد منها أحد، فضلًا عن توفير ميزانية الكتب وطباعتها، خاصة بعد وجود «التابلت» فى الثانوية العامة.

 

تلاميذ المدارس فئران تجارب

خبراء يطالبون بالاستماع لآراء الطلاب وأولياء الأمور

إصلاح التعليم قضية مجتمعية، تنبع من المجتمع وتصب فى مصلحته، لذلك أجمع الخبراء على ضرورة أن تبدأ منظومة الإصلاح من الحوار المجتمعى الذى تشارك فيه كل القوى الوطنية، فغياب هذا الحوار المجتمعى جعل أبناءنا فئران تجارب بعمليات إصلاح وهمية أفسدت العملية التعليمية، وجعلت المنتج التعليمى المصرى فى أسوأ حالاته.

ولذلك وصف الدكتور مجدى حمزة الخبير التربوى، سياسات وزير التربية والتعليم بأنها لا تحقق منظومة التطوير المطلوبة، فمصر لا تملك رفاهية المال والوقت لتغيير أنظمة التعليم بشكل متكرر، وما يحدث فى التعليم يدل على وجود تخبط فى نظام التعليم الحالى وسياسته، مؤكدًا أن الطريقة الأكثر فاعلية حاليا لتحقيق تطوير حقيقى للتعليم هى اللجوء للمجتمع المدنى، وإجراء حوار مجتمعى مفتوح يشارك فيه أساتذة الجامعات والمدرسون القائمون على العملية التعليمة، والطلاب وأولياء الأمور، حتى يتسنى للوزارة وضع خطة تتناسب مع ظروف الدولة، موضحا أن كل ما يصدر حاليا عن الوزارة هو عبارة عن تضييع وقت ومحاولة للتغطية على فشل المشروع الحالى «التابلت» والذى كلف الدولة من المال والإمكانيات والوقت الكثير جدا، كما أنه زاد من عبء أولياء الأمور والضغط النفسى على الطلاب بجانب تكلفة الإعادة الباهظة لأى فصل دراسى، وتساءل «حمزة»: من يحاسب الوزير على ضياع الأجيال التى يتم التجريب فيها؟

وأضاف أن نظام التعليم 2030 الذى طرحه الوزير لا أحد يعرف تفاصيله أو أهدافه لنثق به، خاصة مع عدم نجاح النظام الحالى، وأشار إلى أن خبراء التعليم فى مصر حاليا لا يعرفون ما هو نظام التعليم بمصر حاليا، ولا أهدافه أو كيفية تطويره، فهو نظام بلا ملامح، مشددا على أن قضية التعليم هى قضية أمن قومى، وأشار إلى أن التطوير يجب أن يبدأ بالحوار المجتمعى الذى يشارك فيه الجميع، مع التخلى عن أفكار التجريب فى أبنائنا، لأن ذلك يعرض الأمن القومى المصرى للخطر ويسهل من عملية انجراف الأبناء للأفكار المتطرفة.

وأوضح أن طلابنا أصبحوا فريسة للدروس الخصوصية ومراكز التعليم، رغم أن الوزارة تؤكد دائما محاربتها للمراكز والدروس الخصوصية، فى حين أهملت الوزارة المستوى التعليمى بحجة مشروعات التطوير الجديدة التى لم تؤت ثمارها.

ورفض خبير تطوير التعليم فكرة عمل أى تعديلات أو مشاريع جديدة بدون تقرير عن المشروع الحالى وما تم تنفيذه، مشددًا على ضرورة وضع دور «المعلم» فى الصورة باعتباره ركيزة أساسية فى العملية التعليمية، والتشاور مع المعلمين وتدريبهم والخروج بأفكار وخطط لتطوير التعليم، واختتم كلامه قائلًا: إن تطوير منظومة التعليم تحتاج إلى أن يكون هناك حوار مجتمعى وجهد مشترك بين كافة الأطراف المعنيين بالمنظومة، ومنها نقابة المعلمين، لبناء منظومة تعليمية جديدة وسليمة.

ووافقه الرأى «على فارس» الخبير التربوى، قائلًا: لنجاح أى تطوير يجب أن يأتى بالمشاركة والحوار المجتمعى، خاصة أن التطوير لا يتم بشكل عشوائى وإنما يتم وفق دراسات ميدانية وليست مكتبية، أو من خلال دراسة الاحتياجات الاجتماعية لأن التعليم نظام اجتماعى، وهناك نظريات كثيرة للتطوير يجب التعرف عليها وأخذ المناسب منها.

وتابع «فارس» أن الهدف من المشاركة المجتمعية هو الوقوف على كل مشكلات العملية التعليمية، والوقوف على حلول لها، والخروج بمشروع متكامل يستفيد من خبرات كل الأطراف المعنية بالعملية التعليمية بعيدا عن الأفكار الغريبة التى تكلف الدولة ولا تفيد التعليم فى شىء.

 

أفكار خارج الصندوق فى مدارس العالم

تجارب الدول للنهوض بالتعليم يجب أن تدرس، فمن خلالها نهضت العديد من دول العالم، واستطاعت أن تحقق مراكز متقدمة فى ترتيب دول العالم فى مجال التعليم، وانعكس تطور التعليم على كافة مجالات الحياة، لذلك فخلال السطور القادمة نلقى الضوء على هذه التجارب لنعرف كيف تسير خطط التطوير الحقيقية.

وعرض الموقع الإلكترونى لأكاديمية «أكسفورد رويال» البريطانية المتخصصة فى إعداد الطلاب للتعليم قبل الجامعى، بعض التجارب التى اعتمدتها الدول لتوضيح الجهود المبذولة عالميا، لتغيير الأنماط التعليمية السائدة فى بيئات مختلفة.

وبدأ الموقع بدولة فنلندا أقوى دولة فى العالم فى مجال التعليم، حيث يحقق الطلاب الفنلنديون أعلى الدرجات فى مجالات العلوم والرياضة والقراءة، ومع ذلك فبخلاف أغلب الدول التى يلتحق أطفالها بالمدارس فى سن 4 أو 5 سنوات، فإن الأطفال الفنلنديين لا يذهبون للمدرسة قبل عمر 7 سنوات، ولا يتلقى الطلاب الفنلنديون أى اختبارات أو واجبات فى أول 6 سنوات من التعليم، حيث لا يعتمد نظام التعليم هناك على التقييم والاختبارات، وهذا أكبر ما يميزه عن أنظمة التعليم فى البلدان الأخرى، حيث تؤكد الدولة باستمرار بأنها تسعى ألا يكون هدف الطلاب هو اجتياز الاختبارات فقط؛ بل الأهم هو أن يكون هدفهم هو الاستفادة من دروسهم والتعلم منها، وتمتلك فنلندا أصغر فجوة بين الطلاب من حيث المستوى التعليمى على مستوى العالم؛ حيث تؤمن الدولة بمبدأ المساواة فى التعليم، ولا يتم عزل الطلاب وفقا لمستواهم التعليمى، مما يسمح للطلاب الأضعف بالتعلم من الطلاب الأكثر تفوقا.

وجاءت بريطانيا وكندا فى المركز الثانى فى جودة التعليم، حيث تتبنى مجموعة من المدارس، أسلوبا غير تقليدى لتطوير التعليم، يعتمد على تأجيل موعد بدء الحصص لمدة ساعة على الأقل، اعتقادا منهم بأن حصول الطلاب على قسط كبير من النوم يجعلهم أكثر يقظة واستيعابا لدروسهم، وتم تنفيذ هذا الأسلوب للمرة الأولى فى عام 2009؛ حيث قامت مدرسة فى مقاطعة كنت البريطانية بتأجيل موعد بدء الحصص إلى الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً، وكانت النتيجة، وفقاً لما قاله مدير المدرسة، أن «دقة مواعيد الحضور تحسنت بشكل كبير، كما تحسن استيعاب الطلاب ودرجاتهم بالاختبارات بشكل لافت».

كما يوجد فى بريطانيا نوع آخر من المدارس هو مدارس الاستوديو التى تم تطويرها مؤخرا، وهذا النوع من المدارس تقوم الحكومة بتمويله، إلا أن نهجها فى التعليم يختلف تماما عن نهج المدارس الحكومية التقليدية، وتركز على تطوير القدرة الإبداعية للطلاب، وتعليمهم مختلف المهارات الحياتية، وذلك عن طريق قيام الطلاب بعدد من المشروعات العملية، التى تهدف إلى تخريج طلاب أكثر جاهزية للعمل بشكل أفضل بعد التخرج.

وتقع الصين فى المركز الثالث، ويعتبر الطلاب الصينيون من أكثر الطلاب تفوقا فى علم الرياضيات، حيث تركز الدولة على تعليم الطلاب حل المسائل الرياضية والحسابية بشكل تحليلى غير مألوف، كما تشجعهم على التفكير بإمعان فى المشكلات وطرق حلها، وينبغى أن يشارك جميع الطلاب فى الفصل فى حل المسائل الرياضية أمام زملائهم دون خجل، ويدرس الطلبة الصينيون مادة الرياضيات سنوات أكثر من غيرهم من الطلاب الآخرين فى بقية دول العالم، كما أنهم يدرسون الرياضيات إلزاميا حتى بلوغ سن 17 أو 18 عاما، وهم يقضون عادة نحو 15 ساعة أسبوعياً فى حصص الرياضيات وأداء الواجبات المدرسية الرياضية.

وتبنت هولندا نموذجا تعليميا جديدا على مستوى 11 مدرسة ابتدائية، يعرف باسم «التعليم من أجل عصر جديد»، وهذا النموذج يعتمد بشكل كبير على استخدام أجهزة «الآيباد» فى التعليم، بدلا من الكتب، وتعرف هذه المدارس باسم «مدارس ستيف جوبز»، وتوفر هذه المدارس المحتوى التعليمى رقميا بالكامل، وهو متاح للطالب ليعمل عليه أينما كان، ويسمح النظام لأولياء الأمور بمتابعة أبنائهم عن طريق برامج على الهواتف الذكية، كما يسمح لهم باختيار الأوقات التى يريدون تخصيصها لتعليم الأبناء، سواء على مدار الـ24 ساعة يوميا أو طوال العام، ويذهب التلاميذ إلى مدرستهم، ويجلسون داخل فصول دراسية لتحسين مهاراتهم المختلفة والتفاعل مع الزملاء، ولكن بمرونة كبيرة فى المنهج الدراسى.

وفى الهند هناك حالة أخرى لتطوير التعليم، وتظهر فى كلية «بيرفوت»، وهى منظمة مكرسة لتوفير التعليم لفقراء الريف فى البلدان الأقل نمواً فى العالم، وتلتزم بتعليم الفقراء، بالإضافة إلى توفير المياه النظيفة لهم، وتدريبهم على صنع الألواح الشمسية وتزويد قراهم بالكهرباء، وتقيم المنظمة الفصول الدراسية فى المساء؛ نظرا لأن كثيرا من الأطفال يعملون فى الصباح بهذه المناطق الفقيرة، وهذه التجربة قد لا تتناسب مع أنظمة التعليم فى الدول المتقدمة، فهى مخصصة بشكل أكبر للفقراء والمعدمين كوسيلة لمحو أميتهم، وتطوير قدراتهم من خلال التعليم العملى.