رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

القصبجى.. حرفة الأنامل الذهبية

بوابة الوفد الإلكترونية

بدأت بكسوة الكعبة وتطريز النياشين والرُّتب العسكرية وانتهت بالآيات القرآنية

 

ارتبطت صناعة كسوة الكعبة بحرفة تلازمها، وهى «القصبجى»، تلك الحرفة التى يقوم بها مجموعة من الحائكين والخياطين المهرة، الذين كانوا يجلسون طوال العام لتصنيع الكسوة ويقومون بتطريزها بالرسومات والآيات القرآنية بطريقة بارزة تدل على فن وحرفية قلما تجد لها مثيلاً.

احتضنت مصر صناعة وتجهيز كسوة الكعبة المشرفة لما يقرب من 1400 عام، منذ أن أمر الخليفة عمر بن الخطاب بتصنيعها فى مدينة الفيوم، ثم انتقلت إلى مدينة الفسطاط لتكون القاهرة مركزاً للكسوة لأكثر من 700 عام، على يد الملكة شجر الدر، التى أدخلت فكرة «المحمل» عن طريق «الهودج» الذى يتحرك فى أجواء مبهجة، حيث تُقام الأفراح والاحتفالات فى شوارع القاهرة، وفى أماكن مرور المحمل بالمحافظات المصرية حتى يصل إلى مدينة السويس، وكانت الاحتفالات رسمية يحضرها الحاكم والوزراء وكبار رجال الدولة، وشعبية فى مناطق الحسين والسيدة زينب والفسطاط، بإقامة حلقات الذِّكر والموالد احتفالاً بمرور المحمل.

وظل محمل «الكسوة» يخرج من مصر حتى عام 1962، عندما بدأت السعودية بتصنيع كسوة الكعبة فتوقفت مصر عن إرسالها، لينتهى مشهد كان يعيش فيه المصريون أجواء روحانية، ويأتى له أثرياء وأعيان من دول شمال أفريقيا، وبلاد الشام والعراق، وأيضاً الهند وباكستان وتركيا، للاحتفال بخروج المحمل، والسير مع الجِمال المزيَّنة حتى الوصول إلى مكة.

وبعد توقف صناعة الكسوة المشرفة فى مصر، تحولت مهنة «القصبجى» إلى حرفة تختص بتصنيع لوحات ومفارش مزخرفة من القماش، مشغول عليها آيات قرآنية مصنوعة من خيوط الفضة وماء الذهب، أو بعض الرسومات الأخرى التى يتم تنفيذها بالطلب من المهتمين الذين يقدرون هذا الفن، من المصريين أو غيرهم من بعض الدول العربية والإسلامية.

فى حى الأزهر، داخل ورشة الحاج صبحى الطيب، أقدم من امتهنوا هذه الحرفة، والأكبر سناً بين القصبجية، الذى سافر إلى عدة دول مثل ماليزيا وبروناى، التى عمل لبنت ملكها بعض اللوحات، كان ناصر محمد، يجلس منهمكاً على طاولة مستطيلة وبيده إبرة وخيط يطرّز بهما آية قرآنية بطريقة بارزة على قطعة قماش أمامه، لتصبح فيما بعد لوحة فنية غاية فى الدقة والجمال، يقول: «المهنة دى اسمها القصبجى أو فن الصِّرمة، وهى كلمة تركية ترجع إلى عهد الدولة العثمانية، وتشمل عمل التابلوهات واللوحات بالقماش والخيوط، لكن هى أصلاً كانت تختص بتطريز ونقش النجوم والنياشين والرتب العسكرية على الباريهات والملابس العسكرية لضباط الجيش والشرطة، كما كانت أيضاً تسهم فى عمل كسوة الكعبة»، ويواصل «ناصر» حديثه: «الآن تحولت المهنة إلى عمل آيات قرآنية ورسومات حسب طلب الزبون، فمعظم الشغل الذى يُطلب حالياً بعض الآيات والسور القرآنية مثل آية الكرسى والمعوذتين وسورة الإخلاص، وتوضع فى تابلوهات وبراويز لتعليقها على حوائط البيوت أو المساجد».

مهنة القصبجى تأثرت مثل غيرها بتراجع السياحة، كما يؤكد «ناصر»: «إحنا أساساً بنعتمد على السياحة، كان بييجى ناس

من جميع أنحاء العالم وخصوصاً الدول المسلمة، وأيضاً من روسيا وأمريكا وأوروبا، وكازخستان وأذربيجان، وتونس والمغرب والعراق، وبسبب كورونا تأثرت السياحة، وبالتالى أثرت علينا».

بجوار «عم ناصر» يجلس أحمد مصطفى، الذى يعمل معه فى نفس الورشة منذ 30 عاماً، التقط طرف الحديث قائلاً: «الآلات ماتقدرش تعمل شُغل مجسّم زى اللى إحنا بنعمله، عندنا شَكّة الإبرة فيها فن»، وأضاف: «الصنعة دى شغالة طول السنة حسب رغبة الزبون، مثلاً واحدة عايزة آية الكرسى بنعملها لها، كان الأول الشغل مرتبط بمواسم معينة، زى وقت مولد الحسين، وكمان فى مواسم الحج والعمرة كنا بنطلَّع شغل السعودية على طول، لكن دلوقتى مفيش حج ولا عمرة، فحالياً شغالين بالطلب».

وبالنسبة للأقمشة المستعملة، يوضح «مصطفى»: «يوجد قماش كسوة الكعبة وهناك حرائر وأنواع الستان، وبالنسبة للخيط المستعمل فى التطريز نستخدم خيط حرير وسلك نحاس، وسلك فضة أو مطلى ذهب، حسب رغبة الزبون وإمكانياته المادية، بنعمل له القماش اللى هو عايزه والمقاس والشغل اللى بيطلبه».

وعن مستقبل المهنة وهل تواجه شبح الاندثار أم لا، يقول «مصطفى»: «من ناحية الصنايعية بدأت تندثر، لأن إحنا نعتبر آخر جيل القصبجية، الشباب دلوقتى ماعندهمش استعداد يتعلموا، الشاب مش عايز يقعد على كرسى 12 ساعة فى اليوم ويقعد يلضم إبر ويتعب نفسه»، ويستطرد: «لكن هذه الصنعة لها زبونها الغاوى الذى يفضلها على الشغل الجاهز، حيث يعلقها فى منزله باعتبارها تحفة نادرة، مثل الفرق بين السجاد اليدوى والسجاد الجاهز، فكل منهما له سعره وزبونه»، ويضيف: «الصنايعى بيقعد شغال من 10-12 ساعة فى اليوم، فهى صنعة مجهدة، لكنها فيها فن يدوى، كلما مرَّ عليه الزمن ازداد جمالاً».

ويناشد «عم مصطفى» المسئولين ومن يهمه الأمر، عمل دعاية للمهنة وتسليط الضوء عليها لمعرفة الناس بها، وفتح الباب للتصدير إلى الخارج، كما يطالب بتسهيل التسويق وتنظيم معارض لما يقومون بإنتاجه حتى تظل المهنة على قيد الحياة.