رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صناعة الطربوش فى مصر.. تاج الرأس يرفض الاندثار

محرر الوفد اثناء
محرر الوفد اثناء حديثة مع صانع الوجاهة

«صانع الوجاهة»: ورثت المهنة عن أجدادى وسأورثها لأبنائى.. و«طول ما الأزهر فاتح إحنا شغالين»

 

فى شارع الغورية التابع لمنطقة الحسين الأثرية بالقاهرة، وسط عشرات المحلات التى تبيع الملابس والأقمشة والمفروشات، سيلفت انتباهك مكان تشم منه رائحة الماضى وعبق التاريخ، إنه محل يبيع «الطرابيش»، التى كان ارتداؤها إجبارياً فى مصر، وأصبح الآن يقتصر على مشايخ وطلاب الأزهر وبعض أئمة وخطباء المساجد ومقرئى القرآن الكريم.

داخل المحل يقف ناصر عبدالباسط محمد، 57 سنة، وخلفه لافتة تحمل لقب «صانع الوجاهة» الذى يعتز به كثيراً، يعمل «عبدالباسط» فى المهنة منذ أكثر من 40 سنة، يقول إن هذه المهنة بدأت أيام العثمانيين، بل قبلهم بـ600 سنة، ومر الطربوش بمراحل مختلفة خلال تعاقب حكام وسلاطين وملوك مصر إلى أن صار ارتداؤه إجبارياً على كل موظفى الدولة، ومنهم القضاة ورجال الجيش والبوليس، وأيضاً طلاب الجامعات والمدارس، فقد كان نوعاً من «الإتيكيت» ومجاراة للتقاليد والعرف السائد، حيث كان إظهار الرأس عارياً وقتذاك يعد عيباً وخروجاً على المألوف، ما جعل صناعة الطرابيش تزدهر فى مصر وتنتشر محالها فى كل مكان، خصوصاً فى وسط البلد والحسين والغورية، كما كانت رائجة فى بلاد أخرى كتركيا واليمن وتونس والمغرب وبلاد الشام، لكن مع تغير العصر تقلصت هذه الصناعة تماماً ليبقى من صانعيها عدد محدود يعد على أصابع اليد الواحدة، والآن أصبح مقتصراً على الأزهر «طول ما الأزهر فاتح إحنا شغالين» حسب قوله، حيث إن أكثر الفئات التى تتعامل معه طلاب ومشايخ الأزهر وأئمة المساجد والمقرئون، وبعض المحاضرين بجامعة الأزهر، حيث يعتبرونه نوعاً من الوقار وبه يكتمل الزى الرسمى الخاص بمهنتهم، وأيضاً بعض الجرسونات فى كافيهات معينة، بالإضافة إلى بعض الفنانين الذين يستعينون به فى بعض الأعمال التاريخية السينمائية والتليفزيونية.

وعن الخامات المستعملة فى صناعة الطرابيش يقول «ناصر»: «نستخدم بعض الألياف الصناعية والجوخ والصوف»، وأضاف: «هناك أنواع مختلفة من الطرابيش؛ نوع غامق يلبسه كل من شيخ الأزهر، والواعظ، والمدرس، وشيخ المعهد، وإمام المنبر، وهناك نوع يرتديه المقرئون فقط مثل عبدالباسط عبدالصمد. وهناك الطربوش التقليدى (الأفندى)، و(العمامة) الخاصة برجال الأزهر، والطربوش المغربى الذى يتميز بقصره وطول زره المتدلى»، وأوضح أن صناعة الطربوش تمر بعدة مراحل تصل إلى أكثر من 11 مرحلة، تبدأ بالخامة القماش مروراً بتركيب الخوص والجلد والطواقى والمنشة، حتى تصل إلى الشكل النهائى للطربوش.

ارتبطت صناعة الطربوش بما يعرف بـ«مشروع القرش»، يحكى «ناصر»: «سعيد باشا لم من كل واحد من الشعب قرش لبناء مصنع للطربوش، لما كنا لسه صبيان كان لينا حصة أسبوعية من المصنع، والغورية كان فيها نحو 7 أو 8 طرابشية، وخان الخليلى كان فيها 2 طرابشية، وشارع فؤاد والسيدة زينب، لكن دلوقتى اللى بيشتغلوا فى المهنة دى يتعدوا على الأصابع»، مؤكداً «اللى مانزلش منطقة الأزهر وخان الخليلى مايعرفش حاجة عن مصر».  

يستخدم «صانع الوجاهة» فى مهنته ماكينة خاصة مصنوعة من النحاس يصنع عليها الطربوش يدوياً، ويقول عنها: «السلالة اللى عملت العدة دى حفرت الاسم بتاعها على العدة كلها (محمد عبدالكريم)، وهى تتكون من مكبس

وجمل وقالب، والنحاس ده عمره 600 سنة لو حطيت 80% منه و20% من الذهب يطلع 100% ذهب صافى، أنا جالى فى العدة دى مبلغ يخلينى أنا وولادى طول عمرى أصرف منه»، مؤكداً: «قد طلبها منى سفير فرنسى ليضعها فى متحف فى باريس، فقلت له: مش هبيع عيل من عيالى، دى متورثة أباً عن جد، قال لى إن الطرابيش ستنقرض، فأنا رديت عليه: ابنى ده باشمهندس بس هو شغال فى المهنة دى علشان يحافظ عليها من الانقراض، وانهارده الصناعة بقت آلات، لأن الشغل اليدوى بالإبرة فعلاً صعب وبدأ ينقرض، لكن الطربوش عمره ما ينقرض طول ما الأزهر فاتح».

وتواجه صناعة الطرابيش تحديات وعقبات تؤثر عليها، يقول «ناصر»: «نسبة الإقبال على الطرابيش انخفضت بنسبة تتخطى الـ50 فى المائة، ومن المرجح أن تنخفض أكثر فى الأعوام المقبلة، إضافة إلى ندرة الحرفى الذى يجيد هذه الصناعة التى تحتاج إلى الصبر، وتعتمد على الحب والمهارة والفن والذوق، لأنها تتطلب جهداً ووقتاً كبيرين، وتمر بمراحل تصنيع متعددة».  

ويبدو أن كساد قطاع السياحة طال سوق الطرابيش فى مصر أيضاً ليصبح الخطر الأكبر الذى يهدد باندثار المهنة تماماً واختفاء الطرابيش الأصلية المصنعة يدوياً، التى تعتبر جزءاً من التراث الوطنى. «كساد القطاع السياحى فى أعقاب ثورة 25 من يناير 2011 ضرب سوق الطرابيش وتأثر به كثيراً، إذ كان الإقبال الأقوى من السياح الأجانب من جميع الجنسيات الإيطالية والأمريكية والروسية والعرب الذين كانوا يقبلون على شراء الطرابيش والجلابيب المصرية كنوع من الاحتفاظ بزى تاريخى أثرى يذكرهم بمصر وتراثها، وكان الفلسطينيون والمغاربة الأكثر إقبالاً عليها».

 وبالرجوع إلى لقب «صانع الوجاهة» فإن له قصة يرويها لنا «عبدالباسط» قائلاً: «اللقب ده مش جاى من فراغ؛ مرة جالى صحفى من سينا، وأنا لما بعمل حوار صحفى بيبقى كبيره معايا ثلث ساعة، الراجل ده قعد معايا ساعتين، شاف الشغل بتاعى فعايز يدينى لقب مش لاقى لقب مناسب للشغل ده، فلاقيته بيقول: الله إيه الوجاهة دى؟! ومن هنا جاء لقب صانع الوجاهة».