رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«بيزنس الشعوذة».. من الأجداد إلى الأحفاد!

بوابة الوفد الإلكترونية

نصف مليون دجال فى المحافظات.. والقاهرة تستحوذ على نصيب الأسد

 

60٪ يؤمنون بالخرافات.. بينهم سياسيون وفنانون ورجال أعمال

 

الزواج والإنجاب.. أبرز الأمنيات أمام العرافين والدجالين

 

«الكبريت الأحمر» و«الأسرار الخفية».. أهم كتب اللاهثين وراء السحر

 

الدين يرفض الظاهرة.. والعلم يتبرأ منها

 

 

تنتظر بزوغ الشمس يوم الجمعة من كل أسبوع كى تغادر منزلها إلى مقام أبورواش الذى أقامه الأهالى للتبرك بها فى منطقة أبورواش بالجيزة والتى سميت بهذا الاسم نسبة لصاحب المقام، ممسكة فى يديها «شوال» مصنوعا من الخيش وبه كافة الأدوات التى تستخدمها طيلة اليوم، والمكونة من أوراق الكوتشينة وقطع صغيرة من الأحجار التى تشبه إلى حد كبير أصداف البحر، علاوةً على كثير من الوصفات مثل (زجاجات ماء ورد، حنا، وزجاجات مياه مقروء عليها قرآن) والتى قد يحتاجها الزبائن فى هذه الجلسة المنتظرة.

العرافة، كاتمة الأسرار، صائبة الرؤية و«حلالة العقد والمشاكل» كلها ألقاب لامرأة واحدة تشبه ملايين فى سنها والذى يتجاوز الـ68 عاماً، لكنها تختلف عنهم جميعاً فى أنها دون غيرها يقصدها مئات البشر أسبوعياً ويدفعون لها ما فى جعبتهم من أجل حل مشاكلهم أو لكى تتفوه بكلمة تعيد الطمأنينة لأذهانهم الشاردة فى ملكوت آخر.

اسمها «نجية» لا تعرف فى الدنيا شيئاً إلا الحرفة التى أتقنتها وأصبحت تدر دخلاً لها ولأسرتها المكونة من ابن متزوج ولديه 4 أبناء وبنتان متزوجتان، حيث تعتمد على «صناعتها الذهبية» فى الإنفاق عليهم جميعاً وعلى نفسها خاصةً أنهم حسب ما تعرفهم «ظروفهم على قد الحال ويحتاجون لمساعدة.. خاصةً أن المعيشية أصبحت باهظة».

ورغم أنها ليست من البدو، إلا أنها تشبههم، حيث ترتدى ثياباً فضفاضة طويلة جميلة مؤلفة من جلابية مزركشة، على رأسها خمار من حرير ملون، وتتزين بحلى من الفضة وتضع الأقراط فى أذنيها وتسمى (التراكى) أو التراجى أما فى أنفها فتضع (الخزام) حيث يثقب الأنف وتدخل فيه حلقة من ذهب أو فضة، ناهيك عن الأساور والخواتم فى يديها.

«بافتح الكوتشينة» قبل صلاة الجمعة، وبشوف «البخت بعد وشوشة الحجارة بعد الصلاة»، بهذه الكلمات تعرف «ناجية» الجالس أمامها عن طبيعة المهام التى تقوم بها كى تساعدهم فى حل مشاكلهم أو لتستمع إليهم فيما يريدون معرفته.

رغم أننى جلست أمامها بغرض التعرف على أسرار هذه المهنة وسر اقتناع المئات بصحة ما تقوله لهم، إلا أننى لاحظت منذ الوهلة الأولى أن كافة المشاكل التى رددتها الجالسات أمام «ناجية» جميعها تدور حول موضوعين لا ثالث لهما وهما «الزواج، والانجاب» فإما أن تكون الجالسة تأخرت فى الإنجاب وتخشى أن يتزوج عليها بعلُها من امرأة أخرى، أو أن تريد الاستفسار عن الموعد المنتظر لوصول ولى العهد خاصةً أنها أم لبنات ويفرق فى القرى بشكل كبير إنجاب الذكور، وبخصوص موضوع الزواج فيكون الطلب عليه بكثرة، حيث لا تتردد الكثير من الفتيات اللواتى تأخرن فى الزواج اليقين بأنهن سيغادرن خانة العوانس قريباً ويحملن لقب متزوجة، على جانب آخر، تكثر شكاوى السيدات من أزواجهن ويجتهدن من أجل إحضار وصفة لكى يلين قلب المحبوب ويعم الاستقرار والهدوء داخل المنزل، خاصةً أنه فى كثير من الأحيان يدور فى أذهانهن أن بعض الأشخاص قاموا بعمل سحر لهن لتعكير صفو حياتهن.

«نجية» التى تدعى معرفة الغيب وتُسكن الجالس أمامها ببعض الكلمات المطمئنة حتى تحصل على إكرامية من الزبون الشارد والعالق فى كلمة أو وصفة منها، نقطة فى بحر ملىء بالآلاف السائرين على نفس دربها، حيث أثبتت دراسة حديثة صادرة عن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن زيادة أعداد الدجالين مرتبطة بتزايد الاعتقاد فى الخرافات، ولا يقتصر هذا على الجهلاء فقط، بل إن أغلب الدراسات تؤكد تقدم المتعلمين وأصحاب المستويات الثقافية الرفيعة ضمن الفئات الأكثر ترددا على هؤلاء الدجالين، حتى أصبح المعدل دجالا واحدا لكل 240 مواطنا، حيث قدرت أعدادهم بحوالى 500 ألف شخص، القاهرة لوحدها تحتل الصدارة بتمركز 100 ألف دجال فيها ومدعين العلاج بالأرواح والأعشاب الطبيعة، ثم يليها الجيزة والقليوبية ثم تأتى بعدها محافظات الدلتا المنوفية والبحيرة والشرقية ثم بعد ذلك تأتى محافظات الصعيد.

ومع أن أعداد الدجالين فى ازدياد حسب الدراسات والأبحاث بسبب تفشى الجهل وزيادة نسبة الأمية فى المجتمع وخاصةً فى القرى والمناطق الشعبية، لكن لا يمكن وضعهم فى سلة واحدة، فمن خلال احتكاكنا المباشر مع أكثر من شخصية من هؤلاء المُدعين للمعرفة والغيب، فلاحظنا أن أغلبهم لا يظهر بالشكل التقليدى المنتشر فى الأفلام والمسلسلات والمجسد لشخص يرتدى عبادة وفى يديه سبحة طويلة وعلى رأسه عمامة إما خضراء أو بيضاء وأمامه كم هائل من الدخان المنبعث من البخور المحترق.

الدجال لم يعد هذا الشخص، بل أصبح شكله وجلده يتغير من مكان لآخر، ففى إحدى المناطق تجده يجلس فى محل عطارة ويدعى العلاج بالأعشاب، بينما يشتهر فى مناطق أخرى يكون مجرد موظف بسيط يريد الشهرة والشعبية بين أفراد منطقته فيدعى العلاج بالقرآن ويتعاقد مع بعض محلات العطارة على أن يرسل لهم الزبائن يصف لهم الخلطات والأعشاب مقابل نسبة من الأرباح، على جانب آخر، يلجأ بعض «المدعين بمعرفة الغيب» إلى قراءة الفنجان أو الكف للحصول على دخل مناسب يوفر لهم حياة معقولة.

والمصريون كغيرهم من شعوب العالم مؤمنون بالخرافات ومنساقون وراءها، حيث أظهرت الدراسات البحثية التى أجراها المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن أكثر من 60% يؤمنون بهذه الأباطيل، بينهم حوالى 11% من المثقفين والسياسيين والرياضيين ورجال الأعمال والفنانين، وقدرت نسبة إنفاقهم على هذه الخرافات حوالى 10 مليارات جنيه سنوياً.

وحسب الدراسات البحثية فى مجال العلوم الاجتماعية، فإنه تتحكم نحو 275 خرافة فى عقول المصريين، على رأسها مشكلات تأخر سن الزواج وعدم الإنجاب والمشكلات الجنسية المعقدة، إضافة إلى الأمراض المستعصية.

الأبشع من الاعتقاد بهذه الخرافات، الجرائم التى ترتكب بمنتهى اللاإنسانية والتجرد من المشاعر ارضاءً للمشعوذين، حيث يقتل الآباء أبناءهم اعتقادا منهم أن قتل الأبناء وتقديمهم «قربانا للجن»، بإمكانه مساعدتهم على اكتشاف المقابر الأثرية والاستيلاء على كنوزها، كما زعم مجرمون بأنهم «ملبوسين» وأن الجن هو المسئول عن الجرائم التى ارتكبوها.

ولهذه المعتقدات والخرافات تاريخ قديم يمكن الرجوع إليه لمعرفة سر اعتقاد نسبة كبيرة من المصريين بهذه الأمور، حيث ربط العديد من الباحثين بين الشعوذة والسحر والحضارة المصرية القديمة، حيث أكدوا أن السحر آمن به المصريون منذ حوالى 4500 سنة، وكانوا ينظرون إليه باعتباره وسيلة للتواصل مع الآلهة وجلب الحظ والتفاعل مع العالم السفلى.

 

الأبراج ومعرفة الطالع

فى السنوات الأخيرة، أصبحت القنوات الفضائية تزخر بعدد كبير ممن يطلق عليهم «خبراء» فى علم الفلك والأبراج، حيث يزداد ظهورهم مع نهاية كل عالم لكى يكشفوا الطالع للمشاهدين ويرصدون ما سوف تشاهده حياتهم من تغيرات فى السنة الجديدة.

ما يسمى «علم الأبراج» أحدث جدلا وخلافاً بين العديد من المشايخ، حيث رفض بعضهم هذا العلم واعتبروه أمرا مذموما ومرفوضا شرعاً، من بين هؤلاء الشيخ أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، والذى أكد أن استطلاع الأبراج، أو ما يسمى بالطالع علم زائف مضلل

ولا يجوز تعلم هذه العلوم المضللة لكونها تنشر الخرافات وتبتعد بصاحبها عن العقلية العلمية الصحيحة كما أنها مضيعة للوقت سنحاسب عليها.

على خلاف ذلك، أكد الدكتور عمرو الوردانى، أمين الفتوى بدار الإفتاء، إن القراءة فى صفات الأبراج جائزة شرعا لأنها ليست تدخلا فى قوانين الله ولا خصائص الناس، فهى تعلم الشخص بعض الصفات التى وضعها الله فى الناس.

وأضاف «الوردانى»، ردا على أسئلة الجمهور عبر البث المباشر على صفحة دار الإفتاء: «يجب على متابعى صفات الأبراج عدم ترك حسن الظن بالناس كأن تحكم على شخص مواليد برج معين بأنه شخص سيئ مثلا فتسىء الظن فيه فهذا غير جائز، أما قراءة ما سيحدث لمواليد الأبراج فهذا لا يجوز لأنه فى علم الغيب ولا يعرفه أحد إلا الله».

من جانبه، أوضح أشرف تادرس، رئيس قسم الفلك بالمعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، أن من يطلقون على أنفسهم علماء فلك وخبراء فى الأبراج لا يحملون أى شهادات علمية فى هذا المجال، ولا ينتمون إلى معهد البحوث الفلكية، علاوةً على أنهم لم يدرسوا فى كليات العلوم.

وأشار إلى أن ما يطلق عليه علم الأبراج ليس علماً ولا يدرس فى الجامعات وليس معترفا به كشهادة علمية، بل هو مثله مثل غيره من أمور الشعوذة كقراءة الفنجان وضرب الودع وفتح الكوتشينة، فجميعها يدور حول استقراء الغيب أو رؤية المستقبل، وهى أمور مكروهة فى الأديان ومرفوضة من المجتمع.

 

كتب الجن والدجل

فى سور الأزبكية، لا تخلو من المكتبات من الكتب القديمة المتخصصة فى أعمال السحر والشعوذة والطلاسم، حيث تشكل كنزاً كبيراً للدجالين والعاملين فى هذا المجال، علاوةً على أنها بضاعة مطلوبة من زبائن يعرفهم الباعة جيداً، بعضهم يشترى بهدف فضولى وآخرون يدفعهم اقتناعهم التام بهذا العالم الخرافى إلى اقتناء كتب متخصصة فيه.

ويؤكد «عم إبراهيم» أحد الباعة فى سور الأزبكية أن لكتب السحر والشعوذة جمهورا مهتما بها، مشيراً إلى أن هناك العديد من الكتب الأكثر رواجاً وطلباً من الزبائن على رأسها كتاب «الكبريت الأحمر»، «قمر الأقمار»، «الأسرار الخفية» وهي من أهم الكتب فى علوم السحر والتنجيم وتحضير الأرواح.

وأكد أن كتاب «شمس المعارف الكبرى والصغرى والوسطى» للإمام البونى هو الأشهر بين القائمة الطويلة لهذه النوعية من الكتب، علاوةً على كتاب «العجائب» ومنبع أصول الحكمة» و«قابض الأرواح وهادم اللذات ومفرق الجماعات».

ونوه إلى أن «كتب السحر والتنجيم» تباع بأسعار رخيصة لأنها مخالفة للقانون، ومعظمها مزيفة لا أهمية لها، فهى عبارة عن مقتطفات من هنا وهناك بعيدة عن المتون الأصلية ذات الأسعار الخيالية.

 

القانون لا يعاقب

المحامى محمد سعيد، أكد أن القانون المصرى لا يعاقب على جرائم السحر والشعوذة، مشيراً إلى أنه ضم جرائم السحر والشعوذة إلى جريمة النصب، طبقا لنص المادة ٣٣٦ من قانون العقوبات المصرى، ويكون العقاب فيها الحبس لمدة ٣ سنوات مع الشغل والنفاذ.

وأشار إلى أن هناك فرقا بين الدجالين والعرافين ومشايخ الرقية الشرعية، مشيراً إلى أن من يقوم بالرقية الشرعية دون أن يحصل على أموال لا يعاقبهم القانون، أما إذا حصلوا على أموال فهنا تترك المسألة للشخص المتعامل مع الشيخ، ففى حال لم يقم الشخص بعمل محضر ضد هذا الدجال فلن تكون هناك جريمة يعاقب عليها، أما إذا قام الناس باتهام الشخص بالنصب عليهم وأنه يقوم بهذه الأعمال من أجل كسب الأموال، فيتم معاقبته طبقاً للمادة ٣٣٦ من قانون العقوبات والتى يصل فيها الحبس إلى ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ.

ونوه إلى أنه فيما يتعلق بالدجالين والمشعوذين فالقانون المصرى لا يعاقب على السحر والشعوذة، لكن يمكن معاقبته بتهمة النصب فى حال حصوله على أموال من الشخص المتعامل معه، خاصةً إذا أقدم المتعامل معه على تقديم محضر ضده.

يذكر أن المادة ٣٣٦ من قانون العقوبات المصرى تنص على أنه: «يعاقب بالحبس كل من توصل إلى الاستيلاء على نقود أو عروض أو سندات دين أو سندات مخالصة أو أى متاع منقول، وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها، إما باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمى أو تسديد المبلغ الذى أخذ بطريق الاحتيال أو إيهامهم بوجود سند دين غير صحيح أو سند مخالصة مزور، وإما بالتصرف فى مال ثابت أو منقول ليس ملكًا له ولا له حق التصرف فيه، وإما باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة، أما من شرع فى النصب ولم يتممه فيعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة، ويجوز جعل الجانى فى حالة العودة تحت ملاحظة البوليس مدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر».