عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

د. أحمد درويش : لن ترتقى أمة دون القراءة .. ولا يوجد أدب مجانى

د. أحمد درويش
د. أحمد درويش

الأدباء الشباب كنز الأمم.. والمرأة حاضرة فى كل عصور تاريخ الأدب

مقولة «الرواية ديوان العرب» غير صحيحة.. والشعر يدخل كل الأجناس الأدبية

الترجمة لا تمثل الواقع الأدبى العربى حتى الآن

ترجمة النص الأصلى خيانة جميلة.. والثقافة بحر

 

الحديث لا ينتهى مع الدكتور أحمد درويش أستاذ البلاغة والنقد الأدبى المقارن بكلية دار العلوم، ناقد أدبى كبير، حصل على دكتوراه الآداب والعلوم الإنسانية تخصص نقد أدبى وأدب مقارن من جامعة السوربون بباريس عام 1982 وعمل أستاذا للبلاغة والنقد الأدبى المقارن بكلية دار العلوم عام 1993 وتولى عمادة كلية الآداب بجامعة السلطان قابوس من 96 إلى 1999 ومستشار رئاسة الجامعة ذاتها للشئون الثقافية والإعلامية بدرجة عميد حتى 2001 وشغل منصب وكيل كلية دار العلوم جامعة القاهرة 2004.

قام «درويش» بالإشراف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه بجامعتى القاهرة والسلطان قابوس وعمل محاضرا بأكاديمية ناصر العسكرية والجامعة الأمريكية وكلية الدراسات المتميزة بباريس e.n.s عام 1982.

نال الناقد الكبير عضوية العديد من الجمعيات والاتحادات فهو عضو اتحاد الكتاب فى مصر والجمعية الدولية للأدب المقارن وعضو لجان التحكيم لمنح جوائز الدولة وعضو لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة والمجمع الثقافى العربى ببيروت، وعضو خبير فى مجمع اللغة العربية.

حصل على العديد من الجوائز والأوسمة أبرزها درع جامعة الإمارات العربية وإشبيلية بإسبانيا ودرع جامعة السلطان قابوس والجامعة الإسلامية بإسلام آباد ووسام مؤسسة البابطين الثقافية بالكويت وجائزة المجلس الأعلى للفنون والآداب فى الشعر، وجائزة مؤسسة اليمانى الثقافية والجائزة التقديرية لجامعة القاهرة «جائزة نجيب محفوظ» وجائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 2008.

«الوفد» التقت الناقد الكبير فى هذا الحوار.

 

< دعنا="" نستكشف="" بداياتك="" الأولى="" ونتوقف="" عند="" أهم="" المحطات="" فى="" تجربتك="">

- الحقيقة، البدايات متعددة ومتعاقبة وأصبحت الآن متراكمة لا أحد يعلم متى البداية هل هى كتاب القرية أو هى مدرسة المدينة أو هى الكلية الجامعية أو البعثة الخارجية، كلها سلسلة بدايات متتالية وكل واحدة منها ترتكز على الأولى وتعمقها وتضيف لها مرحلة من المراحل، ولا تزال البدايات موجودة لا يمكن أن يتحدث الإنسان عن مشروع ليس له بداية وليس له بداية جديدة فى كل يوم، يستطيع الإنسان أن يكتسب جانبا من المعرفة وجانبا من الخبرة ويرى فى الإنتاج الذى يثار وفى الحوار الذى يتم شيئا يجعله يعدل من خطواته والإنسان كائن متطور إذا توقف عن التطور جمد ومات.

< كناقد="" أكاديمى="" كبير="" كيف="" ترى="" حال="" النقد="" الأدبى="" فى="" مصر="" والوطن="" العربى="" خلال="" المرحلة="" الراهنة؟="" وماذا="" ينقص="" النقاد="" العرب="">

- الحقيقة هنالك نشاط معقول وهنالك رغبة فى ممارسة النقد وهناك رغبة فى تحديث هذه الممارسة وهذا كله شىء طيب، ويتمثل هذا التحديث والنشاط حتى على المستوى الأكاديمى فى كثير من الرسائل الجامعية التى تطرح على مستور الماجستير والدكتوراه وفى الكتب التى تطرح للترقية وفى النشاط النقدى الحر سواء فى الصحافة العامة أو المتخصصة أو الكتب النقدية، من هذه الناحية لا نستطيع أن نظلم الكم، فالكم النقدى لا بأس به، لكن نستطيع أن نراجع الكيف، لأن الكيف أيضاً كما قلت لك فى البداية متطور، ربما نحن دخلنا مرحلة، والمراحل النقدية والأدبية تقاس بالأعوام القليلة لكن ربما تقاس بالفترات الزمنية بالعقود، نحن ربما دخلنا مرحلة فى نصف القرن الماضى وما يسبقه فى محاولة تحديث النقد الأدبى، وكان سبيلنا لهذه المحاولة ماهية الإغراق فى النقد الغربى، تعلمه، أو الإمساك بأطرافه وهذا فى ذاته أوجد شيئا طيبا، بمعنى أنه أوجد رغبة فى الانتقال بالنقد الأدبى من فكرة الانطباعية والذاتية والكلام الطيب والمجاملة إلى فكرة الموضوعية، وهذا فى ذاته جيد وحسن وهو الخطوة الأولى لتطوير أى علم من العلوم، لكن بالتراكم تبين، ولابد أن يتبين لنا أننا بحاجة إلى غربلة الأمواج الكثيرة التى تدخل لنا من هذه النافذة، نحن أخذنا الجانب الموضوعى، والجانب الموضوعى فى النقد الأدبى يرتبط بالتطور الموضوعى فى المعارف والعلوم فى الفكر الغربى أو الفكر الأجنبى بصفة عامة وهذا الجانب يتعلق بمفهوم الرموز، مفهوم الأرقام، الإحصاء، التراكم، وهذا يجعل النقد الأدبى مجموعة من الرموز والأرقام والإحصاءات والجداول تتخذ هذه الوسيلة العلمية وسيلة لفهم النص لكن الذى يحدث فى كثير من الأحيان أننا نلجأ إلى هذه الوسيلة الآن كوسيلة لتقييد النص، كوسيلة أحياناً لحبس النص فى قفص ذهبى على أفضل الافتراضات وحبسه فى قفص حديدى أو قفص ردىء الصنعة فى كثير من الأحيان، نحن ابتعدنا فى تناول النص الأدبى العربى عن فقه العربية وفقه النص ومتطلبات الحياة المحيطة وطرح الثقافات المتراكمة على النص، لم ننظر إلى هذا ولكن نظرنا إلى النص كيف يمكن أن نحقق فيه سينمائية معينة، بنيوية معينة، رمزية معينة وأفرطنا فى الحديث عن الجزئيات إما بالتنظير أو برصد الملامح فإذا بالنصوص فى كثير من الأحيان تختنق تحت قبضة وقسوة النقاد وإذا بها لا أعمم فأقول فى كل الحالات ولكن فى أحيان كثيرة جدا تخرج نقدا لا يفيد المبدع ولا يفيد القارئ وأكاد أقول لا يفيد الكاتب، وتلك مرحلة لابد أن نغربلها حتى نتحرى معا الطريق إلى نقدٍ مجدٍ ومفيد.

< هل="" النقد="" إبداع="" أم="" علم؟="" خاصة="" أن="" بعض="" النقاد="" يرون="" أن="" الإبداع="" يتولد="" عن="" التجربة="" والمعاناة="" فى="" الحياة،="" فهل="" الأمر="" حقيقة="" يتوقف="" على="" ذلك؟="" وما="" دور="" التخييل="" فى="" هذا="">

- أعتقد أن النقد كنشاط بشرى لابد أن تكون فيه بذرة موهبة وبذرة ملاءمة، فأنت لا تكون رساما لأنك قررت أن تكون رساما حتى لو تعلمت الرسم، أنت تتعلم الرسم تنميةٍ لموهبة عندك دفعتك لأن تركز على الأشكال والألوان والمقاييس ولا تكون رساما كاريكاتيريا لأنك قررت ذلك، وهذا جزء مهم، التقرير والدراسة مهمة، ولا تكون ناقدا أيضاً لأنك قررت ذلك، لكن تكون ناقدا لأنك لمحت فى ذاتك رغبة فى استقبال النصوص الأدبية، تفهمها، مراجعتها، الدخول على خطها، إعادة تأويله، خدمة القارئ والمبدع وخدمة ذاتك من خلال طرح مقال أو دراسة نقدية. وهذا يدل على أن فكرة ما لم تكن موهوبا فى قراءة النص أو لديك حاسية الفضول لتتتبع النص وتبنى على هذه الحاسية ثقافتك فى النص ولغته وتاريخه وثقافته فسوف تصبح ناقدا جافا، لكن إذا كانت لديك الموهبة ونميتها بالقراءة والتتبع سوف تصبح ناقدا حيويا وتطرح معلوماتك وإبداعاتك على الآخرين.

< وظيفة="" الأدب="" اختلف="" حولها="" الأدباء="" والنقاد="" فمنهم="" من="" جعلها="" للإمتاع="" فقط="" ومنهم="" من="" ارتقى="" بها="" إلى="" أهداف="" تربوية="" سامية="" فما="" وجهة="" نظركم="" فى="" هذه="">

- لا يمكن أن يكون الأدب وهو نشاط كبير ومهم للأمم مجانيا ومجرد عبث وإلا يكون هذا لا معنى له، هو فيه حرية واستكشاف آفاق، وفيه إبداع لكن من وراء هذا يهدف إلى تشكيل الوجدان وتربية الذائقة العامة وتشكيل الوعى والارتقاء بالطبقات كلها، هذا شىء مهم جدا عرفه القدماء وعرفته آداب كل الأمم، وشاعرنا القديم كان يقول:

ولولا خلال سنها الشعر ما درى بناة العلا من أين تؤتى المكارم

فمن خلال ما يصنعه الشعراء من تصورات خيالية تبنى المكارم وتبنى السلوك ومن خلال ما يصنعه الأدباء من تخييلات يفتحون الباب أمام العلماء لكى يرتقوا بالبشرية، ليس هناك أدب مجانى وليس هناك أدب لا فائدة منه، الأدب ليس خطابا مباشرا، ليس كالوعظ والنصائح، لكن الأدب يصل إلى نفس الأهداف بوسائله الخاصة، وسائل التخييل والإسقاط والشفافية والإثارة والمعارضة، كل هذا يعطى للأدب حقه وإذا كنا نحن على سبيل الخصوص أمة ما زال أكثر من نصف أبنائها أميين لا يعرفون القراءة والكتابة وينتظرون أن ترتقى بهم أقلام مثقفيهم وأقلام المتعلمين منهم فكيف نقول إن ما ننتجه لا يهدف إلى شىء معين وإنما يهدف إلى مجرد التجريب والعمل، هذه مسألة مضللة وتغرى الشباب بألا يكونوا أنفسهم تكوينا جادا وبأن ينصرفوا إلى الإبداع قبل أن يكون تكوينهم قد أدى مهمته الحقيقية.

< يتردد="" فى="" الساحة="" الإبداعية="" مصطلح="" «الأدباء="" الشباب»="" فكيف="" ينظر="" د.«درويش»="" إلى="" هذا="">

- الأدباء الشباب هم ذخيرة الأمة وهم بطبيعة الحال المستقبل الذى ينبغى أن يعول عليه والذى ينبغى أيضاً أن يهتم به، لأن الشباب هم العدة التى ينبغى أولا أن تتكون بطريقة جيدة حتى تحمل المسئولية والعبء، وهنا ينبغى أن نفرق بين العنب والحصرم، عندما يبدأ العنب فى الظهور على عنقوده يكون حصرما صغيرا، تتكون ملامحه لكن لم يكتمل بعد غذاؤه ولم يتحول إلى شىء مفيد، فإذا ما قطف فى هذه الفترة أصبح مرا، وإذا ما صبرنا عليه وأعطيناه المزيد من الغذاء والنضج وتعرض للشمس والهواء والمناخ الطبيعى أصبح عنبا جيدا، بعض الشباب يتعجل وهو فى فترة «الحصرمية» يريد أن يفلت للظهور وهذا ضاربه لينظر الإنسان قليلا حتى يتعلم أكثر وحتى يتجاوب وعندما يقول للناس كلمته الأولى ينبغى أن يكون على قدرٍ من النضج تجعل الانطباع عنه يظل دائما، لأن الإنسان لو بدأ بكلمة ضعيفة ربما يتكون لديه انطباع يصعب تغييره فيما بعد، لكن أؤكد أهمية الشباب وأهمية آفاقهم وأحلامهم وتخيلاتهم، لكن الأدب والإنتاج كلام والكلام من الكلام، والإنسان لا يكتب قبل أن يقرأ، ولا يعطى قبل أن يأخذ عليه أن يمتص كل ما يستطيع لكى يكون مؤهلا للعطاء وللإرسال.

< ما="" مدى="" حضور="" المرأة="" فى="" المشهد="" الثقافى="" والإنتاج="" الفكرى="" من="" وجهة="">

- المرأة حاضرة فى كل عصور تاريخ الأدب، وربما فى العصر الحاضر أكثر ومشاركتها مشاركة مقبولة، مشاركتها فى الحياة الأدبية ليس فقط من خلال الإنتاج لكن من خلال الاستهلاك والاستقبال، فالمرأة عنصر مهم جدا فى تلقى الأدب وربما كان هذا العنصر هو الذى طور أجناس أدبية معينة، تاريخ القصة والرواية فى العالم الغربى يذكر أن القصة تطورت لأنه وجدت المرأة القارئة فى البيت وتحتاج إلى شىء يسليها فكانت القصة، والحكايات العربية الراوية الأساسية فيها امرأة شهر زاد هى زعيمة الراويات التى تعرف كيف تروى، وأحمد شوقى عندما بدأ إنتاجا نثريا قصصيا، لفت نظره أن المرأة المصرية بدأت تحرص على قراءة الجرائد فأرادت أن يكتب لها شيئا مسلسلا فى الجرائد فكانت نشأة الفن القصصى، المرأة عنصر مهم فى التلقى والإرشاد، ونحن الآن لدينا كاتبات مبدعات ودون شك من أيام مى زيادة وغيرها وملك حفنى ناصف وسهير القلماوى وبنت الشاطئ، كاتبات لهن وزنهن الكبير ورضوى عاشور، سلسلة كبيرة من الكاتبات اللائى يعطين للأدب دماء جديدة، لكننا أيضاً قد يلاحظ أن الكثير أو جزءا كبيرا من إنتاج المرأة يدور حول ذاتها، وينبغى أن تتجاوز المرأة الكاتبة الأديبة هذه المرحلة، والمرأة ليست بحاجة إلى إعادة الاعتراف بها لنقول حياتى كذا، فهى الآن كائن أدبى لديها ما تقوله فلتنطلق، ويعجبنى فى هذا الإطار إنتاج رضوى عاشور عندما تكتب عن «ثلاثية غرناطة» قد تكتب عن ذاتها فيما بعد، وهناك أدبيات عربيات كثيرات ومصريات عرفن كيف يخرجن من إطار الكتابة عن الذات إلى الرواية التاريخية، الكتابة الموضوعية، فيكون لكتاباتهن مذاق معين، لكن المرأة ركن أساسى فى الإنتاج الأدبى.

< الكاتبة="" العمانية="" جوخة="" الحارثى="" درست="" على="" يديك="" أثناء="" عملك="" فى="" جامعة="" السلطان="" قابوس="" سنين="" طويلة="" وقد="" فاجأت="" الوسط="" الثقافى="" العربى="" بفوزها="" بجائزة="" البوكر="" العالمية="" عن="" روايتها="" «سيدات="" القمر»="" كيف="" تقيم="" هذا="">

- جوخة الحارثى أكاديمية وأديبة عمانية من الجيل الذى سعدت بالتدريس له فى الجامعة، فترة قيامى بالعمل أستاذا وعميدا لكلية الآداب فى جامعة السلطان لسنوات طويلة، وكانت واحدة فى هذه الظروف التاريخية من الشابات الموهوبات المبدعات المتواضعات أصحاب الموهبة الكبرى والصوت الخفيض وكان يشاركها جيل كبير من زملائها وزميلاتها المبدعين والمبدعات الذين كانوا طلابا واعدين فى هذه الفترات وأصبحوا أدباء بارزين ومنهم سليمان المعمرى القاص المتميز الذى حصل من قبل على جائزة يوسف إدريس فى القصة القصيرة من المجلس الأعلى للثقافة ومنهم بدرية الشحى وعاصم السعيدى الشاعر المشهور وهناك لال الحجرى وكان من قبلهم بقليل جيل محمد الحارثى أحد الشعراء الموهوبين وحتى الأجيال الأكبر سنا الذين التفوا حول الجامعة، وقد عايشت الأدب العمانى فترة طويلة وأبناءه وعايشت إنتاجه الفنى وتفاعلت معه وكتبت عنه ولم تفاجئنى جوخة الحارثى وإن كانت قد فاجأت القراء بالفوز بهذه الجائزة العظيمة فهى تجسيد حى للشخصية العمانية فى العمق والتواضع والهدوء والتفكير الطويل وعدم الضجة، وهى من قبل أخرجت ثلاث مجموعات قصصية وثلاث روايات بعضها حصل على جوائز وتقدمت فى مجالات للتعرف على القارئ العربى لكن كانت المفاجأة الكبرى فى هذا السبق فى الحصول على جائزة عالمية حول نص عربى مترجم إلى الإنجليزية، جوخة الحارثى نموذج للعطاء إلى يمكن أن يصدر عن الشابات العرب والشابات العربيات إذا تعلمنا وتعلموا كيف يمكن أن يكون العكوف على تجويد العمل أكثر من اللهاث وراء الدعاية وطلب الشهرة، هى تستحق كل الخير والتقدير كما يستحق الأدباء العمانيون والشعب العمانى كل المحبة والتقدير.

< بصراحة="" شديدة="" هل="" يؤرقك="" حال="" الثقافة="" الآن="" بشكل="">

- يؤرقنى حال ما قبل الثقافة، حال المعرفة، حال القراءة والكتابة الآن ونحن فى أجواء اللغة والاهتمام بها يؤرقنى تراجع مستوى الاهتمام باللغة العربية فى القراءة والكتابة والحياة العامة، والطرد المستمر التدريجى لها على أيدى سواء لغات أخرى أو مستويات أخرى من لغة الكلام كاللغة العامية، ويؤرقنى أيضاً أن المسئولين عن اللغة لا يبذلون جهدا كافيا للنزول إلى هؤلاء، وهذه مسألة مهمة أيضاً، نحن لا ينبغى أن نلقى العبء والاتهام على الأجيال الذين يخطئون لكن على الأطباء الذين يقصرون فى العلاج، وأظن أننا لو وضعنا من الخطط ما يجعلنا ننزل باللغة إلى الذين يأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق لصنعنا شيئا مهما، نحن فى حاجة إلى تصويب لغة الهاتف المنقول ولغة الرسائل القصيرة ولغة إعلانات الشوارع ولغة إعلانات الإذاعة والتليفزيون ولغة المذيعين، نحن فى حاجة إلى تناول هذه الأشياء البسيطة لنجعل منها مفاتيح بسيطة صحيحة نعتز بها تدخل بنا إلى عالم الثقافة، ونحن أيضاً محتاجون إلى تشجيع القراءة بطريقة أفضل لأنه ليس هناك أمة ترتقى إلا إذا كانت أمة

قارئة ولا تكون قارئة للتسلية، قارئة لأعمال الفهم «العقل»، العقل فى الجامعات ليس مهمته أن يستوعب بعض الأشياء ويحفظها ويؤديها فى الامتحان ثم ينساها، العقل فى الجامعات ومرتكز البحوث ومراحل التعليم مهمته أن يتلقى الأشياء لكى يهضمها ويتمثلها ويفكر فى أشياء جديدة من هذه الناحية، الثقافة، بالمعنى العام لأعمال العقل تحتاج إلى مسئولية أكبر وتحتاج إلى اهتمام أكبر من الدولة أيضاً، ومن أجل ذلك ناديت فى اليوم العالمى للغة العربية بإطلاق مبادرة رئاسية لحماية اللغة العربية وتمكينها ما لم تكن اللغة بطريقة تهدف إلى تكوين الهوية وتهدف إلى تكوين المواطن الصحيح وتكوين القارئ الصحيح ومن ثم توظيف كل الأشياء لخدمتها ستنهار، وإذا وضعنا الإعلانات لخدمة أصحاب رؤوس الأموال وخدمة البضائع وغفلنا عن كيف نوجه هذه الخدمة ونوفق بينها وبين اللغة السليمة فنحن نقصر فى حق اللغة وحق الثقافة.

< إذن="" بعد="" كل="" هذه="" السلبيات="" التى="" ذكرتها="" هل="" ترى="" أننا="" نسعى="" بإرادتنا="" إلى="" تدمير="" لغتنا="" وثقافتنا="" بسلبيتنا="" وخمولنا="">

- ليس بهذا المعنى، لا نطلق شعارات السعى للتدمير، لكن الغفلة عن جوانب الإيقاظ، نحن لدينا جوانب كثيرة جدا للإيقاظ والتصحيح وهى قريبة منا وليست بعيدة، فقط تحتاج إلى التنسيق وإلى تكثيف الجهود وإلى أن يعرف كل إنسان دوره المطلوب.

< ما="" مفهوم="" الحداثة="" فى="" رأيكم="" وما="" أسباب="" تعثر="" مشروع="" الحداثة="" فى="" العالم="" العربى="" فى="" الوقت="">

- الحداثة كلمة تطلق فى كل العصور وكل عصر يرى أن الجدد محدثون ربما غير ناضجين منذ أيام جرير والفرزدق، فقد كانا فى عصرهما شبابا محدثين، وكان أبو عمرو بن العلاء الراوية القديم لفرائد الشعر العربى يقول: لقد كثر هذا المحدث حتى لقد هممت أن آمر صبيانى بروايته، فكان ينظر إليهما على أنهما شىء محدث، فطبيعة الحالات تجدد الفكر لكن نحن فقط علينا ألا نفهم التجدد على أنه هدم للقديم وأن نخرج من فخ القطيعة، فنحن أحياناً نتبع دون أن نعلى ما ينادى به الغربيون من القطيعة مع الماضى، نحن لدينا قطيعة أخرى ينبغى أن نفرق بين لونين من القطيعة، القطيعة السلبية بمعنى نسيان الماضى والإغراق فيه، وهذا شىء غير صحيح ولا تسمح به طبيعة ثقافتنا ولغتنا وواقعنا الدينى لا نستطيع أن نقطع مع الماضى، لكن نحن أيضاً فى حاجة إلى ما يسمى بالقطيعة الإيجابية مع الماضى بمعنى ألا نكتفى بترديد معطيات الماضى وترديد آرائه ترديدا حرفيا والسير على خطواته، لكن نأخذ جوهر الماضى فى الثقافة والسلوك والقيم ولنعرف ما الأعراض التى كانت مناسبة للقرن الثالث والرابع وليست مناسبة لنا، ما الظروف التى كانت تناسب القدماء ولا تناسبنا، ولنأخذ جوهر التراث الأدبى والأخلاقى والفكرى ونجدد فيه بما يتلاءم مع طبيعة العصر، ووقتها نكون قد حققنا القطيعة وأفلتنا من سلبياتها.

< وهل="" هذا="" ما="" نستطيع="" أن="" نطلق="" عليه="" المواءمة="" بين="" الحداثة="">

- هذا هو ما أظن بالقطيعة الإيجابية.

< الرواية="" أصبحت="" «ديوان="" العرب»="" والمسرحية="" أزاحت="" الشعر="" عن="" مكانته="" التى="" يتبوأها="" عبر="" العصور="" الأدبية="" المتعاقبة،="" كما="" أن="" النقد="" يستخف="" بالشعر="" فما="" رأيكم="" فى="" هذه="">

- غير صحيحة، فلا شىء يزيح شيئا أبدا، بالعكس الأشياء تتفاعل مع بعضها البعض، والمرحية أصبحت مسرحية شعرية، والشعر يدخل فى كل الأجناس الأدبية والنقد يستفيد من روح الشعر، والمسرحية تستفيد من روح الشعر، والرواية تستفيد من روح الشعر، والشعر يستفيد من هذه الفنون، والعصر مازال يعرف أسماء كبرى لشعراء فمن أشهر من نزار قبانى ومحمود درويش وعبدالمعطى حجازى فى أدباء العصر، هؤلاء شعراء استطاعوا أن يملكوا الشهرة فى العالم العربى كله لكن المسألة أن كل فريق يريد أن يحتل الصدارة وليس هناك صدارة لكن هناك محافظة على قيم كل جنس أدبى والامتصاص لمزايا الجنس الأدبى الآخر، ونجيب محفوظ كان شاعرا فى مفتتحات رواياته ولقطاته وغيره من الشعراء كان روائيا فى سرده، وصلاح عبدالصبور كان مسرحيا، فالأجناس الأدبية تتداخل وليس هناك ديوان واحد، فالأدب كله ديوان العرب.

< الترجمة="" غاية="" عند="" بعض="" المبدعين="" فمنهم="" من="" يكتب="" وعيناه="" عليها..="" هل="" تخضع="" عمليات="" الترجمة="" لمقاييس="" بعينها="" وهل="" تعنى="" قيمة="" المبدع="" حقا="" أم="" لها="" مآرب="">

- الترجمة من العربية إلى الآداب العالمية وهذه بالتأكيد تخضع لمقاييس أخرى، فالمترجم الذى يترجم وينشر ويدفع أموالا فى ذهنه قيمة معينة يريد أن يرى عملا يمجدها، لم يترجم نجيب محفوظ بالقدر الكافى إلا بعد أن حصل على جائزة نوبل، فأصبح يترجم بكل ما فيه لكن كثيرا من الأعمال ربما فى بعض المراحل شاعت ترجمة «الخبز الحاف» لمحمد شكرى فى المغرب، لأنه عمل روائى بوهيمى يصف الشذوذ والجنس والتعامل مع الحيوانات، فقالوا هذا شىء عظيم يترجم يعطى صورة عن بوهيمية العالم العربى، هذا العمل الذى أخذ جائزة الترجمة فى المركز الفرنسى عمل يتحدث عن المثلية، هم يبحثون عن هذه الأمور فتشيع، ولا يعنى ذلك أن هذا وحده هو المترجم، لكن كثيرا من الأعمال التى يسعى إلى ترجمتها هى هذه الأعمال، شهرة المترجم جزء مهم من اختيار عمل يترجم له، فالناس لا يسعون، الأدب العربى ليس شديد الانفتاح وتعميم عند القارئ الأجنبى حتى يختار منه الروائع، لكن هو يسترشد إما بشهرة الاسم أو بغرابة الصنعة أوبرد الفعل فى الجوائز العالمية، فالترجمة ما تزال حتى الآن لا تمثل تماما الواقع الأدبى العربى بصفة عامة، أما الترجمة إلى العربية فمشكلتها أكبر، لأن الترجمة إلى أيضاً خضعت للسرعة وخضعت فى جوانب كثيرة، هناك ترجمات عظيمة جدا وهى مهمة جدا لضخ دماء فى الأدب ومنذ العصر العباسى عرف الأدب العربى كيف يجدد نفسه بالترجمة، والعصر الحديث عرف ترجمات عظيمة جدا، لكن الآن لغة الترجمة تحتاج أيضاً إلى نوع من الضبط، خضعنا كثيرا لبعض الغرابة فى الترجمات المغربية وعندما استغلقت علينا قلدناها، هذه مسألة تحتاج إلى مد وجزر وأخذ وتمحيص وحلقات للترجمة ومناقشات وترجمة عن الأصل، لكن الحركة فى معظمها بخير.

< وهل="" الترجمة="" خيانة="" للنص="">

- الخيانة الجميلة، فهناك خيانة جميلة.

< وهل="" يمكن="" ترجمة="" الشعر="" وهل="" من="" الممكن="" أن="" ينقل="" المترجم="" اللغة="" والأحاسيس="" من="" اللغة="" التى="" نقل="" منها="" إلى="" اللغة="" المترجم="">

- هذه مسألة معقدة، وقد ترجمت عشر قصائد شعرية من الفرنسية إلى الشعر العربى فى ديوانى وفيه صعوبات كبيرة أهمها أن ما تعتبره شعرا ترجمت معناه لكن كيف تترجم شكل معناه، فشكل المعنى مهم جدا فى الترجمة الشعرية وهناك بعض الناس يرون دقة المعنى تكون بالنثر، لكن الترجمة تحتاج إلى مجهود كبير حتى تؤثر فى القارئ المتلقى بما يقر بها من المعنى وشكل المعنى.

< فى="" ثقافتنا="" العربية="" كثيرا="" ما="" يلاحق="" أهل="" الفكر="" والأدب="" بتهم="" على="" شاكلة="" التكفير="" والزندقة="" والطعن="" فى="" الدين..="" كيف="" ترى="" واقع="" حرية="">

- هذه مسألة فى كل العصور شائكة، أيضاً إذا كان تعسف من بعض الذين يقاضون الحرية، فينبغى ألا تكون هناك حماقة أو مخاطرة من الذين يمارسون الحرية، لأن الأديب أيضاً جزء من عمله أنه يعرف طريقة الرموز والإلباس ويمكن أن يكتب ما يشاء وصنع هذا نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وكبار الأدباء فلا نأخذ المسألة بحماقات بهدف الشهرة لكى يقال أنه صودر إبداعه، فالمسألة تحتاج إلى نضج أدبى ونضوج فكرة وإخراجها فى شكل أدبى وفى هذه الحالة يستطيع أن يمر الأديب من خلال القضبان بسلام.

< هناك="" حواجز="" إقليمية="" وقطرية="" تمنع="" من="" أن="" يقرأ="" المبدعون="" والكتاب="" العرب="" بعضهم="" البعض="" رغم="" وسائل="" التقنية="" المتطورة="" وشبكة="" المعلومات="" فماذا="" تقترح="" لثقافة="" عربية="" جادة="" وهوية="" ثقافية="" عربية="">

- الثقافة لها بحر يغلب كل الحواجز، معارض الكتب تنقل من عاصمة إلى عاصمة والآن وسائل التواصل الاجتماعى تجعل أى كلمة فى المغرب تظهر فى المشرق فى نفس اللحظة فلا معنى للحواجز، ووصفات التشجيع لا معنى لها، فالثقافة تفرض نفسها بشرط أن تكون ثقافة جيدة.

< كثيرة="" هى="" الجوائز="" فى="" الوطن="" العربى="" التى="" تمنح="" من="" خلال="" المؤسسات="" الثقافية="" الرسمية="" أو="" الخاصة="" حتى="" بات="" هناك="" شغف="" بالجوائز="" فهل="" كثرة="" هذه="" الجوائز="" أفادت="" أم="" أضرت="" فى="">

< من="" ناحية="" أفادت="" كثيرا="" من="" الناس="" يكتبون="" إنتاجا="" أدبيا،="" ومن="" ناحية="" نحن="" كعادتنا="" كلما="" أنبت="" الزمان="" قناة="" ركب="" المرء="" للقناة="" السنان،="" كلما="" ظهر="" شىء="" جيد="" صنعنا="" فيه="" شيئا="" يفسده،="" تداخل="" بعض="" الناس="" بالوسائط،="" تداخل="" بعض="" الناس="" بالغش،="" فأفسدوا="" بعض="" الأمور="" لكن="" لاتزال="" فى="" مجملها="" حسنة="" أن="" أمة="" تشجع="" الأدب="" والكلام="" الجيد="" بطريقة="" من="">

< بعض="" أساطين="" الثقافة="" طالبوا="" من="" قبل="" بالتطبيع="" الثقافى="" مع="" إسرائيل="" فهل="" تؤيد="" هذا="">

- ليس هناك قوانين، لكن هناك استجابة من الشعب وعدمه، القارئ العربى بطبيعته يجعل من هذا التطبيع ولا يرضى بأن يرى قاتل أخيه وقد كتب أغنية فيغنيها، دع الزمن مهما شرعت القوانين، مصر على سبيل المثال لديها معاهدة مع إسرائيل، كم من الزمن مضى عليها ولديها انفتاح ثقافى، لكن فى نهاية الأمور هذا القارئ المثقف العام البسيط يعرف ما الذى يقرأ وما الذى يدع وما الذى يختار وما الذى يترك.

< أخيرا..="" ما="" مشروعكم="" الفكرى="" الذى="" تطمح="" فى="">

- استمرار الظمأ للمعرفة وهو عنوان موقعى، وهو مشروعى المستمر، أن أظل حتى آخر يوم فى حياتى ظامئا، وأدعو إلى أن يظمأ الآخرون فيحاولوا إزالة الظمأ فتكتسب هذه المعرفة من خلال هذه المحاولة المستمرة.