رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لواء أركان حرب متقاعد حسام سويلم يكتب: جمال حمدان «والجبرتى» يكشفان التخلف الحضارى التركى (2 ـ2)

جنون العظمة وحلم الخلافة وهوس السلطة أبرز أخطاء الحكم الأردوغانى

«أردوغان» يسعى لاستغلال تنظيم «داعش» لشن عمليات إرهابية ضد سوريا والعراق

الرئيس التركى يعترف بإرسال قوات إلى ليبيا لمواجهة الجيش الوطنى بقيادة «حفتر»

أغلب الدول تضع محاذير للتعامل مع «تركيا» بسبب سياسة اللعب على كل الحبال

 

يشعر كل من يتابع سياسة وتصرفات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، على مستوى السياسات الداخلية والخارجية،  أن الرجل يعانى من التضخم المعنوى الذى يجعله يقدم على تبنى سياسات وتصرفات تثير الغضب احتار الكثيرون فى تفسيرها ومنطقها واستيعاب دوافعها. ما أكد لدى كثير من المراقبين والمحللين داخل تركيا وخارجها أن الرجل يتصرف فى أحيان كثيرة بجنون العظمة وهوس السلطة، والرغبة فى الاستحواذ والسيطرة على مقاليد ملفات رئيسية فى المنطقة، ولكنه فى الحقيقة هو جنون الخوف من المستقبل والمصير القاتم، فقد خلق أعداء له ولتركيا يفوقون الحلفاء والأصدقاء بلا مبرر، ما جعله يلجأ إلى رفع شعارات وإعلان أهداف ذات أبعاد دينية وتاريخية وعرقية.. ربما يمكن أن تؤثر عاطفيًا فى الجماهير التركية، ولكن لا يمكن أن يكون لها تأثير فى الواقع الذى تعايشه شعوب المنطقة اليوم.. فأردوغان ليس لديه أى مبرر لرفع شعارات عودة الخلافة الإسلامية، واستعادة الإمبراطورية العثمانية، إلا ما يدور فى مخيلته وأحلامه من أوهام حول قدرته على تحقيق ذلك، واستنفار المكونات القومية والدينية فى جلب مؤيدين له من المستنفعين بأموال تركيا.. مثل جماعات الإسلام السياسى وعلى رأسهم جماعة الإخوان التى ينتمى لها، التى استغلها لتنفيذ مشروعه فى بسط هيمنته على البلدان العربية فى المنطقة، بدءاً بالدول ذات الحدود المشتركة مع تركيا.. وهى سوريا والعراق، وهو ما تمثل فى احتلاله المدن والقرى السورية فى شريط بطول 160 كم وعرض 30 كم باعتباره منطقة أمنية لحماية جنوب تركيا، على أمل ضمها مستقبلاً للأراضى التركية، لذلك سعى إلى إجراء تغييرات سكانية وثقافية فى هذه المنطقة، من حيث تهجير أصحابها السوريين واستبدالهم بمجتمعات تركية، ونشر اللغة والثقافة التركية بإنشاء المدارس والمؤسسات التربوية والثقافية وحتى تغيير أسماء الشوارع، فضلاً عن تدريس اللغة التركية فيها، كذلك فى المناطق الحدودية مع العراق.

 إنشاؤه للقواعد العسكرية فى الخارج:

ـ لما كان المشروع التوسعى الاستعمارى فى حاجة إلى قوات عسكرية وأموال ضخمة لتنفيذه، فقد سعى أردوغان إلى استغلال العناصر الإرهابية فى تنظيم داعش، فقام بتمويلها وتسليحها وتجنيد أفرادها واستضافتهم فى معسكرات تركية لشن عمليات إرهابية ضد نظم الحكم فى سوريا والعراق، ونقل وبيع النفط السورى إلى تركيا بأسعار زهيدة، كما تحالف أردوغان مع الإرهابيين من كافة الجماعات، مثل (جماعة الإخوان) وتنظيم (القاعدة) وتنظيم (النصرة) و(لواء المعتصم)، و(فرقة السلطات مراد)، و(لواء صقور الشمال)، و(الحمزات)، وغيرها من التنظيمات القاعدية والإخوانية الأخرى مثل (أنصار الشريعة) و(بوسليم) و(الجماعة المقاتلة)، و(كتائب الإخوان) المتواجدة أصلاً فى ليبيا، واعتمد عليهم أردوغان فى دعم حكومة فايز السراج ذى الهوية الإخوانية، والذى وصل إلى السلطة فى طرابلس قادمًا على ظهر بارجة إيطالية، واعترفت به الكثير من الدول باعتباره الحكومة الرسمية لدولة ليبيا. وقد اعترف أردوغان بإرسال قوات إلى ليبيا، وأنه يستهدف إيصال حجمها إلى 6000 مقاتل مسلح وصل منهم بالفعل حوالى 2500 مقاتل لمواجهة الجيش الوطنى الذى يرأسه المشير خليفة حفتر، والذى يسيطر على أكثر من 80٪ من مساحة ليبيا واقترب كثيرًا من العاصمة طرابلس، ويبرر أردوغان تدخله فى ليبيا بدعم أقلية ليبية ذات أصول تركية يطلق عليها (الكراغلة)، والتى تعنى أبناء العبيد، وتنتمى إليهم مجموعة من القبائل تتمركز فى مصراتة، إلى جانب زعمه بوجود مصالح تركية فى ليبيا متمثلة فى عقود تم توقيعها منذ عام 2010 فى مجالات اقتصادية وتنموية يبلغ حجمها 2.5 مليار دولار، حصل عليها أردوغان فعلاً من حكومة السراج.

ـ وفى إطار تحقيق أحلام أردوغان التوسعية، سعى الأخير إلى إنشاء قواعد عسكرية فى عدة مناطق حساسة بمنطقة الشرق الأوسط.. مثل الصومال بالقرن الأفريقى، وجزيرة سواكن بالسودان على البحر الأحمر، ودولة قطر التى أنشأ فيها قاعدتى (الريان) و(طارق) واللتين تضمان 6000 جندى تركى بزعم دعم نظامها الحاكم فى مواجهة السعودية.. فضلاً عن استغلال أموال قطر لدعم مشروعه التوسعى فى المنطقة، والإنفاق على الميليشيات التى استجلبها من داعش وسوريا والعرا للتدخل فى بلدان المنطقة. وهو الأمر الذى تسبب فى استعداء دول عربية كثيرة أبرزها مصر التى يسعى أردوغان إلى إسقاط نظام الحكم فيها بقيادة الرئيس السيسى، واستعادة نظام حكم جماعة الإخوان المسلمين فيها، بعد إسقاط المصريين لهذا النظام فى ثورة 30 يونيو، ما أثار غضبه ونقمته على مصر ونظام الحكم فيها، وهو ما انعكس فى إيواء أردوغان لفلول الإخوان والإرهابيين فى تركيا، وتمكينهم من إنشاء معسكرات تدريب للجماعات الإرهابية لمهاجمة مصر من حدودها الغربية والجنوبية والشرقية، حيث نظام حماس الإخوانى فى غزة، ونظام البشير الإخوانى فى السودان قبل سقوطه بفعل الثورة السودانية ضده فى العام الماضى، الأمر الذى أزعج أردوغان كثيرًا وشعر معه بأن مشروعه التوسعى يواجه العديد من النكسات التى تمثلت أيضًا فى رفض تونس والجزائر إقامة قواعد تركية على أراضيهما، ورفض الدول الأوروبية ابتزازاته لتصدير اللاجئين السوريين والداعشيين لهذه الدور، وهو ما انعكس فى مؤتمر برلين الذى انعقد فى منتصف يناير من هذا العام لمواجهة تفاقم الأزمة الليبية، وأدان هذا المؤتمر التدخل العسكرى التركى فى ليبيا، بعد أن استشعر الجميع خطورة الأهداف والسياسات الأردوغانية فى المنطقة، وبعد أن انكشفت أطماعه فى حقوق النفط والغاز فى ليبيا وسواحلها على المتوسط، وأبرم اتفاقيات بشأن ذلك مع حكومة السراج فى ليبيا، مما أدى إلى تصدى كل من مصر واليونان وقبرص لمخاطر الأطماع التركية فى مياه شرق البحر المتوسط، والتحسب لها جيدًا، ناهيك عن التهديد الذى استشعرته دول المنطقة مع رصد وصول عناصر داعشية قادمة من تركيا إلى طرابلس، تسعى بتوجيهات تركية إلى إعادة تمركزها وتنظيم صفوفها فى جنوب ليبيا، لتأمين خطوط مواصلات التنظيم مع سراياه فى النيجر ومالى وعدة دول أخرى فى غرب وشمال أفريقيا، وهو ما يؤكد الاتهام الدولى الموجه لأردوغان بأنه يدير شبكات من المرتزقة متعددة الجنسيات تساعده على تحقيق أهدافه الاستعمارية التى أعلن عنها جهرًا فى سوريا وليبيا، وقد ظهر ذلك واضحًا فى العزل التى ظهر بها أردوغان فى مؤتمر برلين الأخير، وضم عدة زعماء دول منها مصر.

عزلة تركيا إقليميًا ودوليًا:

ـ قبل توليه السلطة، كانت تركيا تقريبًا بلا مشاكل مع أحد، وربما باستثناء اليونان بسبب مشكلة قبرص، أما فى عهد أردوغان فقد صارت لها مشاكل مع الجميع، ليس فقط معظم الدول العربية الطامة فيها أردوغان، ربما باستثناء قطر بحكم وجود قوات تركية لحماية نظام الحكم هناك، بل أيضًا معظم الدول الأوروبية رغم مشاركة تركيا فى حلف الناتو، إلا أنها رفضت إلحاحات أردوغان للانضمام للاتحاد الأوروبى، ناهيك عن مشاكله مع الولايات المتحدة وروسيا. حيث مارس سياسة تصادمية وحادة جدًا مع الجميع، خاصة بعد فشله فى استخدام الدبلوماسية كأداة هامة فى التعامل مع الدول الأخرى، وذلك بسبب الأجندات المتخبطة التى تبناها والتى تطغى على لغة العقل والمنطق، وما تعكسه من تكتيكات الدولة العثمانية فى القرن الثامن عشر التى تسيطر على ذهنية أردوغان، لذلك نجد تركيا فى عهد أردوغان لا تحظى بصداقة أى من دول الدائرة الاقليمية، بل والدولية أيضًا، لا سيما بعد أن كشف أردوغان عن حقيقة نواياه بإعلانه أنه «سيرسل قواته إلى أى مكان يكون فيه مصالح وأمن تركيا، مهما اعترض الآخرون». لذلك لم يكن غريبًا أن تضع معظم الدول حواجز ومسافات ومحاذير فى التعامل مع تركيا، خاصة بعد اكتشاف سياسته فى اللعب على كل الحبال، والقائمة على الابتزاز، وهو ما تمثل فى اعتراض روسيا على سياسته فى (إدلب) بشمال سوريا، بل ومطالبته بسحب قواته من الأراضى السورية، وقيام الطيران الروسى مؤخرًا بضرب القوات التركية التى أرسلها أردوغان للمنطقة.

ـ وقد أخطأ أردوغان بإرسال قواته عبر البحر المتوسط إلى الحرب فى ليبيا، رغم أن جزيرة كريت اليونانية تفصل بينهما، ومن الهزل أن نجد وزير الدفاع التركى (خلوصى آكار) يعطى تعريفًا آخر للجغرافيا، فيصرح بأن «ليبيا جارتنا من البحر»!!

ـ وأخطأ أردوغان أيضًا بتجاهله للقاعدة الاستراتيجية الهامة التى تقوم: «لا تدخل فى مكان لا تعرف كيف تخرج منه». فقد دخل سوريا، ثم ليبيا دون أن يتحسب لكيفية الخروج منها.

 الديكتاتورية والانفراج بالحكم:

ـ أما على صعيد السياسة الداخلية لأردوغان فى تركيا، فقد اتسمت بالديكتاتورية والانفراد بالحكم، وقد بدأ أردوغان عهده بالتعاون مع تنظيم الإخوان فى تركيا، وتشكيل تنظيم دينى مسلح للتدخل الخارجى فى العالم العربى والإسلامى للهيمنة عليهما، ونجد كبار مستشاريه (عدنان تانزيفردى) يدعو ويعمل لسرعة انشاء شركة خدمات عسكرية وأمنية إسلامية تعمل فى مجالات التدريب والدعم العسكرى الخارجى، على غرار شركة (بلاك ووتر) الأمريكية، وهو ما اعتبره المراقبون دليلاً على إنشاء تنظيمات دينية مسلحة ذات غطاء سياسى، حيث كشف مستشار أردوغان فى لقاء له مع قناة (أكيت) التليفزيونية التركية إلى أن جهود بلاده موجهة فى فتح الطريق أمام ما وصفه «بالزعيم المهدى المخلص الذى ينتظره العالم الإسلامى»، وذلك فى اشارة إلى أردوغان الذى تسكنه أوهام تولى خلافة المسلمين فى العالم. وفى هذا الصدد تقدم النائب المعارض (نيكائى يلمظ) باستجواب فى البرلمان التركى فى عام 2016 حول قيام مؤسسة «سدات SDDAT» التركية بتدريب عناصر داعش بإشراف من المخابرات التركية. ولعل الاشتباك بالأيدى الذى وقع فى البرلمان التركى يوم 15 مارس الماضى بين مؤيدين ومعارضين لأردوغان اتهموه بالمسئولية عن مقتل جنود أتراك (حوالى 40 جندياً) أرسلهم فى إدلب شمال سوريا دون مبرر وبلا غطاء جوى خير دليل على اضطراب الوضع الداخلى فى تركيا. كما سعى أردوغان إلى إنشاء كونفيدرالية إسلامية تحت زعامته، وهو ما تمثل فى عقده (قمة كوالالمبور المصغرة) فى 8 ديسمبر الماضى والتى ضمت قادة عشرين دولة إسلامية أبرزها (قطر، ليبيا، ماليزيا، تونس، الصومال، إلى جانب تركيا) ولم يدع للمؤتمر قادة السعودية وباقى دول الخليج ومصر، وذلك فى مواجهة منظمة المؤتمر الإسلامى الدولى المشكلة منذ أكثر من عشرين عامًا، وتساءل المراقبون عن جدوى تجمع إسلامى لا يضم أكبر دولتين اسلاميتين هما مصر والسعودية؟!

ـ وعلى صعيد انفراد أردوغان بالحكم فى تركيا، نجده فى البداية يدخل فى مواجهة مع الزعيم الدينى الروحى (فتح الله جولن)، رئيس حركة (خدمة) ويسعى لاعتقاله، بعد أن لجأ إلى أمريكا، ثم أزاح كل منافسيه، بل أبعد أستاذه ورئيس الجمهورية الأسبق عبدالله جول، وكذلك أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء السابق، الذى أجبره على ترك منصبه ما اضطر الأخير إلى تشكيل حزب مستقبل باسم (المستقبل) إلى جانب انشقاقات أخرى كبيرة فى حزب (العدالة والتنمية). وبعد أن نجح أردوغان فى تغيير الدستور بتحويل تركيا من نظام حكم برلمانى يفصل بين سلطة رئيس الجمهورية وسلطة رئيس الوزراء إلى نظام حكم رئاسى يجمع فيه كل السلطات التنفيذية فى يده. ثم نجده يتحول إلى الجيش ويرسخ سيطرته عليه بجميع أفرعه (برى، بحرى، جوى) وجعلها فى تبعيته المباشرة، واتخذ من فشل المؤامرة المزعومة عليه عام 2016 ذريعة لتفريغ الجيش التركى من قياداته العليا والمتوسطة، بل قام بطرد المئات من الضباط من الرتب الصغرى أيضًا، كما أعدم واعتقل وطرد الكثيرين منهم، واستبدلهم بقيادات تدين له بالولاء، ناهيك عن العديد من القوانين التى أصدرها بدءاً بتجديد فترة حكمه لولايتين كل منهما خمس سنوات، وتدخله فى شئون القضاء وتعيين من يعتقد فى ولائهم له.

 الخراب الاجتماعى:

ـ أما على صعيد حرية الرأى وحقوق الإنسان فى تركيا، فقد تجاوز الأمر كل الحدود التى يمكن اعتبارها خروقات عابرة، حيث كشفت المنظمات الدولية المعنية بهذا الأمر تراجع تركيا إلى المركز 157 بين 180 دولة فى مؤشر حرية الصحافة، وإغلاق مئات المنصات الإعلامية، وآلاف المدارس والجمعيات، واعتقال عشرات الآلاف من الصحفيين والحقوقيين والمهنيين والأكاديميين والقضاة والنساء والأطفال، حتى باتت تركيا أشبه بمعتقل كبير، حيث شبه أردوغان بأنه نسخة عصرية من الزعيم النازى أدولف هتلر، أو شخصية مصاصى الدماء الشهير (دراكولا). وقد وصف تقرير صادر عن مؤسسة (ماعت) للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، بشأن الأوضاع فى تركيا بأنها أصبحت فى ظل حكم أردوغان أكبر سجن لأصحاب الرأى، وأن الصحفيين المعتقلين فيها تجاوز نصف العدد الإجمالى للصحفيين المعتقلين حول العالم، كما أغلق عشرات القنوات الفضائية الموالية للأكراد، فضلاً عن حظر نحو 100 ألف موقع الكترونى، وفصل 170 ألفاً من كل المهن والتخصصات بتهم اتباعهم لحركة (خدمة)، والإبقاء على نحو 559 ألفاً و64 شخصًا قيد الاحتجاز بدعوى التحقيق معهم، ناهيك عن إغلاق شبكات الاتصالات ومنظمات المجتمع المدنى ومنافذ الأخبار، والتضييف على كل وسائل الاتصال الاجتماعى ومراقبتها، وقد أدت الأحوال الاجتماعية السيئة التى يحياها الانسان التركى فى ظل حكم أردوغان، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية الخانقة، إلى زيادة معدلات الانتحار، مع زيادة معدلات البطالة، وأصبح المجتمع التركى لا يأمن على غده ومستقبله حتى أصبحت أسر كاملة تنتحر فى تركيا بعد انهيار فرص العمل وارتفاع تكاليف المعيشة، ناهيك عن زيادة معدلات الدعارة فى تركيا المنتشرة بشكل واسع فى المدن الكبرى مثل أنقرة واستانبول.

على الصعيد الاقتصادى:

ـ انكشفت تركيا اقتصادياً بعد هبوط قيمة الليرة التركية فى العامين الأخيرين بعد نضوب البترول الرخيص الذى كانت تنقله الشاحنات التركية من آبار النفط التى كان يسيطر عليها تنظيم «داعش» علاوة على الأزمة الأمريكية ـ التركية بعد احتجاز تركيا لقس أمريكى، وطلب الولايات المتحدة الإفراج عنه، إلا أن أردوغان رفض فى البداية طلب الأمريكيين، فما كان من ترامب إلا أن كتب على (تويتر) ينتقد تركيا، ويهددها بفرض عقوبات مؤلمة، فانخفضت قيمة العملة التركية، وكذلك احتياطى العملة الأجنبية.

ـ وما لا شك فيه أن تصاعد الانفاق الدفاعى بسبب المغامرات العسكرية لأردوغان خارج بلاده، وما ترتب على ذلك من تجنيد آلاف المرتزقة يتقاضى الواحد منهم 2500 دولار شهريًا، فضلا عن 35 ألف دولار كتعويض فى حالة مقتله!، فقد زاد من حدة الأزمة الاقتصادية التى تعانيها تركيا، الأمر الذى أدى إلى تطلع أردوغان إلى الاستحواذ على موارد دول نفطية أبرزها ليبيا، لا سيما بعد أن انقطع النفط الرخيص التى كانت تبيعه داعش لها عندما كانت تحتل مواقع النفط فى سوريا والعراق، بعد طردها من هناك، فمن المعروف أن تركيا تفتقر إلى حقول نفط أو غاز فى مياهها الاقليمية حتى أكدت أعمال البحث فى سواحها الجنوبية فى (أنطاليا) و(مرسين) على عدم وجود أى احتياطيات للغاز أو النفط الأمر الذى دفعها إلى البحث عنهما فى مياه دول أخرى فى حوض البحر المتوسط، وادعت تركيا تبريرًا لذلك أن لها حقوقًا فى الجرف القارى، الأمر الذى رفضته قبرص التى عارضت بشدة إرسال تركيا سفنًا للتنقيب جنوبها تحرسها سفن حربية، وكذلك اليونان وكلاهما مع مصر يتعاونان لمواجهة الأنشطة البحرية التركية فى مياه المتوسط.. وقد زاد من مخاوف هذه الدول الثلاث إبرام أردوغان اتفاقية بحرية مع حكومة السراج فى ليبيا حول الحدود البحرية بينهما، جعلت من البلدين جارين فى الحدود البحرية، وقد كشفت وجالة الأناضول عن مغزى هذه الاتفاقية فى أنها أحبطت (الخطة الرامية إلى حبس تركيا فى نطاق ضيق لا تتعدى مساحته 41 ألف كم2 فى البحر المتوسط)، ويمكنها بالتالى من استغلال المخزون الضخم من الغاز الموجود فى الأراضى والمياه الليبية، حيث تحتل ليبيا المرتبة الخمسة عالميًا فى احتياطيات النفط بمعدل 74 مليار برميل تكفى لتصدير النفط لمدة 12 عامًا أخرى، فضلاً عن احتياطى غاز لا يقل عن 2 تريليون م3 أمام سواحلها الممتدة على ساحل البحر المتوسط مع الوضع فى الاعتبار أن النفط الليبى من النوع الجيد، حيث تبلغ تكلفة البرميل أقل من دولار واحد وبما يسهل تصديره من منصات الجنوب والشمال بسهولة، فضلاً عن قربها من كبار المستهلكين فى جنوب ووسط أوروبا، وتقدر احتياطيات النفط فى ليبيا بحوالى 48 مليار برميل، وتعد الأكبر على الصعيد الأفريقى، والتاسعة على مستوى العالم، كما تقدر احتياطيات النفط الصخرى بحوالى 26 مليار برميل، وحيث تشكل صادرات النفط والغاز حوالى 90٪ من إيرادات ليبيا، ويرجع المحللون فى شئون الطاقة أن تؤدى عمليات البحث والتنقيب إلى تحقيق اكتشافات إضافية ترفع حصيلة الكميات الموجودة حالياً فى ليبيا من النفط والغاز إلى مستويات أكبر من المتوقع، إضافة لى الساحل الطويل الذى بإمكانه أن يدر «ذهباً»، وقد قدرت المؤسسة الوطنية للنفط فى ليبيا خلال أكتوبر الماضى أن إيراداتها النفطية بلغت 2٫2 مليار دولار بارتفاع 381 مليون دولار، أى بنسبة 21٪ على الأساس الشهرى، وتتمثل إيرادات المؤسسة فى عائدات مبيعات النفط الخام، والسوائل الكربوهيدراتية والمشتقات النفطية والبتروكيماويات إضافة إلى الضرائب والرسوم المحصلة من عقود الامتياز.

ناهيك عن وجود ثروات من نقد وذهب من زمن معمر القذافى، لا أحد يعلم مكانها بالضبط ولكن من المتوقع أن تظهر وتقدر قيمتها بـ350 مليار دولار على الأقل. يضاف إلى ذلك احتياطى الصندوق السيادى الليبى الذى يقدر بحوالى 90 مليار دولار، الذى يمكن أن ينتعش فى حالة الاستقرار السياسى والأمنى، إذا يقدر بحوالى 90 مليار دولار، الذى يمكن أن ينتعش فى حالة الاستقرار السياسى والأمنى، إذا بدأت دوائر النفط واستكشاف الغاز الجديد تعمل بأقصى طاقتها وكلها تثير لعاب أردوغان وتدفعه إلى المضى قدماً فى مغامراته فى ليبيا.

لذلك كان إغلاق حقول النفط الليبية، الخيار الأصعب أمام القبائل الليبية، لوقف إهدار الأموال الليبية وهى ترى ثروتها السيادية تنهب من دون رادع، بل ويتم استخدامها لجلب المرتزقة لقتل أبناء الشعب الليبى، ولئلا يستمر هذا الوضع يقول مشايخ القبائل: «إلى أن يصبح لدينا حكومة وطنية دستورية، فليبق النفط قابعاً تحت الأرض، أفضل من لعنة بيعه وتمويل المرتزقة والميليشيات به»، لذلك فإن قرار الشعب الليبى باستخدام سلاح النفط سيعمل على تغيير المواقف الدولية التى بدت حريصة على الاستثمارات فى هذا القطاع الحيوى، وهذا ما ظهر من خلال بيان برلين وما تبعه من بيانات دولية أصدرتها الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وغيره. كما سيكون عنصراً حاسماً فى شل حركة حكومة «السراج» وحركة الميليشيات التابعة له والقادة من تركيا، فى الوقت الذى يمتنع فيه «السراج» عن توفير الأموال اللازمة لأكثر من 90٪ من المدن الليبية التى قام الجيش الوطنى بتحريرها، ويذكر فى هذا السياق أنه بجانب إنفاق «السراج» عائدات النفط على قادة وعناصر الجماعات الإرهابية والمرتزقة السوريين والضباط والجنود الأتراك، فقد نشرت الصحف الروسية فضيحة حصول أردوغان وبعض أقاربه على أكثر من مليار دولار من ليبيا بخلاف 2٫5 مليار دولار يدعى لها تعويضات لشركات تركية كانت تعمل فى ليبيا فى عهد القذافى.

دروس مستفادة

لقد حفر أردوغان قبره السياسى بنفسه من خلال معول حماقاته السياسية ومغامراته العسكرية، فمنذ أن دخل مجال السياسة لم يقترب سيف الخطر من رقبته مثلما هو الحال اليوم، أما أبرز أخطائه فتتمثل فى أنه وضع مصلحته والحزب وجماعة الإخوان فوق مصلحة الوطن، وكان ولا يزال إخوانيا أكثر منه تركياً، كما أن حلمه بـ«تركيا الكبرى» التى تحدث عنها علناً فى عام 2002، يقوم على دفع فاتورة أسطورية مدمرة لتحقيق ضلالات إعادة حكم الخلافة العثمانية إلى المنطقة، وبما يستدعى تحطيم الحدود المستقرة التى تم ترسيخها فى المنطقة عقب الحربين العالميتين، هذا فضلاً عن كونه مريضاً نفسياً يتصور بغرور القوة الاقتصادية التى بناها وأسسها أحمد داود أوغلو، وعبدالله  جول وعلى باباجان، والقوة العسكرية التى أسسها جنرالات الجيش وهيئة الأركان العليا، التى أصبح معظمهم فى المعتقل أو محالين للتقاعد المبكر، ناهيك عن كونه شخصية صدامية للغاية تلعب بخيلاء وتعال لعبة حافة الهاوية مع الجميع كبار وصغار الأمر الذى فتح علىه أبواب جهنم بدءاً بالعقوبات التجارية وفشل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى إلى أن أطلق عليه «راعى الإرهاب» بعد سقوط أبوبكر البغدادى زعيم «داعش»، واعتباره «رجل أوروبا المزعج والمريض» فقد نجح أردوغان فى الفشل، كما فشل فى النجاح فى أن يصبح مقبولاً كجزء من منظومة قوى التأثير الإيجابى على الساحتين الإقليمية والدولية، وصار مثالاً ينطبق عليه قول رئيس وزراء بريطانيا الأسبق

دزرائيلى «إذا ما أصبحت مصدراً للمتاعب، انتهى أمرك عاجلاً أو آجلاً».

فهناك استحالة بالنسبة لدولة مثل تركيا تعيش تحت حالة من العقوبات فى ظل عالم مأزوم اقتصادياً، أن تحارب فى وقت واحد فى العراق وسوريا وليبيا، وأن تكون لها قواعد عسكرية فى قطر وجيبوتى والصومال والسودان وليبيا، وقطع بحرية فى المتوسط. كما توجد أيضاً استحالة نسبية لحاكم فى عصرنا - مثل أردوغان - أن يكون فى وقت واحد فى خلاف شخصى مع حكام روسيا وأمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبى، واليونان وقبرص ومصر والسعودية والإمارات والجزائر وسوريا وهولندا والدانمارك كما هو الحال مع أردوغان، فقد علّمنا التاريخ - وهو خير معلم - أن الصدام مع الجميع فى آن واحد يؤدى بالضرورة إلى هلاك المتصادم، وهو ما حدث مع هولاكو والإسكندر ونابليون وهتلر وصدام حسين والقذافى.. وغيرهم ممن لم يعرفوا «حدود القوة» والقواعد الحاكمة التى تدير سياسات العالم. من هنا تظهر حكمة محمد على باشا، الذى طلب من ابنه إبراهيم باشا العودة بجيشه، رغم أنه كان على أبواب القسطنطينية حتى لا يهلك، لأنه تجاوز الخط الأحمر للقوة، ومن هنا تصدر عبارة ميكيافيللى - الوزير البريطانى - وهو ينصح «الأمير»: «لا تحارب أعداءك جميعهم دفعة واحدة حتى لا يتناسوا خلافاتهم ويجتمعوا ضدك وعليك، فتهلك».

وفى السياسة هناك فرق بين الخطاب العلنى الدعائي وبين التحرك على الأرض حيث بالغ أردوغان فى إطلاق تصريحات وتهديدات فى القضيتين السورية والليبية بهدف الاستهلاك الحلى، حيث يسعى أردوغان إلى التغطية على فشل رهاناته المتوالية فيما يتعلق بالوضع فى سوريا وليبيا، وهى فخاخ نصبها بنفسه، ومستنقع لا يدرى كيفية الخروج منه، متجاهلاً مبدأ استراتيجياً مهماً «لا تدخل فى مكان لا تعرف كيف تخرج منه».

وفى حال فشل أردوغان فى حماية التنظيمات الإرهابية فى إدلب، فسوف يضاعف هذا من أزماته، كاشفاً عجزه عن تنفيذ أى من وعوده أو تهديداته، خاصة بعد أن تلقى تجاهلاً من حلفائه السابقين والحاليين، وآخرهم الرئيس الروسى بوتين الذى كشف حقيقة ضعف وتهاون أردوغان، وهو ما يعبر عن هزيمته عسكرياً وسياسياً، فيما بدت تهديداته مجرد محاولة للتغطية على فشله فى الملفات المختلفة، وما يدل على تخبطه أنه طلب الدعم من إيران فى إدلب، متجاهلاً حقيقة دعم إيران وحزب الله للنظام السورى هناك، وهنا يبرز الدرس المهم الذى لم يستوعبه كثير من القادة الذين يقودهم غرور القوة المادية، والغطرسة الملعونة، وتلهيهم وتلعب بعقولهم هتافات المؤيدين من الأنصار والمستفيدين، ويظنون أن النصر وتحقيق الأهداف صار فى متناول أيديهم، وبما يعطيهم الأمل والدافع على مواصلة التحدى، وحتى تصطدم لحظة الحقيقة، فيكون تراجعهم متأخرا وأشبه بالتسليم بالهزيمة إن لم يكن التسليم بشروطها.

وهذا بالضبط ما يحصل من أردوغان اليوم، الذى خلت كل حساباته وتقديراته من الرشد، حيث اعتمد وانغمس فى تصورات وخيالات تكشفت عوراتها عند أول اختبار لها فى سوريا، عندما ظن مخطئا أنه الرجل القوى فى سوريا، وأنه لا حسم عسكرياً، ولا مفاوضات سياسية من دون أن يكون فى مقدمة الجيوش، وعلى رأس طاولات الحوار المتناثرة، كما ظهرت بصماته فى تحريك أذرعه الإرهابية فى سوريا وليبيا، واعتقد أردوغان مخطئاً أن الرئيس الروسى بوتين لا يستطيع الاستغناء عنه، وحسب أن الدب الروسى يمكن أن يكون حملاً وديعاً، أو يمكن ترويضه، ونسى طموحات موسكو، فى السيطرة والرغبة فى الاقتراب من المياه الدافئة فى البحر المتوسط، وهو ما تحقق لها فى إنشاء قواعدها العسكرية الجوية والبحرية فى طرطوس واللاذقية بغرب سوريا، وكان ذلك ضمن معادلة تفرض كثيراً من الدهاء، حيث تغاضى بوتين فى البداية عن أخطاء وهفوات أردوغان، حيث تصور الأخير أن لديه قدرة فائقة على وضع أمريكا على يمينه وروسيا على يساره، وينجح فيما فشل فيه كثيرون إلا أن صدمته الحقيقية جاءت فى تفضيل روسيا التحالف والتعامل مع سوريا ورئيسها بشار الأسد، ودعم جيشه فى استعادة السيطرة على كل شمال سوريا، عن التعامل مع المغامر التركى، بل وإرسال معدات عسكرية روسية للجيش الوطنى الليبى بقيادة خليفته «حفتر»، وإلا فإن المقابل أن تخوض تركيا حرب استنزاف طويلة فى البلدين، بلد قد تجد نفسها فى مواجهة عسكرية مكشوفة مع روسيا لا تحمد عقباها، وأن ما ربحته طوال الأعوام الماضية يمكن أن تخسره فى لحظة واحدة، بل من المؤكد له مردود سلبى على الساحة الداخلية التى تغلى ضد أردوغان وحزبه، لاسيما مع استمرار وصول قتلى ومصابين من الجيش التركى المتورط فى سوريا وليبيا، وهو ما تمثل فى استقالة 1٫5 مليون عضو من حزب «العدالة والتنمية» الذى يرأسه أردوغان، وتراجع أعضاؤه من 10٫7 مليون عام 2017 إلى 9٫8 مليون عضو حاليا، فضلا عما يواجهه أردوغان من انتقادات شديدة من جانب - ليس فقط معارضيه - بل ومن أعضاء حزبه بسبب بروز الديكتاتورية المحلية فى استانبول - أكبر المحافظات التركية - حيث فاز فيها «أكرم إمام أوغلو» أبرز معارضى وخصوم أردوغان.

توقعات مستقبلية

مع ثبوت فشل أردوغان فى تحقيق أحلامه وأهدافه التوسعية، واستمرار انزلاقه فى المستنقعين السورى والليبى، وبالتالى تصاعد خسائره البشرية والمادية، وتحديه القوى الدولية والإقليمية الكبرى، وهو ما تمثل مؤخراً فى فتحه الحدود التركية مع الدول الأوروبية لتدفق اللاجئين والإرهابيين إلى داخلها، حيث تفيد المعلومات بتجديد رعايته للتنظيم الإرهابى داعش لتنفيذ عمليات إرهابية فى هذه الدول، لا يتوقع أن تصمت الدول الكبرى «أمريكا وأوروبا وروسيا» إزاء هذا التهور والابتزاز الأردوغانى الذى يهدد أمنها بشدة على الصعيد الداخلى، لذلك يتوقع أن يتشكل تحالف أوروبى تدعمه أمريكا وروسيا لمواجهته وإيقافه عند حده، خاصة بعد أن صار واضحاً أيضاً أنه على وشك الدخول فى مواجهة عسكرية مباشرة مع القوات الروسية فى سوريا، لا سيما بعد أن هدد بإقحام القوات الجوية التركية فى معارك إدلب فى مواجهة الطائرات الروسية، ومن المؤكد أن هذه المواجهة لن تقتصر على عقوبات اقتصادية ودبلوماسية فقط، بل قد تشمل إجراءات عسكرية تتمثل فى ضرب مراكز القوة العسكرية التركية ليس فى سوريا فقط، ولكن داخل ليبيا، ناهيك عن تسخين العمليات العسكرية الكردية ضد تركيا فى عمقها، إلى جانب اعتراض السفن التركية، فى مياه المتوسط ومنعها من الوصول إلى السواحل الليبية، أو تنفيذ أعمال تنقيب عن الغاز والنفط فى هذه المياه، وفى هذا السيناريو سيكون لكل من اليونان وقبرص دور رئيسى فيه، وهو ما أجبره على الاستماتة فى لقاء بوتين وذهب إليه فى موسكو صاغراً فى 6 مارس الماضى لتهدئة الوضع فى شمال سوريا.

وتجمع وتؤكد التقارير السياسية والاستراتيجية المحايدة فى مراكز الأبحاث الدولية أن تركيا وعلى رأسها أردوغان تمر بمرحلة عدم اتزان سياسى و اقتصادى واجتماعى أشبه بدوامة تجعل القيادات التركية - سياسية وعسكرية - فى حالة تخبط وهى تبحث عن مخرج من بؤر الخطر المتعددة التى صنعتها بغبائها، لا سيما مع زيادة حدة الغليان فى الشارع التركى وزيادة الوعى والإدراك لدى الأتراك بصفة عامة، بما فى ذلك أعضاء حزب العدالة والتنمية، وأن السبب فى ذلك يرجع لجهل وغباء أردوغان، وأنه ديكتاتور غشيم محدود الخبرة والثقافة، ولا يزال يعيش فى الماضى وأوهامه، ولا يريد أن يتطور رغم أن العالم صار بعيداً كثيراً عن زمن عصر الخلافة العثمانية الذى لا يزال يعشش فى رأسه، ومن ثمّ ينبغى الإطاحة به إنقاذاً لتركيا من الهوية التى أسقطها فيها أردوغان، أما من خلال انقلاب عسكرى عليه، أو إجراء انتخابات مبكرة من المؤكد أنه سيسقط فيها.

ومع ما ثبت من خسارة أردوغان الرهان على تنظيمات الإسلام السياسى، وفى مقدمتها جماعة الإخوان فليس أمامه احتمالان لإنقاذ ما تبقى من هيبته: الأول أن يبتلع تهديداته الكلامية ويتراجع، أو أن يركب رأسه ويدخل فعلياً فى مواجهات عسكرية مباشرة مع قوى دولية وإقليمية أكبر من تركيا كثيراً على رأسها روسيا وإيران، لا يعرف كيف ومتى تنتهى، فيقفز إلى المجهول فى زمن عالم ملىء بالأزمات وزعامات فرغ صبرها من سياساته، واقتصاد وطنى يتدهور وحزب حاكم تصدع وجماهير شعبية غاضبة فقدت الثقة فيه، وتود وتسعى للتخلص منه، باعتباره كابوساً مزعجاً لا تستطيع تحمله أكثر من ذلك، وهو ما يعنى المفاضلة بين خسارتين: إما التراجع أو المواجهة.

تبقى كلمة أخيرة ينبغى قولها للدول العربية بشأن ما يجرى فى ليبيا، فقد ثبت وتأكد أن الحل فى الأزمة الليبية ليس سياسياً بل أمنياً وعسكرياً بالدرجة الأولى، ولا يمكن حلها من خلال المفاوضات والتى تعنى ببساطة تقسيم ليبيا بين شرق ليبيا تحت سيطرة الجيش الوطنى بقيادة حفتر، وغرب ليبيا بقيادة الإخوان بزعامة فايز السراج، ومن ثمّ فإن سقوط ليبيا فى أيدى جماعة الإخوان، بكل ما تعنيه وتملكه لييبا من ثروات منظورة وغير منظورة سبق الإشارة إليها، إنما يعنى تهديداً خطيراً لأمن الدول العربية التى تسعى جماعة الإخوان للهيمنة عليها، حيث ستوجه هذه الثروات لدعم المنظمات الإرهابية والمتطرفة.. مثل القاعدة وداعش، ناهيك عن المرتزقة الذين يجندهم أردوغان ولن يكون أمراً غريباً أو مستبعداً إذا ما سمعنا مستقبلاً عن بناء جيش إخوانى لغزو باقى الدول العربية، ولنا مصل واضح وكاشف فيما تقوم به قطر والتى سخرت أموالها ومواردها لتمويل جماعة الإخوان والعمليات التى يقوم بها مرتزقة أردوغان لصالح هذه الجماعة الإرهابية، فى حين أن قطر لا تملك ثلث ما تملكه ليبيا من ثروات وموارد نفطية وغير نفطية، وهو ما يفرض على الدول العربية اليقظة ثم اليقظة لمؤامرات أردوغان وتنظيم الإخوان الذى يؤوى أردوغان قياداته وكوادره على الأراضى التركية، والتخطيط السياسى والأمنى لمواجهة هذه التهديدات وإجهاضها مبكراً، بعد أن انكشفت وثبت النوايا والأهداف المعادية سواء لمنظمات الإسلام السياسى أو الدول التى تحتضنها وعلى رأسها تركيا وقطر.

ويفسر كثير من المطلعين على خفايا سياسة أردوغان بأنه ليس بالقوة التى يعتقدها كثيرون، وأنه أشبه بالبالون القابل للانفجار فى كل لحظة بمجرد أن يلمسه رأس دبوس، فالهواجس التى تسيطر عليه تجعله يرتكب كل ما هو أكبر من توقع الآخرين فقد أراد منذ سنوات قليلة أن يترجل ويبتعد عن السياسة ونتائجها السلبية، وأوعز لعدد من الدوائر الغربية بذلك، وألمح للحصول على ضمانات سياسية بعدم ملاحقته قانونياً على ما ارتكبه من جرائم وتحديداً فى سوريا لكن جاء الرد بالرفض، فشعر بالمعانة الشديدة فقرر تعميق وتوسيع تدخله وتسخين كل القضايا والجبهات لخلط أوراق الدول الأوروبية.. بدءاً من الانحياز لصف روسيا وإيران وقطر والقريبين منهم، وحتى احتضان حكومة الوفاق فى ليبيا ورئيسها فايز السراج، ثم عاد مؤخرا بعد خسائره فى إدلب السورية إلى محاولة الارتماء مرة أخرى فى أحضان الولايات المتحدة التى كشفت لعبته ورفضت دعمه فى سوريا.

ولقد اختار أردوغان حاشية فى الداخل تسلم بكل رؤاه، وتنساق وراء تصوراته ونزواته، ومن يدقق فى الخطاب الرسمى التركى يجده متشابهاً على جميع المستويات الوزارية وبالطبع حزب العدالة والتنمية الذى فرغه من كل القيادات التى قالت «لا» وأبدت تحفظاً على إجراءاته، وشكل هؤلاء قوة لمعارضته، بعد أن باتت البيئة المحلية قابلة للانفجار فى وجه أردوغان، لذلك أصبحت خطاباته الخارجية لا تخلو من معان سياسية واضحة لتهدئة الفوران الداخلى لذلك لا يستبعد المراقبون الأتراك، حدث انقلاب عسكرى جديد وحقيقى، وليس كالتمثيلى السابق الذى اتخذه مبرراً لتفريغ الجيش من معظم قادته على المستويات العليا والمتوسطة.. ورغم مضى ثلاث سنوات على هذا الحادث، فإن أردوغان لا يزال يعانى من هواجس حدوث انقلاب عسكرى قريب - لذلك بدأ يفكر ويعمل على تشكيل قوة عسكرية خاصة به - أشبه بالحرس الثورى وقوات الباسيج فى إيران - لحماية ظهره من قوات الجيش والشرطة أطلق عليها «حراس الليل» قوامها 200 ألف من أنصاف المتعلمين والعاطلين، واعتبر المرتزقة الذين جمعهم من سوريا والعراق وتنظيمات الإسلام السياسى التى تعمل لصالحه فى سوريا وليبيا، بمثابة نواة الحرس الثورى التركى يمكن البناء عليها لحماية نظامه، وذراعا طويلة لتنفيذ عملياته فى الخارج، وبذلك تخلصت روسيا والغرب من عقبة تهديد أردوغان بالمتشددين وترحيلهم إلى أوروبا وأمريكا، كما أنه من المتوقع أيضاً أن يتصيد تنظيم داعش الإرهابى الفرصة لدس «ذئابه المنفردة» بين المتقدمين بالمكوث فى مخيمات اللاجئين لتجنيد واستقطاب كوادر جديدة إليه.

أما فيما يتعلق بليبيا فإنه لن يرسل قوات نظامية إليها، مكتفيا بعناصر رمزية مركزاً على هدفه الاستراتيجى فى أن يحصل على حصل كبيرة من غاز شرق المتوسط تجلب له عوائد مالية تقلل من حدة مشاكله الاقتصادية، خاصة بعد أن زاد قلقه من تنامى دور منتدى شرق المتوسط وتحويله لمنظومة متعددة الأوجه، ونجاح مصر فى أن تتحول إلى مركز إقليمى للغاز، وتيقن أن سياسة التهديد والوعيد جاءت بنتائج عكسية عليه، وبالتالى أصبح مضطراً لأن يظهر فى الفترة انحناءة خارجية كى لا يضطر لينحنى داخلياً وتجتاحه العواصف التركية.

وبدلاً من أن يحقق أردوغان حلمه باستعادة الإمبراطورية العثمانية، نجده يحاول اليوم أن يتعلق بأى قشة تنقذه من الغرق فى المستنقعين السورى والليبى، حيث لم يعد له أصدقاء ينقذونه من الغرق، بعد أن كثر أعداؤه على الساحتين الإقليمية والدولية، بل والساحة الداخلية أيضاً، والتى فيها ستكون نهايته على يد الجيش التركى الذى لن يقبل بعد ذلك بإهانات أردوغان له، وسيكون انتقامه منه شديداً، بل ونتوقع أن يكون رد فعل الشعب والجيش التركى ضد أردوغان، أشد قسوة من انتقام الشعب والجيش السودانى من الرئيس الإخوانى السابق البشير.