رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نهاية العالم.. ليست غدًا

بين ليلة وضحاها أصبح العالم فى قلب معركة غامضة.. كل أسلحة الدنيا تتحطم فى ساحة القتال بسبب «طرف واحد» مجهول المعالم ينشر الخراب فى كل مكان ويبث الذعر عابر القارات.. لا يعترف بالحدود ولا فوارق اللغة أو الدين.. ليس اختبار «قدرات» بقدر ما هو امتحان «للصبر» على البلاد.

أمم تتهاوى.. وتعلن على الملأ ضعفها أمام «عدو البشرية» كما أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية.

فجأة وبدون مقدمات.. توارت الخلافات السياسية بين الدولة.. وخفت أصوات «النزاعات المسلحة» إلى أقصى درجة.

الآن لا صوت يعلو فوق صوت «عدّاد الضحايا» من مصابين وموتى.. وبصيص أمل يبعثه «المتعافون» الذين لا يعرف سبب لتعافيهم «غير مناعتهم الذاتية».

سباق محموم فى معامل العلماء من كل الجنسيات للوصول إلى «الترياق».

من كانوا حتى وقت قريب يتخذون قرارات بإنهاء حياة الملايين.. يصارعون اليوم من أجل البقاء.. الكل ينتظر.. ما الذى سيأتى به الغد.. أصبحت الأرض خصبة لنمو الخرافات والتوقعات البعض ألصقها بالدين.. فالأمر لن يخلو من بعد يفوق طاقة البشر وحساباتهم العقلانية.. وفى خضم توالى الأحداث.. تبرز سيناريوهات الخلاص: المتشائمون يتحدثون عن نهاية العالم والمتفائلون يرسمون بريشة الحلم نهايات سعيدة.

لكن من المؤكد أن العالم بعد «كورونا» سيكون مختلفاً عن العالم قبل «كورونا».

 

الوباء يغلق «أماكن العبادة» أمام البشر

 

عادة ما نجد أصحاب كل دين من الأديان السماوية متمسكين برأيهم تجاه قضية ما من القضايا، ولكن من المرات القليلة التى نشاهد فيها توحد الأديان حول قضية معينة كان فى تعاملهم مع انتشار فيروس كورونا.

فقد اتفق الإسلام والمسيحية واليهودية على طريقة التعامل مع الأزمة الحالية وتوجيه المواطنين لاتباع تعليمات ونصائح المؤسسات الصحية فى البلاد المختلفة، فضلا عن تنفيذ مجموعة من الإجراءات داخل المساجد والكنائس والمعابد لمنع انتشار المرض.

ففى البلاد العربية شاهدنا إغلاق العديد من الدول للمساجد والكنائس ومنع إقامة صلوات الجمعة والجماعة، وفى البلاد الغربية كان الحال مشابها للدول العربية وأغلقت الكنائس والمعابد اليهودية.

البداية كانت من المملكة العربية السعودية التى قررت إغلاق الحرمين الشريفين فى مكة والمدينة ومنع إقامة الصلوات بهما، تجنباً لانتشار العدوى والإصابة بفيروس كورونا، كما منعت الزائرين والمصلين من الجلوس فى ساحات المسجدين الحرام والنبوى.

وفى مصر قررت وزارة الأوقاف، إيقاف إقامة صلاة الجمعة والجماعات وغلق جميع المساجد وملحقاتها وجميع الزوايا والمصليات والاكتفاء برفع الأذان.

وقالت الوزارة إن القرار يأتى بناء على ما تقتضيه المصلحة الشرعية والوطنية من ضرورة الحفاظ على النفس كونها من أهم المقاصد الضرورية التى ينبغى الحفاظ عليها، وبناء على الرأى العلمى لوزارة الصحة المصرية ومنظمة الصحة العالمية وسائر المنظمات الصحية بمختلف دول العالم التى تؤكد الخطورة الشديدة للتجمعات فى نقل فيروس كورونا المستجد وما يشكله ذلك من خطورة داهمة على حياة البشر.

وكانت هيئة كبار العلماء أصدرت بياناً أجازت فيه شرعاً إيقاف صلوات الجُمَع والجماعات فى البلاد بشكل مؤقت، خوفاً من تفشى الفيروس.

من جانبها، قررت الكنيسة القبطية غلق جميع الكنائس أمام الصلوات والأنشطة، وغلق جميع قاعات العزاء والأديرة، وقالت إنها اتخذت القرار بعدما تبين أن التجمعات تمثل الخطر الأكبر الذى يؤدى إلى سرعة انتشار الفيروس.

كما أعلنت دولة الفاتيكان إغلاق كاتدرائية وساحة القديس بطرس أمام السياح وإلغاء المؤتمرات واللقاءات التى كانت مبرمجة قبيل انتشار الفيروس، فضلا عن إغلاق العديد من المعابد اليهودية أبوابها فى الولايات المتحدة الأمريكية.

كما ألغى اليهود إحياء عيد المساخر «بوريم» الذى يشبه إلى حد كبير احتفالات الكرنفال، ونفس القيود شملت مهرجان «هولي» الهندوسى للألوان الذى ألغى هذا العام لنفس السبب.

على الجانب الآخر، ووسط انتشار الفيروس استغل البعض هذا الأمر دينيا وظهرت تفسيرات تشير إلى أن هذا الفيروس عقاب من الله ودليل على اقتراب نهاية العالم، إلا أن دار الإفتاء ردت على هذه التفسيرات وقالت إن الجزم بأن الوباء عقاب من الله لا يصح، لأن هذا أمر غيبى والذى على الإنسان أن يفعله فى مثل هذه الأزمات عموما أن يرجع إلى الله بالتوبة الصادقة والاستغفار ويكثر من الأعمال الصالحة، فهذا من أسباب رفع البلاء، والله تعالى يقول: «وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ، وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ» سورة يونس 107، وفى الوقت نفسه لا يهمل منطق الأسباب ويؤخذ بها فى الوقاية والعلاج.

وتابعت الدار: النبى صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يوردون ممرض على مصح» رواه البخارى، ويقول: «تداووا عباد الله، فإن الله سبحانه لم يضع داء إلا وضع معه شفاء» رواه ابن ماجة.

فيما قال الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إنه لا يوجد أى ربط بين الدين والإصابة بأى مرض أو باء، واصفا القول بأن الفيروس عقاب من الله، بأنه كلام عار تماما من الصحة.

وأوضح جمعة، أن السبب فى هذا الربط هو صدور بعض الفتاوى من بعض قليلى الثقافة الدينية، كما أن الأمراض الكونية لا ترتبط بالإيمان ولا بالكفر ولا يجوز الشماتة بها والتعبير عن أنها انتقام إلهى خاطئ.

وتابع، «الله لا ينتقم من خلقه وهو أرحم الراحمين وما يرسل الآيات فى كونه إلا تخويفا، فضلا عن الأخذ بالأسباب وحدها لا تعادل قدرة الله فى خلقه، وسبب هلاك الأقوام السابقة أنهم نسوا الله».

وحول ما قيل بأن كورونا يشير إلى اقتراب نهاية العالم، حذرت دار الإفتاء، من انتشار هذه الخرافة الجديدة.

وقالت الإفتاء، إن انتشار نبوءة نهاية العالم خرافة ولا أصل لها ولا يجب أن يساعد المواطنين فى نشرها.

كما ردت دار الإفتاء على ما يتداوله البعض على مواقع التواصل الاجتماعى حول الزعم بأن من يجد شعرة فى المصحف فى سورة البقرة يضعها فى الماء ويشربها فهى شفاء من فيروس كورونا، قائلة: «ننبه على أن هذا الأمر من الخرافات، وعلى كل مواطن أن يتبع التعليمات الصحية الموضحة من وزارة الصحة، وألا يلتفت إلى مثل هذه الخرافات».

 

أزمة اقتصادية عالمية.. وبدء التعافى ٢٠٢1

 

ضرب فيروس كورونا الاقتصاد العالمى فى مقتل، حيث كبد هذا الوباء العالم خسائر بتريليونات الدولارات خلال شهرين فقط، ما جعل العديد من المؤسسات الدولية تتوقع انخفاض معدل النمو العالمى هذا العام بأكثر من 1% وتحذر من مستقبل قاتم للاقتصاد.

وحذر صندوق النقد الدولى، من مستقبل قاتم للاقتصاد العالمى، معتبرا أن الركود الناجم عن جائحة فيروس كورونا يمكن قد يكون أسوأ من الأزمة المالية التى شهدها العالم فى 2008.

وقالت مدير الصندوق، كريستالينا غورغييفا، إن البشرية تكبدت خسائر باهظة حتى الآن من جراء كورونا، وعلى جميع بلدان العالم أن تعمل معا لحماية شعوبها والحد من الضرر الاقتصادى.

وأضافت أن آفاق النمو العالمى بالنسبة لعام 2020 هى على الجانب السلبى، فمن المتوقع على أقل تقدير، حدوث ركود بنفس الدرجة من السوء مثلما كان الحال أثناء الأزمة المالية العالمية فى 2008 أو أسوأ، ولكننا نتوقع التعافى فى عام 2021.

وحذرت مديرة صندوق النقد، من أن العديد من الأسواق الناشئة يمكن أن تتضرر بشدة من جراء الانكماش الاقتصادى، ودعت إلى إجراءات مالية استثنائية وخطوات لتخفيف السياسة النقدية، مشيرة إلى أن الصندوق يخطط لزيادة التمويل الطارئ بشكل كبير، وأنه يقف على أهبة الاستعداد لاستخدام كل الطاقات الإقراضية والبالغة تريليون دولار، مع التركيز بشكل خاص على مساعدة الدول الأكثر فقرا.

ولفتت المديرة إلى أن ما يقرب من 80 دولة طلبت بالفعل مساعدة الصندوق، مضيفة أنه يجرى حاليا العمل على تجديد موارد الصندوق الاتئمانية لاحتواء الكوارث وتخفيف أعباء الديون لمساعدة أفقر البلدان.

وبعد صندوق النقد، قال ديفيد مالباس، رئيس مجموعة البنك الدولى، إن البنك قد يسخر موارد تصل إلى 150 مليار دولار على مدى 15 شهراً لمساعدة الدول النامية على محاربة كورونا والتعافى منه.

ودعا الدول الدائنة إلى السماح للبلدان الأشد فقرا بتعليق جميع مدفوعات الديون الثنائية وهى تحارب الفيروس، مشيرا إلى أن البنك يجهز حاليا مشاريع فى 49 دولة للمساعدة فى محاربة الفيروس بموجب تسهيل ائتمانى سريع المسار.

من جانبه، توقع بنك الاستثمار جولدمان ساكس، انكماش الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى على مستوى العالم حوالى 1% فى 2020.

يأتى ذلك فى ظل تحقيق قطاع السياحة والسفر عالميا خسائر هائلة بشكل يومى، حيث أكدت منظمة السياحة العالمية أن خسائر السياحة حتى الآن تقدر بـ 77 مليار دولار.

وحسب التقديرات من المتوقع أن تصل إلى 180 مليار دولار حتى آخر أبريل، لأن كل الوجهات السياحية تقريبا مغلقة وحركة الطيران مجمدة فى الوقت الراهن.

وعلى الجانب المحلى، فقد شهدت البورصة المصرية خسائر كبيرة فى جلسات متتالية منذ الإعلان عن انتشار كورونا فى البلاد، ما أدى إلى تخصيص الرئيس عبدالفتاح السيسى 20 مليار جنيه لدعم البورصة للتخفيف من أثر انتشار الفيروس على الاقتصاد.

وأعلنت الحكومة عن حزمة إجراءات بهدف حماية الاقتصاد من التداعيات العالمية لتفشى الفيروس بما فى ذلك خفض معدل الفائدة 3% وتقليص أسعار الطاقة للاستخدامات الصناعية وخفض الضرائب على إيرادات الشركات.

وأمر الرئيس السيسى بتخصيص 100 مليار جنيه مصرى لتمويل خطة الدولة الشاملة للتعامل مع المرض.

ومن المتوقع أن يؤثر انتشار الفيروس على قطاع السياحة الذى يسهم بنحو 12% من الناتج المحلى الإجمالى.

ولمواجهة ذلك قرر البنك المركزى، منح المنشآت السياحية قروضا لعامين وفترة سماح 6 أشهر لسداد مرتبات العاملين والتزاماتها تجاه الموردين وأعمال الصيانة.

وكان المركزى خصص فى يناير مبلغ 50 مليار جنيه لتمويل الشركات والمنشآت السياحية التى ترغب فى إحلال وتجديد فنادق الإقامة والفنادق العائمة وأساطيل النقل السياحى بسعر عائد 8% يحسب على أساس متناقص، ومؤخرا قرر إضافة بند لتلك المبادرة بإمكانية منح تسهيلات ائتمانية تسدد على مدة حدها الأقصى عامان، بالإضافة إلى فترة سماح لا تزيد على 6 أشهر تبدأ من تاريخ المنح يتم خلالها رسملة العوائد.

وقال الدكتور شريف الدمرداش الخبير الاقتصادى، إن انتشار فيروس كورونا ضرب المنظومة الاقتصادية بشكل كبير، فمعظم النصائح الموجهة للمواطنين لتجنب الإصابة بالفيروس تنصب فى الجلوس بالمنازل وعدم الخروج إلا للطوارئ.

وأضاف الدمرداش، أنه بذلك تم ضرب المنظومة الاقتصادية المتمثلة فى المنتج والمستهلك وأدوات وشبكات التوزيع، فالمنتج أصبح يجلس فى منزله والمصانع متوقفة، والمستهلك بدأ فى تخزين السلع، وشبكات التوزيع تم ضربها أيضاً.

وأوضح الخبير الاقتصادى أن الحل الوحيد لتعافى الاقتصاد العالمى من الأزمة الحالية هو زوال خطر الفيروس سواء باحتوائه أو باكتشاف علاج له، ومن ثم عودة المواطنين إلى أعمالهم وحياتهم الطبيعية، وبالتالى يعود الإنتاج والتشغيل من جديد، وبدون هذا الأمر لن يتعافى الاقتصاد.

وتابع، «الصناعة الوحيدة الرائجة الأن والمستفيدة من الأزمة هى الصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية وفيما عدا ذلك الكل خسران».

الخبير الاقتصادى، إبراهيم نوار، قال إن العالم حاليا يشهد ركوداً اقتصادياً، ومن المرجح أن النشاط الاقتصادى سيتراجع أيضاً فى الربع الثانى من العام الحالى.

وأضاف نوار أن بعض الدول سينكمش اقتصادها مثل إيران وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وبعضها يواصل التراجع لكن مع معدل نمو موجب هامشيا، مشيرا إلى أن الوضع النهائى للاقتصاد العالمى سيتوقف على مدى قوة الاقتصاد الأمريكى وقدرته على المقاومة.

وأوضح الخبير الاقتصادى، أن الصين خرجت من عنق الزجاجة فعلا، ومن المرشح أن يستأنف اقتصادها النمو اعتبارا من الشهر المقبل، لافتا إلى أن التقديرات الآن كلها مبنية على توقع انحسار الوباء بنهاية الربع الثانى من العام، ومعظم التوقعات تشير إلى أن معدل النمو هذا العام سيكون أقل من 1%.

وتابع، «من الصعب جداً عمل تقديرات دقيقة الآن، لكن بعض الدول سينكمش اقتصادها والأخرى سينمو هامشيا»، موضحاً أن الدول النفطية ستعانى بشدة هذا العام ما لم يتم التوصل لاتفاق بين الدول المنتجة الأعضاء وغير الأعضاء فى أوبك، لأن الخسارة فى إيرادات تصدير النفط منذ بداية يناير حتى الآن تتجاوز 60%».

من ناحية أخرى يعد فيروس «كورونا» من أهم التحديات التى تواجه اقتصاديات أكبر الدول وعلى سبيل المثال احتل الولايات المتحدة الأمريكية مكانة كبرى بين الدول التى تأثر اقتصادها بالفيروس الغامض ووفقًا لتقرير نشرته جريدة «الواشنطن بوست».. فأن 70٪ من العمالة توقفت عن العمل فى مدن كبرى مثل بوسطن ونيويورك كما سجل قطاع الخدمات انخفاضًا كبيرًا مما يعكس حالة انكماش اقتصادى غير مسبوق وتقدم 3٫3 مليون أمريكى بطلبات حصول على اعانة وهو الرقم الأكبر لسلطات الاعانة فى أمريكا.

ومثل أمريكا دول كبرى أخرى لم يتحمل اقتصادها فيروس «كورونا».

 

 البشر ينتصرون فى معارك الفيروسات

 

«كورونا» حلقة جديدة من المعركة بين البشر والفيروسات وهى معركة مستمرة بين البشر والفيروسات الموجودة على هذا الكوكب منذ ما يقرب 4 مليارات سنة، وأودت بحياة عدد لا يحصى من البشر فمنذ قديم الازل والبشر يصابون بالهلع حين تنتشر اخبار عن امراض أو أوبئة جديدة وفى القرون الماضية كانت حالات الوفاة المرضية مجهولة السبب، مما زاد من حالة الهلع منها، وقد أدى ذلك إلى العمل على تطوير الطب وتحسين الصحة العامة. لكن الفيروسات طورت هى ايضا من نفسها واكتسبت مقاومة للأدوية وهنا لجأ الانسان الى تعزيز أدويته ولكن الفيروسات بدورها أصبحت، أكثر ضراوة كذلك. وأصبح من الممكن أن تظهر سلالات جديدة من الفيروسات كرد فعل على تطوير اللقاحات والأدوية.

سؤال يدور فى اذهان الكثيرين: إلى متى يستمر سباق التسليح بين البشر والفيروسات ومن ينتصر فى النهاية.

ويسجل التاريخ ظهور الكثير من الفيروسات التى سببت أمراضا خطيرة للإنسان، منذ اكتشافها عام 1898، ومنها «فيروس الجدرى» الذى دمر العديد من المجتمعات على مر التاريخ وفيروس شلل الأطفال، ومنها أيضا حديثا فيروسات الإيبولا، الإيدز، إنفلونزا الطيور والسارس، وأخيرا كورونا وتعتمد سرعة انتقال العدوى الفيروسية على عوامل تشمل كثافة السكان،

عدد الأفراد المعرضين للإصابة ونوعية الرعاية الصحية والطقس.. وعندما ظهر فيروس كورونا البالغ حجمه حوالى 100 نانومتر غير مهمة لم يشغل حيز من اهتمام العلماء ولكن فى غضون ستين عام فقط، تطور فيروس كورونا بذكاء من خلال التعديلات الجينية المستمرة التى مر بها» العجيب ان الفيروسات التى دائما تبحث عن الفتك بالبشر اتخذت من أجسام البشر موطناً فى ظل توافر درجة حرارة ثابتة ومغذيات وفيرة!

هناك ايضا على الجانب الاخر سلاح يمتلكه البشر فى مواجهة الاوبئة وهو «المناعة الطبيعية» فى الجسم، ونظامها الذى يضم الخلايا وغيرها من الآليات التى تدافع عن الإنسان ضد العدوى بطريقة غير محددة، هو خط دفاع الجسم الأول ضد الفيروسات، وهذا يعنى أن خلايا نظام المناعة الطبيعية تتعرف وتستجيب لمسببات الأمراض بصورة عامة، فإذا كانت ضعيفة تكون غير قادرة على منح وقاية أو مناعة طويلة الأمد وهى بطبيعتها يمكنها مقاومة كورونا بعد فترة وتكتب قوة فى مواجهته

وفيما لا يكون للمضادات الحيوية أى تأثير على الفيروسات، فإنه يتم تطوير أدوية مضادة للفيروسات، كما يمثل التطعيم باللقاحات الوسيلة الرخيصة والفعالة للوقاية من عدوى الفيروسات، حيث تم استخدام اللقاحات لمنع العدوى الفيروسية قبل وقت طويل من اكتشاف الفيروسات، وأدى استخدامها إلى انخفاض كبير فى معدلات والوفيات المرتبطة بالعدوى الفيروسية مثل شلل الأطفال والحصبة والنكاف والحصبة الألمانية.

وتاريخيا كان الطاعون «الموت الأسود» أخطر كارثة واجهتها البشرية فى القرن الرابع عشر، وأكثر الأوبئة فتكاً وقدرة على الانتقال والانتشار، إذ انتقل بسرعة من الصين عام 1331، إلى الهند وآسيا الوسطى حتى اجتاح أوروبا وشمال أفريقيا وظهر الطاعون.

الجدرى أيضا من أكثر الأوبئة التى حصدت أرواح البشر على مر التاريخ. يُعتقد أنه ظهر أول مرة كان فى مصر قبل نحو 3 آلاف عام وتفشى فى أماكن متفرقة فى مختلف أرجاء العالم وفى حقب زمنية مختلفة، وحصد نحو 300 مليون إلى 500 مليون شخص أدخله الأوروبيون إلى الأمريكتين فى القرن الخامس عشر وتسبب فى مقتل غالبية السكان الأصليين بالمكسيك تذكر بعض المصادر التاريخية أن أول طريقة لعلاج الجدرى اكتشفت فى الصين قبل نحو ألف عام

محمد حسن خليل مدير مركز الحق فى الصحة قال: إن فيروس كورونا جاء على ثلاث مراحل الأولى سارس وانتشر بالصين عام 2003 ثم جاء عام 2012 بالسعودية باسم متلازمه الشرق الاوسط التنفسية ثم عام 2019 ظهر فيروس كورونا كوفيد 19 وهذا يؤكد قدرة الفيروس على الطفرات ولا توجد فترة محددة لانتشار الفيروس وانما يظهر بسبب قوة عدوانيته للبشر ولكن المعركة بين البشر والفيروسات فالإنسان هو المنتصر فوباء كالجدرى قضى على نصف العالم ومع ذلك انتصر الانسان فى النهاية.

ويكمل «خليل» قائلاً لقاح الجدرى المكتشف اخر القرن الثامن عشر والذى ادخله محمد على الى مصر فكان قبل تلك الفترة 60% من وفيات الاطفال بسبب الجدرى اما الموجه الثانية من الامصال كانت فى اواخر القرن التاسع عشر واكتشاف تطعيمات ضد الدوسنتاريا والحصبة وهنا نذكر ان التطعيم الاجبار حمى الناس من الفيروسات اما تطعيم شلل الاطفال المكتشف عام  1953 فكان انتصاراً كبيراً وجاء الإيدز فكان كارثة كبيرة ورغم عدم وجود للعلاج ولكن هناك لقاح لوقف نمو الفيروس فدولة مثل جنوب افريقيا بعد استخدام الادوية قلت اعداد الوفاة بالمرض فهناك دائما مقاومة وحلول والدليل على الانتصارات هو معدل اعمار البشر الذى تزايد حتى وصل متوسط العمر 64 عاما على عكس القرون الماضية والتى كان متوسط العمر 30 عاماً، فأبطال العصر الان هم الاطباء والعلماء.

واشار خليل الى انه لا يمكن التنبؤ بتطور الفيروسات لانه عدو مجهول ولا يمكن ان تتوقع نوع التحور الذى سيحدث له فلا يوجد سلاح ضد المجهول ولكن البشرية مستمرة برغم ارتفاع الاصابات فمعدلات الشفاء كبيرة ومع الوقت ستكتسب مناعة ضد الفيروس.

 

هدنة «إجبارية» من الصراعات المسلحة

 

النزاعات المسلحة والقوى النووية الرادعة ظلت حاكمة طوال السنوات الماضية حتى ظهر عدو جديد على الساحة غير مرئى أربك حسابات جميع الدول، عدو لم يكن ضمن حسابات اكبر المؤسسات الدولية اسمه «كوفيد 19» او كورنا المستجد وبسبب ما سببه من تهديدات للبشرية خرج الامين العام للامم المتحدة انطونيو جوتيريش بتدوينه على حسابه الشخصى يدعو دول العالم الى وقف اطلاق النار فورا ووضع حد للصراع المسلح والتركيز على الكفاح الحقيقى ضد الاوبئة وانهاء مرض الحرب والاهتمام بالمرض الذى يدمر عالمنا.. الهوس العالمى بالحروب والتسليح وصرف مليارات الدولارات من اجل الاسلحة وضع امام اعين المسئولين فى دول العالم ان فيروس كورونا اقوى من كل اسلحتهم.

تواجه الدول تحدياً كبيراً فى الوقت الحالى بعد تفشى وباء كورونا حيث اصبح لزاما عليها ان تهتم بالتهديد الوبائى سواء فى اوقات الحرب والسلم ايضا والسؤال الاكثر اهمية كيف تقاتل الجيوش او حتى تستوطن دولاً فى ظل انتشار الاوبئة.

مليارات الدولارات تنفق سنويا على التسلح وأجهزة الأمن المتعددة، وقد تضاعف الإنفاق على الأسلحة بشكل جنونى فى السنوات الأخيرة، وكل ذلك لا قيمة له فى وجه فيروس دقيق اسمه الكورونا المستجد، الذى لا يفرق بين إنسان فقير أو ثرى.

خلال الحرب العالمية الثانية، واجهت الولايات المتحدة الامريكية حالات مشابهة للسيناريو الحالى فكان تفشى التيفود خلال الحرب واسع النطاق ومدمراً خلال سنوات حملة شمال إفريقيا العسكرية الأمريكية، كانت هناك أكثر من 214 الف حالة من حالات التيفود فى البلدان التى حدثت فيها الحملة منها مصر بين عامى 1942و 1943 كان هناك أكثر من 72 ألف حالة شكلت خسائر بين قوات الجيش والمدنيين تحدياً كبيراً للجيش الأمريكى فكان خطر التيفود كبير لدرجة أن الرئيس فرانكلين روزفلت أنشأ لجنة التيفود التابعة للولايات المتحدة الأمريكية فى ديسمبر 1942 للسيطرة على تفشى المرض.

لم يكن مرض التيفود هو المرض الوحيد الذى تسبب فى تحديات كبيرة خلال الحرب العالمية الثانية للجيش الأمريكى فقد كانت هناك 90 ألف حالة إصابة بحمى الضنك و470 ألف حالة إصابة بالملاريا. خلال معركة «جوادالكانال» البحرية حيث عطلت الأمراض الاستوائية حوالى ثلثى الفرقة البحرية الأولى مما دعا الى قرار سحب الفرقة.

تشير الدلائل التاريخية إلى أن أمراضاً مثل حمى كيو أو المعروف بحمى الماعز والسل تسببت فى مشاكل فى العراق وأفغانستان. ومع ذلك، كان يتم عزل الجنود المرضى ومعالجتهم واستبدالهم دون تأثير كبير على المجهود الحربيالا ان الخطورة تكمن فى أنه اذا كان الجنود انفسهم مصابين بالمرض مما يمثل تهديد على المدنيين داخل الدولة.

الفيروس اظهر ضعف النظام الصحى فى أقوى دول العالم، وكشفت الأرقام الدولية أن الإنفاق العالمى على الصحة لا يتجاوز 40 دولاراً للفرد فى العام فى البلدان الفقيرة، وحوالى 1000 دولار فى أغنى بلدان العالم مثل الولايات المتحدة الامريكية وما كشفه الفيروس أيضا أن الإنفاق على الصحة ليس معيارا كافيا، فرغم ان الولايات المتحدة تنفق 17% من دخلها القومى على الصحة، فإن نسبة من لديهم تأمين صحى شامل فيها لا يتجاوز 30%، لأن معظم الإنفاق يذهب لجيوب شركات التأمين، وليس للمواطنين وصحتهم، ولا للصحة الوقائية أو الأولية، ولأن أسعار الخدمات العلاجية التى تفرضها الشركات خيالية. ولهذا تذهب مليارات الدولارات لشركات التأمين، والأدوية، وكلها لم تستطع، حتى الآن اكتشاف لقاح واقى من هذا الفيروس الدقيق والخطير.

سؤال طرحه العديد من الخبراء حول العالم هل التسليح ضرورة ملحة خاصة فى ظل انتشار فيروس كورونا وتهديده للعديد من الدول بعد ان تجاوز اعداد المصابين حول العالم الى 600 الف مصاب اجابة السؤال كانت لدى دولة الهند بعد ان انتقد نشطاء وجماعات حقوقية تعامل رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى مع أزمة الفيروس التاجى بعد أن تبين أن حكومته قررت المضى قدما فى صفقة أسلحة مع إسرائيل بقيمة مئات الملايين من الدولارات.وبحسب بيان صادر عن الحكومة الهندية، ستزود إسرائيل الجيش الهندى بـ16٫479 رشاشًا خفيفًا وعلى الرغم من المخاوف المتزايدة بشأن حالة الطوارئ الصحية التى تواجه البلاد التى يبلغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة. تمت الصفقة، التى تبلغ قيمتها 116 مليون دولار، مع استمرار الأطباء فى الخطوط الأمامية فى الهند فى الشكوى من نقص الأقنعة ومعدات الحماية.

اللواء فؤاد علام، الخبير الأمنى، يرى ان التاريخ يؤكد ان بعد الحروب العالمية او انتشار الاوبئة يحدث تغيير جذرى فى دول العالم فبعد الحرب العالمية الاولى ظهرت عصبة الامم المتحدة وبعد الحرب العالمية الثانية تكونت منظة الامم المتحدة وعليه هناك بوادر ان الاتحاد الاوروبى سيتحلل فهناك موقف دولى من شعوب العالم نحو اسلوب ادارة الدول بعد ظهور الوباء ومن اخطرها أزمة اقتصادية كارثية ستسبب حركة ركود وسيلعب البترول دوراً هاماً فى المرحلة القادمة وبالتالى سيحدث تراجع كبير فى الاسعار وسيتم الغاء الفوائد بالبنوك وسيكون هناك محاسابات لحكام الدول العظمى بسبب تلك الازمة.

ويكمل الخبير الأمنى أن ظهور الوباء فى تلك الفترة كشف الكثير من العيوب والازمات التى تعانى منها تلك الدول الكبيرة.