رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لما الشتا يدق البيبان

بوابة الوفد الإلكترونية

«التضامن» تخصص خطين ساخنين لإنقاذ مَن لا مأوى لهم.. وجمعيات أهلية تفتح أبوابها لإنقاذهم

صاحب دار «معاً لإنقاذ إنسان»: نوفر المأكل والمشرب والملبس لجميع نزلاء الدار.. وحكاية «فريدة» الأغرب فى حياتى

أحد شباب رعاية المشردين: أتعرض للضرب أحياناً.. وأتعامل مع الجميع كما لو كان أبى أو أخى

المركز القومى للبحوث الاجتماعية: 15 ألف متسول فى القاهرة و9 آلاف فى الإسكندرية و7 آلاف فى الجيزة.. و35٪ منهم أطفال

 

الشتوية على الأبواب، وأقسى ما فى الشتاء لياليه الطويلة شديدة البرد، التى تنهش أجساد من يكون الرصيف مأواهم، والشارع مآلهم الوحيد..

ومن أجل هؤلاء تكثف وزارة التضامن والجمعيات الأهلية جهودها لمد يد العون للمشردين، فتوفر أماكن آدمية لإقامتهم تستضيفهم فيها ويبقى السؤال: كيف يقضى هؤلاء يومهم داخل دور رعاية المشردين؟

«الوفد» قضت ساعات فى إحدى هذه الدور ورصدت بالصوت والصورة كيف تغيرت حياة هؤلاء ورغم هذا التغيير لم تفارق مرارة الأيام حلوقهم.

طبقًا لآخر الدراسات التى أجريت فى المركز القومى للبحوث الاجتماعية، فإن هناك نحو مليون متسول ومشرد فى مصر، 35% منهم من الأطفال، فى القاهرة وحدها يوجد 15 ألف متسول، وحوالى 9 آلاف مشرد فى الإسكندرية، و7 آلاف مشرد فى محافظة الجيزة، كما تتراوح أعداد المشردين فى باقى المحافظات بين 3 و5 آلاف متسول.

مساعٍ عديدة قامت بها وزارة التضامن بتوجيهات الوزيرة غادة والى، لإنقاذ المشردين من خلال تشكيل فرق عمل مشتركة بين التدخل السريع وفرق مشروع أطفال بلا مأوى بتقديم العون والمساعدة للمشردين ومن فقدوا المأوى من الكبار والأطفال وتوفير أماكن مناسبة لهم للإقامة فى دور الرعاية.

وأهابت وزارة التضامن الاجتماعى بالمواطنين الإبلاغ عن تواجد أطفال بلا مأوى أو مسنين أو فتيات بلا مأوى من خلال الاتصال بالخط الساخن للوزارة (16439) و(16528) أو من خلال الشكاوى المباشرة من المواطنين على التليفون الخاص بالفريق 01095368111.

وفى السنوات الأخيرة أعلنت عدة جهات مجتمع مدنى مد يد العون للمشردين، وتوفير حياة كريمة لهم، والبحث عن ذويهم إن وجدوا، إحدى هذه الجمعيات هى دار «معاً لإنقاذ إنسان» لرعاية المشردين.. «الوفد» قضت عدة ساعات داخل الدار لرصد أحوال نزلائها.

 

صدفة

كنت أتجول فى شارع رمسيس لقضاء بعض الحاجات، فوجدت أحد المتسولين ملقى على أحد الأرصفة، اقتربت منه شيئًا فشيئًا فوجدته رجلًا مسنًا يقترب من الخمسين عامًا فقررت مساعدته والسعى فى هذا المجال لإنقاذ مئات المتسولين، ومن هنا جاءت فكرة «معاً لإنقاذ إنسان» هكذا يتذكر المهندس محمود وحيد عبدالحميد.. اللحظة التى اتخذ فيها قرار إنشاء مؤسسة لإنقاذ أبناء الشوارع.

وتقوم فكرة المؤسسة على رعاية المتسولين فى الشوارع ولم شملهم داخل الدار التى أنشئت خصيصًا لهم بمنطقة الدقى بالجيزة وتقديم الخدمات من مأكل وملبس ومشرب، ومع مرور السنين عادت بعض الحالات إلى أسرهم.. وكل واحد من هؤلاء له حكاية أكثر تشويقا وإثارة من كل المسلسلات الرمضانية فبعضهم حصل على مؤهلات عليا ولكن هناك أسبابًا دفعتهم للتسول والنوم على الأرصفة والبعض انتهى به الحال بالإصابة بالزهايمر.

وبحسب ما أكده المهندس عبدالحميد، فإن المؤسسة تضم 92 موظفًا موزعين على 3 فروع بالدقى والهرم وسقارة، وداخل الدار بالدقى 16 موظفًا بمن فيهم المتخصصون فى شئون التمريض وعلم النفس.

وحول أغرب حالة تعامل معها المهندس من المتسولين، تذكر سيدة تدعى «فريدة» التى لقبت بأشهر متسولة فى المحروسة، بلغت من العمر 56 عامًا، فكلما كان يذهب إليها ترفض عرضه بالمعيشة داخل الدار على أمل أن تلتقى بنجلتها الوحيدة، ولأنها كانت تعانى من الزهايمر، فلم تتذكر شيئًا، إلا أنها كانت متزوجة وأنجبت طفلة وبعد انفصالها حرمها زوجها من ابنتها وهرب ولم تعلم عنهم شيئًا مما جعلها تتجول فى الشوارع لسنوات طويلة بحثًا عنها ومع تعرضها لأزمات نفسية أصيبت بالزهايمر.

ومع مرور السنوات وافقت «فريدة» على المعيشة داخل الدار وعلى الفور أعلن العاملون بالمؤسسة عن صورتها عبر صفحات التواصل الاجتماعى حتى توصلوا إلى نجلتها التى أصبحت جدة، وجاءت لاسترجاعها.

وحول عدد الحالات المتواجدة حاليًا داخل الدار قال يوجد ما يقرب من 70 حالة على مستوى الفروع منهم 30 فى فرع الدقى وحده. أما الحكمة التى انتهى إليها بعد رصد حالات المتسولين الذين استضافتهم الدار فقال: الدنيا لا تدوم لأحد.

وحول مصدر تمويل الدار قال المهندس محمود إنه يعتمد على التبرعات الخيرية التى زادت فى الفترة الأخيرة بعدما اكتسبت المؤسسة شهرة كبيرة وبلغ حجم التبرعات التى تلقاها منذ ميلاد المؤسسة قبل عامين حتى الآن 450 ألف جنيه.

 

رسالة

محمد عبدالقوى البطاخ، شاب وهب نفسه لإنقاذ المشردين دون مأوى، وفى سبيل ذلك لا يبالى لما يتعرض له من مشقة تصل أحياناً إلى الضرب، «البطاخ» شاب فى العقد الثانى من عمره، حصل على معهد تمريض، وفور تخرجه عمل فى مستشفى حتى سنحت له الفرصة للعمل داخل دار رعاية المشردين «معا لإنقاذ إنسان» فى منطقة الدقى، وحاول الشاب التكيف مع طبيعة العمل داخل الدار خاصة أن النزلاء يحتاجون لمعاملة خاصة.

«ممكن فى يوم من الأيام المشرد ده يكون أخوك أو أبوك».. استهل الشاب حديثه بهذه الجملة مؤكدًا أنه وهب نفسه لرعاية المشردين، وخبرة التعامل معهم تأتى بالممارسة والصبر، مشيرا إلى أنه كثيرًا ما تعرض للضرب والإهانة اللفظية منهم دون الرد عليهم.

عدة محظورات تلقاها الشاب فور دخوله الدار أهمها عدم التعرض للحالات حتى لا يتعرضون للأذى، وممنوع تصويرهم حتى لا تستخدم ضدهم بطريقة غير أخلاقية على «السوشيال ميديا»، ممنوع تصوير الزائر للحالات داخل الدار، عدم ضرب أى

حالة من حالات الدار حتى إن تعرض هو للضرب.

«إحنا بناخد احتياطاتنا لما بنطلع نجيب متشرد من بره».. يكمل «البطاخ» حديثه، ويقول إن هناك عدة احتياطات لابد من الأخذ بها حال الخروج للتعامل مع المشردين فى الخارج، كما لا نستغنى عن بعض الأدوات المصاحبة لنا مثل الجاونت، غيار طبى، كحول، ملابس خارجية «جلباب»، ملاية، كمامة.

تلك الأدوات التى تحميهم بعض الشىء من إصابتهم بعدوى أو أى أمراض جلدية من المتشرد حال تعاملهم مع المشردين، ويحاولون بكافة الطرق إقناعه عن طريق الإخصائى الاجتماعى، بترك الشارع والتوجه معهم للإقامة داخل الدار فإذا اقتنع يبدأ فحصه من خلال أخصائى التمريض ويحمله معنا السائق على الملاية حال إصابته بعجز عن السير ونضعه داخل السيارة وفور أن يتم توصيله إلى الدار يتم فحصه طبيا وتسكينه.

«طبعا فى الشارع تعرضنا كثيرًا للضرب من حالات عدوانية».. يكمل الشاب حديثه، وقال إن عدداً كبيراً من الحالات يكونون فى حماية أهالى المنطقة فور الحديث معهم أو التقرب منهم يلتف حولنا العشرات من الأهالى خوفاً من أن نكون جهة من الجهات غير المشروعة المتخصصة فى تجارة الأعضاء البشرية.

أما عن داخل الدار، فهناك بعض الاحتياطات الطبية لا بد من الأخذ بها مثل الكشف الطبى لكل العاملين فى الدار أسبوعياً للكشف المبكر عن أى إصابة، كما هو الحال لكل المشردين المقيمين داخل الدار.

أما عن وسائل الترفيه فيوجد بعض الألعاب مثل الدومينو إضافة إلى التليفزيون، مع تنظيم عدد من الرحلات الخارجية تحت رعاية إحدى الجمعيات الخيرية الشهيرة.

 

أهلى طردونى

تركت سنوات عمره الـ80 أثرها على وجهه الملىء بالتجاعيد، جسد نحيل وعيون دامعة على ماضيه المرير، طرده والده وإخوته فصارع أهوال الحياة منذ أن كان على أعتاب مرحلة الشباب، وظل على هذا الحال حتى وصل عامه إلى الثمانين.. اسمه محمد المهدى، أو كما يلقبه نزلاء الدار «الشيخ المهدى».

عمل «المهدى» فى النقاشة والحدادة والنجارة حتى التقى بالشيخ محمد متولى الشعراوى الذى كان سر هدايته، وبعد فترة انضم للطرق الصوفية، فذهب كثيرًا إلى الموالد واستمع للذكر وتلاوة القرآن، حتى أصبح معروفاً بالشيخ المهدى.

ومع بلوغه سن الـ70 عامًا أصيب بالعديد من الأمراض منها السكر والضغط، فأصبح العيش بمفرده صعباً للغاية، واقترح عليه بعض أصدقائه الانتقال للعيش فى دار «معا لإنقاذ إنسان»، والتقى بالعاملين فيها ووجد غيره العشرات يقيمون فى جو أسرى.

«هعيش هنا إزاي؟».. سؤال طرحه «المهدى» على نفسه، وفى أول أيامه داخل الدار شعر بالأنس مع العاملين وحكى لهم كل تفاصيل حياته وعلى المعيشة داخل الدار وبيع شقته الوحيدة التى كانت معه قبل دخوله الدار.

 

أولادى باعونى

رجب محمد محمد، يبلغ من العمر 60 عاماً، يقيم فى دار «معا لإنقاذ إنسان» منذ عدة أعوام، تعود قصته حينما توفيت زوجته فوجئ بعدها بنفور أبنائه منه، وبمرارة يقول: «والله ما كنت باستخسر فيهم حاجة وكنت بحبهم أكتر من نفسى».

وبعد تهرب أبنائه منه شعر رجب بوحدة شديدة، وحاول التقرب من إخوته الأربعة ليشعر بالونس معهم، ولكن سرعان ما توفوا واحدا تلو الآخر، وأصبح وحيداً مرة أخرى.

يوم «محمد» داخل الدار يبدأ من الساعة الثامنة صباحاً يتناول وجبة الإفطار (فول وبيض وجبنة) ثم يتسامر مع أصدقائه فى الدار وبعدها يشاهد التلفاز حتى يأتى ميعاد الغداء المكون من اللحوم والخضار، وذلك بشكل أساسى يومياً مع اختلاف نوع اللحوم والخضار.

يصمت الرجل الستينى قليلاً ثم تدمع عيناه، وقال: «بتصعب عليا نفسى أوى لما يبقى عيالى عايشين وناسيين أبوهم بالشكل ده»، يشير «محمد» إلى أن أبناءه منذ تشرده لسنوات طويلة، لم يتذكروه سوى مرة واحدة فقط وبعدها انقطعت زيارتهم إليه.